المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 04-10-2011, 06:56 PM   #121
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 121

(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" 121")
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى .. أن اليهود والنصارى قد حرفوا كتبهم، أراد أن يبين أن هناك من اليهود والنصارى من لم يحرفوا في كتبهم .. وأن هؤلاء يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام وبرسالته .. لأنهم يعرفونه من التوراة والإنجيل. ولو أن الله سبحانه لم يذكر هذه الآية لقال الذين يقرأون التوراة والإنجيل على حقيقتيهما .. ويفكرون في الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. لقالوا كيف تكون هذه الحملة على كل اليهود وكل النصارى ونحن نعتزم الإيمان بالإسلام .. وهذا ما يقال عنه قانون الاحتمال .. أي أن هناك عددا مهما قل من اليهود أو النصارى يفكرون في اعتناق الإسلام باعتباره دين الحق .. وقد كان هناك جماعة من اليهود عددهم أربعون قادمون من سيناء مع جعفر بن أبي طالب ليشهدوا أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قرأوا التوراة غير المحرفة وآمنوا برسالته .. وأراد الله أن يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن من أهل الكتاب .. فقال جل جلاله:

{الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته}
(من الآية 121 سورة البقرة)


أي يتلونه كما أنزل بغير تحريف ولا تبديل .. فيعرفون الحقائق صافية غير مخلوطة بهوى البشر .. ولا بالتحريف الذي هو نقل شيء من حق إلي باطل. يقول الله تبارك وتعالى: "أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون" .. ونلاحظ أن القرآن الكريم يأتي دائما بالمقارنة .. ليكرم المؤمنين ويلقى الحسرة في نفوس المكذبين .. لأن المقارنة دائما تظهر الفارق بين الشيئين. إن الله سبحانه يريد أن يعلم الذين آتاهم الله الكتاب فلم يحرفوه وآمنوا به .. ليصلوا إلي النعمة التي ستقودهم إلي النعيم الأبدي .. وهي نعمة الإسلام والإيمان .. مقابل الذين يحرفون التوراة والإنجيل فمصيرهم الخسران المبين والخلود في النار.


 

قديم 04-10-2011, 06:56 PM   #122
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 122

(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين " 122")
لو رجعنا إلي ما قلناه عندما تعرضنا للآية (40) من سورة البقرة .. وقوله تعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون" .. فالحق سبحانه وتعالى لم ينه الجولة مع بني إسرائيل قبل أن يذكرهم بما بدأهم به .. إنه سبحانه لا ينهي الكلام معهم في هذه الجولة .. إلا بعد أن يذكرهم تذكيرا نهائيا بنعمه عليهم وتفضيله لهم على كثير من خلقه .. ومن اكبر مظاهر هذا التفضيل .. الآية الموجودة في التوراة تبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وذلك تفضيل كبير.
التذكير بالنعمة هنا وبالفضل هو تقريع لبني إسرائيل أنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه مذكور عندهم في التوراة .. وكان يجب أن يأخذوا هذا الذكر بقوة ويسارعون للإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه تفضيل كبير من الله سبحانه وتعالى لهم .. والله جل جلاله قال حين أخذت اليهود الرجفة .. وطلب موسى عليه السلام من ربه الرحمة .. قال كما يروي لنا القرآن الكريم:

{واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون "157" }
(سورة الأعراف)


 

قديم 04-10-2011, 06:57 PM   #123
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 123

(واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون " 123")
هذه الآية الكريمة تشابهت مع الآية 48 من سورة البقرة .. التي يقول فيها الله تبارك وتعالى:
"واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون".
نقول إن هذا التشابه ظاهري .. ولكن كل آية تؤدي معنى مستقلا .. ففي الآية 48 قال الحق سبحانه: "ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل" .. وفي الآية التي نحن بصددها قال: "ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة" .. لماذا؟ لأن قوله تعالى "لا تجزي نفس عن نفس شيئا" .. لو أردنا النفس الأولى فالسياق يناسبها في الآية الأولى .. ولو أردنا النفس الثانية فالسياق يناسبها في الآية الثانية التي نحن بصددها .. فكأن معنا نفسين إحداهما جازية والثانية مجزي عنها .. والجازية هي التي تشفع .. فأول شيء يقبل منها هو الشفاعة .. فإن لم تقبل شفاعتها تقول أنا أتحمل العدل .. أي أخذ الفدية أو ما يقابل الذنب .. ولكن النفس المجزي عنها أول ما تقدم هو العدل أو الفداء .. فإذا لم يقبل منها تبحث عن شفيع .. ولقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل عند تعرضنا للآية 48 من سورة البقرة.


 

قديم 04-10-2011, 06:57 PM   #124
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 124

(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين "124")
يأتي الحق سبحانه وتعالى إلي قصة إبراهيم عليه السلام .. ليصفي الجدل والتشكيك الذي أحدثه اليهود عند تغيير القبلة .. واتجاه المسلمين إلي الكعبة المشرفة بدلا من بيت المقدس .. كذلك الجدل الذي أثاره اليهود بأنهم شعب الله المختار وأنه لا يأتي نبي إلا منهم. يريد الله تبارك وتعالى أن يبين صلة العرب بإبراهيم وصلتهم بالبيت .. فيقول الحق جل جلاله: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه" .. ومعناها اذكر إذا ابتلى الله إبراهيم .. وإذ هنا ظرف وهناك فرق بينها وبين إذا الشرطية في قوله تعالى:

{إذا جاء نصر الله والفتح "1" ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا "2"}
(سورة النصر)


إذا هنا ظرف ولكنه يدل على الشرط .. أما إذ فهي ظرف فقط .. وقوله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" .. معناها اذكر وقت أن ابتلى إبراهيم بكلمات. ما معنى الابتلاء؟ الناس يظنون أنه شر ولكنه في الحقيقة ليس كذلك .. لأن الابتلاء هو امتحان إن نجحنا فيه فهو خير وإن رسبنا فيه فهو شر .. فالابتلاء ليس شرا ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر. الذي ابتلى هو الله سبحانه .. هو الرب .. والرب معناه المربي الذي يأخذ من يربيه بأساليب تؤهله إلي الكمال المطلوب منه .. ومن أساس التربية أن يمتحن المربي من يربيه ليعلم هل نجح في التربية أم لا؟ والابتلاء هنا بكلمات والكلمات جمع كلمة .. والكلمة قد تطلق على الجملة مثل قوله تعالى:

{وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا "4" ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا "5" }
(سورة الكهف)


إذن فالكلمة قد تطلق على الجملة وقد تطلق على المفرد .. كأن تقول مثلا محمد وتسكت .. وفي هذه الحالة لا تكون جملة مفيدة .. والكلمة المرادة في هذه الآية هي التكليف من الله. قوله سبحانه افعل ولا تفعل .. فكأن التكليف من الله مجرد كلمة وأنت تؤدي مطلوبها أو لا تؤديه .. وقد اختلف العلماء حول الكلمات التي تلقاها إبراهيم من ربه .. نقول لهم أن هذه الكلمات لابد أن تناسب مقام إبراهيم أبي الأنبياء .. إنها ابتلاء يجعله أهلا لحمل الرسالة .. أي لابد أن يكون الابتلاء كبيراً .. ولقد قال العلماء أن الابتلاءات كانت عشرة وقالوا أربعين منها عشرة في سورة التوبة وهي قوله تعالى:

{التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله }
(من الآية 112 سورة التوبة)


وهذه رواية عبد الله بن عباس .. وعشرة ثانية في سورة المؤمنون. وفي قوله سبحانه:

{قد أفلح المؤمنون"1" الذين هم في صلاتهم خاشعون"2" والذين هم عن اللغو معرضون "3" والذين هم للزكاة فاعلون "4" والذين هم لفروجهم حافظون"5" إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين "6" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون "7" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون "8" والذين هم على صلواتهم يحافظون "9" أولئك هم الوارثون"10" }
(سورة المؤمنون)


وبعد ذلك قال: "أولئك هم الوارثون". وفي سورة الأحزاب يذكر منهم قوله جل جلاله:

{إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما "35" }
(سورة الأحزاب)


وفي سورة المعارج يقول:

{إلا المصلين "22" الذين هم على صلاتهم دائمون "23" والذين في أموالهم حق معلوم "24" للسائل والمحروم "25" والذين يصدقون بيوم الدين "26" والذين هم من عذاب ربهم مشفقون "27" إن عذاب ربهم غير مأمون "28" والذين هم لفروجهم حافظون "29" إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين "30" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون "31" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون "32" والذين هم بشهاداتهم قائمون "33" والذين هم على صلاتهم يحافظون "34"}
(سورة المعارج)


نخرج من هذا الجدل، بأن نقول إن الله ابتلى إبراهيم بكلمات تكليفية افعل كذا ولا تفعل كذا .. وابتلاه بأن ألقى في النار وهو حي فلم يجزع ولم يتراجع ولم يتجه إلا لله وكانت قمة الابتلاء أن يذبح ابنه. وكون إبراهيم أدى جميع التكليفات بعشق وحب وزاد عليه من جنسها .. وكونه يلقى في النار ولا يبالي يأتيه جبريل فيقول ألك حاجة فيرد إبراهيم أما إليك فلا وأما إلي الله فعلمه بحالي يغنيه عن سؤالي .. وكونه وهو شيخ كبير يبتلى بذبح ابنه الوحيد فيطيع بنفس مطمئنة ورضا بقدر الله .. يقول الحق:

{أم لم ينبأ بما في صحف موسى "36" وإبراهيم الذي وفى "37" }
(سورة النجم)


أي وفي كل ما طلب منه وأداه بعشق للمنهج ولابتلاءات الله .. لقد نجح إبراهيم عليه السلام في كل ما ابتلى به أو اختبر به .. والله كان أعز عليه من أهله ومن نفسه ومن ولده .. ماذا كافأه الله به؟ قال:

{قال إني جاعلك للناس إماماً }
(من الآية 124 سورة البقرة)


 

قديم 05-10-2011, 12:48 PM   #125
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 125

(وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"125")
وضحت لنا الآية التي سبقت أن اليهود قد انتفت صلتهم بإبراهيم عليه السلام .. بعد أن تركوا القيم والدين واتجهوا إلي ماديات الحياة .. أنتم تدعون أنكم أفضل شعوب الأرض لأنكم من ذرية إسحق بن إبراهيم والعرب لهم هذه الأفضلية والشرف لأنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم .. إذن فأنتم غير مفضلين عليهم .. فإذا انتقلنا إلي قصة بيت المقدس وتحول القبلة إلي الكعبة .. نقول إن ذلك مكتوب منذ بداية الخلق أن تكون الكعبة قبلة كل من يعبد الله.
الحق سبحانه وتعالى يقول: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" .. تأمل كلمة البيت وكلمة مثابة .. بيت مأخوذ من البيتوته وهو المأوى الذي تأوى إليه وتسكن فيه وتستريح وتكون فيه زوجتك وأولادك .. ولذلك سميت الكعبة بيتا لأنها هي المكان الذي يستريح وتكون فيه زوجتك وأولادك .. ولذلك سميت الكعبة بيتا لأنها هي المكان الذي يستريح إليه كل خلق الله .. ومثابة يعني مرجعا تذهب إليه وتعود .. ولذلك فإن الذي يذهب إلي بيت الله الحرام مرة يحب أن يرجع مرات ومرات .. إذن فهو مثابة له لأنه ذاق حلاوة وجودة في بيت ربه .. وأتحدى أن يوجد شخص في بيت الله الحرام يشغل ذهنه غير ذكر الله وكلامه وقرآنه وصلاته .. تنظر إلي الكعبة فيذهب كل ما في صدرك من ضيق وهم وحزن ولا تتذكر أولاد ولا شئون دنياك ولو ظلت جاذبية بيت الله في قلوب الناس مستمرة لتركوا كل شيء دنياهم ليبقوا بجوار البيت .. ولذلك كان عمر بن الخطاب حريصا على أن يعود الناس إلي أوطانهم وأولادهم بعد انتهاء مناسك الحج مباشرة ..
ومن رحمة الحق سبحانه أن الدنيا تختفي من عقل الحاج وقلبه .. لأن الحجيج في بيت ربهم وهم في بيته فيذهب عنهم الهم والكرب .. ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول:

{فاجعل أفئدةً من الناس تهوى إليهم }
(من الآية 37 سورة إبراهيم)


أفئدة وليست أجساما وتهوى أي يلقون أنفسهم إلي البيت .. والحج هو الركن الوحيد الذي يحتال الناس ليؤدوه .. حتى غير المستطيع يشق على نفسه ليؤدي الفريضة .. والذي يؤديه مرة ويسقط عنه التكليف يريد أن يؤديه مرة أخرى ومرات. إن من الخير أن تترك الناس يثوبون إلي بيت الله .. ليمحو الله سبحانه ما في صدورهم من ضيق وهموم مشكلات الحياة. وقوله تعالى: "مثابة للناس وأمنا" .. أمنا يعني يؤمن الناس فيه .. العرب حتى بعد أن تحللوا من دين إسماعيل وعبدوا الأصنام كانوا يؤمنون حجاج بيت الله الحرام .. يلقي أحدهم قاتل أبيه في بيت الله فلا يتعرض له إلا عندما يخرج.
والله سبحنه وتعالى يضع من التشريعات ما يريح الناس من تقاتلهم ويحفظ لهم كبرياءهم فيأتي إلي مكان ويجعله آمنا .. ويأتي إلي شهر ويجعله آمنا لا قتال فيه لعلهم حين يذوقون السلام والصفا يمتنعون عن القتال. والكلام عن هذه الآية يسوقنا إلي توضيح الفرق بين أن يخبرنا الله أن البيت آمن وأن يطلب منا جعله آمنا .. إنه سبحانه لا يخبرنا بأن البيت آمن ولكن يطلب منا أن نؤمن من فيه .. الذي يطيع ربه يؤمن من في البيت والذي لا يطيعه لا يؤمنه .. عندما يحدث هياج من جماعة في الحرم اتخذته ستاراً لتحقيق أهدافها .. هل يتعارض هذا مع قوله تعالى: "مثابة للناس وأمنا" .. نقول لا .. إن الله لم يعط لنا هذا كخبر ولكن كتشريع .. إن أطعنا الله نفذنا هذا التشريع وإن لم نطعه لا ننفذه. وقوله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" .. وهنا نقف قليلا فهناك مقام بفتح الميم ومقام بضم الميم .. قوله تعالى:

{يا أهل يثرب لا مقام لكم }
(من الآية 13 سورة الأحزاب)


مقام بفتح الميم اسم لمكان من قام .. ومقام بضم الميم اسم لمكان من أقام فإذا نظرت إلي الإقامة فقل مقام بضم الميم .. وإذا نظرت إلي مكان القيام فقل مقام بفتح الميم .. إذن فقوله تعالى: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" بفتح الميم اسم المكان الذي قام إبراهيم فيه ليرفع القواعد من البيت ويوجد فيه الحجر الذي وقف إبراهيم عليه وهو يرفع القواعد. ولكن لماذا أمرنا الله بأن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ لأنهم كانوا يتحرجون عن الصلاة فيه .. فالذي يصلي خلف المقام يكون الحجر بينه وبين الكعبة .. وكان المسلمون يتحرجون أن يكون بينهم وبين الكعبة شيء فيخلون من الصلاة ذلك المكان الذي فيه مقام إبراهيم .. ولذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا نتخذ من مقام إبراهيم مصلى؟ وسؤال عمر ينبع من الحرص على عدم الصلاة وبينه وبين الكعبة عائق وهم لا يريدون ذلك ولما رأى عمر مكانا في البيت ليس فيه صلاة يصنع فجوة بين المصلين أراد أن تعم الصلاة على البيت .. فنزلت الآية الكريمة: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".
وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نتخذ من مقام إبراهيم مصلى .. فكأنه جل جلاله أقر وجود مكان إبراهيم في مكانه فاصلا بين المصلين خلفه وبين الكعبة .. وذلك لأن مقام إبراهيم له قصة تتصل بالعبادة وإتمامها على الوجه الأكمل، والمقام سيعطينا حيثية الإتمام لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

{فيه آيات بينات مقام إبراهيم }
(من الآية 97 سورة آل عمران)


إذن هناك آيات واضحة يريدنا الله سبحانه أن نراها ونتفهمها .. فمقام إبراهيم هو مكان قيامه عندما أمره الله برفع القواعد من البيت .. والترتيب الزمني للأحداث هو أن البيت وجد أولا .. ثم بعد ذلك رفعت القواعد ووضع الحجر الأسود في موقعه وقد وضعه إبراهيم عليه السلام. إن الله سبحانه وتعالى لا يريد أن يعطينا التاريخ بقدر ما يريد أن يعطينا العبرة، فقصة بناء البيت وقع فيها خلاف بين العلماء .. متى بني البيت؟ بعض العلماء جعلوا بداية البناء أيام إبراهيم وبعضهم يرى أنه من عهد آدم وفريق ثالث يقول إنه من قبل آدم .. وإذا حكمنا المنطق والعقل وقرأنا قول الحق تبارك وتعالى:

{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"127"}
(سورة البقرة)


 

قديم 05-10-2011, 12:48 PM   #126
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 126

(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير "126")
يقول الحق سبحانه وتعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا" .. ومادام الله قد جعل أمنا فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلدا آمنا .. نقول إذا رأيت طلبا لموجود فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود .. فكأن إبراهيم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن في البيت .. ذلك لأنك عندما تقرأ قول الحق تبارك وتعالى:

{يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا "136"}
(سورة النساء)


هو خاطبهم بلفظ الإيمان ثم طلب منهم أن يؤمنوا .. كيف؟ نقول إن الله سبحانه يأمرهم أن يستمروا ويداوموا على الإيمان .. ولذلك فإن كل مطلوب لموجود هو طلب لاستمرار هذا الموجود. وقول إبراهيم: "رب اجعل هذا بلداً آمنا" .. أي يا رب إذا كنت قد جعلت هذا البيت آمنا من قبل فأمنه حتى قيام الساعة .. ليكون كل من يدخل إليه آمنا لأنه موجود في واد غير ذي زرع .. وكانت الناس في الماضي تخاف أن تذهب إليه لعدم وجود الأمان في الطريق .. أو آمنا أي أن يديم الله على كل من يدخله نعمة الإيمان.
وقوله تعالى: "اجعل هذا بلدا آمنا" تكررت في آية أخرى تقول: "اجعل هذا البلد آمنا" .. فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها معرفة .. نقول إن إبراهيم حين قال: "رب اجعل هذا البلد آمنا" .. طلب من الله شيئين .. أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا. ما معنى أن يجعله بلدا؟ هناك أسماء تؤخذ من المحسات .. فكلمة غصب تعني سلخ الجلد عن الشاة وكأن من يأخذ شيئا من إنسان غصبا كأنه يسلخه منه بينما هو متمسك به.
كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلي المدينة .. والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون .. والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستويا بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة .. فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به. وقوله تعالى: "وارزق أهله من الثمرات" .. هذه من مستلزمات الأمن لأنه مادام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة فيبقى الناس في هذا البلد .. ولكن إبراهيم قال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم .. لماذا؟ لأنه حينما قال له الله:

{إني جاعلك للناس إماماً }
(من الآية 124 سورة البقرة)


قال إبراهيم:

{ومن ذريتي }
(من الآية 124 سورة البقرة)


قال الله سبحانه:

{ لا ينال عهدي الظالمين }
(من الآية 124 سورة البقرة)


فخشى إبراهيم وهو يطلب لمن سيقيمون في مكة أن تكون استجابة الله سبحانه كالاستجابة السابقة .. كأن يقال له لا ينال رزق الله الظالمون فاستدرك إبراهيم وقال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" .. ولكن الله سبحانه أراد أن يلفت إبراهيم إلي أن عطاء الألوهية ليس كعطاء الربوبية .. فإمامة الناس عطاء الوهية لا يناله إلا المؤمن، أما الرزق فهو عطاء ربوبية يناله المؤمن والكافرلأن الله هو الذي استدعانا جميعا إلي الحياة وكفل لنا جميعا رزقنا .. وكأن الحق سبحانه حين قال: "لا ينال عهدي الظالمين" .. كان يتحدث عن قيم المنهج التي لا تعطي إلا للمؤمن ولكن الرزق يعطي للمؤمن والكافر .. لذلك قال الله سبحانه: "ومن كفر" .. وفي هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة لإبراهيم ليعرف أن كل من استدعاه الله تعالى للحياة له رزقه مؤمنا كان أو كافرا والخير في الدنيا على الشيوع. فمادام الله قد استدعاك فإنه ضمن لك رزقك.
إن الله لم يقل للشمس أشرقي على أرض المؤمن فقط، ولم يقل للهواء لا يتنفسك ظالم وإنما أعطى نعمة استبقاء الحياة واستمرارها لكل من خلق آمن أو كفر .. ولكن من كفر قال عنه الله سبحانه وتعالى: "ومن كفر فأمتعة قليلا" .. التمتع هو شيء يحبه الإنسان ويتمنى دوامه وتكراره. وقوله تعالى: "فأمتعه" دليل على دوام متعته، أي له المتعة في الدنيا. ولكل نعمة متعة، فالطعام له متعة والشراب له متعة والجنس له متعة .. إذن التمتع في الدنيا بأشياء متعددة. ولكن الله تبارك وتعالى وصفه بأنه قليل .. لأن المتعة في الدنيا مهما بلغت وتعددت ألوانها فهي قليلة.
واقرأ قوله تعالى: "ثم اضطره إلي عذاب النار" .. ومعنى أضطره أنه لا اختيار له في الآخرة، فكأن الإنسان له اختيار في الحياة الدنيا يأخذ هذا ويترك هذا ولكن في الآخرة ليس له اختيار .. فلا يستطيع وهو من أهل النار مثلا أن يختار الجنة بل إن أعضاءه المسخرة لخدمته في الحياة الدنيا والتي يأمرها بالمعصية فتفعل، لا ولاية له عليها في الآخرة وهذا معنى قوله سبحانه:

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم بما كانوا يعملون "24" }
(سورة النور)


أي أن الجوارح التي كانت تطيع الكافر المعاصي في الدنيا لا تطيعه يوم القيامة؛ فاللسان الذي كان ينطق كلمة الكفر والعياذ بالله يأتي يوم القيامة يشهد على صاحبه .. والقدم التي كانت تمشي إلي أماكن الخمر واللهو والفسوق تشهد على صاحبها، واليد التي كانت تقتل وتسرق تشهد على صاحبها. وقوله: "اضطره" معناه أن الإنسان يفقد اختياره في الآخرة ثم ينتهي إلي النار وإلي العذاب الشديد مصداقا لقوله تعالى: "ثم اضطره إلي عذاب النار وبئس المصير" .. أي أن الله سبحانه وتعالى يحذر الكافرين بأن لهم النار والعذاب في الآخرة ليس على اختيار منهم ولكن وهم مقهورون.


 

قديم 05-10-2011, 12:48 PM   #127
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 127

(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم "127")
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم اذكر عندما كان إبراهيم يرفع القواعد من البيت .. وجاءت "يرفع" هنا فعلا مضارعا لتصوير الحدث الآن في المستقبل. ولكن هل يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآن؟ أم أنه رفع وانتهى؟ طبعا هو رفع وانتهى، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يستحضر حالة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت .. والله يريد من المؤمنين أن يتصوروا عملية الرفع، فلم يكن إبراهيم يملك سلما حتى يرفعه ويقف فوقه، ولم يكن يملك "سقالة" .. ولكن غياب هذه النعم لم يمنع إبراهيم من أن يتحايل ويأتي بالحجر.
إن الله يريد منا ألا ننسى هذه العملية، وإبراهيم وابنه إسماعيل يذهبان للبحث عن حجر، ولابد أن يكون الحجر خفيف الوزن ليستطيعا أن يحملاه إلي مكان البناء .. ثم يقف إبراهيم على الحجر وإسماعيل يناوله الأحجار الأخرى التي سيتم بها رفع القواعد من البيت. ورغم المشقة التي يتحملها الاثنان .. هما سعيدان .. وكل ما يطلبانه من الله هو أن يتقبل منهما. والقبول والمقابلة والاستقبال كلها من مادة مواجهة .. أي أنهما يسألان الله في موقف المعرض عن عمله، إنهما لا يريدان إلا الثواب: "تقبل منا" أي اعطنا الثواب عما نعمله لأجلك وتنفيذا لأمرك.
وقوله تعالى: "إنك أنت السميع العليم" .. أي أنت يا رب السميع الذي تسمع دعاءنا وتسمع ما نقول .. "والعليم" .. العليم بنيتنا ومدى إخلاصنا لك .. وإننا نفعل هذا العمل ابتغاء لوجهك ولا نقصد غيرك .. ذلك أن الأعمال بالنيات، وقد يعمل رجلان عملا واحدا. أحدهما يثاب لأنه يعمله إرضاء لله وتقربا منه والآخر لا يثاب لأنه يفعله من أجل الدنيا. والله سبحانه وتعالى عليم بالنية فإن كان العمل خاصا لله تقبله، وإذا لم يكن خالصا لوجهه لا يتقبله ..

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله ومن كانت هجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلي ما هاجر إليه">

إذن فالعمل إن لم يكن خالصا لله فلا ثواب عليه.


 

قديم 05-10-2011, 12:49 PM   #128
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 128

(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم "128")
هناك فرق بين أن تكلف بشيء فتفعله بحب، وأن تفعل شكلية التكليف وتخرج من عملك خروج الذي ألقى عن كاهله عبء التكليف .. في هذه الآية الكريمة دعاء إبراهيم وابنه إسماعيل وكانا يقولان يا رب أنت أمرتنا أن نرفع القواعد من البيت وقد فعلنا ما أمرتنا .. وليس معنى ذلك أننا اكتفينا بتكليفك لنا لأننا نريد أن نذوق حلاوة التكليف منك مرات ومرات .. "ربنا واجعلنا مسلمين لك" نسلم كل أمورنا إليك. إن الإنسان لا يمكن أن ينتهي من تكليف ليطلب تكليفا غيره إلا إذا كان قد عشق حلاوة التكليف ووجد فيه استمتاعا .. ولا يجد الإنسان استمتاعا في التكليف إلا إذا استحضر الجزاء عليه .. كلما عمل شيئا استحضر النعيم الذي ينتظره على هذا العمل فطلب المزيد.
إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بمجرد أن فرغا من رفع القواعد من البيت قالا: "ربنا واجعلنا مسلمين لك" ولم يكتفيا بذلك بل أرادا امتداد حلاوة التكليف إلي ذريتهما من بعدهما .. فيقولان: "ومن ذريتنا أمة مسلمة" .. ليتصل أمد منهج الله في الأرض ويستمر التكليف من ذرية إلي ذرية إلي يقوم القيامة .. ثم يقولان: "وأرنا مناسكنا" .. أي بين لنا يا رب ما تريده منا. بين لنا كيف نعبدك وكيف نتقرب إليك .. والمناسك هي الأمور التي يريد الله سبحانه وتعالى أن نعبده بها. وقوله:ر"وأرنا مناسكنا" ترينا أن إبراهيم يرغب في فتح أبواب التكليف على نفسه، لأنه لا يرى في كل تكليف إلا تطهيرا للنفس وخيرا للذرية ونعيما في الآخرة .. ولذلك يقول كما يروي لنا الحق: "وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" .. وتب علينا ليس ضروريا أن نفهمها على أنها توبة من المعصية .. وأن إبراهيم وإسماعيل وقعا في المعصية فيريدان التوبة إلي الله .. وإنما لأنهما علما أن من سيأتي بعدهما سيقع في الذنب فطلبا التوبة لذريتهما .. ومن أين علما؟ عندما قال الله سبحانه وتعالى لإبراهيم: "ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلي عذاب النار وبئس المصير" ..
لقد طلبا من الله تبارك وتعالى التوبة والرحمة لذريتهما .. والله يحب التوبة من عباده وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم وقع على بعيره وقد أضله في فلاة .. لأن المعصية عندما تأخذ الإنسان من منهج الله لتعطيه نفعا عاجلا فإن حلاوة الإيمان ـ إن كان مؤمنا ـ ستجذبه مرة أخرى إلي الإيمان بعيدا عن المعاصي .. ولذلك قيل إن انتفعت بالتوبة وندمت على ما فعلت فإن الله لا يغفر لك ذنوبك فقط ولكن يبدل سيئاتك حسنات .. وقلنا أن تشريع التوبة كان وقاية للمجتمع كله من أذى وشر كبير .. لأنه لو كان الذنب الواحد يجعلك خالدا في النار ولا توبة بعده لتجبر العصاة وازدادوا شرا .. ولأصيب المجتمع كله بشرورهم وليئس الناس من آخرتهم لأن

<رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون">

لذلك فمن رحمة الله سبحانه أنه شرع لنا التوبة ليرحمنا من شراسة الأذى والمعصية.


 

قديم 05-10-2011, 12:49 PM   #129
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 129

(ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم "129")
دعاء إبراهيم عليه السلام الله سبحانه وتعالى ليتم نعمته على ذريته ويزيد رحمته على عباده .. بأن يرسل لهم رسولا يبلغهم منهج السماء حتى لا تحدث فترة ظلام في الأرض تنتشر فيها المعصية والفساد والكفر ويبعد الناس فيها الأصنام كما حدث قبل إبراهيم. كلمة "رسولا منهم" ترد على اليهود الذين أحزنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب، وأن الرسالة كان يجب أن تكون فيهم .. ونحن نقول لهم أن جدنا وجدكم إبراهيم وأنتم من ذرية يعقوب بن اسحق ومحمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم وأخ لإسحاق .. ولا حجة لما تدعونه من أن الله فضلكم واختاركم على سائر الشعوب .. إنما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يسلب منكم النبوة لأنكم ظلمتم في الأرض وعهد الله لا يناله الظالمون.
أراد الحق تبارك وتعالى أن يقول لهم أن هذا النبي من نسل إبراهيم وأنه ينتمي إلي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. وقوله تعالى: "يتلو عليهم آياتك" .. أي آيات القرآن الكريم. وقوله تعالى: "ويعلمهم الكتاب والحكمة" .. يجب أن نعرف أن هناك فرقا بين التلاوة وبين التعليم. فالتلاوة هي أن تقرأ القرآن، أما التعليم فهو أن تعرف معناها وما جاءت به لتطبقه وتعرف من أين جاءت .. وإذا كان الكتاب هو القرآن الكريم فإن الحكمة هي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال الحق سبحانه وتعالى فيها في خطابه لزوجات النبي:

{واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}
(من الآية 34 سورة الأحزاب)


وقوله تعالى: "ويزكيهم" أي ويطهرهم ويقودهم إلي طريق الخير وتمام الإيمان. وقوله جل جلاله: "إنك أنت العزيز الحكيم" .. أي العزيز الذي لا يغلب لجبروته ولا يسأله أحد .. "والحكيم" الذي لا يصدر منه الشيء إلا بحكمة بالغة.


 

قديم 05-10-2011, 12:49 PM   #130
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 130

(ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين"130")
ما ملة إبراهيم؟ إنها عبادة الله وحده لا شريك له وعشق التكاليف؛ فإبراهيم وفي كل ما كلفه به الله وزاد عليه .. وقابل الابتلاء بالطاعة الصبر .. فعندما ابتلاه الله بذبح ابنه الوحيد لم يتردد وكان يؤدي التكاليف بعشق ويحاول أن يستبقي المنهج السليم في ذريته. قوله تعالى: "ومن يرغب" يعني يعرض ويرفض. ويقال رغب في كذا أي أحبه وأراده. ورغب عن كذا أي صد عنه وأعرض .. والذين يصدون عن ملة إبراهيم ويرفضونها هؤلاء هم السفهاء والجهلة، لذلك قال عنهم الله سبحانه وتعالى: "إلا من سفه نفسه" .. دليل على ضعف الرأي وعدم التفرقة بين النافع والضار .. فعندما يكون هناك من ورثوا مالاً وعم غير ناضجي العقل لا يتفق عقلهم مع سنهم نسميهم السفهاء .. والسفيه هو من لم ينضج رأيه ولذلك تنقل قوامته على ماله إلي ولي أو وصي؛ لأنه بسفهه غير قادر على أن ينفق المال فيما ينفع. والقرآن الكريم يعالج هذه المسألة علاجا دقيقا فيقول:

{ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً "5" }
(سورة النساء)


نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى سمى أموال السفهاء بأموالي الولي ولم يعتبرها مال السفيه لأنه ليس أهلا للقيام عليها .. وجعل هذه الأموال تحت إشراف شخص آخر أكثر نضجا وحكمة. وقوله تعالى: "أموالكم" ليكون الولي أو الوصي حريصا عليها كماله أو أكثر ولكن هو قيم فقط .. فإذا بلغ الإنسان سن الرشد أو شفى السفيه من سفاهته يرد إليه ماله ليتصرف فيه. ونحن نرى عددا من الأبناء يرفعون قضايا على آبائهم وأمهاتهم يتهمونهم فيها بالسفه لأنهم لا يحسنون التصرف في أموالهم .. ثم يأخذون هذه الأموال ويبعثرونها هم .. والذي يجب أن يعلمه كل من يقوم بهذه العملية أنه لا حق له في إنفاق المال وتبذيره لحسابه الخاص، ولكن هناك حكمين: إما أن يكون الشخص فقيرا فله أن يأكل بالمعروف .. وإما أن يكون غنيا فيجعل عمله في الولاية لله لا يتقاضى عنه شيئا .. أما أن يأخذ المال ويبعثره على نفسه وشهواته وعلى زوجته وأولاده فهذا مرفوض ويحاسب عليه .. والله سبحانه وتعالى يقول:

{ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف }
(من الآية 6 سورة النساء)


إذن الذي يعرض عن ملة إبراهيم هو سفيه لا يملك عقلا يميز بين الضار والنافع. ويقول الله سبحانه وتعالى: "ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين" .. اصطفاه في الدنيا بالمنهج وبأن جعله إماما وبالابتلاء .. وكثير من الناس يظن أن ارتفاع مقامات بعضهم في أمور الدنيا هو اصطفاء من الله لهم بأن أعطاهم زخرف الحياة الدنيا ويكون هذا مبررا لأن يعتقدوا أن لهم منزلة عالية في الآخرة .. نقول لا، فمنازل الدنيا لا علاقة لها بالآخرة. ولذلك قال الله تبارك وتعالى: "ولقد اصطفيناه في الدنيا" .. وأضاف: "وإنه في الآخرة لمن الصالحين" .. لنعلم أن إبراهيم عليه السلام له منزلة عالية في الدنيا ونعيم في الآخرة أي الاثنين معا.


 

قديم 05-10-2011, 12:50 PM   #131
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 131

(إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين"131")
والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه قال لإبراهيم أسلم فقال أسلمت .. إذن فمطلوب الحق سبحانه وتعالى من عبده أن يسلم إليه .. ولم يقل الحق أسلم إلي لأنها مفهومة .. ولم يقل أسلم لربك لأن الإسلام لا يكون إلا لله لأنه هو سبحانه المأمون علينا .. على أن إبراهيم عليه السلام قال في رده: "أسلمت لرب العالمين". ومعنى ذلك أنه لن يكون وحده في الكون لأنه إذا أسلم لله الذي سخر له ما في السماوات والأرض .. يكون قد انسجم مع الكون المخلوق من الله للإنسان .. ومن أكثر نضجاً في العقل ممن يسلم وجهه لله سبحانه .. لأنه يكون بذلك قد أسلمه إلي عزيز حكيم قوي لا يقهر، قادر لا تنتهي قدرته .. غالب لا يغلب، رزاق لا يأتي الرزق إلا منه. فكأنه أسلم وجهه للخير كله.
والدين عند الله سبحانه وتعالى منذ عهد آدم إلي يوم القيامة هو إسلام الوجه لله، ولماذا الوجه؟ لأن الوجه أشرف شيء في الإنسان يعتز به ويعتبره سمة من سمات كرامته وعزته .. ولذلك فنحن حين نريد منتهى الخضوع لله في الصلاة نضع جباهنا ووجوهنا على الأرض .. وهذا منتهى الخضوع أن تضع أشرف ما فيك وهو وجهك على الأرض إعلانا لخضوعك لله سبحانه وتعالى. والله جل جلاله يريد من الإنسان أن يسلم قيادته لله .. بأن يجعل اختياراته في الدنيا لما يريده الله تبارك وتعالى .. فإذا تحدث لا يكذب، لأن الله يحب الصدق، وإذا كلف بشيء يفعله لأن التكليف في صالحنا ولا يستفيد الله منه شيئا .. وإذا قال الله تعالى تصدق بمالك أسرع يتصدق بماله ليرد له أضعافا مضاعفة في الآخرة وبقدرة الله.
وهكذا نرى أن الخير كله للإنسان هو أن يجعل مراداته في الحياة الدنيا طبقا لما أراده الله .. وفي هذه الحالة يكون قد انسجم مع الكون كله وتجد أن الكون يخدمه ويعطيه وهو سعيد. أما من يسلم وجهه لغير الله فقد اعتمد على قوي يمكن أن يضعف، وعلى غني يمكن أن يفتقر .. وعلى موجود يمكن أن يموت ويصبح لا وجود له. ولذلك فهو في هذه الحالة يتصف بالسفاهة لأنه اعتمد على الضار وترك النافع.


 

قديم 05-10-2011, 12:50 PM   #132
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 132

(ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"132")
عندما تقرأ كلمة وصى فاعلم أن الوصية تأتي لحمل الإنسان على شيء نافع في آخر وقت لك في الدنيا؛ لأن آخر ساعات الإنسان في الدنيا إن كان قد عاش فيها يغش الناس جميعا فساعة يحتضر لا يغش نفسه أبدا ولا يغش أحدا من الناس لماذا؟ لأنه يحس إنه مقبل على الله سبحانه فيقول كلمة الحق. النصح أو الوصية هي عظة تحب أن يستمسك بها من تنصحه وتقولها له مخلصا في آخر لحظة من لحظات حياته .. ولذلك سيأتي الله سبحانه وتعالى ليبين لنا ذلك في قوله:

{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي}
(من الآية 133 سورة البقرة)


وهكذا يريد الله سبحانه أن يبين لنا أن الوصية دائما تكون لمن تحب .. وأن حب الإنسان لأولاده أكيد سواء أكان هذا الإنسان مؤمنا أم كافرا .. ونحن لا نتمنى أن يكون في الدنيا من هو احسن منا إلا أبناءنا ونعمل على ذلك ليكون لهم الخير كله. وصى إبراهيم بنيه، ويعقوب وصى بنيه .. ولكانت الوصية "يا بني إن الله اصطفى لكم الدين" إذن فالوصية لم تكن أمرا من عند إبراهيم ولا أمرا من عند يعقوب ولكن كانت أمرا اختاره الله للناس فلم يجد إبراهيم ولا يعقوب أن يوصيا أولادهما إلا بما اختاره الله .. فكأن إبراهيم ائتمن الله على نفسه فنفذ التكاليف وائتمنه على أولاده فأراد منهم أن يتمسكوا بما اختاره لهم الله.
قوله تعالى: "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب" .. إبراهيم هو الأب الكبير وابنه اسحق وابن اسحق يعقوب .. ويعقوب هو الأب المباشر لليهود .. ويعقوب وصاهم كما يروي لنا القرآن الكريم: "يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون". أنت لا تنهى إنسانا عن أمر إلا إذا كان في إمكانه أن يتجنبه ولا تأمره به إلا إذا كان في إمكانه أن ينفذه .. فهل يملك أولاد يعقوب أن يموتوا وهم مسلمون؟ والموت لا يملكه أحد .. إنه يأتي في أي وقت فجأة .. ولكن مادام يعقوب قد وصى بنيه: "لا تموتن إلا وأنتم مسلمون" فالمعنى لا تفارقوا الإسلام لحظة حتى لا يفاجئكم الموت إلا وأنتم مسلمون.
والله سبحانه وتعالى أخفى موعد الموت ومكانه وسببه .. ليكون هذا إعلاما به ويتوقعه الناس في أي سن وفي أي مكان وفي أي زمان .. ولذلك قد نلتمس العافية في أشياء يكون الموت فيها .. والشاعر يقول:
إن نـام عنـك فـكـل طـب نـافـع
أو لم يـنـم فالـطـب مـن أسبـابـه
أي إن لم يكن قد جاء الأجل، فالطب ينفعك ويكون من أسباب الشفاء .. أما إذا جاء الأجل فيكون الطب سببا في الموت، كأن تذهب لإجراء عملية جراحية فتكون سبب موتك .. فالإنسان لابد أن يتمسك بالإسلام وبالمنهج ولا يغفل عنه أبدا .. حتى لا يأتيه الموت في غفلته فيموت غير مسلم .. والعياذ بالله.


 

قديم 05-10-2011, 12:50 PM   #133
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 133

(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون "133")
هذا خطاب من يعقوب ينطبق ويمس اليهود المعاصرين لنزول القرآن الكريم .. يعقوب قال لأبنائه ماذا تعبدون من بعدي: "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل واسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون". هذا إقرار من الأسباط أبناء يعقوب بأنهم مسلمون وأن آباءهم مسلمون .. وتأمل دقة الأداء القرآني في قوله تعالى: "نعبد إلهك وإله آبائك" .. فكأنه لم يحدث بعد موت إبراهيم وحين كان يعقوب يموت لم يحدث أن تغير المعبود وهو الله سبحانه وتعالى الواحد .. ولذلك قالوا كما يروي لنا القرآن الكريم: "إلها واحدا" .. وسنأخذ من هذه الآية لقطة تفيدنا في أشياء كثيرة لأن القرآن سيتعرض في قصة إبراهيم أنه تحدث مع أبيه في شئون العقيدة .. فقال كما يروي لنا القرآن الكريم:

{وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبينٍ "74"}
(سورة الأنعام)


ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل ابن إبراهيم .. والرسول عليه الصلاة والسلام قال: (أنا سيد ولد آدم). فإذا كان آزر أبو إبراهيم كافراً وعابداً للأصنام .. فكيف تصح سلسلة النسب الشريف؟ نقول إنه لو أن القرآن قال "وإذا قال إبراهيم لأبيه" وسكت لكان المعنى أن المخاطب هو أبو إبراهيم .. ولكن قول الله: "لأبيه آزر" .. جاءت لحكمة. لأنه ساعة يذكر اسم الأب يكون ليس الأب ولكن العم .. فأنت إذا دخلت منزلا وقابلك أحد الأطفال تقول له هل أبوك موجود ولا تقول أبوك فلان لأنه معروف بحيث لن يخطئ الطفل فيه .. ولكن إذا كنت تقصد العم فإنك تسأل الطفل هل أبوك فلان موجود؟ فأنت في هذه الحالة تقصد العم ولا تقصد الأب .. لأن العم في منزلة الأب خصوصا إذا كان الأب متوفيا.
إذن قول الحق سبحانه وتعالى: "لأبيه آزر" بذكر الاسم فمعناه لعمه آزر .. فإذا قال إنسان هل هناك دليل على ذلك؟ نقول نعم هناك دليل من القرآن في هذه الآية الكريمة: "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك" .. والآباء جمع أب، ثم حدد الله تبارك وتعالى الآباء، إبراهيم وهو الجد يطلق عليه أب .. وإسماعيل وهو العم يطلق عليه أب واسحق وهو أبو يعقوب وجاء إسماعيل قبل اسحق.
إذن ففي هذه الآية جمع أب من ثلاثة هم إبراهيم وإسماعيل واسحق .. ويعقوب الذي حضره الموت وهو ابن اسحق، ولكن أولاد يعقوب لما خاطبوا أباهم قالوا آباءك ثم جاءوا بأسمائهم بالتحديد .. وهم إبراهيم الجد وإسماعيل العم واسحق أبو يعقوب وأطلقوا عليهم جميعا لقب الأب .. فكأن إسماعيل أطلق عليه الأب وهو العم وإبراهيم أطلق عله الأب وهو الجد واسحق أطلق عليه الأب وهو الأب ..

<فإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أشرف الناس حسباً ولا فخر">

يقول بعض الناس كيف ذلك ووالد إبراهيم كان غير مسلم ..

<ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم">

فإذا قال أحدهم كيف هذا وأبو إبراهيم عليه السلام كان مشركا عابدا للأصنام .. نقول له لم يكن آزر أبا لإبراهيم وإنما كان عمه، ولذلك قال القرآن الكريم "لأبيه آزر" وجاء بالاسم يريد به الأبوة غير الحقيقية .. فأبوة إبراهيم وأبوة اسحق معلومة لأولاد يعقوب .. ولكن إسماعيل كان مقيما في مكة بعيدا عنهم، فلماذا جاء اسمه بين إبراهيم واسحق؟ نقول جاء بالترتيب الزمني لأن إسماعيل اكبر من اسحق بأربعة عشر عاما .. وكونه وصف الثلاثة بأنهم آباء .. إشارة لنا من الله سبحانه وتعالى أن لفظ الأب يطلق على العم .. والله تبارك وتعالى يريدنا أن نتنبه لمعنى كلمة آزر .. ويريد أن يلفتنا أيضا إلي أن تعدد البلاغ عن الله لا يعني تعدد الآلهة .. لذلك قال سبحانه: "إلها واحدا" ..


 

قديم 05-10-2011, 12:51 PM   #134
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 134

(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون "134")
وقوله تعالى: "خلت" أي انفردت وخلا فلان بفلان أي انفرد به .. وخلا المكان من نزيله أي أصبح المكان منفردا، والنزيل منفردا ولا علاقة لأحدهما بالآخر .. الله تبارك وتعالى يقول:

{وإذا خلوا إلي شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون }
(من الآية 14 سورة البقرة)


أي انفردوا هم وشياطينهم ولم يعد في المكان غيرهم؛ ولقد قلنا إن كل حدث لابد أن يكون له محدث، ولا حدث يوجد بذاته، وكل حدث يحتاج إلي زمان ويحتاج إلي مكان .. فإذا قال الحق تبارك وتعالى: "تلك أمة قد خلت" فمعناه إنه انقضى زمانها وانفرد عن زمانكم. والمقصود بقوله تعالى: "تلك أمة قد خلت" أي انتهى زمانها .. وتلك اسم إشارة لمؤنث مخاطب وأمة هي المشار إليه والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين .. والله سبحانه وتعالى حين يقول: "تلك أمة" فكأنها مميزة بوحدة عقيدتها ووحدة إيمانها حتى أصبحت شيئا واحدا .. ولذلك لابد أن يخاطبها بالوحدة .. واقرأ قوله تعالى:

{إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون "93" }
(سورة الأنبياء)


وتلك هنا إشارة لأمة إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب .. هم جماعة كثيرة لهم عقيدة واحدة. وقوله تعالى: "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" .. أي تلك جماعة على دين واحد تحاسب عما فعلته كما ستحاسبون أنتم على ما فعلتم .. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول:

{إن إبراهيم كان أمةً }
(من الآية 120 سورة النحل)


وإبراهيم فرد وليس جماعة؟ نقول نعم إن إبراهيم فرد ولكن اجتمعت فيه من خصال الخير ومواهب الكمال ما لا يجتمع إلا في أمة. وقوله تعالى: "قد خلت" يراد بها إفهام اليهود ألا ينسبوا أنفسهم إلي إبراهيم نسبا كاذبا لأن نسب الأنبياء ليس نسباً دمويا أو جنسيا أو انتماء .. وإنما نسب منهج واتباع .. فكأن الحق يقول لليهود لن ينفعكم أن تكونوا من سلالة إبراهيم ولا اسحق ولا يعقوب .. لأن نسب النبوة هو نسب إيماني فيه اتباع للمنهج والعقيدة .. ولا يشفع هذا النسب يوم القيامة لأن لكل واحد عمله.
قوله تعالى: "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" .. الكسب يؤخذ على الخير والاكتساب يؤخذ في الشر لأن الشر فيه افتعال. أننا لابد أن نلتفت ونتنبه إلي آيات القرآن الكريم حتى نستطيع أن نرد على أولئك الذين يحاولون الطعن في القرآن .. فلا يوجد معنى لآية تهدمها آية أخرى ولكن يوجد عدم فهم. يأتي بعض المستشرقين ليقول هناك آية في القرآن تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يعطي بالأنساب وذلك في قوله جل جلاله:

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}
(من الآية 21 سورة الطور)


الأبناء مؤمنون، وقوله تعالى: "ألحقنا بهم ذريتهم" كلمة ألحقنا تأتي عندما تلحق ناقصا بكامل .. فإذا كان الاثنان مؤمنين فكأنك تزيد درجة الأبناء إكراما لآبائهم المؤمنين .. نقول إن الإيمان شيء والعمل بمقتضى الإيمان شيء آخر .. الأب والذرية مؤمنون ولكن الآباء تفانوا في العمل والأبناء ربما قصروا قليلا .. ولكن هنا رفع درجة بالنسبة للمؤمنين أي لابد أن يكون الأب والذرية مؤمنين .. ولكن غير المؤمنين مبعدون ليس لهم علاقة بآبائهم انقطعت الصلة بينهم بسبب الإيمان والكفر .. فالآباء لهم أعمال حسنة كثيرة .. والأبناء لهم أعمال حسنة أقل .. ينزل الله الأبناء في الجنة مع آبائهم لأن الإيمان واحد.
وقوله تعالى: "وما ألتناهم" أي أنقصناهم من عملهم من شيء .. إذن فالآباء والذرية مأخوذون بإيمانهم، والله بفضله يلحق الأبناء بالآباء. قوله تعالى: "لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" .. هذه عملية الإيمان في العقيدة .. قد يقول البعض إن الله تبارك وتعالى يقول:

{كل امرئ بما كسب رهين }
(من الآية 21 سورة الطور)


ويقول سبحانه:

{وأن ليس للإنسان إلا ما سعى "39" }
(سورة النجم)


فكيف يأخذ الأبناء جزاء بدون سعي؟ نقول افهموا النصوص جيدا. قوله تعالى: "وإن ليس للإنسان إلا ما سعى" تحدد العدل ولكنها لا تحدد الفضل الذي يعطيه الله سبحانه لمن شاء من عباده، وهذا يعطي بلا حساب .. ثم من الذي قال إن هذا ليس من سعيهم؟ إن إلحاق الأبناء المؤمنين بالمنزلة العالية لآبائهم تكريم لعمل الآباء وليس زيادة لعمل الأبناء. ولقد روى لنا العلماء أن ولدا كان مؤمنا طائعا عابدا وأبوه كان مسرفا على نفسه .. فلما مات الأب حزن عليه ابنه ولكنه رأى أن أباه جالس فوق رأسه ومعه واحدة من الحور العين تؤنسه .. فتعجب الابن كيف ينال أبوه هذه المكافأة وقد كان مسرفا على نفسه فسأله: كيف وصلت لهذه المنزلة؟ فقال الأب أي منزلة .. قال الابن أن تكون معك واحد من الحور العين.. فقال الأب وهل فهمت أنها نعيم لي .. قال الابن نعم .. يقول:

{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون "58" }
(سورة يونس)


إذن أنت في الآخرة ستفرح بفضل الله ورحمته أكثر من فرحك بعملك الصالح ..

<مصداقا صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وابشروا فإنه لن يدخل الجنة أحداً عمله، قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته">ربما يأتي أحد ويقول الصلاة على الميت ما هو القصد الشرعي منها .. إن كانت تفيده فستكون الفائدة زيادة على عمله .. وإن لم تكن تعطيه أكثر من عمله فما فائدتها؟.
نقول مادام الشرع كلفنا بها فلها فائدة. وهل تظن أن الصلاة على الميت ليست من عمله؟ هي داخلة في عمله لأنه مؤمن وإيمانه هو الذي دفعك للصلاة عليه .. والذي تدعو له بالخير وبالرحمة وبالمغفرة ويتقبلها الله .. أيقال أنه أخذ غير عمله؟ لا؛ إنك لم تدع له إلا بعد أن أصابك الخير منه .. ولكنك لا تدعو مثلا لإنسان أخذ بيدك إلي خمارة أو إلي فاحشة أو إلي منكر .. بل تدعو لمن أعطاك خيرا فإن استجاب الله لك فهو من عمالله سبحانه وتعالى يقول إن ما كان يعمله من سبقكم من أمم لا تسألون عنه .. وإن كنتم تدعون أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا نقل لكم أنتم لن تسألوا عما كان يعمل إبراهيم ولكن عليكم أنفسكم .. السؤال يكون عن عملكم.


 

قديم 05-10-2011, 12:52 PM   #135
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 135

(وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين"135")
عندما تأتي ـ قالوا ـ فمعناها إن الذين قالوا جماعة .. الذين قالوا هم اليهود والنصارى ولكن كلا منهم قال قولا مختلفا عن الآخر .. قالت اليهود كونوا هودا. وقالت النصارى كونوا نصارى .. ونحن عندنا عناصر ثلاثة: اليهود والنصارى والمشركون. ويقابل كل هؤلاء المؤمنون .. "وقالوا كونوا" من المقصود بالخطاب؟ المؤمنين .. أو قد يكون المعنى وقالت اليهود للمؤمنين والمشركين والمؤمنين كونوا نصارى .. لأن كل واحد منهما لا يرى الخير إلا في نفسه .. ولكن الإسلام جاء وأخذ من اليهودية موسى وتوراته الصحيحة. وأخذ من المسيحية عيسى وإنجيله الصحيح .. وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك أن الإسلام أخذ وحدة الصفقة الإيمانية المعقودة بين الله سبحانه وبين كل مؤمن .. ولذلك تجد في القرآن الكريم قوله تعالى:

{لا نفرق بين أحدٍ من رسله }
(من الآية 285 سورة البقرة)


ونلاحظ أن المشركين لم يدخلوا في القول لأنهم ليسوا أهل كتاب. قوله تعالى: "بل ملة إبراهيم حنيفا" .. أي رد عليهم، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنني سأكون تابعا لدين إبراهيم وهو الحنيفية .. وهم لا يمكن أن يخالفوا في إبراهيم فاليهود اعتبروه نبيا من أنبيائهم .. والنصارى اعتبروه نبيا من أنبيائهم ولم ينفوا عنه النبوة ولكن كلا منهم أراد أن ينسبه لنفسه. ما معنى حنيفا؟ إن الاشتقاقات اللفظية لابد أن يكون لها علاقة بالمعنى اللغوي .. الحنف ميل في القدمين أن تميل قدم إلي أخرى .. هو تقوس في القدمين فتميل القدم اليمنى إلي اليسار أو اليسرى إلي اليمين هذا هو الحنف .. ولكن كيف يؤتي بلفظ يدل على العوج ويجعله رمزا للصراط المستقيم؟
لقد قلنا إن الرسل لا يأتون إلا عندما تعم الغفلة منهج الله .. لأنه مادام وجد من اتباع الرسول من يدعو إلي منهجه ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر يكون هناك خير. النفس البشرية لها ألوان .. فهناك النفس اللوامة تصنع شرا مرة فيأتي من داخل النفس ما يستنكر هذا الشر فتعود إلي الخير .. ولكن هناك النفس الأمارة بالسوء وهي التي لا تعيش إلا في الشر تأمر به وتغري الآخرين بفعله .. إذا فسد المجتمع وأصبحت النفوس أمارة بالسوء ينطبق عليها قول الحق سبحانه:

{كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه}
(من الآية 79 سورة المائدة)


تتدخل السماء برسول يعالج اعوجاج المجتمع .. ولكن الله تبارك وتعالى وضع عنصر الخيرية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلي قيام الساعة. قال تعالى:

{كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون "110" }
(سورة آل عمران)


إذن فقد ائتمن الله تبارك وتعالى أمة محمد على المنهج .. ومادام فيها من يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فلن يأتي رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم. نعود إلي قوله تعالى حنيفا .. قلنا إن الحنف هو الاعوجاج .. ونقول إن الاعوجاج عن المعوج اعتدال .. والرسل لا يأتون إلا بعد اعوجاج كامل في المجتمع .. ليصرفوا الناس عن الاعوجاج القائم فيميلون إلي الاعتدال .. لأن مخالفة الاعوجاج اعتدال .. وقوله تعالى: "حنيفا" تذكرنا بنعمة الله على الوجود كله لأنه يصحح غفلة البشر عن منهج الله ويأخذ الناس من الاعوجاج الموجود إلي الاعتدال .. والهداية عند اليهود والنصارى ومفهومها تحقيق شهوات نفوسهم لأن بشرا يهدي بشرا .. والله سبحانه وتعالى قال:

{ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم }
(من الآية 120 سورة البقرة)


ولقد تعايش رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مع اليهود ولكنهم حاربوه ولم يرضوا عنه .. وإبراهيم عليه السلام كان مؤمنا حقا ولم يكن مشركا ..


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:16 PM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا