المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 05-10-2011, 12:52 PM   #136
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 136

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون "136")
هذه الآية الكريمة تعطينا تفسيرا لقوله تعالى: "ملة إبراهيم" .. إيمان بالله وحده لا شريك له .. إيمان بما أنزل إلينا وهو القرآن وما أنزل لإبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى أي التوراة وما أوتي عيسى أي الإنجيل وما أوتي النبيون بالإجمال .. فالبلاغ الصحيح عن الله منذ عهد آدم حتى الآن هو وحدة العقيدة بأنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. ووحدة الكون بأن الله هو الخالق وهو المدبر وكل شيء يخرج عن الألوهية لله الواحد الأحد .. وأن كل شيء يخرج عن ذلك يكون من تحريف الديانات السابقة هو افتراء على الله سبحانه لا نقبله.
وقوله تعالى: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا" وهو القرآن الكريم. ولا يمكن أن يعطف عليه ما يصطدم معه .. ولذلك فإن ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط هذه ملة إبراهيم .. وهذا يؤكد لنا أن ملة إبراهيم .. وهذا يؤكد لنا أن ملة إبراهيم من وحي الله إليه .. والرسالات كلها كما قلنا تدعو لعبادة الله الواحد الأحد الذي لا شريك له.
وقوله تعالى: "ونحن له مسلمون" .. أي أن إبراهيم كان مسلما وكل الأنبياء كانوا مسلمين وكل ما يخالف ذلك من صنع البشر .. ومعنى الإسلام أن هناك مسلما ومسلما إليه هو الله عز وجل. ونحن نسلم له في العبودية ـ سبحانه ـ وفي اتباع منهجه .. والإنسان لا يسلم وجهه إلا لمن هو أقدر منه وأعلم منه وأقوى منه ولمن لا هوى له .. فإن تشككت في أحد العناصر فإسلامك ليس حقيقة وإنما تخيل وأنت لا تسلم زمامك لله سبحانه وتعالى إلا وأنت متأكد أن قدراته سبحانه فوق قدرات المخلوقين جميعا، وأنه سبحانه غني عن العالمين، ولذلك فإنه غير محتاج إلي ما في يدك بل هو يعطيك جل جلاله من الخير والنعم ولا يوجد إلا الوجود الأعلى لتسلم وجهك له.


 

قديم 05-10-2011, 12:52 PM   #137
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 137

(فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاقٍ فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "137")
نقول إن السؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة لهذه الآية .. هل لما آمنا به مثل حتى يؤمنوا به؟ إنك لكي تؤمن لابد أن تقول لا إله إلا الله محمد رسول الله .. فهل إذا قالها أحد بعدك يكون قال ما قلته أم مثل ما قلته؟ يكون قال مثل ما قلت. أي إنني حين أعلن إيماني وآخذ الشهادة التي قلتها أنت أكون قد قلت مثلها لأن ما نطقت به لا يفارقك أنت .. ولكني إذا صنعت شيئا وقلت لغيري اصنع مثله، هو سيصنع شيئا جديدا ولن يصنع ما صنعته أنا. الشيء نفسه حين تقول لي: تصدق بمثل ما تصدق به فلان. لن تكون الصدقة هي المال نفسه بل تكون مثله. نقول لمن يردد هذا الكلام: إنك لم تفهم المعنى إيمانهم أن يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله وإيمان غيرهم أن يقولوا مثل هذه العبارة أي أن يعلنوا إيمانهم مثلنا بالله ورسوله .. فالمثل هنا يرتبط بالشهادة وكل من آمن بالإسلام نطق بالشهادتين مثل من سبقوه في الإيمان. فالمثلية هنا في العبارة وإيمانهم هو أن يقولوا مثل ما قلنا.
يقول الحق تبارك وتعالى: "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" أي اهتدوا إلي الحق .. "وإن تولوا فإنما هم في شقاق" وتولوا يعني أعرضوا، وشقاق يعني خلافا معكم وخلافا مع بعضهم البعض؛ فلكل منهم وجهة نظر يدعيها، وهداية اخترعها .. حتى إذا التقوا في الكفر فلن يلتقوا في أسباب الكفر كل واحد اتخذ سببا ولذلك اختلفوا .. والشقاق من المشقة والنزاع والمشاجرة، والشق هو الفرقة بين شيئين. وقوله تعالى: "فسيكفيكهم الله" أي لا تلتفت إلي معاركهم ولا إلي حوارهم فالله يكفيك بكل الوسائل عمن سواه واقرأ قوله سبحانه:

{أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ "36"}
(سورة الزمر)


الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا حاول اليهود والنصارى والمنافقون أن يكيدوا لك ويؤذوك والمؤمنين، فالله سبحانه وتعالى يكفيك لأنه عليم سميع بصير لا يخفي عليه شيء .. ولقد حاول اليهود قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم اكثر من مرة وحاولوا إيذاءه بالسحر فأبطل الله كيدهم وأظهر ما خفي منه وأطلع رسوله عليه .. فمهما استخدموا من وسائل ظاهرة أو خفية فسيكفيك الله شرها ولذلك قال تعالى: "فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم" .. أي سميع بما يقال، عليم بما يدبرونه. بل يعلم ما في صدورهم قبل أن ينطقوا به .. فلا تعتقد أن شيئا يفوت على الله سبحانه أو يفلت منه. إن كل حركة قبل أن تحدث يعلمها سبحانه، وكل كيد قبل أن يتم هو محبطه. فإذا كان الله سبحانه وتعالى معك فماذا تخشى؟ وممن تخاف؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يصل إليك؟. وأنت معك عليم بكل ما سيحدث حتى يوم القيامة وبعد يوم القيامة .. ومادام معك القوي الذي لا يضعف أبدا والحي الذي لا يموت أبدا والعليم بكل شيء فلا تخشى أحد لأنك في أمان الله سبحانه.


 

قديم 05-10-2011, 12:53 PM   #138
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 138

(صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن عابدون"138")
ما هي الصبغة؟ الصبغة هي إدخال لون على شيء بحيث يغيره بلون آخر .. تصبغ الشيء أحمر أو أزرق أو أي لون تختاره. والصبغ ينفذ في المصبوغ خاصة إذا كان المصبوغ له شعيرات مسام كالقطن أو الصوف .. ولذلك فإن الألياف الصناعية لا يمكن أن تصبغ لماذا؟ لأن شعرة القطن أو الصوف أشبه بالأنبوبة في تركيبها. وإذا جئنا بقنديل من الزيت ووضعنا فيه فتيلا من القطن بحيث يكون رأس الفتيل في الزيت ثم تشغله من أعلاه نجد أن الزيت يسري في الأنابيب ويشعل الفتيل .. فإذا جربنا هذا في الألياف الصناعية فلا يمكن أن يسري فيها الزيت وإنما النار تأكل الألياف لأنه ليس فيها أنابيب شعرية كالقطن والصوف .. ولذلك تجد الألياف الصناعية سهلة في الغسيل لأن العرق لا يدخل في مسامها بينما الملابس القطنية تحتاج لجهد كبير لأن مسامها مشبعة بالعرق والتراب.
إذن الصبغة لابد أن تتدخل مادتها من مسام القماش .. أما الطلاء فهو مختلف. إنه طبقة خارجية تستطيع أن تزيلها .. ولذلك فإن الذين يفتون في طلاء الأظافر بالنسبة للسيدات ويقولون إنه مثل الحناء نقول لهم لا .. الحناء صبغة تتخلل المادة الحية وتبقى حتى يذهب الجلد بها أي لا تستطيع أن تزيلها عندما تريد .. ولكن الطلاء يمكن أن تزيله في أي وقت ولو بعد إتمامه بلحظات .. إذن فطلاء الأظافر ليس صبغة. قوله سبحانه: "فكأن الإيمان بالله وملة إبراهيم وما أنزل الله على رسله هي الصبغة الإلهية التي تتغلغل في الجسد البشري .. ولماذا كلمة صبغة؟ حتى نعرف أن الإيمان يتخلل جسدك كله .. إنه ليس صبغة من خارج جسمك ولكنها صبغة جعلها الله في خلايا القلب موجودة فيه ساعة الخلق .. ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فكأن الإيمان صبغة موجودة بالفطرة .. إنها صبغة الله .. فإن كان أبواه مسلمين ظل على الفطرة. وإن كان أبواه من اليهود أو النصارى يهودانه أو ينصرانه أي يأخذانه ويضعانه في ماء ويقولون صبغناه بماء المعمودية .. هذا هو معنى صبغة الله. ويريد الحق سبحانه أن يبين لنا ذلك بأن يجعل من آيات قدرته اختلاف ألواننا .. هذا الاختلاف في اللون من صبغة الله .. اختلاف ألوان البشر ليس طلاء وإنما في ذات التكوين .. فيكون هذا أبيض وهذا أسمر وهذا أصفر وهذا أحمر، هذه هي صبغة الله .. وما يفعلونه من تعميد للطفل لا يعطي صبغة. لأن الإيمان والدين لا يأتي من خارج الإنسان وإنما يأتي من داخله .. ولذلك فإن الإيمان يهز كل أعضاء الجسد البشري. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى:

{الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلي ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ "23"}
(سورة الزمر)


هذا هو التأثير الذي يضعه الله في القلوب .. أمر داخلي وليس خارجيا .. أما إيمان غير المسلمين فهو طلاء خارجي وليس صبغة لأنهم تركوا صبغة الله .. ونقول لهم: لا هذا الطلاء من عندكم أنتم، أما ديننا فهو صبغة الله .. وقوله تعالى: "ومن أحسن من الله صبغة" .. استفهام لا يمكن أن يكذبوه ولكن الجواب يأتي على وفق ما يريده السائل سبحانه من أنه لا يوجد من هو أحسن من الله صبغة. وقوله تعالى: "ونحن له عابدون" أي مطيعون لأوامره والعابد هو من يطيع أوامر الله ويجتنب ما نهى عنه.
والأوامر دائما تأتي بأمر فيه مشقة يطلب منك أن تفعله والنهي يأتي عن أمر محبب إلي نفسك هناك مشقة أن تتركه .. ذلك أن الإنسان يريد النفع العاجل، النفع السطحي، والله سبحانه وتعالى يوجهنا إلي النفع الحقيقي .. النفع العاجل يعطيك لذة عاجلة ويمنحك نعيما دائما في الآخرة وتمتعا بقدرات الله سبحانه وتعالى .. وأنت حين تسمع المؤذن ولا تقوم للصلاة لأنها ثقيلة على نفسك قد أعطيت نفسك لذة عاجلة كأن تشغل نفسك بالحديث مع شخص أو بلعب الطاولة أو بغير ذلك وتترك ذلك النفع الحقيقي الذي يقودك إلي الجنة .. ولذلك قال الله سبحانه:

{إنها لكبيرة إلا على الخاشعين "45" الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم}
(من الآيتين45ـ 46 سورة البقرة)


إذن العبادة أمر ونهى .. أمر يشق على نفسك فتستثقله، ونهى عن شيء محبب إلي نفسك يعطيك لذة عاجلة ولذلك تريد أن تفعله .. إذن فقوله تعالى: "ونحن له عابدون" .. أي مطيعون لأوامره لأننا آمنا بالآمر إلها وربا يعبد .. فإذا آمنت حبب الله إليك فعل الأشياء التي كنت تستثقلها وسهل عليك الامتناع عن الأشياء التي تحبها لأنها تعطيك لذة عاجلة .. هذه هي صبغة الله التي تعطينا العبادة .. واقرأ قوله تبارك وتعالى:

{واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثيرٍ من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون "7"}
(سورة الحجرات)


وهكذا فإن الله سبحانه وتعالى بصبغة الإيمان يحبب إلينا الخير ويجعلنا نبغض الشر .. لا عن رياء ونفاق خارج النفس كالطلاء ولكن كالصبغة التي تتخلل الشيء وتصبح هي وهو شيئا واحدا لا يفترقان ..


 

قديم 05-10-2011, 12:53 PM   #139
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 139

(قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون "139")
تحديد الأمر بقل إيقاظ لمهمة التكليف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .. والله سبحانه وتعالى حين يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام ـ قل ـ كان يكفي أن يقول ما يريده سبحانه .. فأنت إذا قلت لابنك اذهب إلي أخيك وقل له أبوك يأمرك بكذا فيذهب الولد ويقول هذا الكلام دون أن يقول كلمة قل .. ولكن خطاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة قل تلفتنا إلي أن هذا الأمر ليس من عنده ولكنه من عند الله سبحانه، ومهمة الرسول هي الإبلاغ. إن تكرار كلمة "قل" في الآيات هي نسبة الكلام المقول إلي عظمة قائله الأول وهو الله تبارك وتعالى .. فالكلام ليس من عند رسول الله ولكن قائله هو الله جل جلاله. قوله تعالى: "قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم" .. المحاجة معناها حوار بالحجة، كل من المتحاورين يأتي بالحجة التي تؤيد رأيه أو وجهة نظره .. وإذا قرأت قوله تعالى:

{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه}
(من الآية 258 سورة البقرة)


أي قال كل منهما حجته .. ولابد أن يكونا خصمين كل منهما يعاند رأيه الرأي الآخر وكل يحاول أن يأتي بالحجة التي تثبت صدق كلامه فيرد عليه خصمه بالحجة التي تهدم هذا الكلام وهكذا. قوله تعالى: "أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم" .. ومادام الله رب الجميع كان من المنطق أن نلتقي لأنه ربي وربكم حظنا منه سواء .. ولكن مادامت قد قامت الحجة بيننا فأحدنا على باطل .. واقرأ قوله سبحانه:

{والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد "16"}
(سورة الشورى)


والمحاجة لا يمكن أن تقوم بين حق وحق وإنما تقوم بين حق وباطل وبين باطل وباطل .. لأن هناك حقا واحدا لكن هناك مائة طريق إلي الباطل .. فمادامت المحاجة قد قامت بيننا وبينكم ونحن على حق فلابد أنكم على باطل .. وليحسم الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة ويمنع الجدل والجدال قال سبحانه: "ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون" .. أي لا نريد جدلا لأن الجدل لن يفيد شيئا .. نحن لنا أعمالنا وأنتم لكم أعمالكم وكل عمل سيجازي صاحبه عليه بمدى إخلاصه لله .. ونحن أخلصنا العبادة لله وحدة وأنتم اتجهتم بعبادتكم إلي ما تحبه أهواؤكم.
إن الله سبحانه وتعالى الذي هو ربنا وربكم لا يفضل أحدا على أحد إلا بالعمل الصالح المخلص لوجه الله .. ولذلك فنحن نضع الإخلاص أولا وقد يكون العمل واحدا أمام الناس .. هذا يأخذ به ثوابا وذلك يأخذ به وزرا وعذابا فالمهم هو أن يكون العمل خالصا لله. قد يقول إنسان إن الإخلاص في العمل والعمل مكانه القلب .. ومادام الإنسان لا يؤذي أحدا ولا يفعل منكرا فليس من الضروري أن يصلي مادامت النية خالصة .. نقول إن المسألة ليست نيات فقط ولكنها أعمال ونيات .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات).
فلابد من عمل بعد النية .. لأن النية تنتفع بها وحدك والعمل ويعود على الناس .. فإذا كان في نيتك أن تتصدق وتصدقت انتفع الفقراء بمالك .. ولكن إذا لم يكن في نيتك فعل الخير وفعلته لتحصل على سمعة أو لترضي بشرا انتفع الفقراء بمالك ولن تنتفع أنت بثواب هذا المال .. والله سبحانه وتعالى يريد أن يقترن عملك بنية الإخلاص لله .. والعمل حركة في الحياة. والنية هي التي تعطي الثواب لصاحبه أو تمنع عنه الثواب ولذلك يقول الله جل جلاله:

{إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير "271"}
(سورة البقرة)


فالله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتصدق .. والفقير سينتفع بالصدقة سواء كانت نيتك أن يقال عنك رجل الخير المتصدق .. أو أن يقال عنك رجل البر والتقوى أو أن تخفي صدقتك .. فالعمل يفعل فينتفع به الناس سواء أردت أو لم ترد. أنت إذا قررت أن تبني عمارة، النية هنا هي التملك ولكن انتفع ألوف الناس بهذا العمل ابتداء من الذي باع لك قطعة الأرض والذي أعد لك الرسم الهندسي وعمال الحفر والذي وضع الأساس ومن قام بالبناء وغيرهم وغيرهم .. هؤلاء انتفعوا من عملك برزق لهم .. سواء أكان في بالك الله أم لم يكن في بالك الله فقد انتفعوا.
إذن فكل عمل فيه نفع للناس أردت أو لم ترد .. ولكن الله لا يجزي على الأعمال بإطلاقها وإنما يجزي على النيات بإخلاصها .. فإن كان عملك خالصا لله جزاك الله عليه .. وإن كان عملك لهدف آخر فلا جزاء لك عند الله لأنه سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك. إن الذين يتعجبون من أن إنسانا كافرا قدم كشفاً هاماً للبشرية ولكنه لم يكن مؤمنا بالله .. يتعجبون أيعذب في النار؟ نقول نعم لأنه عمل وليس في قلبه الله .. ولذلك يجازي في الحياة الدنيا، فتقام له التماثيل ويطلق اسمه على الميادين ويخلد اسمه في الدنيا التي عمل من أجلها .. ولكن مادام ليس في نيته الله فلا جزاء له عند الله.


 

قديم 05-10-2011, 12:53 PM   #140
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 140

(أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون"140")
اليهود والنصارى ادعوا أن الأنبياء السابقين لموسى وعيسى كانوا يهودا أو نصارى. فاليهود ادعوا أنهم كانوا يهودا. والنصارى ادعوا أنهم كانوا نصارى، الله سبحانه وتعالى يرد عليهم بقوله: "قل أأنتم أعلم أم الله". والسؤال هنا لا يوجد له إلا رد واحد لأنهم لن يستطيعوا أن يقولوا نحن أعلم من الله .. وقلنا إنه إذا طرح سؤال في القرآن الكريم فلابد أن يكون جوابه مؤيدا بما يريده الحق سبحانه وتعالى ولا يوجد له إلا جواب واحد .. ولذلك فإن قوله تعالى: "أأنتم أعلم أم الله" والله لاشك أعلم وهذا واقع.
إذن فكأن الله بالسؤال قد أخبر عن القضية .. ولكن يلاحظ في الآية الكريمة ذكر إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط .. وفي ذكر إسماعيل دائما مع اسحق ويعقوب يدل على وحدة البلاغ الإيماني عن الله؛ لأن إسماعيل كان في أمة العرب واسحق ويعقوب كانا في بني إسرائيل. والحق سبحانه وتعالى يتحدث عن وحدة المصدر الإيماني لخلقه؛ لأنه لا علاقة أن يكون إسماعيل للعرب واسحق لغير العرب بوحدة المنهج الإلهي. ولذلك تقرأ قول الحق تعالى:

{قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونح له مسلمون }
(من الآية 133 سورة البقرة)


والله الذي بعث إسماعيل هو الله الذي بعث اسحق إله واحد أحد .. ومادام الإله واحداً فالمنهج الإيماني لابد أن يكون واحدا .. فإذا حدث خلاف فالخلاف من البشر الذين يحرفون المنهج ليحققوا شهوات ومكاسب لهم .. وكل نفس لها ما كسبت فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يضيف إليكم شيئا في الآخرة .. إن كانوا مؤمنين فلن ينفعكم أن تكفروا وأن تقولوا نحن ننتسب إلي إبراهيم وإسماعيل واسحق .. وإن كانوا غير ذلك فلا يضركم شيئا.


 

قديم 05-10-2011, 12:53 PM   #141
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 141

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "141")
بعض الناس يقول إن هذه الآية مكررة فقد تقدمتها آية تقول:

{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون "133" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكن ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "134" }
(سورة البقرة)


بعض السطحيين يقولون إن في هاتين الآيتين تكرارا .. نقول إنك لم تفهم المعنى .. الآية الأولى تقول لليهود إن نسبكم إلي إبراهيم واسحق لن يشفع لكم عند الله بما حرفتموه وغيرتموه في التوراة .. وبما تفعلونه من غير ما شرع الله. فاعملوا أن عملكم هو الله ستحاسبون عليه وليس نسبكم.
أما في الآية التي نحن بصددها فقد قالوا إن إبراهيم وإسماعيل واسحق كانوا هودا أو نصارى .. الله تبارك وتعالى لا يجادلهم وإنما يقول لهم لنفرض ـ وهذا فرض غير صحيح ـ إن إبراهيم وإسماعيل واسحق كانوا هودا أو نصارى فهذا لن يكون عذرا لكم .. لأن لهم ما كسبوا ولكم ما كسبتم، فلا تأخذوا ذلك حجة على الله يوم القيامة .. ولا تقولوا إننا كنا نحسب أن إبراهيم وإسماعيل واسحق كانوا هودا أو نصارى أي كانوا على غير دين الإسلام لأن هذه حجة غير مقبولة .. وهل أنتم أعلم أم الله سبحانه الذي يشهد بأنهم كانوا مسلمين. إياك أن تقول إن هناك تكراراً .. فإن السياق في الآية الأولى يقول لا شفاعة لكم يوم القيامة في نسبكم إلي إبراهيم وإسماعيل واسحق .. والسياق في الآية الثانية يقول لا حجة لكم يوم القيامة في قولكم إنهم كانوا هودا أو نصارى .. فلن ينفعكم نسبكم إليهم ولن يقبل الله حجتكم .. وهكذا فإن المعنى مختلف تماما يمس موقفين مختلفين يوم القيامة.


 

قديم 05-10-2011, 12:54 PM   #142
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 142

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "142")
هذه الآية نزلت لتصفي مسألة توجه محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلي الكعبة بدلا من بيت المقدس .. وهذا أول نسخ في القرآن الكريم .. يريد الله سبحانه وتعالى أن يعطيه العناية اللائقة؛ لأنه سيكون مثار تشكيك وجدل عنيف من كل من يعادي الإسلام؛ فكفار قريش سيأخذون منه ذريعة للتشكيك وكذلك المنافقون واليهود. الله تبارك وتعالى يريد أن يحدد المسألة قبل أن تتم هذه التشكيكات .. فيقول جل جلاله: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" .. حرف السين هنا يؤكد إنهم لم يقولوا بعد .. ولذلك قال سبحانه: "سيقول السفهاء" فقبل أن يتم تحويل القبلة قال الحق تعالى: إن هذه العملية ستحدث هزة عنيفة يستغلها المشككون.
وبرغم أن الله سبحانه وتعالى قال: "سيقولون السفهاء" .. أي أنهم لم يقولوها إلا بعد أن نزلت هذه الآية .. مما يدل على أنهم سفهاء حقا؛ لأن الله جل جلاله أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم في قرآن يتلى ويصلى به ولا يتغير ولا يتبدل إلي يوم القيامة .. قال: "سيقولون السفهاء من الناس" .. فلو أنهم امتنعوا عن القول ولم يعلقوا على تحويل القبلة لكان ذلك تشكيكا في القرآن الكريم .. لأنهم في هذه الحالة كانوا يستطيعون أن يقولوا: إن قرآنا أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتغير ولا يتبدل إلي يوم القيامة .. قال: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم" .. ولم يقل أحد شيئا ..
ولكن لأنهم سفهاء فعلا .. والسفه جهل وحمق وطيش قالوها .. فكانوا وهم الكافرون بالقرآن الذين يريدون هدم هذا الدين من المثبتين للإيمان الذين تشهد أعمالهم بصدق القرآن. لأن الله سبحانه قال: "سيقول السفهاء" وهم قالوا فعلا .. ولقد ال كفار مكة عن الكعبة إنها بيتنا وبيت آبائنا وليست بيت الله .. فصرف الله ورسوله في أول الإسلام ووجهه إلي بيت المقدس .. وعندئذ قال اليهود: يسفه ديننا ويتبع قبلتنا .. والله سبحانه وتعالى أراد أن يحتوي الإسلام كل دين قبله فتكون القداسة للكل .. ولذلك أسرى برسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلي بيت المقدس .. حق يدخل بيت المقدس في مقدسات الإسلام لأنه أصبح محتوى في الإسلام.
ولم يشأ الله أن يجعل القبلة إلي الكعبة أول الأمر لأنهم كانوا يقدسونها على أنها بيت العرب وكانوا يضعون فيها أصنامهم .. ووضع الأصنام في الكعبة شهادة بأن لها قداسة في ذاتها .. فالقداسة لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا أن يحموا هذه الأصنام فوضعوها في الكعبة .. لماذا لم يضعوها في مكان آخر؟ لأن الكعبة مقدسة بدون أصنام. والله سبحانه وتعالى حين قال: "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" .. ولاه يعني حرفه ورده .. والقبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس .. وهنا يأتي الحق برد جامع هو أن أوامر الله الإيمانية لا ترتبط بالعلة .. إنما علة التنفيذ فيما يأمرنا الله سبحانه به جل جلاله أن الله هو الآمر .. ولو أن القح تبارك وتعالى بين لنا السبب أو العلة في تغيير القبلة لما كان الأمر امتحانا للإيمان في القلوب .. لأن الإيمان والعبادة هي طاعة معبود فيما يأمر وما ينهي .. يقول لك الله عظم هذا الحجر وهو الحجر الأسود الموجود في الكعبة تعظمه بالاستلام والتقبيل .. ويقول لك: ارجم هذا الحجر الذي يرمز إلي إبليس فترجمه بالحصى، ولا يقول الله سبحانه لماذا؟ لأنه لو قال لماذا ضاع الإيمان هنا وأصبح الأمر مسألة إقناع واقتناع.
فأنا حين أقول لك لا تأكل هذا لأنه مر وكل هذا لأنه حلو يكون السبب واضحا .. ولكن الله تبارك وتعالى يقول لك كل هذا ولا تأكل هذا .. فإن أكلت مما حرمه تكون آثما. وإن امتنعت تكون طائعا وتثاب. إذن العلة الإيمانية هي أن الأمر صادر من الله سبحانه .. ولو أنك امتنعت عن شرب الخمر لأنها ضارة بالصحة أو تفسد الكبد فلا ثواب لك، ولو امتنعت عن أكل لحم الخنزير لأن فيه كمية كبيرة من الكولسترول وله مضار كثيرة فلا ثواب لك .. ولكنك لو امتنعت عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير لأن الله حرمهما .. فهذه هي العبادة وهذا هو الثواب.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يرد على هؤلاء السفهاء فقال: "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" .. أي أنك إذا اتجهت إلي بيت المقدس أو اتجهت إلي خصوصية بذاته، والكعبة ليس لها خصوصية بذاتها .. ولكن أمر الله تبارك وتعالى هو الذي يعطيهما هذه الخصوصية .. فإذا اتجهنا إلي بيت المقدس فنحن نتجه إليه طاعة لأمر الله .. فإذا قال الله سبحانه اتجهوا إلي الكعبة اتجهنا إليها طاعة لأمر الله. قوله تعالى: "يهدي من يشاء إلي صراط مستقيم" .. الصراط هو الطريق المستقيم لا التواء فيه بحي يكون أقرب المسافات إلي الهدف. والله سبحانه وجهنا لبيت المقدس فهو صراط مستقيم نتبعه .. وجهنا إلي الكعبة فهو صراط مستقيم نتبعه .. فالأمر لله.


 

قديم 05-10-2011, 12:54 PM   #143
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 143

(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةً إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم "143")
ساعة ترى كذلك فهناك تشبيه .. الحق سبحانه وتعالى يريدنا أن نتنبه إلي نعمته في أنه جعلنا أمة وسطاً .. فكل ما يشرعه الله يدخل في باب النعم على المؤمنين .. وإذا كان الاتجاه إلي الكعبة هو اختبار لليقين الإيماني في نفوس المسلمين .. فإنه سبحانه جعلنا أمة وسطا نعمة منه، ومادمنا وسطا فلابد أن هناك أطرافا حتى يتحدد الوسط .. هذا طرف ثم الوسط ثم طرف آخر .. ووسط الشيء منتصفه أو ما بين الطرفين.
ولكن ما معنى أمة وسطا؟ وسط في الإيمان والعقيدة فهناك من أنكروا وجود الإله الحق .. وهناك من أسرفوا فعددوا الآلهة .. هذا الطرف مخطئ وهذا الطرف مخطئ .. أما نحن المسلمين فقلنا لا إله إلا الله وحده لا شريك له واحد أحد .. وهذه بديهية من بديهيات هذا الكون .. لأن الله تبارك وتعالى خلق الكون وخلق كل ما فيه وقال سبحانه إنه خلق .. ولم يأت من يدعي الخلق .. إذن فالدعوى خالصة لله تبارك وتعالى .. ولو كان في هذا الكون آلهة متعددة لادعى كل واحد منهم الخلق .. ولذلك فإن الله جل جلاله يقول:

{ما اتخذ الله ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ}
(من الآية 91 سورة المؤمنون)


أي لتنازع الخلق ولاضطرب الكون .. فالإسلام دين وسط بين الإلحاد وتعدد الآلهة .. على أن هناك أناساً يسرفون في المادية ويهملون القيم الروحية .. وأناساً يهملون المادة ويؤمنون بالقيم الروحية وحدها. واقع الحياة أن الماديين يفتنون الروحانيين لأن عندهم المال والقوة .. الإسلام جاء وسطا فيه المادة والروح .. وإياك أن تقول أن الروح احسن من المادة أو المادة احسن من الروح .. فالمادة وحدها الروح وحدها مسخرة وعابدة ومسبحة لله تعالى .. لكن حين تختل المادة بالروح فإنه توجد النفس، والنفس هي التي لها اختيار لتطيع أو تعصى .. تعبد أو تكفر والعياذ بالله.
الله سبحانه يريد من المؤمنين أن يعيشوا مادية الحياة بقيم السماء .. وهذه وسطية الإسلام، لم يأخذ الروح وحدها ولا المادة وحدها .. وإنما أوجد مادية الحياة محروسة بقيم السماء .. فحين يخبرنا الله سبحانه أنه سيجعلنا أمة وسطا تجمع خير الطرفين نعرف أن الدين جاء ليعصم البشر من أهواء البشر. الله تبارك وتعالى يريدنا أن نبحث في ماديات الكون بما يخلق التقدم والرفاهية والقوة للبشرية .. فما هو مادي معملي لا يختلف البشر فيه .. لكن ما يدخل فيه أهواء البشر ستضع السماء لكم قانونه .. فإذا عشتم بالأهواء ستشقون .. وإذا عشتم بنظريات السماء ستسعدون.
قد يتساءل البعض هل الشيوعية التي جاءت منذ اكثر من نصف قرن ارتقت بشعوبها أم لا؟ نقول انظروا إليها الآن لقد بنت ما ادعته من ارتقاءات على الكذب والزيف .. ثم تراجعت ثم انهارت تماما .. وكما انهارت الشيوعية ستنهار الرأسمالية لأنهما طرفان متناقضان إنما نحن أمة وسطا .. ولذلك أعطانا الله سبحانه خيري الدنيا والآخرة. الحق سبحانه يقول: "لتكونوا شهداء على الناس" .. أي أن الحجة ستكون لكم في المستقبل .. وسيضطر العالم إلي الرجوع إلي ما يقننه دينكم .. والله تبارك وتعالى قال: "أمة وسطا" ولم يقل الوسط بكسر الواو أي المنتصف حتى لا يقال إن هؤلاء الرأسماليين والشيوعيين سيتراجعون إلي الحق تماما .. ولكن بعضهم سيميل قليلا إلي هذه الناحية أو تلك بحيث يتم اللقاء .. ولذلك عندما يقولون نأخذ أموال الأغنياء ونوزعها على الفقراء .. نقول لهم وعندما يأتي فقير في المستقبل .. من أين تعطيه بعد أن قضيت على الأغنياء؟.
وقد سمعت من شخص له تجربه في السياسة والحكم .. قال إن الذي كان يعمل معي وأضاع ماله كله على الخمر والقمار والنساء كان احسن مني .. لأنني احتفظت بأموالي ونميتها فقالوا إنك إقطاعي وصادروها .. بينما ذلك الذي أسرف لم يفعلوا به شيئا .. قلت إن الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تنمي مالك .. لأنك إن لم تنميه ودفعت عنه زكاة 2.5% فالمال يفنى خلال أربعين سنة .. ولكن إذا نميت مالك وجاءوا إلي ناتج عملك وأخذوه بدعوى أنك إقطاعي فإنهم يقضون على العمل في المجتمع .. لأنه إذا كنت ستأخذ ناتج عمله بدون حق فلماذا يعمل؟ إن الإسلام جاء ليزيد مجال حركة الحياة ويضمن مال المتحرك .. ليأخذ من ماله زكاة ويعين غير القادر حتى لا يحقد على المجتمع .. هذا وسط.
وقوله تعالى: "لتكونوا شهداء على الناس" .. فكأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه ستحدث في الكون معركة لن يفصل فيها إلا شهادة هذه الأمة .. فاليمين أو الرأسمالية على خطأ، والشيوعية على خطأ .. أما منهج الله الذي وضع الموازين القسط للكون ولحياة الإنسان فهو الصواب .. ثم يخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيدا علينا .. هل كان عملنا وتحركنا مطابقا لما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم وبلغه الرسول عليه الصلاة والسلام لنا؟ أم أننا اتبعنا أهواءنا وانحرفنا عن المنهج. الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون شهيداً علينا في هذه النقطة .. تلك الآية وإن كانت قد بشرت الأمة الوسط بأن العالم سيعود إلي العالم سيعود إلي حكمها، فذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا سادت شهادة الحق والعدل فيها.
وقوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" .. هذه عودة إلي تحويل القبلة من بيت المقدس إلي الكعبة .. الله تبارك وتعالى لا يفضل اتجاها على اتجاه .. ولذلك فإن الذين يتجهون إلي الكعبة ستختلف اتجاهاتهم حسب موقع بلادهم من الكعبة .. هذا يتجه إلي الشرق وهذا يتجه إلي الشمال الشرقي .. وهذا يتجه إلي الجنوب الغربي.
إنه ليس هناك عند الله اتجاه مفضل على اتجاه .. ولكن تغيير القبلة جعله الله سبحانه اختبارا إيمانيا ليس علم معرفة ولكن علم مشهد .. لأن الله سبحانه وتعالى يعلم .. ولكنه جل جلاله يريد أن يكون الإنسان شهيدا على نفسه يوم القيامة .. ولكنه اختبار إيماني ليعلم الله مدى إيمانكم ومن سيطيع الرسول فيما جاءه من الله ومن سينقلب على عقبيه .. فكأن أمر تحويل القبلة سيحدث هزة إيمانية عنيفة في المسلمين أنفسهم .. فيعلم الله من يستمر في إيمانه واتباعه لرسول الله .. ومن سيرفض ويتحول عن دين الإسلام.
وقوله تعالى: "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله" .. والله يريد هنا العلم الذي سيكون شهيدا على الناس يوم القيامة .. وعملية الابتلاء أو الاختبار في تغيير القبلة عملية شاقة .. إلا على المؤمنين الذين يرحبون بكل تكليف .. لأنهم يعرفون أن الإيمان هو الطاعة ولا ينظرون إلي علة الأشياء. ولكن الكفار والمنافقين واليهود لم يتركوا عملية تحويل القبلة تمر هكذا فقالوا: إن كانت القبلة هي الكعبة فقد ضاعت صلاتكم أيام اتجهتم إلي بيت المقدس .. وإن كانت القبلة هي بيت المقدس فستضيع صلاتكم وأنتم متجهون إلي الكعبة.
نقول لهم لا تعزلوا الحكم عن زمنه .. قبلة بيت المقدس كانت في زمنها والكعبة تأتي في زمنها .. لا هذه اعتدت على هذه ولا هذه اعتدت على هذه .. ولقد مات أناس من المؤمنين وهم يصلون إلي بيت المقدس فقام المشككون وقالوا صلاتهم غير مقبولة .. ورد الله سبحانه بقوله: "وما كان الله ليضيع إيمانكم" .. لأن الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس كانوا مطيعين لله مؤمنين به فلا يضيع الله إيمانهم. وقوله تعالى: "إن الله بالناس لرءوف رحيم" .. أي تذكروا أنكم تؤمنون برب رءوف لا يريد بكم مشقة .. رحيم يمنع البلاء عنكم.


 

قديم 05-10-2011, 12:54 PM   #144
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 144

(قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون "144")
نحن نعلم أن "قد" للتحقيق .. و"نرى" .. فعل مضارع مما يدل على أن الحدث في زمن التكلم .. الحق سبحانه وتعالى يعطينا صورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. أنه يحب ويشتاق أن يتجه إلي الكعبة بدلا من بيت المقدس .. وكان عليه الصلاة والسلام قد اعتاد أن يأتيه الوحي من علو .. فكأنه صلى الله عليه وسلم كان يتجه ببصره إلي السماء مكان إيتاء الوحي .. ولا يأتي ذلك إلا إذا كان قبله متعلقا بأن يأتيه الوحي بتغيير القبلة .. فكأن هذا أمر شغله. إن الله سبحانه يحيط رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه قد رأى تقلب وجه رسوله الكريم في السماء وأجابه ليتجه إلي القبلة التي يرضاها .. فهل معنى ذلك أن القبلة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي بيت المقدس لم يكن راضيا عنها؟ نقول لا .. وإنما الرضا دائما يتعلق بالعاطفة، وهناك فرق بين حب العاطفة وحب العقل .. ولذلك لا يقول أحد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن راضيا عن قبلة بيت المقدس .. وإنما كان يتجه إلي بيت المقدس وفي قلبه عاطفة تتجه إلي الكعبة .. هذا يدل على الطاعة والالتزام.
الله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: "فلنولينك قبلة ترضاها" أي تحبها بعاطفتك .. ورسول الله عليه الصلاة والسلام كان يتطلع إلي هذا التغيير، فكأن عواطفه صلى الله عليه وسلم اتجهت لتضع مقدمات التحويل. قال الله تعالى: "فول وجهك شطر المسجد الحرام" .. والمراد بالوجه هو الذات كلها ولكمة شطر معناها الجهة، والشطر معناه النصف .. وكلا المعنيين صحيح لأنه حين يوجد الإنسان في مكان يصبح مركزاً لدائرة ينتهي بشيء اسمه الأفق وهو مدى البصر .. وما يخيل إليك عنده أن السماء انطبقت على الأرض. إن كل إنسان منا له دائرة على حسب نظره فإذا ارتفع الإنسان تتسع الدائرة .. وإذا كان بصره ضعيفا يكون أفقه أقل، ويكون هو في وسط دائرة نصفها أمامه ونصفها خلفه.
إذن الذي يقول الشطر هو النصف صحيح والذي يقول أن الشطر هو الجهة صحيح. وقوله تعالى: "فول وجهك شطر المسجد الحرام" .. أي اجعل وجهك جهة المسجد الحرام أو اجعل المسجد الحرام في نصف الدائرة التي أمامك .. وفي الزمن الماضي كانت العبادات تتم في أماكن خاصة .. إلي أن جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الله له الأرض كلها مسجدا. إن المسجد هو مكان السجود ونظراً لأن السجود هو منتهى الخضوع لله فسمى المكان الذي نصلي فيه مسجدا .. ولكن هناك فرق بين مكان تسجد فيه ومكان تجعله مقصورا على الصلاة لله ولا تزاول فيه شيئا آخر. المسجد مخصص للصلاة والعبادة .. أما المكان الذي تسجد فيه وتزاول حركة حياتك فلا يسمى مسجداً إلا ساعة تسجد فيه .. والكعبة بيت الله. باختيار الله. وجميع مساجد الأرض بيوت الله باختيار خلق الله .. ولذلك كان بين الله باختيار الله قبلة لبيوت الله باختيار خلق الله.
وقوله تعالى: "وحيثما كنتم" يعني أينما كنتم .. "فولوا وجوهكم شطره" .. لأن الآية نزلت وهم في مسجد بني سلمة بالمدينة فتحول المسلمون إلي المسجد الحرام .. وحتى لا يعتقد أحد أن التحويل في هذا المسجد فقط ولي الوقت الذي نزلت فيه الآية فقط قال تعالى: "وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره" .. وقوله جل جلاله: "وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون" .. أي أن الذين أوتوا الكتاب ويحاولون التشكيك في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يعلمون أن رسول الله هو الرسول الخاتم ويعرفون أوصافه التي ذكرت في التوراة والإنجيل .. ويعلمون أنه صاحب القبلتين .. ولو لم يتجه الرسول صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلي الكعبة .. لقالوا إن التوراة والإنجيل تقولان إن الرسول الخاتم محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي إلي قبلتين فلماذا لم تتحقق؟ ولكان هذا أدعى إلي التشكيك.
إذن فالذين أوتوا الكتاب يعلمون أنه الحق من ربهم .. لأنهم في التوراة أن الرسول الذي سيجيء وسيتجه إلي بيت المقدس ثم يتجه إلي البيت الحرام .. فكأن هذا التحويل بالنسبة لأهل الكتاب تثبيت لإيمانهم بالرسول عليه الصلاة والسلام وليس سببا في زعزعة اليقين. وقوله تعالى: "وما الله بغافل عما يعملون" .. يريد الحق تبارك وتعالى أن يطمئن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تشكيكهم لا يقدم ولا يؤخر .. فموقفهم ليس لطلب الحجة ولكن للمكابرة .. فهم لا يريدون حجة ولا دليلا إيمانياً .. ولكنهم يريدون المكابرة.


 

قديم 05-10-2011, 12:55 PM   #145
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 145

(ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابعٍ قبلتهم وما بعضهم بتابعٍ قبلة بعضٍ ولئن أتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين "145")
اتباع القبلة مظهر إيماني في الدين، فمادمت آمنت بدينك فاتبع قبلتك .. لا أؤمن بدينك لا اتبع قبلتك. وقوله تعالى: "ولئن أتيت" ساعة تسمع "ولئن" واو ولام وإن .. هذا قسم فكأن الحق تبارك وتعالى أقسم أنه لو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب بكل آية ما آمنوا بدينه ولا اتبعوا قبلته .. لماذا؟ لأنهم لا يبحثون عن دليل ولا يريدون الاقتناع بصحة الدين الجديد .. ولو كانوا يريدون دليلا أو اقتناعا لوجدوه في كتبهم التي أنبأتهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه النبي الخاتم وأعطتهم أوصافه .. فكأن الدليل عندهم ولكنهم يأخذون الأمر سفها وعنادا ومكابرة.
وقوله تعالى: "وما أنت بتابع قبلتهم" .. فكأنه حين جاءت بتغير القبلة أعلمنا الله أن المسلمين لن يعودوا مرة أخرى إلي الاتجاه نحو بين المقدس ولن يحولهم الله إلي جهة ثالثة .. ولكي يعلمنا الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى سيكونون في جانب ونحن سنكون في جانب آخر .. وأنه ليس هناك التقاء بيننا وبينهم. قال سبحانه: "وما بعضهم بتابع قبلة بعض" .. فالخلاف في القبلة مستمر إلي يوم القيامة. وقول الحق: "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين" .. حين يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله وحبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بهذه الآية .. وهو يعلم أن محمدا الرسول المعصوم لا يمكن أن يتبع أهواءهم .. نقول إن المقصود بهذه الآية هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
إن الله يخاطب أمته في شخصه قائلا: "ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين" .. ما هي أهواء أهل الكتاب؟ هي أن يهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يقول إن ما حرفوه في كتبهم أنزله الله .. وهكذا يجعل هوى نفوسهم أمراً متبعا .. فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت أمة محمد عليه الصلاة والسلام .. إلي أن كل من يتبع أهواء أهل الكتاب وما حرفوه سيكون من الظالمين مهما كانت درجته من الإيمان .. وإذا كان الله تبارك وتعالى لن يقبل هذا من رسوله وحبيبه فكيف يقبله من أي فرد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن الخطاب هنا يمس قمة من قمم الإيمان التي تفسد العقيدة كلها .. والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أنه لا يتسامح فيها ولا يقبلها حتى لو حدثت من رسوله ولو أنها لن تحدث .. ولكن لنعرف أنها مرفوضة تماما من الله على أي مستوى من مستويات الإيمان حتى في مستوى القمة فتبتعد أمة محمد عن مثل هذا الفعل تماما.


 

قديم 05-10-2011, 12:55 PM   #146
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 146

(الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون "146")
الله تبارك وتعالى يقول إن الذين جاءهم الكتاب قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفونه .. يعرفون ماذا؟ هل يعرفون أمر تحويل القبلة؟ أم يعرفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه ورسالته التي يحاولون أن يشككوا فيها؟ الله سبحانه وتعالى يشرح لنا ذلك في قوله تعالى:

{ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89"}
(سورة البقرة)


فكأن اليهود والنصارى يعرفون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .. ومكتوب في التوراة والإنجيل أنه الحق ومطلوب منهم أن يؤمنوا به .. إن كعب الأحبار كان جالسا وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان موجودا فسأله عمر أكنتم تعرفونه يا كعب؟ أي أكنتم تعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم ورسالته وأوصافه؟ فقال كعب وهو من أحبار اليهود .. أعرف كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشد .. فلما سألوه لماذا؟ قال لأن ابني أخاف أن تكون امرأتي خانتني فيه أما محمد صلى الله عليه وسلم فأوصافه مذكورة بالدقة في التوراة بحيث لا نخطئه.
إذا فأهل الكتاب يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعرفون زمنه ورسالته .. والذين أسلموا منهم وآمنوا فعلوا ذلك عن اقتناع، أما الذين لم يؤمنوا وكفروا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفوا ولكنهم كتموا ما يعرفونه .. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى عنهم: "وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون" .. وساعة تقول كتم الشيء .. فكأن الشيء بطبيعته كان يحب أن يبرز وينتشر .. والحق بطبيعته لابد أن يبرز وينتشر ولكن إنكار الحق وكتمه يحتاج إلي مجهود.
إن الذين يحققون في القضايا الدقيقة يحاولون أن يمنعوا القوة أن تكتم الحق .. فيجعلون من يحققون معه لا ينام حتى تنهار قواه فينطق بالحقيقة .. لأن النطق بالحق عملية شاقة .. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: "ليكتمون الحق وهم يعلمون" .. أي أنهم ليسوا جاهلين ولكنهم على علم بالحقيقة .. والحق من الله فهل يستطيع هؤلاء كتمانه؟ طبعا لا، لابد أن يظهر .. فإذا انتشر الكذب والباطل فهو كالألم الذي يحدث في الجسد .. الناس تكره الألم ولكن الألم من جنود الشفاء لأنه يجعلك تحس أن هناك شيئا أصابه مرض فتتجه إليه بأسباب العافية.
إن أخطر الأمراض هي التي لا يصاحبها ألم ولا تحس بها إلا بعد أن يكون قد فات وقت العلاج .. والحق دائما غالب على أمره ولذلك لا توجد معركة بين حقين .. أما الباطل فتوجد معركة بين باطل وباطل وبين حق وباطل لأنه لا يوجد إلا حق واحد أما الباطل فكثير .. والمعارك بين الحق والباطل تنتهي بهزيمة الباطل بسرعة .. ولكن الذي يطول هو معركة بين باطلين .. ولذلك فإن معارك العصر الحديث تطول وتتعب الدنيا .. فمعارك الحرب العالمية الثانية مثلا لازالت آثارها ممتدة حتى الآن في الحرب الباردة وغير ذلك من الحروب الصغيرة .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).


 

قديم 05-10-2011, 12:55 PM   #147
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 147

(الحق من ربك فلا تكونن من الممترين "147")
الحق من الله سبحانه وتعالى .. ومادام من الله فلا تكونن من الذين يشكون في أن الحق سينتصر .. ولكن الحق لابد من قوة تحميه .. وكما يقول الشاعر:
السـيـف إن يـزهـي بـجـوهـره
ولـيس يـعـمـل إلا في يـدي بـطل
فما فائدة أن يكون معك سيف بتار .. دون أن توجد اليد القوية التي ستضرب به .. ونحن غالبا نكون مضيعين للحق لأننا لا نوفر له القوة التي ينتصر بها. وقوله تعالى: "فلا تكونن من الممترين" .. الممتري هو الذي يشك في حدوث الشيء .. والشك معناه أنه ليست هناك نسبة تتغلب على نسبة .. أي أن الاحتمالين متساويان .. ولكن الحق من الله ولا توجد نسبة تقابله .. ولذلك لا يجب أن نشك ولا ندخل في جدل عقيم حول انتصار الحق.


 

قديم 05-10-2011, 12:55 PM   #148
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 148

(ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيءٍ قدير "148")
شاء الله سبحانه أن يجعل الإنسان مختارا .. ومن هنا فإن له الاختيار في أن يؤمن أو لا يؤمن .. أن ينصر الحق أو ينصر الباطل .. أن يفعل الخير أو يفعل الشر .. كل هذه اختبارات شاء الله أن يعطيها للإنسان في الدنيا بحيث يستطيع أن يفعل أو لا يفعل .. ولكن هذا لن يبقى إلي الأبد إن هذا الاختيار موجود في الحياة الدنيا.
ولكن بشرية الإنسان تنتهي ساعة الاحتضار فعند مواجهة الموت ونهاية العمر يصبح الإنسان مقهورا وليس مختارا .. فهو لا يملك شيئا لنفسه ولا يستطيع أن يقول لن أموت الآن .. انتهت بشريته وسيطرته على نفسه حتى أعضاؤه تشهد عليه .. ففي الحياة الدنيا كل واحد يختار الوجهة التي يتجه إليها، هذا يختار الكفر وهذا يختار الإيمان .. هذا يختار الطاعة وهذا يختار المعصية، فمادام للإنسان اختيار فكل واحد له وجهة مختلفة عن الآخر .. والذي يهديه الله يتجه إلي الخيرات وكأنه يتسابق إليها .. لماذا؟ لأنه لا يعرف متى يموت ولذلك كلما تسابق إلي خير كان ذلك حسنة أضافها لرصيده.
إن المطلوب من المؤمنين في الحياة الدنيا أن يتسابقوا إلي الخيرات قبل أن يأتيهم الأجل ولا يحسب واحد منهم أنه سيفلت من الله .. لأنه كما يقول عز وجل: "أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا" .. أي أنه ليس هناك مكان تستطيعون أن تختفوا فيه عن علم الله تبارك وتعالى بل هو يعرف أماكنكم جميعا واحدا واحدا وسيأتي بكم جميعا مصداقا لقوله تعالى:

{ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزةً وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً "47"}
(سورة الكهف)


وقوله سبحانه:

{ففروا إلي الله إني لكم منه نذير مبين "50" }
(سورة الذاريات)


أي أن الحق جل جلاله يريدنا أن نعرف يقينا أننا لا نستطيع أن نفر من علمه ولا من قدره ولا من عذابه .. وأن الطريق الوحيد المفتوح أمامنا هو أن نفر إلي الله .. وأنه لا منجاة من الله إلا إليه .. ولذلك لا يظن كافر أو عاص أنه سيفلت من الله .. ولا يظن أنه لن يكون موجودا يوم القيامة أو أنه لن يحاسب أو أنه يستطيع أن يختفي.
إن غرور الدنيا قد يركب بعض الناس فيظنون أنهم في منعة من الله وأنهم لن يلاقوه .. نقول لهم إنكم ستفاجأون في الآخرة حين تعرفون أن الحساب حق والجنة حق والنار حق. ستفاجأون بما سيحدث لكم .. ومن لم يؤمن ولم يسارع إلي الخير سيلقى الخزي والعذاب الأليم .. إن الله ينصحنا أن نؤمن وأن نسارع في الخيرات لننجوا من عذابه، ويقول لنا لن يفلت واحد منكم ولا ذرة من ذرات جسده من الوقوف بين يدي الله للحساب .. ولذلك ختم الله هذه الآية الكريمة بقوله: "إن الله على كل شيء قدير" .. أي أن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء ولا يخرج عن طاعته شيء .. إنه سبحانه على كل شيء قدير.


 

قديم 05-10-2011, 12:56 PM   #149
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 149

(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون "149")
لابد أن نتأمل كم مرة أكد القرآن الكريم قضية تحويل القبلة .. أكدها ثلاث مرات متقاربة .. لأن تحويل القبلة أحدث هزة عنيفة في نفوس المؤمنين .. والحق سبحانه وتعالى يريد أن يذهب هذا الأثر ويؤكد تحويل القبلة تأكيدا إيمانيا. لقد جاء بثلاث آيات التي هي أقل الجمع .. واحدة للمتجه إلي الكعبة وهو داخل المسجد .. والثانية للمتجه وهو خارج المسجد .. والثالثة للمتجه من الجهات جميعا.
قوله تعالى: "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام" .. هو رد على المنافقين واليهود والنصارى الذين حاولوا التشكيك في الإسلام .. بأن واجهوا المسلمين بقضية تغيير القبلة .. على أساس أنها قضية ما كان يجب أن تتم لأنه ليس فيها زيادة في التكليف ولا مشقة زائدة تزيد ثواب المؤمن .. فالجهد الذي يبذله المؤمن في الاتجاه إلي المسجد الأقصى هو نفس الجهد الذي يبذله في الاتجاه إلي البيت الحرام .. فأنت إذا اتجهت في صلاتك يمينا أو شمالا أو شرقا أو غربا فإن ذلك لا يضيف إليك مشقة فما هو سبب التغيير؟.
نقول لهم إن هذه ليست حجة للتشكيك في تحويل القبلة لأن الاتجاه إلي المسجد الحرام هو طاعة الله .. ومادام الله سبحانه وتعالى قد قال فعلينا أن نطيع طاعة إيمانية .. يقول المولى جل جلاله: "وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون" .. أي أن ما فعلتموه من تحويل القبلة هو حق جاءكم من الله تبارك وتعالى .. والله عز وجل ليس غافلا عن عملكم بحيث تكونون قد اتجهتم إلي البيت الحرام. بل الله يعلم ما تبدون وما تكتمون .. فاطمئنوا أنكم على الحق وولوا وجوهكم تجاه المسجد الحرام .. واعملوا أن الله سبحانه محيط بكم في كل ما تعملون.


 

قديم 05-10-2011, 12:56 PM   #150
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 150

(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون "150")
الحق تبارك وتعالى يؤكد لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يتوجه هو والمسلمون إلي المسجد الحرام .. سواء كانوا في المدينة أو في خارج المدينة أو في أي مكان على الأرض .. وتلك هي قبلتهم في كل صلاة بصرف النظر عن المكان الذين يصلون فيه.
وقوله تعالى: "لئلا يكون للناس عليكم حجة" .. الناس هنا المقصود بهم المنافقون واليهود والنصارى .. حجة في ماذا؟ لأن المسلمين كانوا يتجهون إلي بيت المقدس فاتجهوا إلي المسجد الحرام .. وليس لبيت المقدس قدسية في ذاته ولا للمسجد الحرام قدسية في ذاته كما قلنا .. ولكن نحن نطيع الأمر من الآمر الأعلى وهو الله .. إن الله تبارك وتعالى أطلق على المنافقين واليهود والنصارى كلمة (ظلموا) ووصفهم بأنهم الذين ظلموا .. فمن هو الظالم؟ الظالم هو من ينكر الحق أو يغير وجهته أو ينقل الحق إلي باطل والباطل إلي حق .. والظلم هو تجاوز الحد وكأنه سبحانه وصفهم بأنهم ق تجاوزوا الحق وأنكروه يقول سبحانه: "فلا تخشوهم" أي لا تخشوا الذين ظلموا: "واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون" .. أي أن الخشية لله وحده والمؤمن لا يخشى بشرا .. لأنه يعلم أن القوة لله جميعا .. ولذلك فإنه يقدم على كل عمل بقلب لا يهاب أحدا إلا الحق.
وقوله سبحانه: "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون" .. تمام النعمة هو الإيمان وتمام النعمة هو تنفيذ مطلوبات الإيمان .. فإذا هدانا الله للإيمان فهذا من تمام نعمة علينا. ولكي يكون الإيمان صحيحا ومقبولا فلابد أن أؤدي مطالبه والمداومة على تنفيذ تكليفات الله لنا، فلا نجعل التكليف ينقطع. لأن التكليف نعمة بغيرها لا تصلح حياتنا ولا تتوالى نعم التكليف من الله سبحانه وتعالى إلا إذا أقبلنا على منهج بعشق .. وأنت حينما تأتي إلي المنهج قد يكون شاقا، ولكن إذا تذكرت ثواب كل طاعة فإنك ستخشع وتعشق التكليف .. لأنك تعرف العمل الصالح بثوابه والعمل في المعصية بعقابه .. ولذلك قال الله تبارك وتعالى:

{واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين "45" الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون "46"}
(سورة البقرة)


إذن الخاشعون هم الذين يقرنون الطاعة بالثواب والمعصية بالعقاب والعذاب، لأن الذي ينصرف عن الطاعة لمشقتها عزل الطاعة عن الثواب فأصبحت ثقيلة، والذي يذهب إلي المعصية عزل المعصية عن العقاب فأصبحت سهلة .. فمن تمام النعمة أن يديم الله علينا فعل مطلوبات الإيمان .. ولذلك في حجة الوداع نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة:

{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }
(من الآية 3 سورة المائدة)


وكان ذلك إخبارا بتمام رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الأحكام التكليفية قد انتهت .. ولكن الذين يستثقلون التكليف تجدهم يقولون لك لقد عم الفساد والله لا يكلف نفسا إلا وسعها .. كأنه يحكم بأن هذا في وسعه وهذا ليس في وسعه وعلى ضوئه يأخذ التكليف .. نقول له أكلف الله أم لم يكلف، إن كان قد كلف فيكون التكليف في وسعك .. لأنه سبحانه حين يجد مشقة يأمر التخفيف مثل إباحة قصر الصلاة للمسافر وإباحة الإفطار في رمضان للمريض والمسافر فهو سبحانه قد حدد ما في وسعك.
قوله تعالى: "ولعلكم تهتدون" .. الهداية هي الطريق المستقيم الموصل إلي الغاية وهو أقصر الطرق، وغاية هذه الحياة هي أن تصل إلي نعيم الآخرة .. الله أعطاك في الدنيا الأسباب لتحكم حركة حياتك ولكن هذه ليست غاية الحياة .. بل الغاية أن نذهب إلي حياة بلا أسباب وهذه هي عظمة قدرة الله سبحانه وتعالى .. والله جل جلاله يأتي ليعلمنا في الآخرة أنه خلقنا لنعيش في الدنيا بالأسباب وفي الآخرة لنعيش في كنفه بلا أسباب.
إذن قوله تعالى: "ولعلكم تهتدون" .. أي لعلكم تنتبهون وتعرفون الغاية المطلوبة منكم .. ولا يظن أحدكم أن الحياة الدنيا هي النهاية أو هي الهدف .. فيعمل من أجل الدنيا فيأخذ منها ما يستطيع حلالا أو حراما باعتبارها المتعة الوحيدة المخلوقة له .. نقول لا، إنه في هذه الحالة يكون قد ضل ولم يهتد لأنه لو اهتدى لعرف أن الحياة الحقيقية للإنسان هي في الآخرة. ولعرف أن نعيم الآخرة الذي لا تفوته ولا يفوتك .. يجب أن يكون هدفنا في الحياة الدنيا فنعمل ما نستطيع لنصل إلي النعيم بلا أسباب في الجنة.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:11 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا