المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06-10-2011, 04:22 PM   #46
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الكبير


هو الكبير الذي لا تهتدي العقول لوصف عظمته، وهو الكبير الذي فاق مدح المادحين، ذلك بأن الله اكبر من مشاهدة الحواس وإدراك العقول.
عن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعلمهم من الحمى ومن والأوجاع كلها أن يقولوا: "بسم الله الكبير، نعوذ بالله العظيم من شر كل عرق نعار، ومن شر حر النار"
وذكر الكبير تعالى خمس مرات في القرآن العظيم:
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ "9"} (سورة الرعد){ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ "62"} (سورة الحج){ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ "30"} (سورة لقمان){وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ "23"} (سورة سبأ)
{فالحكم لله العلي الكبير "12"} (سورة غافر)
هو الكبير فوق كل كبير، والنداء بأنه اكبر فما عداه أصغر، ولا كبير سواه. واسم الكبير له خاصية لا يدركها إلا أهل الارتباض من أصحاب المقاصد التوحيدية، فهو كبير في ذاته، كبير في أفعاله، كبير في صفاته. وبهذا المعنى: ينفرد هذا الاسم لذات الله بخصوصيات، فهو الكبير في ملكه، الكبير في رحمته، الكبير في عطائه، الكبير في غناه، الكبير في بسطه، الكبير في عزه، الكبير في عفوه. بخلاف هذه الصفة إذا أطلقت على غيره فيقال: فلان كبير ويراد بها كبير السن مثلاً أو كبير المقام المحدود، ولله المثل الأعلى، فإذا كان الاتحاد الحرفي لهذا الاسم فيه ما يوحي بالاشتراك فنقول: لا اشتراك حيث إن كبير القوم كبير في مقدور طاقته، أما الخالق فهو الكبير فوق كل كبير.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-10-2011, 04:22 PM   #47
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الحق


قال تعالى:
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ "25"} (سورة النور)
هو الموجود باليقين الثابت، والله سبحانه هو الحق .. ومنه الحق، وإليه يرجع كل حق. وصفات الله سبحانه حق، والعدل حق، والصدق حق. ويقول تعالى:
{وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ .. "82"} (سورة يونس)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصدق كلمة قالها شاعر لبيد "ألا كل شيء ما خلال الله باطل")
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تهجد من الليل يدعو:
"اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض وما فيهن، ولك الحمد، أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، وقولك الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت"

وإن كلمة الحق قد ذكرت مئات المرات في القرآن المجيد (227 مرة) ثم نقرأ الآية:
{اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ "32"} (سورة يونس)
هدانا الله إلي الحق، ونسأل الله أن نتبع الحق لوجه الحق وحده. وقال تعالى:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا .. "119"} (سورة البقرة)
حين يقول الرحمن جل وعلا:
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا .. "119"} (سورة البقرة)
فقد يسأل سائل: ما معنى الحق؟ إن الحق هو الأمر الثابت الذي لا يتغير ولا يتناقض. فالله جل علاه حق ـ والقرآن بالحق أنزلناه، وبالحق نزل. وخلق الكون بالحق.
يقول جل علاه:
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ "3"} (سورة النحل)
والحق هو الأمر الثابت الذي تعتدل به موازين حركة الحياة، ومعنى ثبوت الحق أنه ينافي الكذب والنفاق والبهتان والظلم. وكل ما يحدث به الخلل في المنظومة الكونية، لأن الحق يدخل في مقومات القيم الفاضلة. فالعدل من الحق، والصدق من الحق، والأمانة من الحق، والفطانة من الحق، والجدود هي حق، والاعتصام بالحق يعطي عقيدة الصدق، وعبادة الحب، وأخلاق التفاؤل الاجتماعي.
إن الحق سبحانه جبار، ونحن نتقي النار التي يودع فيها المضلين الكافرين، إن المؤمن هو من يتقي متعلقات صفات الجلال من الله، ونحن قد عرفنا أن للحق صفات جمال وصفات جلال، وعندما نجعل بيننا وبين صفات الجلال وقاية، فذلك لأن أحداً لا يتحمل غضب الله، ولا قهر الله، ولا بطش الله، ولا النار التي هي من آثار صفات الجلال. لا أحد يستطيع أن يغلب الله، فقوة الله قاهرة فوق كل العباد، والحق بجلاله غالب على أمره، ولا في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مثال واضح على قدرة الحق سبحانه المطلقة، لقد أخذه أخوته وألقوه في الجب وأنقذه أناس من السيارة، واشتراه واحد من مصر، فماذا يقول في هذا الأمر الذي ينطبق على كل أمر يريده الله:
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "21"} (سورة يوسف)
إن الله غالب على أمره إنه الحق، إن أراد شيئاً فإنما يقول له: كن فيكون، ولذلك أوضحنا من قبل أنه لا توجد معركة أبداً بين حقين، ذلك أنه لا يوجد إلا حق واحد، ولأن مصدر الحق إله واحد، ولهذا لا توجد المعارك إلا بين حق وباطل أو بين باطلين. والمعركة بين الحق والباطل لا تطول؛ لأن الباطل بطبيعته زهوق، ولكن المعارك التي تطول زمناً طويلاً هي معركة بين باطلين، أو بين حق تكاسل أصحابه عن الأخذ بأسباب الله، فصاروا بتكاسلهم من أتباع الباطل، لأنهم يخذلون الحق الذي يدافعون عنه، ولذلك تطول معاركهم مع أهل الباطل الآخر.
وفي حياتنا المعاصرة، نرى معاركنا المعاصرة لا تنتهي، ونحن قد نتساءل: لماذا لا تنتهي هذه المعارك؟ ولابد لنا أن نعرف الإجابة، إنها معارك بين باطل وباطل، وليس لباطل أن يكون الله بجانبه. أما إذا استيقظنا إلي الله في شيء من أشياء حياتنا فإن الله يعطينا النصر على قدر الاستيقاظ إلي حق الله، هؤلاء هم الذين يعطيهم الله العمق في النصر. أما الذين يستيقظون استيقاظاً سطحياً، فهؤلاء يعطيهم الله نصراً سطحياً على قدر استيقاظهم. إذن: فهذه المعارك التي ترهق الدنيا هي المعارك بين الباطل والباطل، وبالنظرة البسيطة إلي الدنيا منذ الحرب العالمية الثانية سنجد أن العالم لم يهدأ أبداً منذ هذه الحرب، هي حرب ساخنة مرة، وباردة مرة أخرى، هي حرب تحرير لشعوب من الاستعمار، هي هزيمة داخلية لهذه الشعوب بعد أن تحررت من الاستعمار لأنها لم تأخذ بمنهج الله.
تكاد الدنيا كلها تكون في حروب، وهي حروب تدور بين أهواء، الهوى الشرقي يقاتل الهوى الغربي، لكن لم نجد بعد هؤلاء الذين يخلصون النية لمنهج الله الحق الذي يمكن أن يهدي البشرية إلي السلام. ولذلك ينبهنا الحق إلي دقة منهجه في الكون:
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ "147"} (سورة البقرة)
هكذا نعرف أن الحق هو من الله؛ لذلك لا يجب أن يضل عنه أهل الإيمان، فيتبعوا بالهوى إلي فئة أخرى، إن الحق الإلهي لابد أن يتيقن منه المؤمنون، فلا يكونوا من أهل الشك والتردد، فإذا كان الحق هو منهج الله فهذا الحق لا يطلب لانتصاره إلا أناساً مؤمنين به.
وصدق قول الشاعر العربي:
السيف لا يزهو بجوهره
وليس يعمل إلا في يد بطل
إن السيف ليس هو الذي يحقق النصر، لكن المقاتل بالسيف يصل إلي النصر إذا كان مؤمناً بالحق، إذن: فالذين يضيعون الحق ليس لهم أن يسألوا: لماذا ضاع الحق؟ إنما عليهم بتطبيق منهج الله في الوصول إلي الحق؛ عندئذ لا نكون ضائعين بأنفسنا عن الحق. فالحق سيظل من الله ولن ينطمس، أما الممتري، أي: الذي يشك في الحق، فهو الذي يظن أنه يحكم بين نسبتين متساويتين. إن ذلك الممتري الذي يشك في أمر الحق عليه أن يعلم أن الحق الإلهي لا تقابله نسبة أخرى، فهو لا يعرف شكاً ولا ريباً.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-10-2011, 04:23 PM   #48
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الوكيل


قال تعالى:
{وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً "81"} (سورة النساء)
هو الوكيل الكافي لمن توكل عليه، القائم بأمور العباد، وهو الذي من استغنى به أغناه عما سواه، وهو المتصرف في الأمور حسب إرادته، وهو سبحانه الموكول إليه تدبير أمر كل شيء. وقد ذكر "الوكيل" ثلاث عشرة مرة في الكتاب الحكيم:
وهو على كل شيء وكيل ـ والله على ما نقول وكيل ـ وكفى بالله وكيلاً ـ وكفى بربك وكيلاً ـ وتوكل على الله ـ وكفى بالله وكيلاً ـ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً ـ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ـ فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين. قال تعالى:
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ "102"} (سورة الأنعام)
ما معنى وكيل؟ معناها أنه يقوم بأمور نيابة عنه، هذا معنى وكيل، ولكن الله لم يقل: وكيل لك، ولكنه قال: وكيل عليك. فالوكيل لك ينفذ أوامرك، والوكيل عليك هو الوصي عليك يقول: لك ما تفعل. ولذلك يدعو الإنسان أحياناً بالشر فلا يجيب الله، لماذا؟ لأنه وكيل عليك يبعد عنك الشر، ولذلك إذا دعوت دعوة فلم تستجب فاعلم أن الله قد وقاك بعد الاستجابة شراً، أما إذا كانت الدعوة فيها خير فيستجب لها الله.
وقوله تعالى:
{وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ .. "102"} (سورة الأنعام)
معناها أنه على كل شيء يحدث أي ما يدخل في اختيارك، وما لا يدخل الشيء المختار. قد يكون فيه شر، فماذا عن الشيء الذي لا اختيار فيه، يعطي هذا الشيء قانون صيانته الذي يجعله يؤدي عمله على الوجه الأكمل، بحيث إن كل شيء مقهور يؤدي عمله بكفاءة وكمال دون تدخل منك لأن الله وكيل عليه. ولذلك فهو يؤدي مهمته في الكون على الوجه الأكمل، فالشمس مثلاً لا تستطيع أن تقترب من الأرض فتحرقها أو تبتعد عنها فتحولها إلي جبال من الثلج، ولكن لها قانون يجعلها تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، دون أن يتدخل الإنسان، والله وكيل على ذلك كله. فإذا شاء أن يجعلها لا تؤدي مهمتها فعل، كما قال للنار:
{) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ "69"} (سورة الأنبياء)
فلم تحرق، وذلك حتى لا يقال: إن الأشياء تعمل بالأسباب وحدها، بل الله وكيل عليها حين يريدها أن تفعل فعلت، وحين يريد ألا تفعل يقول لها: لا تفعل، فتتوقف عن الفعل. والوكيل هو الذي يتولى أمرك، وأنت إذا جعلت واحداً يتولى أمرك فأنت تشهد أنك عاجز عن هذا الأمر، وأن الذي توكله أحكم منك وأقوى، فإذا كانت الأغيار تستولى على الناس، فالغني يصبح فقيراً، والفقير يصبح غنياً، والقوي يصير ضعيفاً، والصحيح يصير مريضاً. وهكذا فالإنسان ابن أغيار، فأنت حين توكل الإنسان فهو غير مضمون، لأنه ابن أغيار. فضلاً عن أنه قد يموت في أي لحظة، فإن كنت حصيفاً فوكل الذي لا تناله الأغيار، ولا يأتيه الموت أبداً. ولذلك ربنا سبحانه حين يعلم خلقه أن يكونوا على وعي وإدراك يقول لهم:
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا .. "58"} (سورة الفرقان)
ومادام الأمر كذلك، فإياك أن تتخذ من دون الله وكيلاً، ولو كان هذا الوكيل هو الواسطة بينك وبين ربك، كالأنبياء لأن الأنبياء لا يأتونك بشيء من عندهم، ولكن من عند الله، لأن الله لو أمسك عنهم الوحي لما وجدوا ما يبلغونه للناس.


 

رد مع اقتباس
قديم 06-10-2011, 04:24 PM   #49
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


القوي


قال تعالى:
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ "66"} (سورة هود)
هو الخلاق العليم، ذو القوة المتين، والقوة لله جميعاً، ولا قوة إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال تعالى:
{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ"15"} (سورة فصلت)
وقد ذكر "القوى" سبحانه تسع مرات في القرآن الكريم، فهو تعالى قوي شديد العقاب. ومادام الإنسان قد آمن بأن العبادة لله وحده والاستعانة بقوة الله جل شأنه، مادام هذا الإيمان قد استقر في القلب وظهر في السلوك، فلابد أن تقف قوة الخالق بجانب العبد المؤمن لينتصر على خصوم الإيمان يقول الحق:
{) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ "5"} (سورة الفاتحة)
وهنا يجب أن نضيف حقيقة، يجب ألا تغيب عن الأذهان. إن على المؤمن ألا يعتقد أن هناك مخلوقاً من مخلوقات الله قادراً على أن يقف معانداً بالفطرة لقوة الله، إنما يقف الخلق المعاندون بعضهم لبعض في صراع لا دخل للإيمان فيه، لذلك فإننا نجد قوياً يهزم ضعيفاً، لكن إذا التحم الضعيف المؤمن بالله وبمنهج الله مع خصم معاند فإن خصمه لن يكون على نفس درجة إيمانه، وحتى ولو كان الخصم قوياً، ولسوف يكون الانتصار للضعيف المؤمن الملتحم بالله وبقوة الله على الذي تخيلنا أنه قوي، لكن قوته مجردة من الإيمان.
ولنأخذ من هجرة الرسول الكريم درساً، لقد غادر الرسول الكريم مكة ومعه صديقه أبو بكر في رحلة إلي المدينة ليوفر على المؤمنين هذا العذاب الذي كانوا يتعرضون له من قبل الكفار في قريش، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر إلي غار يحتميان فيه من الكفار الذين خرجوا للبحث عن محمد رسول الله، وكلنا نعرف قول أبي بكر الصديق لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا".
ولذلك كان رد الرسول الكريم على صديقه أبي بكر واضحاً مانعاً يبعث على الاطمئنان، لقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "فما بالك باثنين الله ثالثهما"
والقرآن الكريم يؤكد هذا القول الواضح بتلك الآية الكريمة:
{إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "40"} (سورة التوبة)
إن هذا القول الفصل يوضح لنا أن الإيمان المطلق بالله وبأنه مالك كل الأسباب قادر بقوته أن يبعث الطمأنينة والسكينة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، والله القوي القادر، وقد خطف من الكفار القدرة على إبصار محمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصديق أبي بكر الصديق لحظة تواجدهما في الغار، لوجدنا أن المتغير الأساسي هو أن كليهما في معية الحق سبحانه وتعالى. ومادامت معية الحق هي المسيطرة، فلابد أن يتحقق قوله تبارك وتعالى:
{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ "103"} (سورة الأنعام)
لذلك لم يكن بإمكان أحد من كفار قريش أن يرى محمداً الرسول الكريم وصاحبه أبا بكر الصديق أثناء تواجدهما بالغار. ومن هذه الحكاية نستفيد ما يلي:
إن أي صراع يحدث بين إنسان وآخر قد يكون أحدهما قوياً أو يكونان متساويين في القوة، فإن الغلبة والانتصار سيكونان للأقوى. أما إذا قام صراع بين إنسان وآخر، أحدهما ملتحم بالإيمان بالله، فالغلبة للإنسان المؤمن مادام قد آمن بالله. ولن ينتصر عليه أحد إلا إذا شرد بعيداً عن جانب الله. ولقد ضربت مثلاً على ذلك لتقريب المسألة من الذهن العادي ولأوضح بشكل قاطع تلك المسألة العقدية، ولله من قبل ومن بعد المثل الأعلى. قلت: لنفترض أن رجلاً له غلام صغير، ووقف الرجل ليتحدث إلي صديق له فشرد الغلام الصغير بعيداً عن أبيه ليلعب في الشارع، وتصدى لهذا الغلام الصغير أطفال اكبر منه في القوة والعمر، فلمن يلجأ الغلام؟
لابد أنه سيلجأ إلي أبيه، وفي اللحظة التي يلجأ الغلام لأبيه، يصاب الأولاد الأكبر منه بالخوف؛ لأن للطفل أباً قوياً، وأن الوالد قادر على حماية ابنه، يحدث ذلك من أب وابن كليهما مخلوق من مخلوقات الله، فما بالنا بالخلق الكامل المطلق لكل الوجود؟ ماذا يحدث عندما يحتمي صاحب حق ضعيف بالخالق الأعلى؟ ما بالنا بإنسان بذل كل ما في طاقته لتحقيق هدف في حدود منهج الله. فتكاثر عليه أهل الكذب بالله، فاستنجد هذا الإنسان المؤمن بالحي القيوم الذي لا تغفل له عين، ولا تحد قدراته قدرة أو قوة. إن الحماية هنا لن تكون حماية أب لابنه، ولكنها حماية خالق أعظم لمخلوق مؤمن، لذلك فعندما يقف عبد مؤمن ملتحم بقوة وربوبية الله، فلابد أن يهزم العبد الفارغ من ربوبية الله، ولابد أن ينطبق قوله تعالى:
{) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "36"} (سورة الزمر)
بهذا المنطلق الإيماني بأن الله حق وغيب، وأنه حاضر لا تدركه الأبصار، وأنه قوي بلا نهاية، بهذا المنطق الإيماني كان محمد الرسول الكريم يواجه قريشاً بكفارها وجهلها وجاهليتها، لقد اختاروا الضلال، واختار الرسول الكريم أن يهديهم إلي التقوى، ولذلك انتصر النبي الملتحم بقوة الحق الأعلى.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:41 PM   #50
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


المتين


قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ "58"} (سورة الذاريات)
هو الله الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي لا تتناقص قوته. عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى "المتين" يقول "الشديد". وفي اللغة يقال: هو متين القوي، ومن المجاز يقال: رأي متين. واسمه تعالى "المتين" يدل على القوة والقدرة والله سبحانه متم قدره، وبالغ أمره. وقد ذكر "المتين" سبحانه، مرة واحدة في الكتاب المبين في قوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ "58"} (سورة الذاريات)
وعندما تتجمع القوة مع القدرة ومع التقدير يكون التوازن العادل بإحسان، فكونه هو الخالق لكل شيء بقدر. وهو القادر على تنفيذ القدر مع تقدير للأمور فتكون القوة من شديد القوى المحكمة. التي لا تعرف التناقض، فقد تكون القوة وتنقصها حكمة التقدير، فيكون الإخلال في المسير، ولكن الله سبحانه وتعالى صاحب القوة ـ وهو شديد القوى حتى تعتدل الموازين في دنيا الأغيار، ويوم يقوم الأشهاد.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:41 PM   #51
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الولي


قال تعالى:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "62"} (سورة يونس)
كلمة ولي أي من يليك، أي: من هو قريب منك، ومادام قريباً منك فهو أول من تفزع إليه حين تصادفك عقبة أو مصيبة، ومادمت قريباً منه فهو ينصرني ويفيض علي. فإذا قربت من عالم يعطيني علماً، وإذا قربت من قوي يرفع عني ما لا أستطيع حمله، وإذا قربت من غني يعطني إذا احتجت، فالولي يعني القريب والناصر، والله سبحانه وتعالى هو الولي، تقترب منه فيقترب منك، وتبتعد عنه فيبتعد عنك. وهو الولي للناس كل الناس، لأنه قد يواليك أحد ولا يوالي الآخرين، وهو الولي الذي قربه من خلق لا يبعده عن خلق، لأن الولي قد يكون قريباً من إنسان بعيداً عن الآخر، ولكن الله جل جلاله لا يشغله شيء، فهو قريب منك، وقريب من كل خلقه.
والله هو الولي الحق لأنه قد يواليك من يطمع في مالك، ويواليك من يطمع في قوتك، ويواليك من يريد أن يستغل نفوذك، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عنا جميعاً، وعما في أيدينا، ولذلك فهو ولي لا يأخذ منا ولكن يعطينا الحق جل جلاله يقول:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"62"} (سورة يونس)
وهكذا بين لنا أن هؤلاء أولياء لمن؟ لله جل جلاله أي: المقربين من الله، فهذه ولاية من الخلق لله، وهناك ولاية من الله للخلق، وذلك في قوله تبارك وتعالى:
{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ .. "257"} (سورة البقرة)
أي: الله قريب من المؤمنين، فمرة يقترب الخلق من الله، ومرة الله سبحانه وتعالى هو الذي يقترب منهم. أي: مرة تكون الولاية من المؤمنين لله، ومرة تكون الولاية من الله للمؤمنين، أيهما تأتي أولاً؟ نقول: إن لله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في كونه، يرى خصلة من خير في عبد من عباده، فيكرمه أولاً، فيصبح طائعاً مخلصاً ثانياً. لذلك فإن كل عاص تاب، وكل إنسان كان بعيداً عن المنهج ودخل فيه لابد أن فيه خصلة خير أحبها الله فهداه بها، مثل الرجل الذي نزل إلي البئر في يوم شديد الحر ليسقي كلباً يعاني من شدة العطش. لماذا فعل هذا؟ طمعاً في ثواب الله؛ لأنه لا يمكن أن ينافق كلباً، ولكنه أراد أن يفعل خيراً لوجه الله فأحبه الله فغفر له.
الإنسان المؤمن إذا أقبل على عمل فإنه يبدؤه مستعيناً بالله سبحانه وتعالى، ثم يأخذ بالأسباب. هب أن إنساناً مؤمناً ذاهباً لشراء صفقة أو لبيع شيء، أول الأشياء أنه يعد الإعداد المادي الدنيوي أخذاً بالأسباب، فإذا كان مشترياً أعد المال، وإذا كان بائعاً أعد السلعة. المهم أنه يعد كل ما هو لازم للصفقة من سلعة وعقود وما شابه ذلك، ثم يبدأ متوكلاً على الله، إن أصاب فهو خير، وإن أخفق فهو خير، إن أصاب فإنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه، وكيف لا وقد استعان بسم الله ورعاه في كل شيء، فإذا جاء التوفيق من الله وهو خير أمده الله به، وإن لم يأت التوفيق من الله ولم تتم الصفقة فلابد أن الله رأى فيها شراً فأبعدها عنه. وهناك أشياء كثيرة ظاهرها الخير وحقيقتها غير ذلك.
كذلك الله سبحانه وتعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ مع عبده المؤمن، هناك إنسان الرزق الكبير يفسده، ويدفعه إلي طريق المعصية والهلاك، فإذا منع الله سبحانه وتعالى عنه فيض الرزق، كان ذلك رحمة به لا ضرر له. وهناك إنسان قلة الرزق تجعله يتجه إلي الجريمة والمعصية والهلاك، فإذا فتح الله عليه في الرزق كان ذلك منجاة له من النار، كلا الشخصين يريد الرزق، وكلا الشخصين مؤمن، لكن الله سبحانه وتعالى وهو يحب عباده المؤمنين يعطي أحدهما ويمنع عن الآخر، وفي العطاء رحمة، وفي المنع رحمة، والإنسان المؤمن يمضي في الحياة وفي قلبه هذا الشعور.
وهو يعلم يقيناً أن الله يحب عباده المؤمنين، وهو يعلم يقيناً أن الله ينصر الذين آمنوا، وهو يعلم يقينا أن الله ولي الذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة، وهو يعلم مالا نعم، فإذا كان لم يوفقه في شيء فمعنى ذلك أنه دفع عنها شراً. ولذلك فإن الإنسان المؤمن يقول: الحمد لله دائماً إذا أعطى، وإذا منع، ويكون راضياً إذا أعطى، وإذا لم يعط، لأنه يحس أن الخير في الاثنين وينطبق عليه قول الله تعالى:
{لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور.. "23"} (سورة الحديد)
فتنشأ النفس المؤمنة بعيدة عن القلق، عن الإحباط عن كل ما يمزق النفس البشرية ويهدمها، ويدفعها إلي الجنون والانتحار. أما الكافر فيمضي في الحياة، والله ليس في باله، فهو يعبد الأسباب وحدها، ويعتقد أن الأسباب تعطي بلا مسبب، وأنه هو بذاته يستطيع أن يحقق ما يريد أو كما يحلو لبعض الناس أن يقول يستطيع أن يصنع قدره، ومقاييس الخير والشر عنده هي مقاييسه هو تماماً.
كذلك الطفل أو الشاب الذي يعتقد أن المطواة أو المسدس هو خير له، لأنه يحميه من أذى الناس، ليمضي غير المؤمن وليس في قلبه الله، فيأخذ بالأسباب، ويضع نفسه حكماً أعلى على أمور الحياة. وعندما يصطدم بأن شيئاً مما أراده لم يتحقق أو بأنه فشل في تحقيق شيء يحس أنه ضاع، وأنه انتهى، وأنه سيواجه مصيراً أسود، وتضطرب نفسه وتتمزق، فإما أن يهرب من واقع أليم بالانتحار، وإما أن يعجز عقله عن التفكير فيصاب بالجنون. وهكذا رغم رغد الحياة المادية وما تقدمه له مما لا يحصل عليه إنسان آخر في دولة متخلفة، فإنه يحس بعدم الاستقرار، يحس بأن غيره غير آمن، وقد يبقى طوال الليل في فراشه لا ينام، لأن شيئاً قد حدث أراد الله له به خيراً، وهو لا يعلم.
وهكذا تختلف الحياة بين المؤمن والكافر، فالمؤمن مطمئن إلي قضاء الله، وأن فيه الخير أعطى أو منع، ولذلك فهو يعيش حياة طيبة لا انفعال فيها، ولا جنون، ولا انتحار، والكافر ينسب الفعل لذاته، ولذلك فهو يعيش حياة تعسة فقدرات الكون التي هي اكبر من قدراته تخيفه، إحساس رهيب بعدم الأمن والأمان. ولو أنه دخل على العمل باسم من سخر له الكون لا بذات قوته لكان ذلك طريقاً إلي سكينة النفس وطيب العيش والحياة الطيبة المطمئنة، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يطلق أشياء في الكون حتى لا تؤمن أنت. إن امتلكته هو ملك لك ويستطيع الله سبحانه وتعالى أن يذهبه عنك، فالله سبحانه وتعالى يستطيع أن يعطي وأن يأخذ، وأن يجعل الكون ينفعل أو لا ينفعل، ولكنك أنت لا تستطيع، هذا هو الفرق بين الحق وبين الخلق.
قال تعالى:
{إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ"196"} (سورة الأعراف)
فهو المتكفل بأمور العباد كلها، وهو الذي يتولى الصالحين من عباده، الناصر لمن أطاعه، وذلك بأن الله هو الذي نصر أولياءه، وقهر أعداءه، وقيل: الولي هو الذي أحب أولياءه، ونصرهم على أنفسهم باجتناب المعاصي، وقيل: هو المتولي لأمر عباده المختصين بإحسانه. وقد ذكر "الولي" تعالى ثلاث عشرة مرة في الكتاب المبين.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:42 PM   #52
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الحميد


قال تعالى:
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ "24"} (سورة الحج)
هو الحميد مستوجب الحمد، أهل الثناء بما أثنى على نفسه، وأحمد الله تعالى بجميع محامده، والحمد لله صاحب الحمد ومستحقه، فمن ذا الذي يستحق الحمد سواه؟ بل له الحمد كله لا لغيره، وهو الذي يحمد على كل حال، وفي السراء والضراء. ذلك بأنه سبحانه حكيم حميد. وهو الذي اتصل حمد المؤمنين له تعالى، في أول أم الكتاب: "الحمد لله رب العالمين" في الدنيا وفي الآخرة، وفي قوله تعالى:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "10"} (سورة يونس)
وإن أقوال أهل الجنة وأحوالها لا آخر لها. اللهم إنا نسألك أن نحمدك كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، حمداً لا ينتهي. وقيل في معنى الحميد سبحانه، هو الذي يوفقك للخيرات، ويحمدك عليها، ويمحو عنك السيئات. وقد ذكر "الحميد" تعالى في سبع عشرة مرة في القرآن المجيد، وهو سبحانه الغني الحميد، وهو العزيز الحميد، وهو حميد مجيد، وهو حكيم حميد، وهو الولي الحميد. والحميد: له حق الحمد إيجاداً، فهو الذي أوجدنا من العدم. يقول الحق سبحانه:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"28"} (سورة البقرة)
وله حق الحمد إمداداً:
{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133)} (سورة الشعراء)
ويقول الحق سبحانه:
{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) } (سورة نوح)
وهو المستحق الحمد بقاءً، فهو الباقي بعد فناء كل موجود بلا نهاية. وهو المستحق الحمد خلوداً:
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ "10"} (سورة يونس)


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:42 PM   #53
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


المحصي


قال تعالى:
{وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيءٍ عدداً "28"} (سورة الجن)
هو الذي أحصى كل شيء بعلمه، وهو المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً، العالم بخفيات الأمور ومحصيها، وقيل: المحصي من الإحصاء وهو الإحاطة بحساب الأشياء، وما شأنه التعداد. وفي اللغة يقال: أرض محصاة، أي: كثيرة الحصى، ويقال: هم أكثر من الحصى، وحسناتك لا تحصى، وهذا أمر لا أحصيه أي: لا أطيقه ولا أضبطه. وهذا الاسم الكريم لم يرد في القرآن المبين بصيغة الاسم. ومن شاء فليقرأ:
{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) "} (سورة مريم)
{وكل شيءٍ أحصيناه في إمامٍ مبينٍ "12"} (سورة يس)
{وكل شيءٍ أحصيناه كتاباً "29"} (سورة النبأ)
ويدخل في هذا الاسم دقة الصانع وإبداع الخالق، فهو المحصي لحاجات الكون، ومرادات الخواطر، وخافيات النفوس، والظاهر من القول، والباطل من الغيب.
يقول الحق سبحانه:
{ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "59"}(سورة الأنعام)
وهذا الاسم له من الخواص ما لا يعلمه إلا الله، حيث يعلم المستقر والمستودع. ويقول الحق سبحانه:
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ "6"} (سورة هود)
كما يعلم بدقة الإحصاء مسارات الكون وأفلاك الآفاق، وآفاق الآفاق حيث يقول:
{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) "} (سورة الرحمن)
فلو أحصينا المطالب الخاصة والظاهرة، والمطلوبات ظاهرها وباطنها، والتي تنفذ في وقت واحد، وبإحصاء دقيق يدل على أن الله سبحانه وتعالى هو المحصي والمبدئ والمعيد. فكم من مولود يولد، وكم من أرواح قبضت، وكم من عزيز يذل، وكم من ذليل يعز، وكم من تغيير لما هو فيه لغير ما كان فيه. كل ذلك في كتاب مستقر، ولو علم الإنسان أن أفعاله بإحصاء قولاً وحركة وسكوناً، لعلم أنه مراقب وعليه حسيب، فيحاسب نفسه قبل الحساب، ويراقب سلوكه قبل أن تذل الرقاب.
يقول الحق سبحانه:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) } (سورة ق)


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:43 PM   #54
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


المبدئ ـ المعيد


قال تعالى:
{إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ .. "4"} (سورة يونس)
هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلي الممات، ثم يعيدهم بعد الموت إلي الحياة. يقول الحق سبحانه:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "28"} (سورة البقرة)
ويقول جل علاه:
{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى "55"} (سورة طه)
وفي اللغة يقال: فلان ما يبدئ وما يعيد، إذا لم تكن له حيلة. وقال تعالى:
{يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ "104"} (سورة الأنبياء)
فالله جلت قدرته منه البداية وإليه النهاية. يقول الحق سبحانه:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "28"} (سورة البقرة)
فكل شيء مخلوق له بداية وله نهاية، والذي يملك البدء والإعادة هو القادر على الإحياء والإماتة؛ لأن الدنيا أعمار، وفيها معمرون، ومادامت الدنيا تنتهي بالآخرة، فكل شيء له نهاية وله بداية. يقول الحق سبحانه:
{كل من عليها فانٍ "26"} (سورة الرحمن)
وفي سياق الآيات سالفة الذكر نلمح ما يلي:
(وكنتم أمواتاً) أي: عدماً (فأحياكم) وهذه بداية.
(ثم يميتكم) وهذه نهاية ـ (ثم يحييكم) وهذه بداية (ثم إليه ترجعون) وهذه نهاية تتبعها إما إلي جنة الأبد، أو إلي نار الخلد.
وهذه الصفات يختص بها الواحد الأحد، فقد يبدأ الإنسان عملاً وقد ينهيه، ولكن أساسيات هذا الشيء موجودة قبل بدء الخلق فيه، أما نهايته على يد المخلوق فهي نهاية في شيء موجود قد يعود وقد لا يعود. ونضرب لذلك مثلاً ـ ولله المثل الأعلى ـ الزارع بدأ الزرع وجاء حصاده، وهذه بداية ونهاية مقرونة بزمن ومكان. فالزرع من مقدور الله بدليل قوله تعالى:
{أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون "64"} (سورة الواقعة)
والحصاد بأمره:
{وآتوا حقه يوم حصاده .. "141"} (سورة الأنعام)
والإنسان فاعل بأمره، ومريد بإرادة، مصحوب بحركة وبقدرة، وينطبق عليه البدء والإعادة بخلاف الخالق؛ لأن الخالق هو الأول قبل كل شيء بلا بداية، والباقي بعد فناء كل موجود بلا نهاية. وكل حركة في الكون بما فيه ومن فيه لها بدء ولها نهاية، والكل مملوك لله، فهو الفعال لما يريد، وهو على كل شيء قدير.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:43 PM   #55
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


المحي ـ المميت


قال تعالى:
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"6"} (سورة الحج)
هو خالق الحياة ومعطيها لمن يشاء، وهو الذي أحيا قلوب المؤمنين بنوره، وهو الذي أرسل رسوله بالهدى والحق، ونزل الكتاب، لينذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين، وهو الذي أنزل من السماء ماء، وجعل من الماء كل شيء حي.
يقول الحق سبحانه:
{َوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ"30"} (سورة الأنبياء)
إنها القدرة المطلقة بدون أسباب، ووقفة هنا تجعلنا نرى كيف اهتدينا بما أفاض الله على بعض خلقه بابتكار أسراره في كونه، إلي أن لكل شيء حياة، إن ورقة النبات المقطوعة تحدث فيها تفاعلات، والذرة فيها تفاعلات، والتفاعل معناه الحركة، والحياة ـ كما نعرف ـ من مظهرها الحركة. وغاية ما هناك أنه يوجد فرق في رؤية الحياة عند العامة، ورؤية الحياة عند الخاصة، إن الإنسان العامي لا يعرف أن النطفة فيها حياة، والحبة فيها حياة ولا يعرف ذلك إلا الخاصة من أهل العلم، إن العامة من الناس يعرفون أن الحبة لا توجد لها حياة مرئية، ونمو ظاهر صحيح.
إن هناك فرقاً بين شيء حي وشيء قابل أن يحيا، إن نواة البلح التي نأخذها ونزرعها لتخرج منها نخلة. إنها كنواة تظل مجرد نواة إلي أن يأخذها الإنسان وضعها في بيئتها لتخرج منها النخلة. إن النواة قابلة للحياة، وعندما ننظر إلي ذرات التراب فإننا لا نستطيع أن نضعها في بيئة لنصنع منها شيئاً، ورغم ذلك فإن لذرة التراب حركة، ويقول العلماء: إن الحركة الموجودة في ذرات رأس عيدان علبة الكبريت واحدة تكفي لإدارة خط كهربائي حول الكرة الأرضية عدداً من السنوات، إن هذه أمور يعرفها الخاصة، ولا يعرفها العامة. فإن نظرنا إلي العامة عندما يسمعون قول الحق سبحانه:
{تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ .. "27"} (سورة آل عمران)
كانوا يقولون: إن المثل على ذلك نواة البلح، وكانوا يعرفون النخلة تنمو من النواة، ولكن الخاصة عندما اكتشفوا أن في النواة حياة عرفوا كيفية النمو، إن كل شيء في الوجود له حياة مناسبة لمهمته، فليست الحياة هي الحركة الظاهرة، والنمو الواضح أمام العين، لا إن هناك حياة في كل شيء. إن العامة يمكنهم أن يجدوا المثال الواضح على أن الحق سبحانه يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، أما الخاصة فيعرفون قدرة الله عن طريق معرفتهم، إن كل شيء فيه حياة، فالتراب الذي نضع فيه الزرع لو أخذنا بعضاً منه في مكان معزول فلن يخرج منه شيء.
هذا التراب هو الميت في الدرجة الأولى، والنواة التي نأخذها ونضعها في التراب هي الميت في الدرجة الثانية، وعندما ننقل الميت في الدرجة الأولى ليكون وسطاً بيئياً للميت في الدرجة الثانية تكون له حياة، وكذلك تكون حياة التراب، وعندما ننقل الميت في الدرجة الثانية وهو النواة إلي الوسط البيئي المناسب لها وهو التراب تكون لها حياة. وقد مس القرآن ذلك مساً رقيقاً؛ لأن القرآن حين يخاطب بأشياء قد تقف فيها العقول، فإنه يتناولها التناول الذي تقبله كل العقول، فعقل الصفوة يتقبلها، وعقل العامة يتقبلها أيضاً، لأن القرآن عندما يلمس أي أمر يلمسه بلفظ راقٍ يتقبله كل بحسب فتوحاته.
ثم يكشف العقل البشري تفاصيل جديدة في هذا الأمر، فإن ذلك يتيح للعقل البشري الفرصة ليزيد إيمانه بالخالق الأكرم الذي لم يقل لنا إن الذرة فيها حركة، وفيها شحنات من نوع من الطاقة، ولكن القرآن تناول الذرة وغيرها من الأشياء بالبيان الإلهي القادر، وخصوصاً أن هذه الأشياء لن يترتب عليها خلاف في الحكم. فلو عرف الإنسان وقت نزول القرآن أن الذرة بها حياة، فما الذي يزيد في الأحكام، ولو أن أحداً أثبت أن الذرة ليس بها حياة، فما الذي ينقص من أحكام المنهج الإيماني؟
إن الإنسان ينتفع بالظاهرة أو القضية سواء عرفها أم يعرفها، وعندما نأخذ القرآن مأخذ الواعين به، ونفهم معطيات الألفاظ فإننا نجد أن كلمة (الحياة) لها ضد هو (الموت)، وقد ترك الحق سبحانه كلمة الموت وأورد لنا كلمة أخرى هي (الهلاك).
قال الحق سبحانه:
{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ "42"} (سورة الأنفال)
إن الهلاك هنا هو مقابل الحياة، لماذا لم يورد الحق كلمة (الموت) هنا؟ لأنه الخالق الأعلم بعباده، يعلم أن عباده يختلفون في مسألة الموت، فبعض منهم يقول تعريفاً للميت: إنه الذي لا توجد به حركة أو حس، ولكن هذا الميت له حياة مناسبة له كحياة الذرة، أو حياة حبة الرمل، أو حياة أي شيء ميت. وهكذا عرفنا من الآية السابقة أن الحياة يقابلها الهلاك. ويقول الحق سبحانه عن الآخرة ليوضح لنا ما الذي يحدث يوم القيامة، فيقول سبحانه:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .. "88"} (سورة القصص)
استثنى الحق سبحانه الوجه أو الذات الإلهية وكل ما عداها هالك، ومادام كل شيء هالكاً فمعنى ذلك أن كل ما عداه هالك، ومادام كل شيء هالكاً فمعنى ذلك أن كل شيء كان حياً، وإن لم ندرك له حياة. إذن: فالحياة الحقيقية توجد في كل شيء بما يناسبه، مرة تدركها أنت، ومرة لا تدركها، إذن: فقوله الكريم:
{وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .. "27"} (سورة آل عمران)

يجوز أن تأخذه مرة بالعرف العام، أو تأخذه بالعرف الخاص. أي: عرف العلماء. ومادام ذلك أمراً ظاهراً في الوجود كولوج الليل في النهار، وولوج النهار في الليل. أي: أن الحق سبحانه يدخل النهار في الليل ويدخل الليل في النهار، وفي اللغة: يسمون بطانة الرجل الوليجة .. لماذا؟ لأنك إن أردت أن تعرف سر واحد من البشر فاجلس مع صديقه أو أحد أصدقائه لأنه متداخل معه. لذلك جاء أمر إيلاج الليل في النهار وإيلاج النهار في الليل بالوضوح الكامل. ثم مسألة الحياة والموت، ومن يفعل كل ذلك فلا يمكن لأحد أن يستبعد عليه أنه يؤتي الملك من يشاء. وقد جاء الدليل على الآيات الكونية، ولنسمع قول الحق سبحانه:
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "26"} (سورة آل عمران)
إنك أنت الله الذي أجريت في كونك كل المسائل، فهذا أمر من الخير، إن الإنسان ـ ولله المثل الأعلى ـ والمثل للتقريب لا للتشبيه، فالله منزه عن كل شبه أو مثال، إن الإنسان عندما يرى في ابنه شيئاً يحتاج إلي علاج فإنه يسرع به إلي الطبيب، ويرجوه أن يقوم بإجراء الجراحة التي تشفي الطفل الآن. إن الأب هنا يفعل الخير للابن، فإذا كان هذا أمر المخلوق في علاقته بالمخلوق، فما بالنا بالخالق الأكرم، الذي يجري في ملكه ما يشاء، إيتاء ملك أو نزعة إعزاز أو إذلال، فكل ذلك يكون من الخير.
قال تعالى:
{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ "23"} (سورة الحجر)
أي: أنه سبحانه وتعالى يملكنا، فلم يعطينا الرزق لكي نخلد في الدنيا، لا بل إنه سيميتنا بعد ذلك، وظاهر الأمر في كلمتي "نحي ونميت" يقتضي أن يقول "نميت ونحي" لأن يخاطبنا ونحن أحياء. ولكن الواقع أن الحق سبحانه ينظر إلي الموت الأول الذي هو العدم المحض قبل أن يوجد الإنسان في الحياة، كما جاء في قوله تعالى:
{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ.. "11"} (سورة غافر)
وقوله أيضاً:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"28"} (سورة البقرة)
إذن: فالكلام في تفسير الموت: هل هو العدم المحض، أو العدم بعد وجود؟ فإن كان العدم المحض فنكون قبل أن نخلق أمواتاً، ثم أوجدنا ربنا فأصبحنا أحياء، ثم يميتنا، ثم يبعثنا يوم القيامة، والآية تعطي لنا المعنيين.
ثم قال تعالى:
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .. "31"} (سورة يونس)
الحي هو ما فيه الحياة، ولكننا نفهم الحياة على أنها حس وحركة، ولكن كما قلنا: كل كائن في الوجود له حياة تناسبه، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى قال:
{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .. "88"} (سورة القصص)
ومادام كل شيء هالكاً يكون كل شيء حي نأتي به له فترة فيهلك، إلا أن الحياة ليست الحس والحركة، أنت تأكل الطعام، والطعام لا حياة فيه بمفهومنا، ولكنه تتكون فيه خلايا جسدك الذي فيه حياة، ويتكون منه الحيوان الذي يتم به التلقيح، لتبدأ حياة جديدة في ابنك. إذن: فكل ما أكلته فيه حياة، والله سبحانه وتعالى في قوله:
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .. "31"} (سورة يونس)
هذه قدرة الله سبحانه وتعالى وحده، فلا أحد يستطيع أن يصل إلي أسرارها، لأنها فوق المقدور، ولقد قالوا: إنه يخرج الحي من الميت، إنه يخرج الكتكوت من البيضة، هم اعتبروا البيضة ميتة، والكتكوت في حياة، مع أن في البيضة حياة لا تصل بذاتها إلي شيء، فليست كل بيضة تخرج كائناً حياً. ولكن لابد أن تكون البيضة ملقحة من الديك، فإذا كان عندنا فرخة، ولا يوجد عندنا ديك لا يخرج كتكوت من البيضة، هذا فرق بين قابلية الحياة وبين الحياة، والبيضة غير المخصبة فيه قابلية الحياة، فإذا خصبت ففيها حياة. البذرة إن ألقيتها في الصحراء لا تنبت شيئاً، وإن زرعتها في أرض خصبة ورويتها تنبت لك الشجر والثمر، إذن: فهناك قابلية الحياة في البذرة، فإن وجدت المناخ المناسب أعطت الحياة.
ويقول الحق جل جلاله:
{وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ "81"} (سورة الشعراء)
ولم يستخدم الحق تبارك وتعالى الضمير (هو)؛ لأنه لا يستطيع أن يدعي أحد أنه يميت إنساناً أو يبعث ميتاً. قد يقول أحد الناس: أنا أستطيع أن أميته بأن أقتله، نقول له: إن الموت غير القتل، الموت يأتي بدون نقض للبنية، ولكن القتل لابد من نقصه الجسد. إذن: فكل ما لا يمكن أن تكون فيه شبهة الشرك لا يأتي بالضمير (هو)، ولكن الذي يتوهم فيه شبهة الشرك تأتي (هو) لتنفي أي شبهة لأن يكون هناك شريك لله سبحانه وتعالى في العقل.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:43 PM   #56
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الحـي


قال تعالى:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
وصفة "الحي" هي أول صفة يجب أن تكون لله جل علاه؛ لأن القدرة والعلم بعد الحياة، فكل صفة تأتي بعد الصفة الأولى للحق وهي (الحي)، فلو كان عدماً ـ والعياذ بالله ـ لما جاءت أي صفة بعد ذلك. فكلمة "حي" عندما نسمعها توضح لنا أنه يستحيل معها ألا يكون قادراً ولا مدركاً. ولقد احتار الفلاسفة في معنى "حي" حتى توصلوا إلي ذلك التعريف، فهناك من قال عن "الحي": هو الذي يكون على صفة تجعله مدركاً إن وجد ما يدرك، كأنه يعني بذلك الحياة فيما يعلمه من حياتنا نحن وحياة ما دوننا.
أما إن أردت تعريف "الحي" بالمعنى الواسع الدقيق، فإن الحياة هي أن يكون الشيء على الصفة التي تبقى صلاحيته لمهمته، هذا هو التعريف الدقيق. ويجب أن يكون التعريف كذلك، وأكرره مرة أخرى حتى يستقر في الأذهان "الحي" هو الذي يكون على صفة تبقى له صلاحيته لمهمته، ولله المثل الأعلى فإذا نظرنا إلي النبات، فإنه عندما ينمو فإن معنى ذلك أن فيه حياة؛ لأن النمو يحدث للنبات فتكون له صلاحية في مهمته، فإذا قطع النبات فإنه يفقد صلاحيته لمهمته، تماماً كما يموت الإنسان، ولله المثل الأعلى.
فلو نظرنا إلي العناصر الجامدة عندما تختلط ببعضها فتتفاعل، إن هذا التفاعل مظهر وجود حياة مناسبة لهذه العناصر الجامدة، وليست كحياتنا نحن، فإذا نظرنا إلي الأحجار المسماة "بالزلط" الناعمة الملساء، فهل نجدها على مقدار واحد؟ لا .. لأن حجم كل واحدة من تلك الأحجار يختلف عن الأخرى، وهذا دليل على أنها تختلف في مراحل النمو، وهو نمو خاص بها، فلو أن هذه الأحجار قد ظلت في بيئتها الطبيعية لكبرت أو تفتتت إلي أحجار أصغر لتنمو مرة أخرى بشكل مناسب لأسلوب حياتها، ويكون نموها على الهيئة التي أرادها الله لها. ولكن الإنسان حين يستخدم هذه الأحجار ليضعها على سبيل المثال بين قضبان السكك الحديدية فإنه يخرج بها من بيئتها، وإن كانت لها صلاحية جديدة تولد في موقعها الجديد.
فمن حكمة الخالق الأعظم أنه لا يوجد شيء تنتهي جدواه أبداً، إنما ينتقل الشيء من مهمة إلي أخرى، فنأخذ من أحجار الزلط ما نطحنه ونصنع منه الرمل أو نقيم منه أحجاراً اكبر، وهذه مهام أخرى. إذن: فكل شيء يكون على صفة تبقى له صلاحيته للمهمة فإن له حياة، ونحن لا نأتي بهذا الكلام من عندنا، ولكننا والحمد لله نقرأ القرآن الكريم بإمعان وتدبر. ونسأل: ما الذي قابل الهلاك، إن الحياة بالمعنى البشري، وفي الذهن العادي يقابلها الموت، لكن الحياة بالمعنى الدقيق يقابلها الهلاك، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى يقول:
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ .. "42"} (سورة الأنفال)
إذن: فالحياة مقابلة للهلاك، ويقول سبحانه وتعالى عن الآخرة:
{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "88"} (سورة القصص)
إن كل شيء في الكون هالك وفانٍ، إلا الله، فهو سبحانه الخالد الذي له القضاء النافذ في الدنيا والآخرة، وإليه مصير الخلق أجمعين. ومادام الحق ـ سبحانه وتعالى ـ قد قرر أن كل شيء هالك، فلنا أن نسأل: أليست الحجارة شيئاً؟ وهل ستدخل إلي الهلاك يوم القيامة؟ إذن: فالحجارة لها حياة مناسبة لها قبل يوم القيامة، ولكن نحن البشر لا نفطن إلي ذلك لأننا نظن أن الحياة هي الحس والحركة الظاهرة. وقد أثبت العلماء الآن أن الذرة فيها عملية جولان وعملية دوران، لكننا نحن لا نفهم ذلك، أما العلماء فقد جعلهم الله جسراً ليشرحوا لنا قدر الحياة في أدق الكائنات.
إن الإنسان حين يضع ورقة من النبات تحت المجهر فإنه يرى الخلايا وما يتم بداخلها من عمليات، ولسوف يدهش لقدرة الخالق سبحانه وتعالى؛ لأن في هذه الأوراق الدقيقة حياة، قد تكون أرقى من حياتنا، وأدق من حياتنا. إذن: فكل شيء له حياة مناسبة له. وإياك أن تظن أيها الإنسان أنك أنت الذي تهلك هذه الحياة في تلك الكائنات .. لا .. إنك عندما تحضر قطعة من الحجر وتطحنها، وتضعها في الفرن لتصنع منها الجير، فإياك أن تظن أنك أذهبت منها الحياة .. لا. كل الذي حدث أن الله أقدرك على أن تحول هذه الأحجار من وضع الحجر الصلد إلي وضع حياة أخرى هي حياة الجير الذي تؤدي مهمة أخرى.
وهكذا تتسلسل المسائل ليكون لكل شيء في الوجود حياة مناسبة، وهي الصفة التي تجعل له الصلاحية لمهمة معينة، ولننظر إلي مهمة الحق، وما مداها؟ وما إمكاناتها؟ إنها فوق التخيل والتصور، إنها المهمة العليا، إنها الحياة العليا، إنه الحي الأعلى، ولا أحد قادر على أن يسلب منه الحياة؛ لأن أحداً لم يعط له الحياة. إن حياة الحق سبحانه ذاتية، إنه الحي على إطلاقه، أما الحي الذي ليس على إطلاقه فهو الحي الذي يمكن أن تسلب منه الحياة. لذلك قال الحق جل علاه:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.. "255"} (سورة البقرة)
فجاء بضمير (هو) لانفراد صفة الله عن صفة الخلق، فهو حي بإطلاق، أما حياة المخلوق فهو حي بقيد.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:44 PM   #57
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


القيوم


قال تعالى:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
لم يوجد إله آخر حتى يرينا نفسه ودلائل قدرته، ومادام قد أخبرنا الله بالقضية الواضحة أنه لا إله إلا هو، فلابد أنه القيوم لإدارة الكون؛ لأن هذا الكون يحتاج إلي قيومية لإدارته. إن القيومية اللازمة لإدارة الكون تتطلب أن يكون القيوم سبحانه وتعالى له أزلية الحياة أنه حي، وحياته باقية بقاء الأبد الذي لا يعرف الحد من أجل المدد لكل الأجناس، للإنسان والحيوان والجماد وما سوى ذلك.
وهو سبحانه قيوم، ويقال عنها في اللغة: صيغة المبالغة، وصيغة المبالغة في اللغة بمعنى أنه إذا ما وقع حدث فإنه يقع مرة على صورة عادية، ومرة أخرى قد يقع على صورة قوية. ونحن نقول عن واحد إنه "أخير"، و"أخير" هذه تختلف عن قولنا "آخر"، وإذا كان الله قيوماً على كل عوامل الكون، فهل نقول "قائم" أم نقول "قيوم"؟ إننا نقول "قيوم"؛ لأنها تعني أنه قائم بذاته ولم يقمه غيره. إن قيام الحق المتعال هو قيام أزلي.
إذن: فكلمة "قيوم" هي صيغة مبالغة من القيام على الأمر، إنه قائم بنفسه، قائم بذاته لم يقمه أحد، وهو الخالق الذي يقيم غيره، والغي متعد متكرر وقوله الحق:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
هو سند المؤمن في كل حركات حياته. وأضرب هذا المثل لا للتشبيه ولكن للتقريب إلي الذهن، فالله جل علاه منزه عن التشبيه، وله المثل الأعلى: إننا في حياتنا البشرية نجد الأب ونجد الولد، فهل يحمل الولد هماً لأي مسألة من مسائل الحياة؟ طبعاً لا .. لأن الأب متكفل بها، فإذا كنا نقول: من له أب لا يحمل هماً، فما بالنا بالذي له رب، والمثل الريفي يقول: "من له أب لا يحمل هماً، ومن له رب فعليه أن يستحي فلا يحمل هماً للرزق". إن الله سبحانه قد طمأننا جميعاً بأن أبلغنا أنه حي قيوم، ويؤكد لنا الحق سبحانه هذه القيومية في سورة البقرة حين تكلمنا عن آية الكرسي، فقال الحق سبحانه لنا عن ذاته:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
إن الحق سبحانه يطمئننا ويقول لنا: "إن نمتم فأنا لا أنام، لأن الحي القيوم لا ينام"، هكذا يعطي الإيمان بالله الأمن والأمان، لأن المؤمن محروس في حركة حياته بإيمانه، بأن الله لا إله إلا هو الحي القيوم القائم بأمر الخلق جميعاً. هناك من يقول: إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون ووضع له قوانينه، ثم تركه بعد ذلك يعمل بهذه القوانين، ولكنني لا أوافق على هذا القول، الله خلق الكون، وخلق له قوانينه نعم، ولكنه قائم عليه، فلا يترك كونه لحظة واحدة. ولو كانت المسألة هي قوانين الكون وحدها، تعمل بلا تدخل من المشيئة، لعبد الناس القوانين، ولنقرأ الآية الكريمة التي يفزع إليها كل مؤمن إذا أحس بضرر أو واجهة سوء، يقول الله سبحانه وتعالى في هذه الآية:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
ومعنى "الحي" أنه دائم الحياة والوجود، لا يدركه الموت؛ لأنه خلق الحياة والموت، ومعنى "القيوم" أي: القائم على ملكه، وهذه تحتاج إلي تفسير، لأن كثيراً من الناس يردد أن الكون يمشي بالقوانين التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وهي قوانين دقيقة لا تختل بالزمن، ولا تتأثر بأي شيء. ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يريد أن يخبرنا أنه خلق الكون، ووضع له قوانينه ولكنه قائم عليه، أي: أن الله سبحانه وتعالى قائم على ملكه لا يتركه لحظة واحدة، والله طلب منا أن نأخذ بالأسباب.
فهناك دائماً "القيوم" القائم على ملكه الذي يمكن أن يفتح الأبواب، ويحقق ما تحسبه مستحيلاً وغير ممكن، وحينما لا تستجيب الأسباب فإن المؤمن يفزع إلي ربه ويرفع يديه إلي السماء ويقول "يا رب". وكلمة يا رب إيمان بأن الله سبحانه وتعالى قائم على ملكه، فحين يفزع المؤمن إلي الله إنما يعلم أن الله قادر متى عجزت الأسباب، وهو قائم على كونه في كل لحظة وثانية، يبدل العسر يسراً، واليأس أملاً وفرجاً. "فهاجر" ـ رضي الله عنها ـ تركت وليدها عند بئر زمزم، وانطلقت تسعى من أجل الماء، ولكن الأسباب لم تستجب لها، وبعد سبعة أشواط تعبت وتسرب اليأس إلي قلبها، فضرب وليدها الأرض بقدمه، وهو الطفل الضعيف الذي لا يملك من أسباب الدنيا شيئاً فانفجرت الماء.
الأم القادرة التي تستطيع أن تسير هنا وهناك، وتبحث عن الماء والتي تملك قوة الأسباب لم تستجب لها هذه الأسباب، والطفل الرضيع العاجز الذي لا يملك من الأسباب من يجعله قادراً على أن يسقي نفسه شربة ماء، هذا الطفل العاجز الصغير الرضيع ضرب الأرض بقدمه فانفجر الماء. لو نظر كل منا إلي حياته لوجد أنه قد مر فيها أوقات توقفت خلالها كل الأسباب وأحس باليأس، وجلس يقلب المشكلة فلم يجد حلاً، ثم فجأة جاء الحل من حيث لا يعلم ولا يدري. إذن: فالله سبحانه وتعالى قائم على ملكه تفزع إليه النفس المؤمنة، عندما تتعطل الأسباب، وهي واثقة أن الله سبحانه وتعالى يستطيع أن يعطيها عندما تعجز الأسباب، وتقف الدنيا عن العطاء، ثم تمضي الآية الكريمة:
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. "255"} (سورة البقرة)
أي: أن الله سبحانه وتعالى لا ينام أبداً، ولا يغفل أبداً، وهنا يريد الله أن يزيد اطمئنان النفس التي يصيبها الفزع من هموم الدنيا، يريد أن يعيد إليها الطمأنينة والأمان، فيذكرها بأنه:
{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ .. "255"} (سورة البقرة)
أي: لا يغفل عن شيء أبداً، ولا يخرج عن علمه شيء في الكون، فإذا لم ير الناس جميعاً فالله يرى، وإذا لم يسمع الناس جميعاً فالله يسمع، وإذا لم تصل عدالة الأرض لتقتص من الظالم فإن هناك عدالة السماء موجودة. يقول الحق سبحانه:
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ "42"} (سورة إبراهيم)
ومن هنا تكون هذه النفس المؤمنة مطمئنة إلي أن الله سبحانه وتعالى ليس غافلاً عما يعمل الظالمون.
{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ .. "255"} (سورة البقرة)
أي: لحظة يغفل فيها، وتكون هذه النفس المؤمنة مطمئنة إلي أن الله يحرسها ويدافع عنها، فتنام ليلها ملء جفونها، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينام. والله سبحانه وتعالى هنا يريد أن يقول لكل مؤمن: نم أنت ولا تخش شيئاً، فإني أحرسك وأرعاك وأنت نائم وأنت مستيقظ، فلا تدع القلق يدخل نفسك، وتحس أنك نمت نال منك عدوك أو أصابك أذى. تذكر دائماً وأنت تذهب لفراشك لتنام والقلق يملأ قلبك أن الله سبحانه وتعالى لا ينام، وأنه يحميك، فكن مطمئناً وأنت في حماية الله. وإذا كان الإنسان ينام مطمئناً إذا وضع على منزله حارساً أو غفيراً أو رجلاً ساهراً لا ينام الليل، فكيف بمن يحرسه الله.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.. "55"} (سورة النور)
ومن هنا فإن المؤمن يحس دائماً أنه في أمن وأمان؛ لأن الله هو الذي يرعاه في أحلك الأوقات وفي أشد اللحظات. يقول الحق سبحانه:
{الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ "82"} (سورة الأنعام)


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:44 PM   #58
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الواجد


قال تعالى:
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ .. "21"} (سورة الحجر)
قيل: الواجد الذي لا يضل عنده شيء، ولا يفوته شيء. وقيل: الواجد مأخوذ من الوجدان بمعنى العلم الناشئ عن الوجدان. ويقال: وجدت فلاناً فقيهاً. أي: علمت كونه كذلك. وقيل: الواجد هو الله، يجد كل ما يطلبه ويريده، ولا يعوزه شيء من ذلك، ولا يعجزه شيء، ولا يفوته شيء. فهو الواجد للحركة مع نفاذ أمره؛ لأن أمره في كينونته، إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، ومادام عنده مفاتح الغيب فهو صاحب الإيجاد والإمداد.
ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ .. "59"} (سورة الأنعام)
هو رب الإيجاد فقد خلقنا من العدم، وأوجدنا ولم نكن شيئاً مذكوراً. يقول الحق سبحانه:
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا "1"} (سورة الإنسان)
ويقول:
{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ "28"} (سورة البقرة)
وهو رب الإمداد، يقول الحق:
{ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) } (سورة الشعراء)
وهو رب الخلود، يقول الحق سبحانه:
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) } (سورة الحاقة)
كما يقول:
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا ‎لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)} (سورة الحاقة)
إذن: إن حياة الخلود إما إلي جنة أبداً، أو إلي نار أبداً. وهو الواجد لكل ما في الكون، وما وراء الكون، وفوق الكون، فهو المحيط بمدد، وهو على كل شيء قدير.


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:44 PM   #59
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الماجد


"اللهم أنت الماجد المجيد، الفعال لما يريد، نسألك الإمداد يوم الوعيد"
هو الذي تعطف بالمجد وتكرم به ـ فهو العظيم القدر، العظيم الشرف، الواسع الكرم. ويجوز أن يكون الماجد بمعنى المجيد، كالعلم بمعنى العليم. عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل قال: يقول:
"يا عبادي، كلكم مذنب إلا من عافيت، فاستغفروني أغفر لكم بقدرتي، من علم منكم أني ذو مقدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي، وكلكم هالك إلا من هديت فسلوني الهدى أهديكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم وحيكم وميتكم اجتمعوا على اتقى قلب عبد من عبادي لم يزد ذلك في ملكي جناح بعوضة، ولو اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي، لم ينقص ذلك من ملكي جناح بعوضة، ولو أن أولكم وآخركم ورطبكم ويابسكم وحيكم وميتكم اجتمعوا فسأل كل سائل منكم ما سأل لم ينقص ذلك مما عندي شيئاً. كما لو أن أحدكم مر على شفة البحر فخمس فيه إبره ثم انتزعها، ذلك بأني جواد "ماجد" أفعل ما أشاء، عطائي كلام، وإذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون".
وهذا الاسم الكريم غير مذكور في القرآن، بل المذكور "المجيد".


 

رد مع اقتباس
قديم 10-10-2011, 11:45 PM   #60
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


الصمد


قال تعالى:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) "} (سورة الإخلاص)
ما معنى الصمد؟
الصمد هو المعنى الجامع، الذي يدخل فيه مطالب كل موجود، فهو الصمد الذي تصمد إليه جميع المخلوقات بالافتقار والحاجة، ويفزع إليه العالم بأسره، وهو الذي كمل في علمه، وحكمته وحلمه وقدرته، وعظمته ورحمته، فهو كامل الصفات، المقصود من المخلوقات في كل المطالب والحاجات. والذي يعيش في رياض القرآن يجد أن الله هو المقصود لكل قاصد، وهو الذي يعطي لكل شيء حقه، نطق به أم لم ينطق به.
ويقول الحق سبحانه:
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ "47"} (سورة الأنبياء)
من هذه الآية نعلم أن صمدية الله هي عطاؤه، وعطاؤه محوط بعدله، وقد يكون العطاء ربوبياً أو إلهياً، فيقول الحق سبحانه:
{كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا "20"} (سورة الإسراء)
أما عطاء الألوهية فهو للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فالقرآن الكريم يقول:
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50) وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51)} (سورة الأنبياء)
ويحكي لنا الحق سبحانه أمر إبراهيم عليه السلام مع قومه وكيف نجاه من كيدهم، فيقول تعالى:
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70)} (سورة الأنبياء)
وتتوالى عطاءات الله لمن قصدوه وحده بالعبادة والتوجه، فيقول تعالى:
{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) "} (سورة الأنبياء){) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) "} (سورة الأنبياء){وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82) "} (سورة الأنبياء){) وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) } (سورة الأنبياء)
ثم يقول الحق سبحانه:
{
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ ‎بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112) "} (سورة الأنبياء)
والمعايش لكتاب الله يلمس أن العطاءات الربانية وعطاءات الألوهية لا حصر لها ولا عدد، فكم من نفس ولدت في لحظة وماتت في لحظة، ورزقت في لحظة، وافتقرت في لحظة، وكم من نفس شفيت من مرض، وكم من نفس مرضت من شفاء، وكم من إنسان أعزه الله، وكم من إنسان أذله الله. وكم من ممالك تطاولت، وكم من ملوكٍ تلاشوا، وكم من سائل يسأل. كل هذه القضايا تنطلق من عطاء الربوبية لكل الناس، فعطاء الألوهية الذي اختصه الله لمن آمن به توحيداً وتعبداً وسلوكاً، فإذا نظرنا إلي عدد مطلوب الخلائق في كل لحظة من لحظات الحياة لنجد أنه يعطي الكل في لحظة، كما يحاسب الكل في ساعة، وساعة الله يعلمها هو.



 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:22 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا