المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > ملتقيات التجارب الشخصية والأبحاث > ملتقى المقالات النفسية والأبحاث
 

ملتقى المقالات النفسية والأبحاث المقالات وخلاصة الكتب النفسية والإجتماعية

حكايـــــات نفسيـــة

سنعرض في هذه الصفحات بعض الحالات النفسية في قالب قصصي وهي حالات كثيرة المشاهدة في حياتنا الأسرية أو الاجتماعية والهدف تثقيف النفس واخذ العبرة ارجو ان تنال اعجابكم قارئـــة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 21-01-2011, 05:14 PM   #1
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue
حكايـــــات نفسيـــة



سنعرض في هذه الصفحات بعض الحالات النفسية في قالب قصصي وهي حالات كثيرة المشاهدة في حياتنا الأسرية أو الاجتماعية والهدف تثقيف النفس واخذ العبرة
ارجو ان تنال اعجابكم

قارئـــة الكـــف

ظلت سميرة مستلقية على فراشها بعد أن صحت من نومها لفترة طويلة. تشعر بإرهاق شديد و قلق غير مبرر كأن كل الطاقة التي في جسدها قد تم سحبها لآخر قطرة. بالرغم من أن الساعة قد شارفت العاشرة صباحاً فأنها لم تعتن بالطفلين و لم تقدم لهما وجبة الإفطار بعد. و بالرغم من أن الكثير من الواجبات المنزلية تنتظرها فهي لا تشعر بأي رغبة في مغادرة السرير.هي مترددة و يائسة وتود لو تترك لحالها في غرفتها تجتر أحزانها. الآونة الأخيرة أصبحت تشعر طوال اليوم بملل و سأم شديدين. لا شيء يثير اهتمامها أو يمنحها الشعور بالمتعة و السعادة. أصبحت متوترة بدون أي مسبب و لا تطيق ضجيج الطفلين و هما يلعبان من حولها. كثيراً ما طلبت منهما أن يذهبا بعيداً للعب في حجرتهما أو في غرفة الاستقبال. تشعر أنها أقل حماسة من ذي قبل لاحتضانهما و تقبيلهما أو للاستجابة لطلباتهما، و لعلّ الطفلين أدركا ذلك بحاستهما و آثرا أن يبتعدا عنها لكي لا يغضباها. هي لا تدري لماذا هذا الشعور المؤلم بالإرهاق و مع أنها خلدت لسريرها مبكرة لكنها تدري أنها قضت وقتاً طويلاً تجتر أفكاراً و أحداثاً محزنة و مقلقة، و حتى بعد أن غفت كانت تصحو من آن لآخر و هي قلقة و حزينة. النوم في حد ذاته أصبح هاجسا مرعباً بالنسبة لها لما يحويه من أحلام مزعجة و كوابيس مخيفة. شهيتها للطعام أصبحت ضعيفة للغاية وقد تقضي يومها بأكمله بدون طعام ومن غير أن تشعر بالجوع.

رجعت بذاكرتها للوراء؛ فقط من قبل خمسة أسابيع كانت ممتلئة حيوية و نشاطا. كانت تبدو سعيدة ضاحكة مبتسمة على الدوام. و لم لا تكون كذلك فقد حقق الله لها كل أمانيها. لقد أكملت دراستها الجامعية و تزوجت بكمال شقيق صديقة طفولتها مريم. كان كمال هو فتى أحلامها منذ فترة الجامعة، و كانت معجبة به لأدبه و أخلاقه ولوسامته. هي لا تنكر أن مريم ساهمت كثيراً في التقريب بينهما إلى أن تقدم كمال لخطبتها. لقد كانت و مريم ليستا كالصديقتين فقط بل كالأختين تحترمان وتعجبان يبعضهما. رزقت سميرة من كمال بطفلين جميلين، سامي و هو في الخامسة و سمية و هي في الثالثة. الأسرة الصغيرة تعيش في شقة متوسطة الحجم أهداها والد كمال لهما بمناسبة زواجهما. كمال يعمل مهندساً في إحدى الشركات المعروفة براتب مجزي. لا شيء ينقص الأسرة التي تحيط بها مجموعة من الأسر الصديقة و الأقارب الذين استطاعت أن تخلق معهم علاقات اجتماعية متينة.

استرسلت سميرة في أفكارها " يا الله !!! ما بال هذا الصداع يلازمني طول الوقت. أشعر كأن رأسي سوف ينفجر في أي لحظة.. جسمي منهك ... أفكاري مشتتة... تركيزي ضعيف.. لا أستطيع أن أقرر أي شيء... أشعر بدوخة وبدوار كلما وقفت على رجلي."

في الآونة الأخيرة بدأت سميرة تلوم نفسها كثيرا لإهمالها لنفسها و لزوجها و لأطفالها. كل شيء في المنزل مبعثر، لا تجد الطاقة أو الرغبة اللازمة لأداء واجباتها المنزلية و الأسرية . كل الأشياء التي كانت تستمتع بها الآن أصبحت غير ذات أهمية بالنسبة لها. البرامج التلفزيونية التي كانت تتابعها بانتظام .. الاتصال تلفونيا بصديقاتها للتحدث إليهن لأوقات طويلة.. زيارة صديقاتها أو استقبالهن في شقتها.. . قضاء ساعات بالمطبخ لإعداد الوجبات الشهية التي يحبها كمال. من وقت لآخر ينتابها شعور بالذنب لأشياء تافهة حدثت منها تجاه بعض الصديقات والأقارب. شعور بالذنب لاعتقادها أنها اقترفت الكثير من السيئات و الذنوب التي تستحق أن يعاقبها عليها الله سبحانه و تعالى. أحياناً تشعر أنها تستحق ما آل إليه حالها لأنه غضب من الله لعصيانها له و عدم الالتزام بواجباتها الدينية. تشعر أنها لا تستحق أي شفقة أو رحمة من أحد لأنها عاجزة فاشلة ولا تستحق أن تكون زوجة لكمال أو أم لأطفاله.

فجأة توقف سيل أفكارها لسماعها جرس الباب الخارجي. إنها لا تريد أن يدخل عليها أحد ويجدها لا تزال بملابس النوم مهملة أطفالها ومنزلها وحتى نفسها. وهي تحاول النهوض من سريرها إذ تدخل عليها والدتها الغرفة بصحبة طفليها اللذين يبدوان في حالة يرثى لها من القذارة.

بادرتها والدتها: "سلامتك يا سميرة!! إلى الآن وأنت في السرير.. البيت حالو حال . ما بك يا سميرة.. هل حصل بينك وكمال شيء؟"

أقسمت سميرة لأمها أن كل شيء بينها وكمال على ما يرام بل هي تشعر أنها مقصرة في حقه وحق أولاده. كمال نفسه محتار في أمرها. لقد أخذها إلى عدد من الأطباء الذين أكدوا لهما أن الكشف السر يرى والفحوصات المخبرية لم تظهر أي شيء سلبي. أحدهم نصح إبراهيم أن يأخذها لطبيب نفسي إلا أن كلاهما يرفض الفكرة. ماذا يقول الناس عنها؟ سيقول البعض أنها مجنونة.

" لازم أصابتك عين أو حد عمل لك سحر." أكدت الأم. " سأمر على أم سليمان لأحضرها أنها خبيرة بكشف وإبطال أي سحر أو عين."

بسرعة قامت الأم بتنظيف وتغيير ملابس الطفلين وإطعامهما. طلبت من سميرة أن تعتني بنفسها وتبدل ثيابها ريثما تعود بأم سليمان. عادت سريعا مع أم سليمان وهي سيدة في الخمسينيات من عمرها تبدو من نظراتها الفطنة والذكاء وقد اشتهرت في الحي بقراءة الكف وكشف الغيب وإفساد عمل العين والسحر. أجلست سميرة بجانبها وأخذت بكفها الأيمن وركزت عليه بنظراتها الثاقبة وبدت لفترة كأنها في حالة ذهول قبل أن تؤكد للاثنتين أن ما بسميرة ما هو إلا عمل قامت به سيدة معروفة للاثنتين في الثلاثين من عمرها وبدأت تعدد صفاتها بأسلوب ذكي قد ينطبق على الكثيرات.

صاحت سميرة أنها عرفت تلك السيدة. إنها مريم شقيقة كمال زوجها. الوصف ينطبق عليها تماما. كانت سميرة تعتقد أن مريم تغيرت كثيراً في الآونة الأخيرة. توقفت عن الزيارة والسؤال عن سميرة التي تعتقد أن مريم تغار منها وتحسدها على سعادتها مع كمال وها هي تلجأ إلى السحر للتفريق بينهما.

بادرتها أمها !!! "حرام عليك يا سميرة...مريم تحبك وتعتز بصداقتك.. انتو زى الأخوات . ما تنسى هي الرشحتك لكمال للزواج. حرام تظلميها."

لم تضيع العرافة الوقت وأخذت تبحث عن العمل وأخيراً أخبرت الأم أنها عثرت عليه مخبأ تحت وسادة سميرة عبارة عن لفافة صغيرة من القماش تحتوى على مسحوق اسود. أخذت أم سليمان اللفافة إلى المطبخ وأشعلت فيها النار للتخلص نهائيا من ذلك العمل. وقامت بطمأنة سميرة على أنها ستستعيد عافيتها تماما في الحال.

أطلعت سميرة كمال بكل ما جرى ذلك اليوم وهي تشعر بشيء من الارتياح. والدتها حذرتها من ذكر اسم مريم لزوجها حتى لا تثير غضبه عليها لأنه يحب شقيقته كثيراً.وفي تلك الليلة نامت سميرة مبكراً وشعر كمال أن الأمور تسير للأحسن وحمد الله على كل شيء.

للأسف صحت سميرة حوالي الثالثة صباحا وهي تجهث بالبكاء. لقد حلمت حلماً مخيفاً إذ رأت نفسها وهي تهوي داخل بئر عميقة. صحت من نومها وهي تصرخ وتنادي على كمال مستغيثة به. فكر كمال في أن يأخذها إلى الطبيب النفسي ذلك اليوم إلا أن والدة سميرة رفضت الفكرة وفضلت إحضار قارئة قرآن.

استمرت حالة سميرة في التدهور. لم تستطع القيام بواجباتها نحو أسرتها بل لم تستطع حتى العناية بنفسها مما اضطر والدتها للبقاء بالمنزل طيلة اليوم للإشراف على الطفلين وشؤون المنزل. بدأت تردد أنها تسمع صوتا هامساً يشبه صوت مريم ينبعث من جهاز التلفون وهو يسبها بأقذر العبارات ويلعنها. الصوت يقول عنها أنها أم وزوجة فاشلة وأنها لا تستأهل أن تكون زوجة لكمال وأم لعياله. يصفها بالغدارة ويسخر من تصرفاتها. بل وصل الحد الذي ذكر لها الصوت أنها لا تستحق الحياة بل الأفضل للجميع لو أنها اختفت عن هذه الدنيا..

تعجب كمال من أمر ذلك الصوت لأنه ليس بالمنطقي أو المعقول أن يصدر من جهاز التلفون بدون أن يرن أو تلتقط سماعته. كذلك لم يصدق أن شقيقته يمكن أن تكيد لزوجته بأي أسلوب كان. لكن سميرة كانت تزداد كل يوم قناعة وتأكيداً.

كانت سميرة بادئ الأمر تنكر على الصوت ذلك القول وأخيراً ابتدأت تغير من رأيها. لربما كان ذلك حقيقة ومهما كان مصدر الصوت فهو يقول الحقيقة عنها لأنها تسببت في ضياع كل الأسرة. و أخيراً قررت في نفسها أمراً مرعباً بعد أن بلغ منها اليأس مبلغه. لقد قررت أن تنتحر لتريح الجميع من كل ما سببته لهم من آلام ولعل كمال يتزوج خيراً منها لترعى الطفلين.

صباح اليوم التالي وقبل أن يغادر زوجها المنزل لعمله اعتذرت له كثيرا لإهمالها وذكرت له انه سوف لن يعاني بسببها بعد اليوم وطلبت منه أن يضمها إليه بشدة وتعلقت به لفترة وهي تجهث بالبكاء. طمأنها كمال على انه سوف لن يتخلى عنها وسوف يقف إلى جانبها إلى أن تستعيد عافيتها تماماً وودعها على أن يراها بعد نهاية عمله. وخرج وهو يعلم أن والدة سميرة سوف تحضر بعد ساعتين لتتولى شؤون المنزل.

توجهت سميرة بعد خروج زوجها إلى غرفة الطفلين. لا زالا نائمين. قبلتهما برفق لكي لا يصحبا وهي تبكى في صمت ومن ثم أغلقت الباب عليهما ثم توجهت إلى غرفتها. ابتلعت قرصين من الحبوب المنومة التي تلقتها من احد الأطباء قبل أن تستلقي على سريرها ثم تلت الشهادة على روحها. بعدها أحدثت بجرأة قطعا عميقا بيدها اليسرى بشفرة أعدتها لهذا الغرض. وبعد أن رأت الدم يسيل من الجرح تغطت بلحافها مستسلمة لقدرها.

بعد أن وصل كمال لمكان عمله راودته الشكوك عن تصرف زوجته. ماذا تعنى بأنه سوف لن يعاني بسببها بعد اليوم, هل هي تدبر أمراً مرعباً؟ غادر مكتبه على الفور واستقل سيارته راجعاً إلى المنزل. بسرعة دلف إلى غرفة النوم ليرى سميرة مغطاة باللحاف وعند كشفه هاله رؤية الدماء تسيل بغزارة على الفراش. هرول للخارج ولحسن حظه التقى بجاره وهو عائد من الخارج. تعاون الاثنان على إيقاف النزيف وحملا سميرة إلى السيارة وتوجها إلى المستشفي حيث تم إسعاف سميرة التي استعادت وعيها بعد زمن وجيز ومن ثم تمّ تحويلها إلى قسم النفسية.

تم تشخيص حالة سميرة على أنها حالة اكتئاب نفسي شديد ولام الطبيب كمال كثيراً على تأخره في تقديم زوجته للعلاج مبكراً وقرر لخطورة الحالة إدخال سميرة القسم الداخلي وبدأ العلاج بالجلسات الكهربائية التي استجابت لها سميرة سريعاً.

بعد عدة أسابيع تم خروج سميرة من المستشفى. كانت تبدو سعيدة ومتشوقة لاستعادة حياتها الأسرية والاجتماعية بصورة طبيعية. الآن تشعر كأنها ولدت من جديد. لاتصدق أنها تعيش من جديد بين أسرتها يحيط بها زوجها وطفليها وأصدقائها ومن بينهم مريم صديقة الطفولة التي كانت متفهمة تماما لاتهامات سميرة لها أثناء مرضها. كل يوم وهي تدعو وتشكر ربها على استمرارها في الحياة لأجل طفليها وزوجها الذين وعدت نفسها أن تعوضهم كل الحرمان العاطفي والتقصير طيلة مرضها.

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 06:40 PM   #2
صلاح سليم
نائب المشرف العام سابقا
عضو مجلس إداره دائم


الصورة الرمزية صلاح سليم
صلاح سليم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28619
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 04-12-2022 (09:58 PM)
 المشاركات : 6,209 [ + ]
 التقييم :  239
 الدولهـ
Egypt
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Navy


متابع بتشوق ....


 

رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 07:09 PM   #3
بسمة الغد
نائب المشرف العام سابقا


الصورة الرمزية بسمة الغد
بسمة الغد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 23323
 تاريخ التسجيل :  03 2008
 أخر زيارة : 21-11-2016 (11:29 PM)
 المشاركات : 5,253 [ + ]
 التقييم :  217
 الدولهـ
Jordan
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Burlywood


مساء الخير استاذة ليلى
بانتظار المزيد
دمتي لنا


 

رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 08:35 PM   #4
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صلاح سليم مشاهدة المشاركة
متابع بتشوق ....
وانا اقول ليش الصفحة منورة
اتاري ده نورك يا صلاح
ابقى متابع فمتابعتك شرف لي


 

رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 08:36 PM   #5
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بسمة الغد مشاهدة المشاركة
مساء الخير استاذة ليلى

بانتظار المزيد

دمتي لنا

مساء الانورا يا بسمة
نورتيني عزيزتي
الله لايحرمنا ها الطلة الحلوة


 

رد مع اقتباس
قديم 21-01-2011, 11:06 PM   #6
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


محمـــــــــــود

عاد محمود من مدرسته بعد نهاية اليوم الدراسي وتوجه فوراً إلى غرفته وأغلق الباب من خلفه. كانت والدته بالمطبخ تعد طعام الغداء. هي تعلم أنه يعود مباشرة من مدرسته للمنزل. إنه ليس كبقية التلاميذ الذين يتسيبون في الخارج لبعض الوقت قبل توجههم لمنازلهم بعد مغادرتهم الحافلة المدرسية. كثير منهم يقف في المنحنيات يتجاذبون الأحاديث والطرف والأشقياء منهم يلعبون الكرة بأي شيء يصادفهم حتى ولو كانت علبة مشروب فارغة أو يتمازحون، وقد يتمادون في ذلك لدرجة السباب أو العراك قبل أن ينفضوا ويذهب كل منهم في سبيله. القلة منهم تؤثر الانتظار قليلاً لحين مرور أو توقف حافلات الطالبات لاختلاس النظرة التي اعتادوا عليها يوميا..

كان من عادة محمود أن يمر علي والدته داخل المطبخ محيياً ومازحاً ويتناول شيء مما أعدته لوجبة الغداء على عجل ولكنه في الآونة الأخيرة لم يعد يحفل بالمرور عليها لتحيتها أو لتناول شيء يأكله.هي تشعر بغريزة الأم أن في الأمر ما يقلقها ولكنها تطمئن نفسها ربما عليه بعض الواجبات المدرسية أو يعد نفسه لامتحان. عليها أن لا تنزعج فمحمود يتحمل المسؤولية ويعرف ما يفعل.

محمود شاب في السادسة عشرة من عمره، نحيف الجسم، طويل القامة، وجهه تبدو عليه شيء من الوسامة مع الجدية، خجول، يتفادى الاختلاط بالآخرين وليس له إلا صديق واحد يماثله في الخلق والخلق ويتنافس معه على إحراز المرتبة الأولى في الصف. هما يتقابلان من وقت لآخر لمراجعة بعض الدروس أو الذهاب للمجمع الثقافي لحضور ندوة أو معرض للكتاب. من لا يعرفه جيدا من زملائه في المدرسة يعتقد انه متعجرف و"شايف حاله" ولا يأبه بأحد.


الحقيقة أن محمود ليس بالمتعجرف أو المتعالي بل هو انطوائي بعض الشيء. يأخذ الأمور بجدية زائدة و ليس له وقت يضيعه في اللهو والعبث. يكرس جل وقته للمطالعة والدراسة وشبكة المعلومات الالكترونية. يحبه أساتذته لأدبه الجم ولاهتمامه بدراسته وهم يتوقعون له مستقبلاً باهراً.

وهو كذلك أصغر الأبناء الثلاثة في الأسرة. سامية البنت الكبرى حصلت على الثانوية العامة منذ سنتين ولم يحالفها الحظ دخول الجامعة ولذلك التحقت بأحد المعاهد الأهلية للتدرب على أعمال السكرتارية. أما سعاد البنت الأصغر والتي تكبر محمود بعام فلا زالت بالمرحلة الثانوية وهى تعيد سنتها الثانية بالصف الثاني مما سمح لمحمود أن يلحق بها في الصف الدراسي. سعاد ليست ذكية وليس لديها اهتمامات أكاديمية فهي تقضى معظم وقتها في العزف على آلة الأكورديون والتدرب على تقليد بعض الفنانات و تتمنى أن تصبح يوماً مغنية يشار لها بالبنان.

الوالد حاج عبد الرحمن في العقد الخامس من عمره ويعمل محاسباً بأحد الشركات الخاصة. رجل طيب وفاضل متدين يقضي معظم وقت فراغه متتبعاً الندوات والمسلسلات الدينية في التلفاز.

أما الأم حاجة الرضية فهي مثل اسمها راضية قانعة بنصيبها من الدنيا. لم تنل حظاً من التعليم وقنعت بتكريس عمرها وجهدها لعائلتها. هي تصلى وتدعو الله كثيراً لهم بالتوفيق وأن يصرف العين والحسد عنهم.

في الأسابيع القليلة الماضية لاحظ الوالدان أن محمود فقد كثيراً من شهيته للأكل. يقضى معظم وقته في غرفته متفادياً بقية الأسرة. يبدو كئيباً شاحب الوجه قلقا متوتراً. تجده شارداً سارحاً بعيداً لا يركز على شيء كأنه يعيش في وادٍ آخر. يتحدث باقتضاب وقد يخونه التعبير أو تتوه منه الكلمات أحيانا. أصبح لا ينام جيدا وكم من مرة دخلت عليه أمه في منتصف الليل لتجده مستيقظا يتقلب في فراشه.عند سؤاله عن حاله يجيب بدون اكتراث بأنه على خير ولكن الجميع يشعر بأن الأمر ليس كذلك. أخذه والده للطبيب الذي أجرى عليه كشفاً سرير يا دقيقاً مع بعض الفحوصات فلم يهتد إلى شيء فطمأن الأبوين على أن الأمر لا يعدو أن يكون بسبب ضغوط وصراعات فترة المراهقة التي يمر بها محمود حالياً ووصف له بعض المهدّئات والفيتامينات.

اليوم التالي عاد محمود على غير عادته مبكراً للمنزل. انزعجت والدته كثيرا وهي تراه خائفا ومر تعبا. بعد إلحاحها عليه لمعرفة السبب ذكر لها أن هنالك طالبين في صفه يتربصان به ويتآمران عليه ويقومان بمراقبته طول الوقت منذ فترة. أول الأمر كان يشك في الأمر أما الآن فأنه متيقن من ذلك بعد أن سمعهما يخططان ويتواعدان للاعتداء عليه بعد نهاية اليوم الدراسي. هو لا يستبعد أن تكون لهما علاقة بعصابة ما أو بجهاز استخبارات.

انزعجت الأم كثيرا لما يحدث لمحمود واتصلت بالهاتف لتطلع زوجها بالأمر فوعدها أن يصحب محمود إلى المدرسة في اليوم التالي لاستجلاء الأمر.

وفي صبيحة اليوم التالي كان محمود ووالده عند المدير الذي استمع باهتمام لوالد محمود قبل أن يستدعى الطالبين الذين أنكرا بشدة الاتهام وأكدا احترامهما وإعجابهما بمحمود فلا شيء يجعلهما يكيدان له. مجموعة من نفس الصف برّأت الطالبين وأضافوا أنهم يشعرون في الآونة الأخيرة أن محمود ليس في حالة صحية جيدة. أما أساتذته فقد لاحظوا شروده وتدني مستواه الدراسي مع إهماله لواجباته على غير عادته.

طلب المدير من والد محمود أن يأخذه للطبيب وهذا ما فعله ونصح الطبيب بخلود محمود للراحة بعيداً عن الجو الدراسي وأعطاه بعض العقاقير التي تساعده على الهدوء والنوم.

ساءت الأمور كثيراً في الأيام التالية عندما بدأ محمود يقول أنه يسمع صوت الطالبين وهو في حجرته يتآمران عليه من جديد ويسبانه بأقبح الألفاظ ويعيرّانه بأنه غير مكتمل الرجولة وأحياناً بأنه" مخنث". كثيرا ما سمعته والدته وهو بحجرته يتكلم بصوت عال مع نفسه وأحياناً كانت تسمعه وهو يجادل أو يعارك مجهول. وكم من مرة قام بتحطيم محتويات غرفته ومن بينها جهاز كمبيوتره الخاص متهماً نفس الطالبين بإرسال رسائل على بريده الإلكتروني يسبانه فيها ويتوعدانه.

مع الأيام صار محمود عنيفاً مع أفراد أسرته متهماً أنهم لا يفعلون شيئاً لمساعدته بل يتشككون في ما يقوله لهم خاصة عندما ذكر لهم أن الطالبين يشلان حركة جسمه وتفكيره بتسليط تيار مغناطيسي عليه من بعد وأنهما يستطيعان تعذيبه بأساليب مختلفة مثلاً يستطيعان سحب أفكاره من مخه وتفريغه بالكامل مع إمكانهما دس أو غرز أفكار غريبة عليه وذات محتو ى جنسي وشاذ مكان تلك الأفكار.


جاء الأب ببعض المقرئين لتلاوة القرآن عليه لعل الشيطان داخله يتركه في حاله. وأخيرا أتى احد أصدقاء والده بشخص يتعامل مع الجن واستعمل هذا كل الأساليب المعروفة لديه ومنها الضرب بعصا صغيرة حتى كاد محمود أن يفقد وعيه من الألم إلا أن الجني العنيد لم يستسلم.

اضطر والد محمود لزيارة الطبيب مرة أخرى عندما بدأ محمود يهدد بأن يقضي على حياته لسأمه الحياة ولتخليص نفسه من ذلك العذاب. هذه المرة أسرع الطبيب بتحويل محمود للمستشفي النفسي. وبعد استماع الأخصائي لتفاصيل المرض قرر على الفور إدخال محمود القسم الداخلي بعد أن أوضح للأسرة أن محمود يعاني من أعراض مرض الفصام أو" الشيزوفرينيا" ولام الوالد ضمنيا على التأخر في إحضار محمود للعلاج في وقت مبكر ولكنه طمأن الجميع بمعافاة محمود قريباً.

كان التحسن مضطرداً في صحة محمود للدرجة التي سمحت بخروجه من القسم الداخلي بعد خمسة أسابيع على أن يراجع قسم العلاج النهاري لمتابعة حالته وإخضاعه لعملية تأهيل نفسي واجتماعي قبل عودته لمواصلة دراسته. وعندما قرر عدد من زملائه في الصف زيارته في المنزل لتهنئته بالشفاء أعدت حاجة الرضية والدة محمود ذلك اليوم بعض الطعام والشراب لتقديمه لهم عند حضورهم. لقد كانت بالحق لحظات مشهودة عندما التقى الزملاء وكانت المفاجأة أن كان من بينهم نفس الطالبين الذين كان محمود يتهمهما بالكيد له وإيذائه. اعتذر لهما محمود فتقبلا الاعتذار بتفهم ورضاء تام. كان الزملاء سعداء لرؤية محمود وهو معافى وفي كامل صحته وقضوا وقتاً سعيداً وهم يستعيدون فيه الذكريات ويروون فيها الطرف. وعندما حان الوقت للمغادرة خرج اثنان منهم وعادا من السيارة بجهاز كمبيوتر جديد باسم كل الصف هدية لمحمود وتعويضاً له على جهازه الذي حطمه بنفسه. شكر محمود زملاءه على زيارتهم وهديتهم وكله شوق لليوم الذي يعاود فيه الدراسة والانضمام لزملائه في الصف من جديد.


 

رد مع اقتباس
قديم 22-01-2011, 09:36 AM   #7
ظل امرأة
المشرف العام
بقايا حنين


الصورة الرمزية ظل امرأة
ظل امرأة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28828
 تاريخ التسجيل :  09 2009
 أخر زيارة : 14-05-2024 (10:27 AM)
 المشاركات : 29,407 [ + ]
 التقييم :  357
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Black


ليلى الحمدان..

اسمحي لي أن اقتحم قلب حكاياتك المشوقة
لأسلم عليكِ واخبرك انني اشتقت اليكِ ايتها المُشرقة..


 

رد مع اقتباس
قديم 22-01-2011, 01:34 PM   #8
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


سلمت أنمالكِ يا أستاذة ليلى حروف ذهبيه وتستحق القرائه لمرات عديدة


 

رد مع اقتباس
قديم 22-01-2011, 09:24 PM   #9
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظل امرأة مشاهدة المشاركة
ليلى الحمدان..


اسمحي لي أن اقتحم قلب حكاياتك المشوقة

لأسلم عليكِ واخبرك انني اشتقت اليكِ ايتها المُشرقة..
هل يوجد احلى من انو ظل تقتحم قلب حكاياتي
انت تقتحمي قلبي انا شخصيا مو بس قلب حكاياتي
واعلمي اني انا ايضا اشتقت لك ولظرافتك وخفة دمك وتميزك وكل شيء فيك
الله لاحرمني منك يا الغالية


 

رد مع اقتباس
قديم 22-01-2011, 09:25 PM   #10
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الشاكر مشاهدة المشاركة
سلمت أنمالكِ يا أستاذة ليلى حروف ذهبيه وتستحق القرائه لمرات عديدة
اخي الشاكر في صفحتي يا هلا والله نورت وزدت للموضوع جمالا ورونقا بطلتك البهية
لا تحرمنا ها المرور العطر
لك مني اسمى التحيات


 

رد مع اقتباس
قديم 22-01-2011, 09:32 PM   #11
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


الموسوســة

لا تدري مي كم من الوقت قد مضي عليها وهي بغرفة الحمام. كل ذهنها مشغول بمتابعة عملية الاستحمام التي تجري بدقة وعلى حسب طقوس ثابتة وذلك لكي تطمئن نفسها على إزالة كل أثر لجر ثوم أو نجاسة أو تلوث. ولكي تحصل على مثل هذه النتيجة فهي تتبع روتيناً ثابتاً يؤكد لها أن أي بوصة في جسدها قد طالتها عملية النظافة. لذلك هي تبدأ النظافة بالجانب الأيمن من جسمها بدأ بقدمها الأيمن ثم تواصل الصعود إلي الجانب الأيمن من عنقها يلي ذلك الجانب الأيسر إلى العنق ومن ثم تنظف وجهها ورأسها وشعرها. لكن العملية لا تسير بصورة مقنعة لمي لعوامل الشك التي تعتريها فغالباً ما تشك أنها قد نسيت مساحة ما مما يستدعي إعادة العملية مرة أخري للاطمئنان. وهكذا يمر الوقت ومي تجاهد نفسها لإتمام العملية بصورة متكاملة. هذا ليس فقط قاصراً على عملية الاستحمام بل أيضاً عمليتا الوضوء والصلاة اللتان تتعرضان لنفس الشكوك التي تقود إلى التكرار.

" يا بنت يا مي...ما خلاص تخرجي من الحمام. أخواتك مستنين يروحوا الحمام كمان عشان يحصلوا المدارس.. الله يرضي عليك كملي"

هكذا أتاها صوت والدتها وهي تستغيث بها لكي تخرج. هم دائماً يستعجلونها بهذه الطريقة مما لا يسمح لها بالاطمئنان على إكمال عملية الاستحمام و مما يجعلها تفكر في إعادتها مرة أخرى عندما يخلو الحمام.

من عادة مي أن تأخذ حمامها يوميا في المساء بعد انتهائها من مذاكرتها وبعد أن يذهب الجميع إلى فراشهم للنوم. في مثل هذا الوقت تستطيع أن تقضي ما شاء لها من الوقت ولكنها اضطرت هذا الصباح لاستعمال الحمام لأنها لم تستطع مقاومة النوم الليلة السابقة عندما قررت أن تستلقي على فراشها لعدة دقائق لتريح جسدها المنهك إلا أنها استغرقت في نومها إلى الصباح.

مي تبلغ الثامنة عشر من عمرها وهي طالبة جامعية في عامها الثاني بكلية الصيدلة تعيش مع أسرتها المكونة من الأب والأم وشقيق وشقيقة يصغرانها في السن. وهي طالبة مجدة في دراستها تقضي معظم وقتها في حجرتها تراجع دروسها وإعداد واجباتها. ليس لها صديقات بل تفضّل عدم الاختلاط بالغرباء. لها عادات وتصرفات غريبة منها هوسها بالنظافة والغسيل وذلك لخوفها من النجاسة والمرض ولذلك تتفادى كل ما تعتقد انه نجس أو ملوث بالقاذورات أو الجراثيم. فهي لا تشارك أسرتها في استعمال نفس الأكواب أو الأطباق ولا تترك أحدا يستعمل أوانيها أو حتى يلمس ملابسها لأن ذلك قد يضطرها لإعادة غسلها.

وهي كذلك تقضي وقتاً طويلاً في المذاكرة لضعف تركيزها وبطأ استيعابها و للوساوس التي تنتابها وتفرض نفسها عليها. وساوس في شكل أفكار أو صور ذهنية ذات طبيعة سخيفة أو تافهة أو شاذة. هي تحاول التخلص من هذه الوساوس بالتجاهل أو الطرد أو التحييد بعمل ما ولكن بدون أي فائدة وهذا ما يزيد من قلقها وألمها وخاصة عندما تكون ذات طبيعة جنسية أو دينية أو تتعلق بالذات اللألاهية.

الأم حاجة سعدية متفهمة لمعاناة وتصرفات ابنتها مي ولديها شعور بالذنب لأن مي ورثت عنها هذا المرض اللعين. منذ سنوات كانت هي تعاني من نفس الأعراض. كان الجميع يقول عنها أنها موسوسة وكادت وسوستها تكلفها حياتها الزوجية إذ كان زوجها حاج إبراهيم يتضايق كثيراً من هوسها بالنظافة ويهدد بأن يترك لها المنزل. كانت تقضي معظم يومها في المسح والغسيل وإعادة ترتيب محتويات غرف المنزل. كانت لا تطمئن على أي شيء فهي تراجع وتعيد فعل الشيء مرات. كانت لا تأكل أو تشرب عند الغير وعندما يزورها أحد تعيد غسل ما استعمله من إناء مستعينة بالمطهرات أحيانا. كانت كثيرة القلق على أفراد أسرتها وكانت تتوهم أن مكروها قد يصيبهم وهم بعيدين عنها وكم من مرة اتصلت بزوجها في العمل لتتأكد انه فعلاً سليم ولم يتعرض لحادث كما كانت تتوجس. وكان في الماضي ينتابها شعور مخيف بأنها قد تفقد سيطرتها على نفسها وتؤذي احد الأطفال بسكين المطبخ ولذلك كانت تبعدهم عن المطبخ وهي تعد الطعام أو تبعد السكين عندما يكون الأطفال بالقرب منها.

لم يترك حاج إبراهيم شيء إلا حاوله مع زوجته فقد أحضر لها المقرئين الذين كانوا يتلون عليها آيات من القرآن وكذلك الذين يتعاملون مع العين والسحر والجن وأخيراً الأطباء النفسيين. في السنوات الأخيرة بحمد الله خفت الأعراض كثيرا وبدأت الأم تغير الكثير من تصرفاتها وانحسرت عنها معظم الأعراض.

و لكون مي دارسة علوم فهي تعلم أنها مصابة بداء الوسواس القهري. شخص حالتها أحد الأطباء وهي من نفسها اطلعت على عديد من المراجع للتعرف على مرضها. منذ فترة وهي تتناول الأدوية بانتظام إلا أنها لم تستفد الفائدة التي كانت تتوقعها. تناول الأدوية يخفف عليها حالة القلق ويقلل من الوساوس ولكن ترجع الأعراض لحدتها متى قللت الجرعة أو توقفت عن الاستعمال.

احد أساتذة مي اقترح عليها أن تراجع احد الأطباء النفسيين الذين يمارسون العلاج النفسي والسلوكي في آن واحد. هذا الطبيب ابتدأ معها برنامجاً علاجياً سلوكياً يساعدها على السيطرة على الوساوس بإيقافها لحظة إحساسها بها وكذلك برنامجا سلوكياً آخر تعرض فيه نفسها أولاً في خيالها ومن ثم في الواقع بالتدريج على الأشياء والأماكن التي تتخوف منها ولذلك كانت تعمد إلي تفاديها. وكذلك برنامجا يساعدها على السيطرة على أي نزعة لممارسة أي فعل أو طقوس كانت تقوم بها بصورة قهرية. تمارين الاسترخاء وممارسة التأمل واليوقا ساعدتها كثيرا على السيطرة على قلقها المستمر.

الآن مضت حوالي ثلاثة أشهر على مي وهي تمارس هذه التمارين بالإضافة إلى تناول أدويتها بانتظام. هي تشعر أن الأعراض انحسرت بنسبة ثمانين في المائة. تشعر كأنها ولدت من جديد وأنها تذوق طعم الحياة اللذيذ. بدأت تكون العديد من الصداقات وتهتم بالحياة الاجتماعية. والشيء المثير حقا أنها بدأت تستعمل نفس الأكواب والأطباق التي يستعملها بقية أفراد الأسرة وكذلك تقضي وقتا معقولاً داخل الحمام بدون حاجة لتكرار عملية الغسيل.

لم تنس مي والدتها فهي تعرف أن الوالدة تعاني من نفس المرض وان خفت حدته أخيرا. دربت مي والدتها على نفس التمارين وكثيراً ما تراهما معا وهما يمارسان التمارين باستمتاع. لقد تغير جو الأسرة كثيراً وحمد حاج إبراهيم الله كثيراً على رفعه البلاء عن أسرته. لقد استجاب الله لصلاته ودعائه وهو على ذلك من الشاكرين.


 

رد مع اقتباس
قديم 23-01-2011, 07:11 PM   #12
ظل امرأة
المشرف العام
بقايا حنين


الصورة الرمزية ظل امرأة
ظل امرأة غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28828
 تاريخ التسجيل :  09 2009
 أخر زيارة : 14-05-2024 (10:27 AM)
 المشاركات : 29,407 [ + ]
 التقييم :  357
 الدولهـ
Palestine
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Black


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أ.ليلى الحمدان مشاهدة المشاركة
هل يوجد احلى من انو ظل تقتحم قلب حكاياتي

انت تقتحمي قلبي انا شخصيا مو بس قلب حكاياتي
واعلمي اني انا ايضا اشتقت لك ولظرافتك وخفة دمك وتميزك وكل شيء فيك

الله لاحرمني منك يا الغالية
تسلميلي يا كل الحلا انتي
حبيبة قلبي يا ليلى
استاذة الذوق الرفيع والأصالة..
وربي ما يحرمنا من وجودك واطلالتك الرائعة
ويبدو انني سأكون ظلاً لحكاياتك:wink:


 

رد مع اقتباس
قديم 24-01-2011, 07:59 PM   #13
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظل امرأة مشاهدة المشاركة
تسلميلي يا كل الحلا انتي

حبيبة قلبي يا ليلى
استاذة الذوق الرفيع والأصالة..
وربي ما يحرمنا من وجودك واطلالتك الرائعة

ويبدو انني سأكون ظلاً لحكاياتك:wink:
هذا يشرفني يا ظل
اهلا وسهلا بك في كل وقت
تنوري ياالغالية


 

رد مع اقتباس
قديم 24-01-2011, 08:16 PM   #14
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


سعيــــــد

ظل حاج عبد الله جالسا لساعات طويلة في غرفة الاستقبال يغالب النوم منتظرا عودة أبنه سعيد من الخارج.


الساعة الآن شارفت الثالثة صباحا ولم يعد سعيد بعد بالرغم من وعده أن يكون بالمنزل في الحادية عشرة والنصف مساءا. ها هو كعادته لا يلتزم بوعده. لقد حاول كلا الوالدين مرارا الاتصال به على هاتفه الجوال ألا أن الهاتف كان مغلقا في كل المحاولات. يبدو أنه قام بإغلاقه متعمدا لكيلا يتصل به أحدهما مطالبا له بالعودة السريعة للمنزل. لقد انتظرت أم سعيد بجانب زوجها إلى ما بعد منتصف الليل وهى تدعو الله أن يعيده بالسلامة إلا أنها اضطرت للذهاب إلى فراشها وهى مغلوبة على أمرها للإرهاق الشديد الذي كانت تشعر به لانهماكها المتواصل في شؤون المنزل. لكنها لم تنس أن تطلب من زوجها ألا يقسو عليه ويغضبه عند عودته، بل يتركه يذهب لفراشه لينام ليلحق بحافلة المدرسة.


دارت أفكار كثيرة مقلقة ومخيفة في بعض الأحيان في ذهن حاج عبد الله وهو ينتظر عودة أبنه. لعله أصيب في حادث حركه وهو الآن في المستشفى. وقد يكون قد تعارك مع بعض الشباب والآن في مخفر للشرطة. قد..قد..لعل...ولعل... كثير من الاحتمالات دارت في ذهنه إلى أن استقرت عيناه صدفة على صورة فوتوغرافية قديمة معلقة على الحائط أمامه تضمه هو وزوجته مع ابنهما سعيد وهو في عامه السادس. انفرجت أساريره للحظة وهو يسترجع ذكريات تلك الفترة السعيدة. كان سعيد لصيقا بوالده لا يفارقه عند تواجده بالمنزل وهو يشاهد التلفاز أو يطالع صحيفته. وكان يصحب والده بالسيارة في كل جولاته بعد دوام العمل الرسمي وكذلك إلى المسجد. أما أصدقاء الوالد فكانوا يرتاحون لرؤية سعيد دأبوا على ممازحته ومداعبته وهو يستجيب لهم بكل براءة وعفوية. الجميع يقول أن ذكاءه وأسلوبه في التعبير عن أفكاره الطفولية أكبر من عمره الزمني بكثير. كل تلك الصفات حببت حببت سعيد لوالده الذي كان يسعد كثيرا عندما كان سعيد يمطره بأسئلته العفوية الذكية التي كان يصعب أحيانا عليه الإجابة عليها بأسلوب يستوعبه عقل الطفل. المشكلة الوحيدة حينئذ كانت إفراط سعيد في حركته وتسرعه واندفاعه وعدم حيطته أحيانا. ونتيجة لذلك أصيب بكسيرين بذراعه ورجله. طبيب الأسرة ذكر له أن سعيد قد يكون يعانى من اعرض" اضطراب فرط النشاط وعجز الانتباه" وقد يقوم بتحويله لطبيب الأطفال النفسي لو تعاظمت الأعراض مستقبلا. لكن الحمد لله هدأت حركته كثيرا الآن إلا أنه لا زال يصعب عليه التركيز أو الصبر على أمر ما لفترة تكفى لإنجازه.


وبينما كانت هذه الذكريات تدور في ذهن حاج عبد الله إذ به يغفو قليلا. رأى في منامه سيارة مسرعة تصطدم بصبي قريب الشبه بسعيد وتقذف به بعيدا. أفاق من نومه مفزوعا وزاد من روعه رنين جرس الباب الخارجي في نفس اللحظة.


" اللهم أجعله خير. اللهم أستر " ردد حاج عبد الله هذه العبارات لنفسه وهو يتجه نحو الباب. ظن لوهلة أنها الشرطة قادمة لتبلغه أنباء سيئة عن سعيد. تردد كثيرا قبل أن يفتح الباب ولكنه اضطر لذلك عندما عاد الرنين مرة ثانية. الحمد لله لقد أكتشف أن القادم هو سعيد نفسه فتحول فزعه في لحظة إلى مشاعر متناقضة من الارتياح والغضب. الارتياح لعودته سالما والغضب لما عاناه هو ووالدته من قلق وخوف وسهر وهما في انتظار عودته.


" أين كنت لهذه الساعة؟., تركتنا منتظرين لآذان الفجر, وكمان مغلق تلفونك !!." بادر حاج عبد الله سعيد وهو يحاول كبح غضبه.


" كنت مع أصحابي، رفضتم تعطوني نسخة من المفتاح حتى لا تنتظروني". رد سعيد بشيء من الحدة والغلظة على والده.


" أترك الولد لحالو، الحمد لله أهو رجع بسلام، خليه يروح ينام... عنده مدرسة الصباح"


هكذا فاجأت أم سعيد زوجها وقد أفاقت لتوها من نومها على صوتيهما. هي في الحقيقة لم تستطع الاستغراق في النوم وكانت تصحو من آن لآخر لكي تطمئن على عودة سعيد وتتمتم ببعض الأدعية راجية من الله سلامته قبل أن تغمض عينيها مرة ثانية. شعرت بشيء من الارتياح عندما سمعت صوته وهو يرد على والده فتركت سريرها لتمنع أي صدام محتمل بينهما. هي دائما تتدخل عندما يواجه الوالد سعيد ناصحا أو معاتبا. تقف بجانبه على الدوام وتحاول أن تجد له المبررات والأعذار عندما يخطئ. هذا التصرف منها أستغله سعيد لمصلحته مما جعله يستهين بوالده ويتحداه أحيانا. مع ذلك هي تشكو مر الشكوى من تصرفات سعيد معها. أنه يعاملها بنفس الأسلوب الذي يعامل به والده ويبتزها لأخذ ما يحتاجه من مال ويضطرها للتستر عليه وأن لا تطلع زوجها على الكثير من تصرفاته الحمقاء. كم من مرة فكر حاج عبد الله في ترك المنزل لها ولأبنها ليريح أعصابه، ألا أنه دائما يلعن الشيطان ويدعو الله أن يمنحه الصبر عليهما. وبدون أن يرد على زوجته بكلمة أتجه لغرفة نومه وهو يكظم غيظه.

سعيد الآن في الثامنة عشر من عمره. لم يستطع العام الماضي إحراز المعدل المطلوب في امتحان الثانوية ليدخله الجامعة ولذلك أضطر أن

يعيد المحاولة هذا العام. لقد حدث تغيير كبير في تصرفاته الأعوام الثلاثة الماضية بعد أن تعرف على بعض أصدقاء السوء. تدنى مستواه الدراسي كثيرا وأصبح لا يهتم بدروسه ويتغيب كثيرا عن الدراسة. أصبح يجادل ويعاند ويتحدى والديه ولا يستمع أو يستجيب لنصائحهما. كثيرا ما كان يرفع صوته ويثور في وجههما ولا يبدى أي احترام لهما. يخرج كثيرا من المنزل بدون أن يستأذن ويتأخر في العودة ويستاء ويتضجر إذا ما لامه والده وأحيانا يتجاهله تماما ويسرع إلى غرفته ويقفل الباب من خلفه. يقضى معظم وقته في غرفته أما مستلقيا على سريره نائما أو متحدثا بهاتفه مع أصدقائه أو منسجما مع جهازي كمبيوتره وتلفازه. وقد تعود عدم الاختلاط ببقية أفراد الأسرة ويفضل تناول طعامه لوحده عندما يحلو له ذلك.


مرات عديدة أستدعى حاج عبد الله للمدرسة لينبه على سلوك أبنه أو ليكتب تعهدا أو يتلقى إنذارا بالفصل له. أخيرا بدأ يتجاهل هذه الاستدعاءات لشعوره بالذل والهوان وهو يستمع للمدير أو الأخصائي الاجتماعي وهما يعددان مشاكل سعيد مع الطلبة ومع أساتذته. أتهم مرارا بالاعتداء على أو تهديد بعض الطلبة أو الإساءة لبعض الأساتذة. وقد تم فصله لعدة أيام في حالتين إلا أنه لم يرتدع. في أحدى المرات أتلف أطار سيارة أحد المعلمين وكاد الأخير أن يستدعى الشرطة لولا أن أقنع والده المعلم بعدم ذلك على أن يدفع له قيمة إطار جديد. أحدى المرات أتى للمنزل تفوح من فمه رائحة الخمر ولكن أسرعت والدته لإدخاله غرفته بينما كان والده منشغلا بالهاتف وصدقها الوالد عندما ذكرت له أنه كان يراجع دروسه مع أحد أصدقائه استعدادا للامتحان.


أخيرا لجأ والد سعيد إلى أحد المشايخ الذي وعد أن يقرأ القرءان عليه دون أن يقابله لرفض سعيد مرافقته. أما والدته فقد لجأت بدورها لأحدى السيدات العرافات التي أخبرتها أن جنية صغيرة تلبست سعيد وهى المتسببة في كل ما يحدث منه ووعدت بإخراجها عن طريق " رقية " تضعها الأم تحت وسادة سعيد. كل هذه المحاولات لم تجد سبيلا حتى كاد الوالد أن ييأس وأن يفوض أمره لله تعالى لعجزه التام عن أصلاح سعيد.


أخيرا نجح خال سعيد الذي كانت له علاقة جيدة به علي إقناعه ليقابل أحد الأطباء النفسيين الذي أبدى استعدادا للمساعدة بعد أن أستنتج من المعلومات التي ذكرها له الخال أن سعيد لا محالة يعانى من أعراض " اضطراب السلوك ". وضح الخال لسعيد أن الطبيب سوف يحاول مساعدته مع والديه على أعادة الانسجام بينهم بعد أن يستمع لثلاثتهم. لم يقل لسعيد أنه المسئول عن عدم الانسجام ويحتاج للعلاج بل ذكر له إن هنالك سوء تفاهم بين أفراد الأسرة يستدعى الحل.


صحب الخال سعيد لعيادة الطبيب الذي أستمع جيدا لوالديه في جلسة سابقة. وبعد تعريفه بالطبيب تركهما الخال لوحدهما وأنتظر بالخارج. كان سعيد متوترا في بداية اللقاء معتقدا أن الطبيب سوف يبدأ كالعادة بانتقاده و محاولة إعطائه درسا آخر في الأدب والأخلاق الحميدة ومحملا إياه مسؤولية كل المشاكل التي حدثت بينه ووالديه وأسرة المدرسة. لذلك قرر أن يغادر الغرفة اللحظة التي يبدأ فيها الطبيب ذلك. لكنه فوجئ بالطبيب وهو يتحدث إليه باحترام وهدوء ويقول له أنه فقط يريد أن يساعد في أعادة العلاقة الطيبة بينه ووالديه وكل ما يريده منه هو أن يجيب على أسئلته بكل وضوح وأن لا يخفى عنه شيئا. وعد سعيد الطبيب بالتعاون الكامل بعد أن أرتاح إليه كثيرا. هذا الطبيب يذكره بخاله الذي يحبه كثيرا لطريقة تعامله معه والتي تختلف كثيرا عن أسلوب والديه الذين يعتقد أنهما ينتقدان كل تصرفاته ويقسوان عليه في الحديث. في البداية وجه الطبيب إلى سعيد بعض الأسئلة لكي يتحقق فيما أذا كان سعيد يعانى من أعراض اضطراب نفسي ما أو يسيء استعمال أي من العقاقير التي تضر بالعقل قد تكون السبب في سلوكه المضطرب. أطمأن عندما تأكد من أنه سليم من هذه الناحية.


عند سؤال سعيد عن طبيعة علاقته بوالديه أجاب بدون تردد بأنها غير جيدة لأن والده يعامله بقسوة ودائما ما ينتقد تصرفاته ويشتمه ويحرجه أمام أخوته الصغار ويعامله كطفل. كذلك ذكر أن والده لا يستجيب لطلباته ولا يعطيه مصروفا مناسبا ويمنعه عن الاتصال بأصدقائه. وكذلك ذكر أنه لا يشعر بسعادة أو بانتماء لأسرته لأن الجميع يتعامل معه بجفاء ويعتقد أن والده يكرهه ويعامل أخوته بطريقة مختلفة. وكم من مرة حاول ترك المنزل ألا أنه لا يدرى إلى أين يذهب. وعند سؤاله إذا ما كان يستمع لنصائح والديه ويستجيب لطلباتهما ذكر أنه أحيانا لا يفعل للطريقة التي يتعاملون بها معه فهما دائما ينتقدانه ويعطيانه أوامر عليه أن ينفذها فقط بدون أي سؤال. أما عن المشاكل التي تحدث في المدرسة فعزاها إلى إن بعض الطلبة والمعلمين يستفزونه و يسيئون إليه ويستصغرون شأنه وهو لا يسمح لأحد أن يعامله بتلك الطريقة. ولذلك فهو ينتقم لنفسه في الحال بأي وسيلة تخطر على باله لحظتها.


هنا أوضح الطبيب له برفق بأن انتقاد والده له وتشدده معه في بعض الأحيان لا يعنى أنه لا يحبه بل يهدف إلى إرشاده وتوجيهه إلى السلوك القويم لكي يشب مواطنا صالحا وناجحا في مستقبل حياته. هذا واجب على كل أب وليس على والده فقط. وكذلك ذكره الطبيب بالتصرفات التي قام بها في المدرسة والتي أساءت لوالديه كثيرا. ولم ينس أن يذكره بالأشياء الثمينة التي اشتراها له والده والتي عددها هو بنفسه مثل جهاز التلفاز والكمبيوتر والدراجة والهاتف الجوال مع تكبده مصاريف الدروس الخصوصية لكي يحسن من مستواه الدراسي. ذلك يؤكد إن والده يستجيب لطلباته في حدود إمكانياته المادية المحدودة. وكذلك لفت انتباه سعيد بأن الأشياء التي يطالبه بها والده هي لمصلحته هو فقط وهو الذي يضار مستقبلا أذا ما أستمر على نفس التصرف.


ظل سعيد واجما وهو يستمع للطبيب وهو يوضح له هذه الحقائق بكل هدوء. بدأ يستوعب الأمور بصورة مغايرة ولأول مرة يشعر أنه يستمع لشخص يبين له مشاكله بدون أن يجرح كبريائه ويثير غضبه. الآن هو يتفهم حسن نوايا والده الذي يريد له كل خير ولو قسي عليه في بعض الأحيان. في الماضي كان يركز فقط على الأشياء التي كان يعتقد أنها سلبية في تعامل والده معه ولذلك وصل إلى قناعات خاطئة أدت إلى سلوك خاطئ منه وبالتالي إلى تدهور علاقته بوالديه وأسرة مدرسته.


لم يتردد سعيد على الموافقة على الحضور اليوم التالي لكي يخضعه الطبيب لجلسة تحت التنويم لكي تساعده على تغيير كل المفاهيم الخاطئة التي كونها عن والديه وعن الآخرين. ولأول مرة يشعر أن هنالك شخص يتعامل معه بكل تهذيب وتفهم ويرغب في مساعدته علي حل مشاكله. لذلك أتى سعيد اليوم التالي لوحده لمقابلة الطبيب وهو في ثقة أن مشاكله في طريقها للحل. تدبر الليلة الماضية في ما قاله الطبيب له. بدت له الأمور على حقيقتها لأول مرة وشعر بشي من تأنيب الضمير لتصرفاته الحمقاء التي عادت عليه وعلى أسرته بكثير من الشقاء.


بعد شرح موجز لعملية التنويم التي تتطلب كل تعاون من سعيد لإنجاحها أستطاع الطبيب إن يوجه سعيد بإيحاءاته إلى مرحلة النشوة التنويمية ومن ثم طلب منه إن يستغل خصوبة خياله ويرجع بذاكرته إلى الوراء لأربعة سنين ليتذكر بوضوح كل سلوكياته السلبية مع معلميه ومع والديه ومع أشقائه وما أحدثته هذه التصرفات من أضرار له شخصيا ومن آلام للآخرين. وبعد ذلك طلب منه أن يتخيل حاله بعد خمسة وعشرة سنوات وهو يسلك نفس السلوك ويتخيل النتيجة وقد فصل من المدرسة وأضطر أن يترك منزل والديه ويهيم في الشوارع بدون مأوى ولا عمل ويعيش مع حثالة المشردين والمنبوذين اجتماعيا. وكذلك يتخيل دخوله في مواجهات عديدة مع الشرطة واتهامه بالسرقة وإزعاج الأمن العام وقد تم حبسه لأشهر. هذا سيكون مصيره إذا ما أستمر على نفس السلوك. وبعد أن أخرجه من الحالة التنويمية ناقش معه كل ما تخيل حدوثه مستقبلا مستشعرا كل الآلام التي صاحبت تخيله. و عند سؤاله إذا ما كان فعلا يريد السير في هذا الدرب نفى بشدة ذلك وهو يظهر امتعاضه من تلك الصورة الخيالية المخيفة والبغيضة. ومرة أخرى أرجعه الطبيب إلى نفس الحالة التنويمية العميقة وهذه المرة طلب منه أن يتخيل نفسه وقد غير من تصرفاته وواظب على دراسته وحسن علاقته بوالديه الذين أصبحا سعداء بهذا التغيير وظلا يشجعانه ويشدان من أزره حتى نجح في التخرج من الجامعة والتحق بعمل يدر عليه راتبا مجزيا أستطاع به أن يقتنى كل ما يحب وتوج ذلك بزواجه وإكرام الله له بطفلين. وعند سؤاله إذا ما كان يرغب في السير في هذا الدرب أجاب سعيد بكل قوة وثقة بالإيجاب. وبعد إن أخرجه الطبيب من الحالة التنويمية أستعرض معه كلا الاحتمالين ووجد منه نفورا شديدا من الاحتمال السلبي وإصرارا على الاحتمال الإيجابي الذي يكسبه رضاء والديه ويحقق له كل أهدافه في الحياة.


في الجلسة التالية طلب الطبيب من سعيد إن يتخيل نفسه بعد عملية التغيير التي حدثت له بعد سنين وقد حقق كل أمانيه. يتخيل نفسه وهو واقف مرفوع الرأس مبتسما وهو ممتلئ ثقة وأيمانا، فخورا ومعجبا بنفسه وبجانبه زوجته وطفلاه وهم أمام سيارة فارهة يمتلكها ومن خلفهم منزل كبير يمتلكه أيضا. هذه الصورة الخيالية سوف تنطبع في عقله الباطني الذي سوف يحتفظ بها ويحفزه باستمرار لتحقيقها في الواقع مستقبلا. كذلك طلب منه إن يتخيل صورة لوالديه بعد عدة سنين وهما يبتسمان له ويشعران بالفخر والإعزاز لأن الله وفقهما علي حسن تربيته التي ساعدته علي تحقيق كل آماله في الحياة. وأخيرا أعطاه إيحاءات يرددها من خلفه ليحتفظ بها عقله الباطني لتكون جزء من قناعاته لتعطيه التصميم وقوة الإرادة والثقة بالنفس للاحتفاظ بهذا التغيير الايجابي لتحقيق كل أمانيه.


أما الجلسة الأخيرة فقد جمعت بين سعيد ووالديه. طلب الطبيب من الوالدين أن يعبرا لسعيد بكل صدق ووضوح عن مشاعرهما تجاهه. كلاهما عبرا عن حبهما له وعدم التفريق بينه وإخوته في المعاملة وأكدا أن كل ما صدر منهما تجاهه كان بقصد توجيهه وتجنيبه الأخطاء لكي يشب عضوا صالحا لأسرته ومجتمعه. عندها جاء دور سعيد ليعبر لوالديه عن مشاعره الجديدة تجاههما. لم يستطع سعيد أن يحبس دموعه وهو يعتذر بدوره لوالديه عن تصرفاته السابقة وبوعدهما أن يكون ابنا بارا وان يستمع لنصائحهما وان يهتم بدروسه ويحترم أساتذته. ولدهشة الجميع قام سعيد بتقبيل أيدي والديه ولم يستطع ثلاثتهم حبس دموعهم من شدة الانفعال.


لاحظ الوالدان أن تغييرا كبيرا قد حدث لسعيد بعد تلك المقابلة. أصبح يهتم بدروسه ويواظب على مراجعتها. كذلك قلل كثيرا من خروجه من المنزل وأبتعد عن كل الأصدقاء القدامى. كذلك بدأ يشارك أسرته الجلوس بغرفة الاستقبال لمشاهدة التلفاز وعلى مائدة الطعام والتحدث إليهما بكل عفوية وصراحة. تحسنت علاقته بوالده كثيرا وصار يخاطب والده بكل تهذيب واحترام ويستشيره في الأمور الهامة. توقف عن المبالغة في مطالبة والدته بالمال وأصبح يساعدها بالمنزل ويستجيب لطلباتها بسرور تام.

حمد حاج عبد الله الله كثيرا لصلاح حال سعيد الذي استعاده أخيرا بعد أن كاد أن يفقده وييأس من إصلاحه. وبدون توقع أحرز سعيد معدلا ممتازا في امتحان الشهادة الثانوية يمكنه من الالتحاق بالكلية الجامعية التي يرغب فيها.


 
التعديل الأخير تم بواسطة أ.ليلى الحمدان ; 24-01-2011 الساعة 08:18 PM

رد مع اقتباس
قديم 27-01-2011, 04:22 PM   #15
عايشه بحلم
عضومجلس إدارة في نفساني
حـلم واقعـــــى


الصورة الرمزية عايشه بحلم
عايشه بحلم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 30889
 تاريخ التسجيل :  06 2010
 أخر زيارة : 20-08-2021 (06:21 PM)
 المشاركات : 12,703 [ + ]
 التقييم :  144
لوني المفضل : Cadetblue


لفتتنى جدا قصة سميرة ..

كأن تأنيب الضمير بشدة يؤدى للحالات النفسيه .. وعند قرأتى لقصتك تذكرت ممن أعرف من تزوجت من شخص بموافقة أهلها ولكن على حد قولها أنها كانت دائما تبهدل والدتها بمسألة الزواج ولا تريد إكمال تعليمها وووو إلى أن تزوجت وعند إجتماعها بالشخص صدمت من أول ليله وجاتها مثل الحاله النفسيه وحصل لها حمل وأنجبت طفل معاق وهى تقول بأن السبب ربما لانها كانت تبهدل أمها وأن الطبيب أخبرها بأن الجلطه جاءت فى الطفل ودائما تلوم نفسها تحزنى كثيراً فعلا أشعر بسوء حالتها ..وأحاول أأ كدلها إنو كل شئ مقدرو الله لك خير وسبحان الله لعله خير لها أن صبرت وكان سبب فى رفع الدرجات لها فى الأخرة ..


قصة سعيد .. تبين انو السبب الأساسى فى المشكله عدم التفاهم واتقارب بين الأبنا والأباء ..
قصة الموسوسه .. لفتتنى وبشدة .. جميل ما كتبتى هنا

متابعه لك .. بإذن الله


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:09 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا