المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 25-10-2011, 06:13 AM   #751
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 77

(قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما تصفون "77")
وهكذا ادعوا أن داء السرقة في بنيامين قد سبقه إليه شقيق له من قبل، وقالوا ذلك في مجال تبرئة أنفسهم، وهكذا وضحت ملامح العداوة منهم تجاه يوسف وأخيه. وقولهم:

{إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .. "77"}
(سورة يوسف)


يسمى في اللغة قضية شرطية. ومعنى القضية الشرطية؛ أن حدثاً يقع بسبب حدث وقع قبله، فهناك حدث يحدث وحده، وهناك حدث يحدث بشرط أن يحدث قبله حدث آخر. ومثال هذا هو قولك لتلميذ: إن تذاكر دروسك تنجح، وهنا حدثان، المذاكرة والنجاح، فكأن حدوث النجاح الشرط فيه حدوث المذاكرة، ولابد أن يحدث الشرط أولاً؛ ثم يحدث الحدث الثاني، وهو هنا قولهم:

{فقد سرق أخ له من قبل .. "77"}
(سورة يوسف)


كتعليل لسرقة بنيامين. والمثل من القرآن أيضاً:

{فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك .. "184"}
(سورة آل عمران)


فكأن الله يوضح للرسول صلى الله عليه وسلم: إن كذبوك الآن فيما تنقل لهم من أخبار السماء؛ فلا تحزن ولا تبتئس؛ فهذا التكذيب ظاهرة عانى منها كل الرسل السابقين لك؛ لأنهم يجيئون بما ينكره المرسل إليهم أولاً، فلابد أن يكذبوا، وهكذا يستقيم الشرط، لأن الحق سبحانه هنا قد عدل بالشيء عن سببه، فكان جواب الشرط بعد الزمان الذي حدث فيه الشرط.
وهنا قال الحق سبحانه:

{إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .. "77"}
(سورة يوسف)


أي: لا تعجب يا عزيز مصر؛ لأن هذه خصلة في أولاد راحيل، قالوا ذلك وهم يجهلون أنهم يتحدثون إلى يوسف ابن راحيل!!
وكل حدث يحدث للملكات المستقيمة؛ لابد أن يخرج تلك الملكات عن وضعها، ونرى ذلك لحظة أن يتفوه واحد بكلمة تخرج إنساناً مستقيماً عن حاله وتنغصه، ويدرك بها الإنسان المستقيم ما يؤلمه؛ وينفعل انفعالاً يجعله ينزع للرد.

<ولذلك يوصينا صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب؛ وإلا فليضطجع">

كي يساعد نفسه على كظم ضيقه وغضبه، وليسرب جزء من الطاقة التي تشحنه بالانفعال. ولكن يوسف عليه السلام لم ينزع إلى الرد، لذلك قال الحق سبحانه:

{فأسرها يوسف في نفسه .. "77"}
(سورة يوسف)


وكان يستطيع أن يقول لهم ما حدث له من عمته التي اتهمته بالباطل أنه سرق؛ لتحتفظ به في حضانتها من فرط حبها له، لكن يوسف عليه السلام أراد أن يظل مجهولاً بالنسبة لهم، لتأخذ الأمور مجراها:

{فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم .. "77"}
(سورة يوسف)


حدث ذلك رغم أن قولهم قد أثر فيه، ولكن قال رأيه فيهم لنفسه:

{أنتم شر مكاناً والله أعلم بما تصفون "77"}
(سورة يوسف)


لأنكم أنتم من أخذتموني طفلاً لألعب؛ ثم ألقيتموني في الجب؛ وتركتم أبي بلا موانسة .. وأنا لم أسرق بل سرقت، وهكذا سرقتم ابناً من أبيه.
وهو إن قال هذا في نفسه فلابد أن انفعاله بهذا القول قد ظهر على ملامحه، وقد يظهر المعنى على الملامح، ليصل إليهم المعنى، والقول ليس إلا ألفاظاً يصل به مدلول الكلام إلى مستمع. وقد وصل المعنى من خلال انفعال يوسف. وقوله:

{والله أعلم بما تصفون "77"}
(سورة يوسف)


أي: أنه سبحانه أعلم بما تنعتون، وتظهرون العلامات والسمات، وغلبت كلمة "تصفون" على الكلام. ومثال هذا هو قول الحق سبحانه:

{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام .. "116"}
(سورة النحل)



 

قديم 25-10-2011, 06:13 AM   #752
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 78

(قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين "78")
وهكذا دخلوا مع يوسف في نقاش، وبدأوا في الاستعطاف؛ بقولهم:

{إن له أباً شيخاً كبيراً .. "78"}
(سورة يوسف)


ونلحظ أن كلمة "كبير" تطلق إطلاقات متعددة، إن أردت الكبر في السن تكون من "كبر يكبر"، وإن أردت الكبر في المقام تقول: "كبُر يكبُر". والحق سبحانه يقول:

{كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً "5"}
(سورة الكهف)


والكبَر واحد من معاني العظمة، أما الكبُر في السن فهو مختلف؛ وهنا قالوا:

{إن له أباً شيخاً كبيراً .. "78"}
(سورة يوسف)


قد تكون ترقيقاً بالعزة، أو ترقيقاً بالضعف.
أي: إن له أباً شيخاً كبيراً عظيماً في قومه؛ وحين يبلغه أن ابنه قد احتجز من أجل سرقة، فهذا أمر مؤلم؛ ولك أن تقدر ذلك وأنت عزيز مصر؛ ونرجو أن تحفظ للأب شرفه ومجده وعظمته، واستر ذلك الأمر من أجل خاطر ومكانة والده.
أو: أن يكون قولهم مقصوداً به، أن الأب شيخ مهدم، لا يحتمل الصدمة، وخصوصاً أن له ابناً قد فقد. ثم يعرضون عرضاً آخر، فيقولون:

{فخذ أحدثنا مكانه إنا نراك من المحسنين "78"}
(سورة يوسف)



 

قديم 25-10-2011, 06:13 AM   #753
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 79

(قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون "79")
ويستعيذ يوسف عليه السلام بالله أن يأخذ أحداً بدلاً ممن وجد في متاعه صواع الملك، فما ذنبه في هذا الأمر؟ ولا أحد يمكن أن ينال عقاباً على ذنب ارتكبه غيره. وساعة تقرأ "إذا" منونة؛ فاعرف أن هناك جملة محذوفة، أي: أن يوسف قال: إن أخذنا غير من وجدنا متاعنا عنده نكون من الظالمين.
وجاء "التنوين" بدلاً من الجملة المحذوفة التي ذكرناها. ومثال آخر من القرآن هو قول الحق سبحانه:

{وأنتم حينئذ تنظرون "84"}
(سورة الواقعة)



 

قديم 25-10-2011, 06:14 AM   #754
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 80

(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "80")
ويقال: "يئس" أي: قطع الأمل من الشيء، وهم لم يقطعوا الأمل فقط، بل استيأسوا، وهو أمر فوق اليأس. فهم قد أخذوا يرققون كل ألوان المرققات؛ ولا فائدة؛ وكلما أوردوا مرققاً؛ يجدون الباب أمامهم موصداً. وكأنهم بذلك يلحون على اليأس أن يأتيهم؛ لأن الظروف المحيطة والجو المحيط لا يحمل أي بارقة أمل، وكلما تبدو بارقة أمل يطلبونها يجدون الطريق موصداً؛ فكأنهم يطلبون اليأس من أن يأذن يوسف بسفر أخيهم بنيامين معهم في رحلة العودة إلى أبيهم.
وهنا:

{خلصوا نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم انفردوا عنه، وعن أعين الحاضرين؛ العزيز يوسف، ومن حوله من المعاونين له، وأخيهم موضع الخلاف، وانفردوا بأنفسهم. والانفراد هو المناجاة؛ والمناجاة مسرة؛ والمسرة لا تكون إلا في أمر لا تحب لغيرك أن يطلع عليه. ونلحظ أن:

{خلصوا .. "80"}
(سورة يوسف)


هو جمع، و:

{نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


مفرد، وهذا من ضمن المواقع التي يتساءل فيها من لا يملكون ملكة عربية: كيف يأتي القرآن بمفرد بعد الجمع؟
ونقول دائماً: لو أنهم امتلكوا اللغة كملكة لعرفوا أن ذلك جائز جداً. ومثال هذا هو قول الحق سبحانه:

{والملائكة بعد ذلك ظهير "4"}
(سورة التحريم)


وهم لا يفهمون أن اللغة فيها ألفاظ يستوي فيها المفرد والجمع، كأن الملائكة يجمعون قوة كل واحد منهم لتكون قوة واحدة. ومثال آخر: هو قول إبراهيم خليل الرحمن:

{قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون "75" أنتم وآباؤكم الأقدمون "76" فإنهم عدو لي إلا رب العالمين "77"}
(سورة الشعراء)


أي: أن إبراهيم عليه السلام جمع الآلهة المتعددة التي يعبدونها وجعلها عدواً واحداً له. وكذلك يمكن أن نفعل مع كلمة "صديق"، وكذلك كلمة "عدل" فحين ينظر القضاء في أمر قضية ما؛ فالقاضي لا يصدر الحكم وحده؛ بل يصدره بعد التشاور مع المستشارين؛ ويصدر الحكم من الثلاثة: رئيس المحكمة، وعضو اليمين، وعضو اليسار وكلاهما بدرجة مستشار. ويقال: "حكم القضاة عدلاً". ولا يقال: إن كل مستشار أو قاض له عدل. وكذلك:

{نجيا .. "80"}
(سورة يوسف)


في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها، فهم حين استيأسوا من يوسف انفردوا بأنفسهم ليتناجوا. وعادة يكون الرأي الأول للأخ الأكبر، الذي عادة ما يكون له من الخبرة والحكمة ما يتيح له أن يبدي الرأي الصواب. وهنا يقول الحق سبحانه:

{قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم في يوسف فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين "80"}
(سورة يوسف)


وقد يكون كبيرهم هو أكبرهم عمراً؛ أو هو رئيس الرحلة، وحين رآهم قد قبلوا فكرة العودة دون أخيهم الذي احتجزه عزيز مصر؛ قال لهم رأيه الذي حذرهم فيه أن يغفلوا عن أن أباهم قد أخذ منهم موثقاً من الله إلا أن يحاط بهم؛ كما يجب ألا ينسوا أن لهم سابقة حين أخذوا يوسف وضيعوه.
وبناءً على ذلك استقر قراره ألا يبرح المكان، ولن يعود إلى أبيه إلا إن أذن له بذلك؛ أو أن يحكم الله له بأن يسلمه عزيز مصر أخاه، أو أن يموت هنا في نفس البلد. وهذا القول في ظاهره دفاع عن النفس؛ وخجل من أن يعود إلى أبيه بدون بنيامين؛ ولذلك ترك أخوته يتحملون تلك المواجهة مع الأب.
وتبدو هذه المسألة أكثر قسوة على الأب؛ لأنه فقد في الرحلة الأولى يوسف، وفي الرحلة الثانية يفقد ابنه بنيامين، وكذلك الابن الكبير الذي يرأس الرحلة. وفي هذا تصعيد للقسوة على الأب، وكان المفروض أن تدور مداولة بين الأخوة في تلك المناجاة، ولكن الأخ الكبير أو رئيس الرحلة حسم الأمر.


 

قديم 25-10-2011, 06:14 AM   #755
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 81

(ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين "81")
وهكذا أمر الأخ الأكبر أو رئيس الرحلة أخوته أن يرجعوا إلى أبيهم، ويقولوا له ما حدث بالضبط، فقد اتهم ابنه بالسرقة، ونحن لا نقول هذا الكلام إلا بعد أن وجد فتيان العزيز صواع الملك في رحله، ولا نعلم هل دسها أحد له؟ وهل هي حيلة ومكيدة؟
ونحن لا نقول لك يا أبانا إلا ما وصل إلينا من معلوما، وقد أخذه العزيز طبقاً لشريعتنا، ونحن بخبرتنا بأخينا لا نشهد عليه بالسرقة، إلا أن ثبوت وجود صراع الملك في رحله هو السبب في كل ذلك.
ويعلم الأخ الأكبر أن يعقوب عليه السلام قد يكذب أولاده؛ لأن هناك سوابق لهم؛ لذلك أوصاهم الأخ الأكبر أو رئيس الرحلة أن يقولوا لأبيهم ـ إن كذبهم ـ ما جاء به الحق على ألسنتهم:


 

قديم 25-10-2011, 06:14 AM   #756
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 82

(واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون"82")
أي: أنك يا أبانا إن كنت تشك في أقوالنا؛ يمكنك أن تطلب أدلة أخرى من المكان الذي كنا فيه؛ لأن هذا الموضوع قد أحدث ضجة وحدث أمام جمع كبير من الناس، والقوافل التي كانت معنا شهدت الواقعة؛ فقد أذن مؤذن بالحادث، وتم تفتيش العير علناً.
فإذا أردت أن تتأكد من صدق أقوالنا، فاسأل العير التي كانت تسير معنا في الطريق، وهم يعرفون هذه القضية كما نعرفها، أو اسأل أهل القرية التي جئنا منها. ونلحظ هنا أن الحق سبحانه أورد كلام أخوة يوسف لأبيهم يعقوب:

{واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها .. "82"}
(سورة يوسف)


ونحن نعلم أن كل حدث من الأحداث لابد له من فاعل، ومن مفعول يقع عليه، ومن مكان يقع فيه، ومن زمان يقع فيه؛ ومن سبب يوجبه، ومن قوة تنهض به. وفي بعض الحالات نجد أن المكان هو الأمر الظاهر والقوي في الحدث، فننسبه إليه، فيقال:

{واسأل القرية .. "82"}
(سورة يوسف)


والمراد بطبيعة الحال أن يسأل أهل القرية، أو: أن المسألة كانت واضحة تماماً لدرجة أن الجماد يعرف تفاصيلها، أو: أنك نبي ويوحي لك الله فسله أن يجعل الأرض تخبرك بما وقع عليها. وكذلك قولهم:

{واسأل القرية التي كنا فيها والعير .. "82"}
(سورة يوسف)


ونعلم أن العير هي المطايا؛ سواء أكانت نياقاً أو كانت من الجمال أو الحمير أو البغال التي تحمل البضائع. وحين يقال:

{واسأل القرية التي كنا فيها والعير .. "82"}
(سورة يوسف)


أي: أن العير كان لها في الأمر شيء فوق الملابسات كلها.
ومثال هذا ما كان في موقعة بدر؛ فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقى العير القادمة من الشام وهي محملة بالبضائع؛ ليصادرها إيفاء ما استولى عليه الكافرون من أموال المهاجرين التي كانت بمكة، ولم يكن مع هذه العير إلا قليل من الحرس والرعاة.
ولكن حين تكلم عن المقاتلين الذين قدموا من مكة؛ وصفهم بالنفير، أي: الجماعة الذين نفروا لمواجهة معسكر الإيمان. إذن: فكل حدث يأخذ الأمر البارز فيه.
وهنا يورد الحق سبحانه ما جاء على ألسنة يوسف حينما عادوا ليلقوا أباهم، وليس معهم أخوهم بنيامين؛ وكذلك تخلف أخيهم الكبير أو رئيس الرحلة. يقول الحق سبحانه:

{واسأل القرية التي كنا فيها .. "82"}
(سورة يوسف)


ويجوز أن تفتيشهم قد تم في مكان بعيد قليلاً عن العمران؛ وفحص جنود أو مساعدو يوسف أمتعتهم التي عثروا فيها على صواع الملك. وسمى المكان "قرية"، مثلما نفعل نحن حالياً حين نخصص مكاناً للجمارك؛ نفحص فيه البضائع الخارجة أو الداخلة إلى البلد، فقولهم:

{واسأل القرية التي كنا فيها .. "82"}
(سورة يوسف)


أي: اسأل أهل الموقع الذي حدث فيه التفتيش. وكذلك قولهم:

{والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون "82"}
(سورة يوسف)


أي: اسأل من كانوا معنا، وجئنا بصحبتهم من أصحاب القوافل الأخرى. وكرر قولهم:

{وإنا لصادقون "82"}
(سورة يوسف)


لأنهم علموا سابق كذبهم من قبل ذلك؛ لذلك أرادوا هنا أن يثبتوا صدقهم؛ وحين يسأل أبوهم يعقوب؛ سيجد أنهم صادقون فعلاً، وهم لم يطلبوا شهادة الغير إلا لأنهم واثقون من صدقهم هذه المرة. وجاء الحق سبحانه بهذه الجملة الاسمية:

{وإنا لصادقون "82"}
(سورة يوسف)


لأنهم قد فهموا أن والدهم قد شك فيهم من قبل، حين جاءوا بدم كذبٍ، وادعوا أنه قميص يوسف، وأن الذئب قد أكله. ويأتي الحق سبحانه بما جاء على لسان يعقوب:


 

قديم 25-10-2011, 06:15 AM   #757
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 83

(قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "83")
الأمور التي تخالف الضمير؛ ويستحي منها؛ ويخشى مغبتها؛ هي أمور تستعصي على النفس؛ وتحتاج النفس إلى علاج حتى تبرزها، وتحتاج إلى من ييسر لها، ما أن تقدم على فعل الأمر المستهجن، وهذا ما يقال له: "سول".
وقول الحق سبحانه على لسان يعقوب:

{بل سولت لكم أنفسكم أمراً .. "83"}
(سورة يوسف)


أي: يسرت لكم أنفسكم أمراً يصعب أن تقبله النفوس المستقيمة، وسبق أن قال يعقوب لحظة أن جاءوا له بقميص يوسف وعليه الدم الكاذب:

{بل سولت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون "18"}
(سورة يوسف)


وهنا طلب يعقوب عليه السلام العون مما يدل على أن ما قالوه، وكذلك أحداث القصة لن تقف عند هذا الحد، بل ستأتي من بعد ما قالوه أحداث تتطلب تجنيد قوى الصبر في النفس، وتتطلب معونة الله.
ويختلف الأمر هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ما جاء بعد الحديث عن تسويل النفس، واستلهام الصبر من الله، فهبات الفرج قد اقتربت، فقال:

{عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم "83"}
(سورة يوسف)


في هذه الآية طلب الأمل الذي يوحي بالفرج، وقد كان. وبعض من الذين تأخذهم الغفلة يتساءلون: لماذا قال يعقوب:

{عسى الله أن يأتيني بهم جميعا .. "83"}
(سورة يوسف)


والغائب عنه هما يوسف وأخوه؟ ونقول: ولماذا تنسون كبير الأخوة الذي رفض أن يبرح مصر، إلا بعد أن يأذن له يعقوب، أو يفرج عنه الله؟ لقد غاب عن يعقوب ثلاثة من أولاده: يوسف وبنيامين وشمعون؛ لذلك قال:

{عسى الله أن يأتيني بهم جميعا .. "83"}
(سورة يوسف)


ولم يقل: يأتيني بهما. ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله:

{إنه هو العليم الحكيم "83"}
(سورة يوسف)


 

قديم 25-10-2011, 06:15 AM   #758
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 84

(وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم "84")
وأعرض يعقوب عليه السلام عنهم؛ فما جاءوا به هو خبر أحزنه، وخلا بنفسه؛ لأنه ببشريته تحسر على يوسف، فقد كانت قاعدة المصائب هي افتقاده يوسف. وساعة تسمع نداء لشيء محزن، مثل: "وا حزناه" أو "وا أسفاه" أو "وا مصيبتاه"؛ فهذا يعني أن النفس تضيق بالأحداث وتقول "يا هم، هذا أوانك، فاحضر". أو أنه قال:

{يا أسفي على يوسف .. "84"}
(سورة يوسف)


لأن أخاه بنيامين كان أشبه الناس به؛ فكان حزنه على يوسف طاقة من الهم نزلت به، وتبعتها طاقة هم أخرى، وهي افتقاد بنيامين. وقول الحق سبحانه:

{وابيضت عيناه .. "84"}
(سورة يوسف)


أي: أن دموع يعقوب كثرت حتى بدا الجزء الأسود في العين وكأنه أبيض. أو: ابيضت عيناه من فرط حزنه، الذي لا يبثه لأحد ويكظمه. وهو قد يكظم غيظه من كل ما حدث، أما الانفعالات فلا أحد بقادر على أن يتحكم فيها.
ونجد رسولنا صلى الله عليه وسلم يبكي؛ وتذرف عيناه حزناً على موت ابنه إبراهيم، فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: أتبكي؟ أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: "لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عن مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان.

<وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون">

وهكذا نعلم أن الحق سبحانه لا يريد من الإنسان أن يكون جلموداً أو يكون صخراً لا ينفعل للأحداث، بل يريده منفعلاً للأحداث؛ لأن هذا لون يجب أن يكون في إنسانيته، وهذه عاطفة يريد الله أن يبقيها، وعلى المؤمن أن يعليها.
فسبحانه هو الذي خلق العاطفة، والغريزة في الإنسان، ولو أراد الله الإنسان بلا عاطفة أو غريزة لفعل ما شاء، لكنه أراد العاطفة والغريزة في الإنسان لمهمة. ولحظة أن تخرج العاطفة أو الغريزة عن مهمتها، يقول لك المنهج: لا. لأن مهمة المنهج أن يهذب لك الانفعال.
والمثل الذي أضربه هنا هو حب الإنسان للاستمتاع بالطعام، يقول له المنهج: كل ما يفيدك ولا تكن شرهاً.
والمثل الآخر: غريزة حب الاستطلاع، يقول لك المنهج: اعرف ما يفيدك؛ ولا تستخدم هذه الغريزة في التجسس على الناس.
وغريزة الجنس أرادها الله لإبقاء النوع، ولتأتي بالأولاد والذرية، لكن لا تستعملها كانطلاقات وحشية. وهكذا يحرص المنهج الغرائز والعواطف لتبقى في إطار مهمتها.
والعاطفة ـ على سبيل المثال ـ هي التي تجعل الأب يحنوا على ابنه الصغير ويرعاه، وعلى ذلك فالمؤمن عليه أن يعلي غرائزه وعواطفه. وقول الحق سبحانه عن يعقوب:

{فهو كظيم "84"}
(سورة يوسف)


 

قديم 25-10-2011, 06:15 AM   #759
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 85

(قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين "85")
ولقائل أن يسأل: ومن الذين قالوا ليعقوب ذلك، وقد ذكرت الآية السابقة أنه تولى عنهم؟ نقول: لقد عاش يعقوب مع أبنائه وأحفاده، ويقال في الأثر: إن يعقوب دخل عليه بعض الناس، فقالوا له "تالله انهشمت يا يعقوب، ولم تبلغ سن أبيك إسحاق". والمعنى: أنك صرت عجوزاً عاجزاً، مهشماً. قال: إنما هشمني يوسف. فعتب عليه الله في هذه المقولة، وأوضح له: أتشكو ربك لخلقه؟ فرفع يده وقال: خطيئة أخطأتها يا رب فأغفر لي. قال: غفرتها لك.
وقد نبهه بعض أبنائه أو أحفاده فقالوا:

{تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين "85"}
(سورة يوسف)



 

قديم 25-10-2011, 06:16 AM   #760
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 86

(قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون "86")
وشكاية الأمر إلى الله لون من العبادة لله، والبث: هي المصيبة التي لا قدرة لأحد على كتمانها؛ فينشرها، وإذا أصاب الأعلى الأدنى بما يراه الأدنى سوءً، يتفرع الأدنى إلى نوعين: نوع يتودد إلى الأقوى، ويتعطفه ويلين له، ويستغفره ويستميحه، ونوع آخر يتأبى على المبتلي. ويتمرد، ولسان حاله يقول: "فليفعل ما يريد".
والحق تبارك وتعالى يقول في كتابه:

{فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا "43"}
(سورة الأنعام)


فساعة يأتي البأس ونتضرع إلى الله؛ يكون البأس قد غسلنا من الذنوب ونسيان الذكر؛ وأعادنا إلى الله الذي لن يزيل البأس إلا هو. أما الذي يتمرد ويستعلي على الأحداث، فويل له من ذلك التمرد. والحق سبحانه حين يصيب إنساناً بمصيبة، فهو يلطف بمن يدعوه. وتساءل بعضهم: ولماذا لم يقل يعقوب ما علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم:

{الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون "156"}
(سورة يوسف)


ونقول: إن هذا من النعم التي اختص بها الحق سبحانه أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ وحين دخل بعضهم على علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه وأرضاه ـ وكان يعاني من وعكة، وكان يتأوه، فقالوا له: يا أبا الحسن أتتوجع؟ قال: أنا لا أشجع على الله.
وهنا في الآية ـ التي نحن بصدد خواطرنا عنها ـ يعلن يعقوب عليه السلام أنه لا يشكو حزنه وهمه إلا إلى الله، فهو القادر على كشف الضر؛ لأن يعقوب عليه السلام يعلم من الله ما لا يعلم أبناؤه أو أحفاده.


 

قديم 25-10-2011, 06:16 AM   #761
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 87

(يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "87")
ونلحظ أن الذين غابوا هم ثلاثة: يوسف، وبنيامين، والأخ الأكبر الذي أصر على ألا يبرح مصر إلا بعد أن يأذن أبوه، أو يأتي فرج من الله.
وهنا في هذه الآية جاء ذكر يوسف وأخيه، ولم يأت ذكر الأخ الكبير أو رئيس الرحلة. ونقول: إن يوسف وأخاه هما المعسكر الضعيف الذي عانى من مناهضة بقية الأخوة، وهما قد فارقا الأب صغاراً، أما الأخ الأكبر فيستطيع أن يحتال، وأن يعود في الوقت الذي يريد. وقول يعقوب:

{اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه .. "87"}
(سورة يوسف)


نجد فيه كلمة (تحسسوا)، وهي من الحس، والحس يجمع على "حواس"، والحواس هي منافذ إدراك المعلومات للنفس البشرية، فالمعلومات تنشأ عندنا من الأمور المحسة، وتدركها حواسنا لتصير قضايا عقلية.
وهكذا نعلم أن الحواس هي قنوات المعرفة، وهي غير مقصورة على الحواس الخمس الظاهرة؛ بل اكتشف العلماء أن هناك حواس أخرى غير ظاهرة، وسبق أن تعرضنا لهذا الأمر في مراتٍ كثيرة سابقة. وقوله:

{فتحسسوا من يوسف وأخيه .. "87"}
(سورة يوسف)


يعني أعملوا حواسكم، بكل ما فيها من طاقة، كي تصلوا إلى الحقيقة. ونعلم أن كلمة "الجاسوس" قد أطلقت على من يتنصت ويرى ويشم رائحة الأخبار والتحركات عند معسكر الأعداء؛ ويقال له "عين" أيضاً.
وفي عرفنا العام نقول لمن يحترف التقاط الأخبار "شم شم لنا على حكاية الأمر الفلاني". وتابع يعقوب القول:

{لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "87"}
(سورة يوسف)


أي: إياكم أن تقولوا أننا ذهبنا وتعبنا وتحايلنا؛ ولم نجد حلاً، لأن الله موجود، ولا يزال لله رحمة. والأثر يقول: "لا كرب وأنت رب". وما يعز عليك بقانونك الجأ فيه إلى الله. وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه كلما حزبه أمر قام وصلى".
وبهذا لجأ إلى رب الأسباب، وسبحانه فوق كل الأسباب، وجربوا ذلك في أي أمر يعضلكم، ولن ينتهي الواحد منكم إلى نهاية الصلاة إلا ويجد حلا لما أعضله. وكلمة "روح" نجدها تنطق على طريقتين "روح" و"رُوح"، و"الرًوح" هي الرائحة التي تهب على الإنسان فيستروح بها، مثلما يجلس إنسان في يوم قيظ؛ ثم تهب نسمة رقيقة ينتعش بها. والحق سبحانه يقول:

{فروح وريحان وجنة نعيمٍ "89"}
(سورة الواقعة)


ونأخذ لهذه الروح مثلاً من المحسات حين يشتد القيظ، ونجلس في بستان، وتهب نسمة هواء؛ فيتعطر الجو بما في البستان من زهور. والروح هي التي ينفخها الحق سبحانه في الجماد فيتحرك. ويأتي هنا يعقوب عليه السلام بالقضية والمبدأ الذي يسير عليه كل مؤمن، فيقول:

{إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون "87"}
(سورة يوسف)


لأن الذي ليس له رب هو من ييأس، ولذلك نجد نسبة المنتحرين بين الملاحدة كبيرة، لكن المؤمن لا يفعل ذلك؛ لأنه يعلم أن له رباً يساعد عباده. ومادام المؤمن قد أخذ بالأسباب؛ فسبحانه يهبه مما فوق الأسباب. وسبحانه يقول:

{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً "2" ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً "3"}
(سورة الطلاق)


وهذه مسألة تحدث لمن يتقي الله. أتحدى أن يوجد مؤمن ليس في حياته مثل هذه الأمور، مادام يأخذ بالأسباب ويتقي الله، وسوف يجد في لحظة من لحظات الكرب أن الفرج قد جاء من حيث لا يحتسب؛ لأن الله هو الرصيد النهائي للمؤمن.
وهب أنك سائر في الطريق، وفي جيبك جنيه واحد، وليس عندك غيره وضاع منك؛ هل تحزن؟ نعم سوف تحزن، ولكن إن كان في بيتك عشرة جنيهات فحزنك يكون خفيفاً لضياع الجنيه، ولو كان رصيدك في البنك ألف من الجنيهات، فلن تحزن على الجنيه الذي ضاع. ومن له رب، يبذل الجهد في الأخذ بالأسباب؛ سيجد الحل والفرج من أي كرب مما هو فوق الأسباب.
ولماذا ييأس الإنسان؟
إن الملحد هو الذي ييأس؛ لأنه لا يؤمن بإله، ولو كان يؤمن بإله، وهذا الإله لا يعلم بما فيه هذا الكافر من كرب، أو هو إله يعلم ولا يساعد من يعبده؛ إما عجزاً أو بخلاً، فهو في كل هذه الحالات ليس إلهاً، ولا يستحق أن يؤمن به.
أما المؤمن الحق فهو يعلم أنه يعبد إلهاً قادراً، يعطي بالأسباب، وبما فوق الأسباب؛ وهو حين يمنع؛ فهذا المنع هو عين العطاء؛ لأنه قد يأخذ ما يضره ولا ينفعه. وينقلنا الحق سبحانه إلى نقلة أخرى؛ وهي لحظة أن دخلوا على يوسف عليه السلام في مقره بمصر


 

قديم 25-10-2011, 06:17 AM   #762
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 88

(فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين "88")
ولم يذكر الحق سبحانه اسم من دخلوا عليه، لأنه بطل القصة، والضمير في "عليه" لابد أن يعود إلى معلوم، ونادوه بالتفخيم قائلين:

{يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر .. "88"}
(سورة يوسف)


أي: أن الجوع صيرنا إلى هزال، وبدأوا بترقيق قلب من يسمعهم؛ بعد تفخيمهم له؛ فهو الأعلى وهم الأدنى. ويستمر قولهم:

{وجئنا ببضاعة مزجاةٍ فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين"88"}
(سورة يوسف)


ونعلم أنهم قد جاءوا ليتحسسوا أمر يوسف وأخيه، وقد اختاروا مدخل الترقيق والتفخيم كلون من المكر، فالتفخيم بندائه بلقب العزيز؛ أي: المالك المتمكن؛ ويعني هذا النداء أن ما سوف يطلبونه منه هو أمر في متناول سلطته.
والترقيق بشكوى الحال من جوع صار بهم إلى هزال، وأعلنوا قدومهم ومعهم بضاعة مزجاة، أي: بضاعة تستخدم كأثمان له سوف يأخذونه من سلع. وكلمة:

{مزجاةٍ .. "88"}
(سورة يوسف)


أي: مدفوعة من الذي يشتري أو يبيع. والحق سبحانه يقول:

{ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً .. "43"}
(سورة النور)


وكلمة "يزجي" بمعنى: يدفع. إذن: فما معنى قول الحق سبحانه:

{ببضاعةٍ مزجاةٍ .. "88"}
(سورة يوسف)


ولكي تعرف المعنى بإحساسك؛ جرب هذا الأمر في نفسك، وراقب كيف تدفع ثمن أي شيء تشتريه؛ فإن كان معك نقود قديمة ونقود جديدة؛ ستجد أنك تدفع قيمة ما تشتريه من النقود القديمة؛ وسوف تجد نفسك مرتاحاً لاحتفاظك بالنقود الجديدة لنفسك.
وقد يقول لك من تشتري منه: "خذ هذه الورقة النقدية القديمة التي تدفعها لي، واستبدلها لي بورقة جديدة". فمادامت النقود سوف تدفع؛ فأنت تريد أن تتخلص من النقود القديمة؛ وتفعل ذلك وأنت مرتاح، وبذلك يمكننا أن نفهم معنى:

{ببضاعةٍ مزجاةٍ .. "88"}
(سورة يوسف)


على أنها بضاعة رديئة. فكأن الضر الذي أصابهم جعلهم عاجزين عن دفع الأثمان للميرة التي سوف يأخذونها، مثل الأثمان السابقة التي تميزت بالجودة. ويتابع الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم:

{فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين"88"}
(سورة يوسف)


أي: أنهم يرجونه أن يوفي لهم الكيل ولا ينقصه؛ إن كان ما جاءوا به من أثمان لا يوفي ما تساويه الميرة، وطالبوه أن يعتبر تلك التوفية في الكيل صدقة. وبذلك ردوه إلى ثمن أعلى مما حملوه من أثمان، وفوق قدرة البشر على الدفع؛ لأن الصدقة إنما يثيب عليها الحق سبحانه وتعالى.
ولقائل أن يسأل: أليسوا أبناء نبوة، ولا تجوز عليهم الصدقة؟
نقول: إن عدم جواز الصدقة هو أمر اختص به الحق سبحانه آل محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر خاص بأمة محمد صلى الله عليه وسلم،

<فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس">


 

قديم 25-10-2011, 06:17 AM   #763
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 89

(قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون "89")
ومجيء هذا القول في صيغة السؤال؛ يدفعهم إلى التأمل والتدقيق؛ لمعرفة شخصية المتحدث. ثم يأتي التطلف الجميل منه حين يضيف:

{ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون "89"}
(سورة يوسف)


وفي هذا القول ما يلتمس لهم به العذر بالجهل، ولم يتحدث إليهم بعزة الكبرياء، وغرور المكانة التي وصل إليها، وهدفه أن يخفف عنهم صدمة المفاجأة، فذكر لهم أنهم فعلوا ذلك أيام جهلهم.
وهذا مثلما يكون أحدهم قد أخطأ في حقك قديماً بسلوك غير مقبول، ولكن الأيام أزالت مرارتك من سلوكه، فتذكره بما فعله قديماً وأنت تقول له: إن فعلك هذا قد صدر منك أيام طيشك، لكنك الآن قد وصلت إلى درجة التعقل وفهم الأمور.
وقول يوسف عليه السلام لهم هذا الأمر بهذه الصيغة من التلطف، إنما يعبر أيضاً عن تأثره بشكواهم، ثم تبسمه لهم، وظهور ثناياه دفعهم إلى تذكره، ودار بينهم وبينه الحوار الذي جاء في الآية التالية:


 

قديم 25-10-2011, 06:17 AM   #764
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 90

(قالوا أئنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "90")
وهكذا انتبهوا إلى شخصية يوسف وتعرفوا عليه، وقالوا:

{أئنك لأنت يوسف .. "90"}
(سورة يوسف)


وجاء قولهم بأسلوب الاستفهام التقريري الذي أكدوه بـ"إن" و"اللام"، وقد قالوا ذلك بلهجة ممتلئة بالفرح والتعجب بنجاحهم في التحسس الذي أوصاهم به أبوهم. فرد عليهم:

{أنا يوسف وهذا أخي .. "90"}
(سورة يوسف)


وبطبيعة الحال هم يعرفون أخ يوسف "بنيامين"، وجاء ذكر يوسف له هنا دليلاً على أن بنيامين قد دخل معه في النعمة، وأن الحق سبحانه قد أعز الاثنين. ويجيء شكر يوسف لله على نعمته في قوله:

{قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "90"}
(سورة يوسف)


وجاء يوسف بهذا القول الذي يعرض القضية العامة التي تنفعهم كأخوة له، وتنفع أي سامع لها وكل من يتلوها، وقد قالها يوسف عليه السلام بعد بينة من واقع أحداث مرت به بدءً من الرؤيا إلى هذا الموقف.
فهو كلام عليه دليل من واقع معاش، فقد من الله على يوسف وأخيه مما ابتليا به واجتمعا من بعد الفرقة، وعلل يوسف ذلك بالقول:

{إنه من يتق .. "90"}
(سورة يوسف)


أي: من يجعل بينه وبين معصية الله وقاية، ويخشى صفات الجلال، ويتبع منهجه سبحانه، ويصبر على ما أصابه، ولا تفتر همته عن عبادة الله طاعة، ويتجنب كل المعاصي مهما زينت له. فسبحانه وتعالى لا يضيع أجر المحسنين الذين يتقونه، وصاروا بتقواهم مستحقين لرحمته، وإحسانه في الدنيا والآخرة.


 

قديم 25-10-2011, 06:17 AM   #765
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة يوسف - الآية: 91

(قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين "91")
و"تالله" قسم بالله. و:

{آثرك الله علينا .. "91"}
(سورة يوسف)


أي: خصك بشيء فوق ما خص به الآخرين، وهو لم يؤثرك بظلم لغيرك، ولكنك كنت تستحق ما آثرك به من الملك وعلو الشأن والمكانة. وهكذا صدق أخوة يوسف على ما قاله يوسف، واعترفوا بخطيئتهم، حين حاولوا أن يكونوا مقربين مثله عند أبيهم، ولكنك يا يوسف وصلت إلى أن تصير مقرباً مقدماً عند رب أبينا ورب العالمين.
والشأن والحال التي كنا فيها تؤكد أننا كنا خاطئين، ولابد أن ننتبه إلى الفرق بين "خاطئين" و"مخطئين". والعزيز قد قال لزوجته:

{واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين "29"}
(سورة يوسف)


ولم يقل لها "كنت من المخطئين" فالمادة واحدة هي: "الخاء" و"الطاء" و"الهمزة"، ولكن المعنى يختلف، فالخاطئ هو من يعلم منطقة الصواب ويتعداها، أما المخطئ فهو من لم يذهب إلى الصواب؛ لأنه لا يعرف مكانه أو طريقه إليه.
ويقول الحق سبحانه ما جاء على لسان يوسف عليه السلام لأخوته بعد أن أقروا بالخطأ:


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:40 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا