المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > ملتقيات النقاش وتبادل الآراء > ملتقى الحوارات الهادفة والنقاش
 

ملتقى الحوارات الهادفة والنقاش حوارات تهم جميع افراد الاسره والمجتمع للقضايا والموضوعات الإجتماعية والنفسية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 19-08-2002, 03:13 PM   #46
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم
اختي صفو الحياة00
سرني ردك كثيرا, وقد ابتسمت وانا اقرآه, لا لشئ سوى
اني ادركت انه هناك فعلا من يهتم بهذا الموضوع,
عموما00 حتى ان لم يرد احد فأنا اتابع خانة عدد القراء00
فهذا احيانا يعطيني قوة, شكرا لك مرة اخرى
----------
مع تحياتي


 

رد مع اقتباس
قديم 20-08-2002, 10:48 PM   #47
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

بهاء الدين الاميري00شاعر الانسانية المؤمنة
تعرفت على الأستاذ عمر بهاء الدين الأميري، وأنا طالب في المرحلة الثانوية عن طريق مجلة "الشهاب" التي كان يصدرها الإمام حسن البَنَّا، ويديرها الداعية المحبوب سعيد رمضان، وذلك سنة 1948م، والتي لم يقدر أن يصدر منها غير خمسة أعداد، ثم اختار الله صاحب امتيازها ورئيس تحريرها شهيدًا إلى جواره سبحانه. وقد سنّت المجلة سنّة حسنة: أن تختم كل عدد بما أسمته "سجل التعارف الإسلامي".

كان سجل التعارف يحوي في كل عدد صور مجموعة من العلماء والمفكرين والدعاة من مصر، ومن سائر أقطار العالم الإسلامي، وفي مقابل كل صورة: تعريف موجز مركَّز بشخصية صاحب الصورة وإشارات إلى مجمل سيرته.

وهدف المجلة: أن توجد رباطًا عاطفيًّا بين القراء وهؤلاء الأعلام حين يطلعون على صورهم وسيرهم.

وقد عُني سجل التعارف الإسلامي بالتعريف بعدد من الشخصيات الإسلامية السورية المرموقة، مثل الداعية الفقيه الدكتور مصطفى السباعي، والفقيه العلامة الشيخ مصطفى أحمد الزرقا، والكاتب والمفكر الأستاذ محمد المبارك، والسياسي الفقيه الدكتور معروف الدواليبي، والكاتب الداعية الأستاذ أحمد مظهر العظمة أمين التمدن الإسلامي، والعلامة الشيخ محمد بهجت البيطار.

وكان من الصور التي نشرت في العدد الثالث: صورة عمر بهاء الدين الأميري، وهو شاب في مقتبل العمر، وكتبت المجلة تحته: المحامي بحلب، ووكيل الدعوة الإسلامية.

ثم ذكرت نبذة عنه في الصفحة المقابلة فقالت: سوري من صفوة أبناء حلب وُلِد سنة 1329هـ، وقضى بعض عمره المبارك في الدراسة بفرنسا، وتخرّج في "الحقوق السورية" سنة 1940م، وكان نجاحه منقطع النظير. واشتغل بالمحاماة مشترطًا على موكليه أن يتخلى عن دعاواهم إذا ظهر وجه الحق في غير جانبها! واشتغل بالحركة الإسلامية منذ نعومة أظفاره، وأسس مركزًا للدعوة الإسلامية في باريس، وهو شاعر مطبوع ومجاهد مؤمن.

هذه السطور الموجزة المضيئة فتحت قلبي الفتيّ البكر في ذلك الوقت للأميري صاحب المثل والمبادئ، الذي يتخلى عن قضية موكله إذا تبين له أن الحق مع خصمه، ولا يبالي بما سيخسر من مال في مقابل تنازله عن القضية.
كما أن وصف المجلة له بـ "الشاعر المطبوع" فتح قلبي له أكثر، فقد كنت معنيًّا بالشعر مشغولاً به في تلك المرحلة من عمري.

اول ماقرأت للأميري
وأذكر أني في ذلك العدد نفسه من مجلة "الشهاب" وفي باب "روضة الأدب" قرأت له -أول ما قرأت- شعرًا ربانيًّا عذبًا رقراقًا لم يكن لنا به عهد في ذلك الوقت، تحت عنوان "خماسيات الأميري" وفيها مناجاة لله تعالى كأنما تسمع فيها رفيف أجنحة الملائكة وكأنما هي ترتيلة أو صلاة مجسدة في شعر مؤمن أو إيمان شاعر، يقول الأميري:

كلما أمعن الدجى وتحالك شممت في غوره الرهيب جلالك!
وتراءت لعين قلبي برايا من جمال آنست فيها جمالك!

وتراءى لمسمع العقل همس من شفاه النجوم يتلو الثنا لك[1]
واعتراني تولُّه وخشوع واحتواني الشعور: أني حيالك
ما تمالكت أن يخر كياني
ساجدًا عابدًا، ومن يتمالك؟[2]

هكذا بدأت معرفتي بالأميري شاعرًا، وهو لا شك في المقام الأول شاعر: شاعر بموهبته وشاعر بممارسته، ولكنه ليس شاعرًا سائبًا، إنه شاعر ذو رسالة. فليس الشعر عنده آلة لمديح الأمراء أو الكبراء، ولا لهجاء الخصوم والأعداء، ولا أداة للتعبير عن الغرائز الهابطة، إنه "شاعر الإنسانية المؤمنة" كما يحلو له أن يعبِّر عن نفسه، أو يعبر عنه عارفوه ومن يكتب عنه.
قصيدة _ اب _
ومن قصائده الجميلة والرائعة التي قرأتها له قبل أن ألقاه: قصيدة "أب" التي نشرتها له مجلة "المسلمون" الشهرية التي كان يصدرها الأستاذ سعيد رمضان، وتصدر من خارج مصر، وهي في الحق من روائع الشعر العربي الحديث، كتبها وهو في مصيف "قرنابل" بلبنان، وقد سعد بأسرته وأولاده خلال الصيف، ثم انتهت العطلة ورحل الأولاد عنه وعادوا إلى حلب، وبقي الشاعر وحده في البيت الذي أصبح اليوم موحشًا كالقبر بعد أن كان بالأمس جنة وارفة الظلال، بما فيه من حياة وحركة وبركة وسعادة.

يقول الأميري في قصيدته:

أين الضجيجُ العذبُ والشَّغَبُ؟
أين التَّدارسُ شابَهُ اللعبُ؟

أين الطفولة في توقُّدها؟ أين الدُّمى، في الأرض، والكتب؟
أين التَّشَاكسُ دونما غَرَضٍ؟ أين التشاكي ما له سبب؟
أين التَّباكي والتَّضاحُكُ، في وقتٍ معًا، والحُزْنُ والطَّربُ؟
أين التسابق في مجاورتي شغفًا، إذا أكلوا وإن شربوا؟
يتزاحمون على مُجالَستي
والقرب منِّي حيثما انقلبوا
فنشيدهم "بابا" إذا فرحوا ووعيدهم "بابا" إذا غضبوا

وهتافهمْ "بابا" إذا ابتعدوا ونجيُّهمْ "بابا" إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملءَ منزلنا واليومَ -ويح اليومِ- قد ذهبوا
ذهبوا، أجل ذهبوا، ومسكنهمْ في القلب، ما شطّوا وما قَرُبوا
إني أراهم أينما التفتت نفسي، وقد سكنوا، وقد وثبوا
وأُحِسُّ في خَلَدي تلاعُبَهُمْ في الدار، ليس ينالهم نصب
وبريق أعينهمْ إذا ظفروا ودموع حرقتهمْ إذا غُلبوا
في كلِّ ركنٍ منهمُ أثرٌ وبكل زاويةٍ لهم صَخَبُ
في النَّافذاتِ، زُجاجها حَطَموا في الحائطِ المدهونِ، قد ثقبوا
في الباب، قد كسروا مزالجه وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصَّحن، فيه بعض ما أكلوا في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشَّطر من تفّاحةٍ قضموا في فضلة الماء التي سكبوا
إنِّي أراهم حيثما اتَّجهتْ عيني، كأسرابِ القَطا، سربوا
بالأمس في "قرنابلٍ" نزلوا واليومَ قدْ ضمتهمُ "حلبُ"
دمعي الذي كتَّمتُهُ جَلَدًا لمَّا تباكَوْا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا منْ أضلعي قلبًا بهمْ يَجِبُ
ألفيتُني كالطفل عاطفةً فإذا به كالغيث ينسكبُ
قد يَعجبُ العُذَّال من رَجُلٍ يبكي، ولو لم أبكِ فالعَجَبُ
هيهات ما كلُّ البُكا خَوَرٌ إنّي -وبي عزم الرِّجال- أبُ

لقد هزتني هذه القصيدة الفريدة لما احتوته من قوة التصوير وروعة التعبير، عن مشاعر الأبوة الحانية وعواطف الطفولة اللاهية ودقائق الخلجات النفسية التي قد تراها متناقضة الظاهر، منسجمة الباطن، وما فيها من صور حية رسمها الحرف الناطق والحس الصادق والشعر الرائق، المعبر -بسلاسة منقطعة النظير- عن أعمق أعماق المشاعر، وأحنى حنايا العواطف، في لغة جزلة وجمل عذبة وعبارات رشيقة وأسلوب أخاذ متدفق كالعذب الزلال والسحر الحلال.

وعرفت بعد ذلك أن الشاعر والأديب الكبير الأستاذ عباس العقاد كان من أشد المعجبين بهذه القصيدة، حتى قال عنها في ندوة من ندواته المعروفة، التي كان يعقدها في منزله بمصر الجديدة، في صباح كل جمعة، وكان ذلك في رمضان 1381هـ، قال: لو كان للأدب العالمي ديوان من جزء واحد، لكانت هذه القصيدة في طليعته!.

كما عرفت أنها ترجمت إلى الفرنسية، وقورنت بقصائد الشاعر الفرنسي الكبير "فيكتور هوجو" في الأطفال.

وقد نشرها الشاعر بعد ذلك في ديوانه "ألوان طيف" كما نشرها كذلك في ديوان "أب" مع تسع قصائد أخرى حول الأبوة والبنوة، وقد كتبه بخط يده، ونشر مصورًا كما هو بخطه الجميل، وقال في تقديمها: عشر قصائد من وحي الأبوة.. لوحات فيها مكابدة ومعاناة.. صور وجدانية.. متعددة متحولة، يعيش ألوانها وأكوانها: كل إنسان أب، وكل أب إنسان!.


 

رد مع اقتباس
قديم 20-08-2002, 10:51 PM   #48
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ديوان " مع الله"

وقرأت للأستاذ الأميري ديوانه الرائع "مع الله" في طبعته الثانية، وقد تفضل بإهدائه إليّ في عبارات ثناء لا أستحقها: "هدية إخاء صادق في الله إلى الأستاذ الكبير المؤمن الشيخ يوسف القرضاوي، مع المودة والتقدير والدعاء إلى الله أن يجعلنا دائمًا معه، ويجمعنا على إعلاء كلمته". بيروت في غرة شعبان سنة 1399هـ.

ومن حسناته: أنه كان يُصِرّ على استخدام التاريخ الهجري وحده فكل دواوينه وكل كتبه وكل رسائله إلى أصدقائه وكل إصداراته: مدون بالتاريخ الهجري، ولا شيء غيره. إنه ينطلق من الاعتزاز بالإسلام، ومن التمس العزة بغيره أذله الله.

وقد رغب إليّ أن أكتب كلمة عن هذا الديوان، فهو يعتد ويعتز بها. ليضمها إلى كلمات الأدباء والكتاب في الطبعة اللاحقة، ووعدته بتحقيق ذلك، وكنت أرغب بالفعل أن أكتب كلمة إضافية عن ديوان "مع الله" وعن شعر الأميري عامة، ولكن لم يسعفني القدر بتحقيق ما وعدت به ورغبت فيه فعسى أن يسامحني الأستاذ وقد لقي ربه، عليه رحمة الله ورضوانه، وعسى أن يكون في هذه الكلمة بعض الوفاء له.

كان ديوان "مع الله" صلوات وابتهالات، وترنيمات إلهية كأنها من مزامير داود، إنه شعر يحلق في آفاق السماء ويغوص في أعماق النفس ويسيح في جنبات الوجود، ويستحضر معية الله عز وجل في كل مكان وفي كل حين وفي كل حال: في ابتسام السَّحر.. في التماع القمر.. في تموُّج الغيوم.. في احتباك النجوم.. في الربيع الطلق.. في الخريف الحزين.. هو "مع الله" في سجود.. في شرود.. في وضوح.. في غموض.. في نزوة.. في نشوة.. في حزن شديد.. في جو سعيد.. في الأفق المديد.. في الغور البعيد.. "مع الله".

وقد قدم الشاعر لديوانه بكلمات هي شعر منثور، أو نثر "مشعور" أو قبسات من نور تخاطب العقل والوجدان، وكل الكيان في الإنسان.

وبدأ الديوان برائعته "مع الله".

مع الله في سبحات الفكر
مع الله في لمحات البصر

مع الله في مضمن الكرى مع الله عند امتداد السهر
مع الله والقلب في نشوة مع الله والنفس تشكو الضجر
مع الله في أمسي المنقضي مع الله في غدي المنتظر
مع الله في عنفوان الصبا مع الله في الضعف عند الكبر
مع الله قبل حياتي، وفيها وما بعدها عند سكنى الحفر
مع الله في الجد من أمرنا مع الله في جلسات السمر
مع الله في حب أهل التقى مع الله في ذكره من قد فجر
مع الله فيما بدا وانتشر مع الله فيما انطوى واستتر

إلى آخر ما ذكره من ألوان ومجالات معيته في الله، وهي معية ملأت المكان والزمان والحس والفكر والضمير والوجدان.

وقد استقبل الأدباء والشعراء والدعاة والمفكرون ديوان "مع الله" بما يليق به من ترحيب وتنويه وثناء، حرص الشاعر وحرص الناشر على أن يسجله أو يسجل لبابه في ملحق كبير مع الديوان نفسه.

وحسبنا من هؤلاء ما كتبه الأستاذ العقّاد إلى شاعرنا من رسالة يقول له فيها: ديوانكم "مع الله" آيات من الترتيل والصلاة، يطالعها القارئ فيسعد بسحر البيان كما يسعد بصدق الإيمان.. وقد قرأت طائفة صالحة من قصائده، وسأقرأ بقيتها، وأعيد قراءة ما قرأته؛ لأنه دعاء يتكرر ويتجدد ولا يتغير، وثوابكم من الله عليه يغنيكم عن ثناء الناس، وإنه -على هذا- لثناء موفور وعمل مشكور، فتقبلوا مني شكره واغتنموا من الله أجره، وعليكم سلام الله ورضوان الله. دارج في 4-2-1960م.

لا أستطيع أن أتخير من هذا الديوان بعض قصائده فكلها خيار من خيار، ولكني أنتقي خماسيتين: إحداهما كنت قد قرأتها في مجلة "المسلمون" التي كانت تنشر بين الحين والحين بعضًا مما تنتقيه من قصائد الشاعر أو مما يرسل به إليها، فكان منه هذه القصيدة عن "الكعبة" يقول:

الكعبة الشمّاء في مذهبي قيمتها ليست بأحجارها
والقرب من خالقها ليس في تشبث المرء بأستارها
قدسية الكعبة في جمعها أمتنا من كل أقطارها
وأنها محور أمجادها وأنها مصدر أنوارها
وكعبة المؤمن في قلبه يطوف أنى كان في دارها

وهي في الديوان وقد كتب تحتها: مكة المكرمة 1 رمضان 1373هـ. يعني: أنه كتبها بجوار الكعبة البيت الحرام وفي ظلال شهر رمضان، فاجتمع عليه بركات المكان والزمان ونفحات الإيمان والقرآن.

والأخرى: خماسية "سبحان ربي الأعلى" وفيها يقول:

أيٌّ سر يودي بدنيا حدودي كلما همت في تجلّي سجودي
كيف تذرو (سبحان ربي) قيودي كيف تجتاز بي وراء السدود
كيف تسمو بفطرتي ووجودي عن مفاهيم كوني المعهود
كيف ترقى بطينتي وجمودي في سماوات عالم من خلود
أتراها روحًا من المعبود
قد جلت ذاتها لعين شهودي!

وهي في الديوان. وكتب تحتها: كراتشي 24 من رمضان سنة 1371هـ.

وهكذا نجد النماذج الأخرى من شعر الأميري، وكلها تمضي في هذا الاتجاه الإيماني الرقراق، تعلو بالإنسان درجات بدل أن تهبط به دركات.

الشعر الانساني

وله -بجوار الشعر الرباني- سبحات ونفحات في الشعر الإنساني، الذي تتجلى فيه عواطف الإنسان من حيث هو إنسان ومن حيث هو أب كما في ديوان "أب"، ومن حيث هو ابن كما ديوان "أمي"، ومن حيث هو إنسان ذو قلب كما في ديوان "ألوان طيف".

ومن جميل شعره في ديوان "أب":

مالك يا قلبي.. على الدروب..!!
تبحث.. عن كل حشا منكوب!!
تصنع من أناته وجيبي...!
هل أنت يا قلبي.. أبو القلوب؟!

ومن أبياته المؤثرة في ديوان "أب":

ويذود عن عبي الكرى هـمّ.. وهـم.. ذو رنين!

هـمّ الثمانية الـصغا ر، وبعد.. تاسعهم جنين!

ومن المشاعر الإنسانية التي تحسها وتلمسها في شعر الأميري: الشعور بالغربة عن بلده وأهله وولده سنين طالت، فهو في الغرب وهم في الشرق.

يقول في إحدى قصائده:

أنا في امتدادات الأذانـــــــ كان فـي نسبي رباح

أنا في الرباط وفي الرياضـــ وليس عن حلبي براح!

واقرأ معي هذه الأبيات، وقد هلَّ عيد الفطر عليه وهو في غربته عن بلده وولده، وهو في جهاده.. بعث إلى أولاده بهذه الأبيات؛ لتنوب عن تحية العيد:

يا فرع القلب وراء البحار
في القلب نور من هواكم ونار

ذكرتكم في العيد، في غربتي والعبء مضن، وهمومي كبار

فأظلم القلب، وضج الهوى في كل ذرات كياني وثار
ثم ذكرت الله في حبنــا افتراقنا، وهو لنا خير جار
تهش روحي، واطمأن الرضا في غور إيماني، وقلبي استنار

وبجوار الشعر الإيماني، والشعر الإنساني للأميري، نجد الشعر الجهادي، وكله أو جله يصبّ في قضية الأمة المركزية والمحورية، وهي قضية الأقصى قضية أرض الإسراء والمعراج قضية فلسطين، وقد أصدر عدة دواوين في ذلك مثل: ملحمة الجهاد، وملحمة النصر "شعر من وحي معركة العاشر من رمضان 1393هـ"، ومن وحي فلسطين "شعر وفكر"، وحجارة من سجيل.. وقد صدر بعد انتفاضة أطفال الحجارة، الانتفاضة الأولى التي انطلقت أول ما انطلقت من مساجد غزة، وأطلق عليها في أول الأمر اسم "ثورة المساجد"!.


 

رد مع اقتباس
قديم 20-08-2002, 10:56 PM   #49
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وقفه مع شعر الاميري

وإذا كان بعض الشعراء يخلد إلى الأرض وينزع إلى الطين والحمأ المسنون، فإن الأميري يحلق بشعره على أجنحة ملائكية إلى آفاق علوية.

وإذا كان منهم من استغرقه الحس وسجنه الجسد في قفصه، فإن الأميري قد سما بشعره إلى فردوس الروح وسماء الربانية، وتحرر من قبضة الجسد الحديدية، بفضل ما منحه الله تعالى من رحيق الإيمان وفيض الروح المشرق بنور اليقين.

لقد جعل الأميري للعرب "إقبالاً" كما للهنود "إقبالهم"، وأحيا شعر "الحب الإلهي" في لغة جزلة عذبة معاصرة، تخاطب الكينونة الإنسانية كلها: عقلاً وروحًا وعاطفة وضميرًا، ولا تخاطب "الإنسان الجسد" وحده، كما يفعل بعض الشعراء المعاصرين، الذين اختصروا الإنسان في المرأة واختصروا المرأة في الجسد، واختصروا الحياة في اقتناص اللذات واتباع الشهوات.

لهذا كان أحب الأوصاف والألقاب إلى شاعرنا: لقب "شاعر الإنسانية المؤمنة". فهو شاعر الإيمان وشاعر الإنسان.

لقد قارن بعض النقّاد بين الأميري وابن الفارض.. لكن لابن الفارض نهجًا آخر غير نهج الأميري، وهو أنه يستخدم لغة الغزل الصريح وقاموس العشاق، وينزلها على الذات الإلهية، وهذا قد يجيزه مَن يجيزه ويرفضه من يرفضه، كما أن شعره يطفح بإشارات إلى "وحدة الوجود" كما نراه في "تائيته" الشهيرة.. أما الأميري فهو يسلك إلى الله طريق التأمل في النفس وفي الآفاق والتجاوب مع الوجود المسبّح بحمد الله سبحانه.

على أن شعر الأميري -كغيره من الشعراء- ليس كله في مستوى واحد، فهو أحيانًا يحلق ويعلو فيسبق سبقًا بعيدًا ولا يلحق بغباره أحد.. وأحيانًا ينزل عن هذا الأفق الرفيع.

وهذا طبيعي عند كل الشعراء، فمن الشعراء من يبدع ويتفوق في قصيدة واحدة ثم لا تجد له شعرًا في مستواها، ومنهم من يكون أكثر شعره عاليًا، ومنهم الأميري. وحتى القصيدة الواحدة تكون بعض أبياتها أميز من بعض، حتى إن العرب تعوّدوا أن يقولوا عن بيت معين من قصيدة تألق وعلا: إنه بيت القصيد!.

بدايات لقائي بلأميري

أما أول ما عرفت الأميري وجهًا لوجه كان سنة 1960م حين دعاه الأستاذ محمد البهي المدير العام لإدارة الثقافة الإسلامية بالأزهر لإلقاء محاضرة بالموسم الثقافي للأزهر، في قاعة الشيخ محمد عبده، وكان الدكتور البهيّ قد سنّ هذه السنة الحسنة، وعمَّر قاعة الشيخ محمد عبده، التي كانت شبه مهجورة، وحفلت المواسم بعدد من رجال العلم والفكر والأدب والدعوة من مصر ومن غيرها من أقطار العروبة والإسلام.

ووكل إليَّ الدكتور البهي أن أقوم بتقديم الأستاذ الأميري، فقد كان مسافرًا في مهمة لا أتذكرها. وكان موضوع المحاضرة عن "العروبة والإسلام"، وقد قدمته بما يليق به، كما علقت على محاضرته بما يناسب المقام، ولم يكن الأستاذ الأميري يعرفني ولكنه فوجئ بتقديمي وتعقيبي على محاضرته فشد انتباهه، وصافحني بحرارة ومودة.

وأذكر مما قلته في التعقيب: إننا وجدنا في هذه المحاضرة مزيجًا من تحليق الشاعر، ودقة القانوني، وحصافة الدبلوماسي، وعمق الباحث، وحرارة الداعية، تتلاحم جنبًا إلى جنب. فأعجبته هذه العبارات التي لخصت كل فضائل المحاضر وصفاته؛ فهو قانوني وسفير وشاعر وباحث وداعية حقًّا.

ومنذ ذلك اليوم انعقدت بيني وبين الأميري مودة صافية وأخوة عميقة لم تزدها الأيام إلا قوة، وإن كنت لا ألقاه إلا في مناسبات معينة.

الاميري في بيروت

وحين أُعرت من مصر إلى قطر سنة 1961م وطُلب هو بعد ذلك إلى المغرب؛ ليعمل أستاذًا لكرسي "الإسلام والتيارات المعاصرة" في دار الحديث الحسنية بالرباط، وقسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة القرويين، كما درس الحضارة الإسلامية في كلية الآداب بجامعة محمد الخامس في فاس، ولكن كثيرًا ما كنا نجتمع في بيروت، وبخاصة عندما ساءت الأحوال في مصر وجر الإخوان إلى محنة قاسية رغم أنوفهم سنة 1965م، فانقطعت عن مصر تسع (9) سنوات كاملة، وكنت أذهب في الإجازات السنوية غالبًا إلى لبنان، نستمتع بجبالها ومصايفها الجميلة وحرية الحركة فيها، وكانت هذه فرصة لألتقي بالشاعر الكبير، فهو أيضًا لم يكن يستطيع الذهاب إلى سوريا ومدينته حلب الشهباء، وكنا نلتقي بكثير من الإخوة السوريين الذين يعانون مثل ما يعاني الأميري، مثل الأستاذ عصام العطار حفظه الله، والشيخ عبد الفتاح أبي غدة رحمه الله، والأستاذ محمد المبارك رحمه الله.

الاميري في قطر

وحين أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات -نواة لجامعة قطر- سنة 1973م وكلفت برئاسة قسم الدراسات الإسلامية، وكان عميد الكلية أو الكليتين: الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم كاظم الذي كان صديقًا للأستاذ الأميري، كما كان صديقًا لي، اقترحت عليه أن ندعو الأميري أستاذًا زائرًا؛ ليحاضر طلابنا وطالباتنا في مقرر نطرحه عليهم، وهو: "المجتمع الإسلامي" وكانت مدة الزيارة عادة شهرين، فكانت هذه فرصة للتلاقي وتوثيق الأواصر بيننا.

وقد كان الرجل محببًا لطلابه وطالباته، لما يحمله بين جنبيه من رقة طبع ودماثة خلق وسعة أفق وتجربة واسعة في الحياة. وما يحمله في جعبته من طرائف أدبية ونوادر اجتماعية وسياسية.

وفي هذه المحاضرات شرع يدعو إلى فكرته حول "الفقه الحضاري" الذي يفتقر إليه المسلمون في هذا العصر، بجوار الفقه التقليدي الذي يعنى بمعرفة الأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية، وهو الذي تعنى به كليات الشريعة والحقوق، وتقوم عليه مجامع الفقه الإسلامي المعروفة.

ومن اللطائف التي تذكر هنا: أنه اتصل مرة بهاتفي في المنزل، وكان رقمه سهلاً حفظه الناس، حتى إنهم كانوا يتصلون بي في النهار والليل، والصباح والمساء، وهو (22522)، وقد ردت عليه ابنتي الصغرى، وسأل عني فلم يجدني، فأملى عليها هذه الشطرات:

يا خمسة تحفها المثاني ويا خليلاً ما له من ثان

يبعد عني وهو مني دان وكلما واصلته جفانـي!

فلما عدت إلى البيت ذكرت لي ابنتي ما أملاه عليها، فطلبته وقلت له: وهل أستطيع أن أجفوك؟ وهل يجفو الخليل خليله؟.

لقاءات في مؤتمرات وندوات

وبعد ذلك التقينا مرارًا وتكرارًا في مؤتمرات وندوات عامة، ولقاءات خاصة في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وعمّان والإمارات والكويت والمغرب والجزائر، وغيرها. وإن كان هو قد اختار المغرب مقامًا له، وأنس بأهله وأنسوا به، حتى إننا كثيرًا ما رأيناه بالزي المغربي التقليدي، وربما ظن من لم يعرفه أنه مغربي قحّ.. وإن كان لا يزال يحن إلى حلب مرتع صباه وشبابه، ومجمع أُلَفائه وأحبائه، ويذكرها في شعره كلما جاءت مناسبة.

وقد التقينا على مائدة غداء في عمَّان دعانا إليها بلديُّه وصديقه الأستاذ ناظم القدسي رئيس جمهورية سورية الأسبق، وكان معنا الأستاذ مصطفى الزرقا، والشيخ محمد الغزالي، رحم الله الجميع.

وكثيرًا ما كان يحدثنا الأميري عن ذكرياته الغزيرة والحافلة بالمواقف في البلاد التي زارها، والبلاد التي عمل فيها سفيرًا لسوريا، مثل الباكستان، والمملكة العربية السعودية.

والذين يعرفون الأميري يعلمون أنه لم يكن مجرد سفير لسوريا، بل كان سفير الأمة الإسلامية، أو قل: كان سفير الإسلام، الذي يحمل هموم دعوته، وآلام أمته، وآمال صحوته.

معًا في الجزائر

وقد التقينا معًا في الجزائر سنة 1989م - 1990 حينما أعرت من قطر إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وإلى وزارة الشؤون الدينية بالعاصمة، وكان هو في زيارة خاصة للجزائر في ذلك الوقت.

وكم حاولنا معًا التقريب بين جبهة الإنقاذ والجماعات الإسلامية الأخرى، من أجل المصلحة الإسلامية الكبرى، مثل جماعة "حماس": وجماعة "النهضة" ولكننا لم نفلح للأسف الشديد، وغلب الحمق على الحكمة، والمراهقة على الرشد.

وأعتقد أن المسؤول الأول عن هذا الإخفاق هو "تصلُّب" إخوتنا في جبهة الإنقاذ، الذين لم "يلينوا" بأيدي إخوانهم؛ ليستوي الصف، ويتلاحم، ويقف جميع الإسلاميين كالبنيان المرصوص يشد بعضهم بعضًا.

مذكرات الأميري

وطالما طالبت الأستاذ الأميري أن يهيئ مذكراته للنشر، فقد كان له مواقف عدة، وتجارب شتى، ولقاءات جمة بكثير من الشخصيات المهمة، من لقاءات بالملوك والرؤساء والأمراء والوزراء، وكبار الدعاة والمجاهدين من الخليج إلى المحيط، بل من المحيط إلى المحيط، أعتقد أن فيها دروسًا وعبرًا، فقد كان "رجل علاقات" من الطراز الأول، كأنما خلق ليكون سفيرًا. وكان يحسن الحديث مع الزعماء والكبراء، كما يحسنه مع عامة الناس، وكان في بعض الأحيان يتحمس لذلك، وفي أحيان أخرى تخمد الجذوة، وتفتر الهمة، ثم اشتد عليه المرض، فناء به الجسد، ووافاه الأجل المحتوم في الرياض، ولقي ربه راضيًا مرضيًّا، إن شاء الله تعالى.

الكتابات النثرية للأميري

وللأستاذ الأميري كتابات نثرية غطت عليها دواوينه الشعرية، فله عدد من المحاضرات والرسائل والكتب الصغيرة في الحجم، التي كتبها في مناسبات شتى، وأودعها رؤيته وأفكاره في إصلاح أمة العرب والإسلام، والرقي بها.

وكان يركِّز في سنواته الأخيرة على ما سماه "الفقه الحضاري" وهو من الفقه الغائب عن الأمة، وقد أنصف الأميري وأحسن في الدعوة إليه، والتركيز عليه، وإن لم يبين لنا معالمه وملامحه. وقد حاولت في كتابي "السنة مصدرًا للمعرفة والحضارة" إلقاء شعاع على هذه المعالم لهذا الفقه المنشود، مع ألوان الفقه الأخرى: فقه السنن، وفقه المقاصد، وفقه الموازنات، وفقه الأولويات، وفقه الاختلاف، وفقه الواقع.

وترك وراءه ذكرًا طيبًا، وعلمًا نافعًا، وذرية صالحة تدعو له، وتلاميذ في أقطار شتى في المغرب والمشرق، تترحم عليه، وشعرًا عذبًا يتحدث عنه، تمثل في عدة دواوين، منها الكبير ومنها الصغير، أعظمها: ديوانه "مع الله".

وقد ترك من الآثار النثرية:

- الإسلام في المعترك الحضاري.

- المجتمع الإسلامي والتيارات المعاصرة.

- في رحاب القرآن (الحلقة الأولى: في غار حراء).

- في رحاب القرآن (الحلقة الثانية: عروبة وإسلام).

كما ذكر في بعض كتبه أن لديه آثارًا مخطوطة، منها دواوين شعرية، ومنها بحوث ومذكرات:

- في الفقه الحضاري.

- الخصائص الحضارية في الإسلام.

- صفحات للتاريخ ـ من الذاكرة والمذكرات.

- أحاديث في المغرب.

- حوار عن فلسطين.

نرجو من الابن الأكبر للأميري: البراء وإخوته أن يعدوها للنشر، عسى أن يجد فيها القراء -وسيجدون إن شاء الله- ما ينفعهم.

رحم الله الأميري وغفر له، وأسكنه الفردوس الأعلى، وجزاه عن دينه وأمته خير ما يجزي العاملين الصادقين.

--------------------------------------------------------------------------------

[1] في ديوان (مع الله) عدل الشاعر (لمسمع العقل) إلى: (لمسمع الروح) دلالة على أنه كان يسعى إلى تحسين الصياغة أبدا.

[2] عدل الشاعر: (ساجدا عابدا) إلى: (ساجدا واجدا) كما في الديوان.

موقع الاميري


 
التعديل الأخير تم بواسطة Fatma ; 20-08-2002 الساعة 10:59 PM

رد مع اقتباس
قديم 21-08-2002, 10:10 PM   #50
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

في عام 1906 وصلت الأنباء إلى معظم حواضر العالم الإسلامي بأن الشعب الياباني بعد انتصاره على روسيا سيعقد مؤتمرًا كبيرا للمقارنة بين الأديان المختلفة من أجل اختيار أفضلها وأصلحها، حتى يصبح الدين الرسمي للإمبراطورية. اهتمت عدد من الصحف في أنحاء العالم الإسلامي بهذا الخبر الطريف، وكان ممن سمع به وجذب اهتمامه صحفي مصري أزهري هو السيد "علي أحمد الجرجاوي"؛ فكتب في صحيفة "الإرشاد" يدعو شيخ الأزهر وعلماء الإسلام لتشكيل وفد للمشاركة في هذا المؤتمر الذي يمكنهم من خلاله إقناع الشعب الياباني وإمبراطوره بالإسلام؛ وهو ما من شأنه إذا حدث قيام حلف إسلامي قوي يجمع اليابان وربما الصين أيضا مع السلطنة العثمانية؛ فيعود للإسلام مجده القديم.

بُح صوت الجرجاوي في دعوته للاهتمام بهذا المؤتمر، ولما لم يجد استجابة أعلن عزمه على السفر بنفسه لأداء هذا المهمة، وبالفعل كتب ذلك في آخر عدد من صحيفته بتاريخ 26 يونيو 1906؛ حيث قام بإغلاقها بعد ذلك، وبدأ في إعداد نفسه للسفر، فعاد إلى بلدته "أم القرعان" في مركز "جرجا" بصعيد مصر، وباع خمسة أفدنة من أرضه لينفق منها على رحلته، واستقل الباخرة من ميناء الإسكندرية قاصدًا اليابان، وغاب أكثر من شهرين، ثم عاد بأخبار وقصص أغرب من الخيال نشرها في كتاب مثير بعنوان "الرحلة اليابانية"، الذي يمكن اعتباره من دون مبالغة من أطرف كتب الرحلات في القرن العشرين.

وكتاب "الرحلة اليابانية" الذي نشره "الجرجاوي" عقب عودته من اليابان، وصدرت طبعته الأولى سنة 1907 على نفقته الخاصة، هو أول كتاب في العالم العربي يكتبه صاحبه عن اليابان التي تصاعد اهتمام العالم الإسلامي بها عقب انتصارها في حربها مع روسيا، ولكن من خلال زيارة واقعية لها، فقد سبق ونشر الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل كتابا بعنوان "الشمس المشرقة" سنة 1905 يشيد فيه بانتصار اليابان كأمل لكل الشعوب المستضعفة للتخلص من نير الاستعمار، لكنه لم يكن قد زارها من قبل
وإذا كانت المصادر التاريخية لا تذكر قبل "الجرجاوي" رحالة مصريا آخر زار اليابان، بما يؤكد صحة ادعائه في مقدمة كتابه عن الرحلة بأنها رحلة أول مصري وطئت قدمه اليابان منذ قديم الزمان، فإن بداية العلاقات بين العالم العربي واليابان ما زالت غير معروفة على وجه التحديد إلى الآن، وإن كانت المصادر التاريخية تؤكد أن رحلة "الجرجاوي" من أوائل الرحلات التي دشنت تلك العلاقات.

والشيخ علي الجرجاوي من خريجي الأزهر الشريف، لكنه عمل بالصحافة طوال عمره؛ إذ أصدر في الإسكندرية صحيفته "الإرشاد" سنة 1899، ثم نقل إصدارها للقاهرة حتى أغلقها عندما بدأ رحلته لليابان، وعقب عودته عاد للعمل بالصحافة، فأصدر جريدة "الأزهر المعمور" في 20 إبريل سنة 1907، واستمر في العمل بالصحافة حتى وفاته سنة 1961.

ورغم أنه -كما يبدو من كتابه- كان من أنصار السلطان عبد الحميد الثاني، ومن الداعين لفكرة "الجامعة الإسلامية"، فإنه يمكن اعتباره من الأزهريين الإصلاحيين الذين حملوا همَّ النهضة، وإصلاح التعليم، وإشاعة أجواء الحرية، وخاصة حرية الصحافة، يظهر ذلك بوضوح من تفاصيل رحلته؛ فلم يدخل بلدًا إلا وقد تحدث عن أوضاع التعليم فيه، وأجرى مسحا عن الصحافة الصادرة به، وما تمتع به من حرية، أو يواجهها من قهر ومصادرة، وكان يبدو ناقما على جمود علماء الأزهر، وتقاعسهم عن أداء وظيفتهم الاجتماعية.

والجرجاوي "صعيدي" يمتلك روح المغامرة ولديه حس الرحالة، إن اقتنع بالفكرة حتى سخّر جريدته للدعوة إليها، ولما لم يجد من يستمع إليه قرر أن يخوض التجربة بنفسه وعلى نفقته، فلم يتردد في بيع جزء من أرضه للإنفاق على الرحلة، ويبدو من تعليقاته وإلحاحه الدائم على الإشارة إلى أنه تكفل بكل مصروفات رحلته.

وفي كتابه يتوقف أمام كل بلد ينزل بها؛ فيذكر طرفًا من تاريخها وأخبار أهلها وأحوال المسلمين بها، كما يذكر بعضًا من طرائفها أو عاداتها، ويجذبه دائمًا ملابس أهل البلاد، وأحوال الصحف فيها، والمؤسسات التعليمية، وهو مغرم بذكر تاريخ كل مدينة، وخاصة ما يتعلق بدخول الإسلام وتعداد المسلمين بها.

]


 

رد مع اقتباس
قديم 21-08-2002, 10:18 PM   #51
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


ويذكر "الجرجاوي" أنه ما إن وصل إلى "يوكوهاما" حتى وجد بانتظاره عالميْن مسلميْن هما: الحاج "مخلص محمود الروسي"، و"السيد سليمان الصيني"، اللذين اصطحباه في رحلته في اليابان، والتي استمرت -كما يذكر- اثنين وثلاثين يومًا كاملا، ويشير إلى أنه مكث في "يوكوهاما" يومين للاستراحة من عناء الرحلة، قضاهما في فندق بجوار الإدارة البحرية، ثم انطلق منها بعد ذلك إلى العاصمة اليابانية (طوكيو) للدعوة إلى الدين الإسلامي، والمشاركة في مؤتمر الأديان الذي حضر إليه خصيصًا.

والمثير أن الجرجاوي يقدم في كتابه وصفًا دقيقًا وتفصيليًا لطوكيو بما يوحي -لمن لم يزرها- بأنه نزل بها وعاش بها فترة لا بأس بها من الزمن، فهو يصف مبانيها وشوارعها وإنارتها والعائلات الكبيرة بها ومكتبتها الوحيدة التي لا تتجاوز محتوياتها مائتي ألف مجلد فقط، كما يقدم نبذة تاريخية عنها، ويغوص الجرجاوي في تاريخ اليابان؛ فيعرج على الأساطير التي يتداولونها حول أصول شعبهم والتي تجعلهم يعتقدون أنهم ليسوا من الجنس البشري، كما يستعرض علاقة الشعب الياباني بإمبراطوره الذي يطلق عليه لقب "الميكادو".. ويصوره في طابع أقرب إلى الأسطورة.

وما إن استقر "الجرجاوي" وصاحباه حتى بحثوا عن دار تؤويهم؛ فتكون مكانًا للسكن ومركزًا للدعوة إلى الإسلام، فاستأجروا -كما يذكر في رحلته- منزلا من تاجر ياباني، وبمجرد أن أسس "الجرجاوي" وزميلاه الجمعية بدأ الدعوة إلى الإسلام من مقر الجمعية؛ حيث كتبوا خطبة فيها تعريف وافٍ بالإسلام باللغة الإنجليزية، ودعوا الناس إلى مقر الجمعية، حيث كان "جازييف" -أول ياباني أسلم على يده- يتولى أمر ترجمة الخطبة إلى اليابانية.

وكان رد الفعل -كما يذكر الجرجاوي- ممتازًا؛ فقد أقبل المئات على الإسلام، وكان عدد المترددين على الجمعية يتضاعف يومًا بعد يوم، وخلال ثمانية عشر لقاءً نظمها الجرجاوي للدعوة إلى الإسلام في مقر جمعيته أسلم على يديه (والعهدة عليه) اثنا عشر ألفا من اليابانيين في مدة 32 يومًا هي عمر وجوده في اليابان، ويذكر منهم أسماء ثلاثة -غير جازييف"- هم: "أترالكييو"، و"إنساكيويو"، و"كوفاري"، ويقول: إن ذكر جميعهم يحتاج لمجلد ضخم.

COLOR=darkblue]ويذكر "الجرجاوي" أن سبب المؤتمر -كما تأكد منه بنفسه- هو أن اليابانيين بعد أن انتصروا على روسيا في الحرب رأوا أن معتقداتهم الأصلية لا تتفق مع عقلهم الباهر ورقيهم المادي والأدبي، فاقترح عليهم الكونت "كاتسورة" رئيس الوزراء إرسال خطابات رسمية إلى الدولة المتدينة ليرسلوا إليهم العلماء والفلاسفة والمشرعين وكل أصحاب الديانات؛ ليجتمعوا في مؤتمر ديني يتحدث فيه أهل كل دين عن قواعد دينهم وفلسفته، ثم يختار اليابانيون بعد ذلك ما يناسبهم من هذه الأديان، فوافقهم "ألميكادو" على ذلك، فأرسلوا إلى الدولة العلية العثمانية وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا وأمريكا، فأرسلت إليهم هذه الدول بمندوبين عنها؛ حيث أرسلت الدول العثمانية وفدًا إسلاميًا، في حين أرسلت بقية الدول وفودًا مسيحية من كل المذاهب المسيحية. [/COLOR]
ويشير إلى أن أولى جلسات المؤتمر بدأت في الأول من مارس 1906 بحضور كل قيادات الإمبراطورية اليابانية، وينقل إعجاب اليابانيين بالإسلام، لكنه يؤكد أن الجلسة الثانية والختامية للمؤتمر لم تستقر على نتيجة؛ إذ أعلن رئيس الوزراء ختام المؤتمر دون الاستقرار على دين بعينه؛ إذ إن كل مجموعة من اليابانيين استحسنت دينًا دون الاتفاق على واحد منها. ورغم ذلك فهو يؤكد أن غالبية من حضروا المؤتمر من اليابانيين وجدوا في أنفسهم ميلا للإسلام الذي أحسن علماؤه ومندوبو الدولة "العلية" عرضه وبيان ما فيه من قواعد ومبادئ يتفق معها العقل والمنطق.

وفي وصفه للرحلة اليابانية يسهب في الحديث عن الشعب الياباني وشجاعته في الحرب الروسية وعلو همته، ويشيد بوطنيته وتضحياته من أجل حرية وطنه، كما يمتدح المرأة اليابانية والبوليس الياباني والصحافة والتعليم والخطباء والقصاصين وكل شيء في اليابان حتى أعيادهم وعوائدهم في الجنازات والمناسبات المختلفة.

وبعد، هل سافر الجرجاوي حقًا إلى اليابان كما يذكر في كتابه، أم أنها كانت رحلة نسجها خيال أديب وصحفي مغامر عُرف بافتتانه بكتب الرحالة والمستكشفين؟!

COLOR=darkblue]من يقرأ تفاصيل الرحلة لا بد أن يثور في ذهنه هذا التساؤل، فضلا عن أن فكرة المؤتمر الذي سافر لحضوره نفسها أشبه بالخيال! [/COLOR]
الرحلة مليئة بالمبالغات الواضحة التي تقترب من الأساطير الشائعة في القصص الشعبي، ربما كان أكثرها وضوحًا ما يذكره من أنه قد أسلم على يديه اثنا عشر ألفًا من اليابانيين في اثنين وثلاثين يومًا فقط قضاها في بلادهم، في حين أن بعض التقديرات الحالية لمسلمي اليابان لا تزيد عن نفس الرقم بعد ما يقرب من قرن، ولا يقل عنها مبالغة وربما أسطورية فكرة أن الإمبراطور اقتنع بالإسلام ولم يمنعه من إعلان إسلامه سوى خوفه من تأثير ذلك على شعبه، وهي قصة أشبه بحواديت ألف ليلة وليلة، كما أن من يقرأ تفاصيل المؤتمر يتيقن له أنه لم يحضر، وإنما ينقل عن أوراقه وأعماله على أحسن الأحوال.

د. صالح السامرائي رئيس المركز الإسلامي بطوكيو وقد عاش في اليابان أكثر من ربع قرن، يؤكد في كتابه عن تاريخ الدعوة الإسلامية في اليابان أن وصف "الجرجاوي" لليابان وذكره لأسماء الناس والمدن بها كالذي لم تطأ قدماه أرضها!!

ولكن كل المصادر التاريخية تؤكد أن "الجرجاوي" أقلع فعلا من مصر في رحلة إلى اليابان؛ وهو ما يعني أنه سافر فعلا، ولكن ربما إلى بلد آخر غير اليابان!.. ويعزز هذا الرأي ما نسب للشيخ "مولوي بركة الله" الداعية الهندي في مجلة "الأخوة الإسلامية" 1910؛ حيث ذكر أن عربيًا وصل "هونج كونج"، ومنها ذهب إلى "تايوان"، فظن أنه في اليابان، ورأى أعدادًا كثيرة من المسلمين الصينييين فظن أنهم يابانيون تحولوا للإسلام، لكنه لم يذكر "الجرجاوي" بالاسم، وقريب من هذا المعنى يذكره "عبد الرشيد إبراهيم" في كتابه "عالم إسلام" دون أن يذكر "الجرجاوي" صراحة؛ وهو ما يرجح احتمال أن "الجرجاوي" لم يذهب لليابان أصلا.

لكن قراءة دقيقة في المصادر التاريخية تكشف عن أن ما ذكره "الجرجاوي" والملابسات المحيطة برحلته ربما يعتريها بعض الشكوك، لكنه لا يخلو من الحقيقة؛ فخبر المؤتمر الذي ذكر الجرجاوي أنه سافر إلى اليابان لحضوره ذكرته صحيفة Chugai koho اليابانية في عدد 12 مايو 1906، وصحيفة Japan times في عدد 8 مايو من نفس العام، كما أشارت إليه أيضًا جريدة "إقدام" الصادرة في إستانبول بتاريخ 17 مايو 1906 عن مراسل جريدة Rappel الفرنسية بطوكيو، لكنه -كما تشير هذه الصحف- كان مؤتمرًا للحوار والتعاون بين الأديان، لا كما ذكر "الجرجاوي" من أنه أقيم بطلب من الإمبراطور لبحث أنسب الأديان وأفضلها للشعب الياباني!!

لكن قراءة دقيقة في المصادر التاريخية تكشف عن أن ما ذكره "الجرجاوي" والملابسات المحيطة برحلته ربما يعتريها بعض الشكوك، لكنه لا يخلو من الحقيقة؛ فخبر المؤتمر الذي ذكر الجرجاوي أنه سافر إلى اليابان لحضوره ذكرته صحيفة Chugai koho اليابانية في عدد 12 مايو 1906، وصحيفة Japan times في عدد 8 مايو من نفس العام، كما أشارت إليه أيضًا جريدة "إقدام" الصادرة في إستانبول بتاريخ 17 مايو 1906 عن مراسل جريدة Rappel الفرنسية بطوكيو، لكنه -كما تشير هذه الصحف- كان مؤتمرًا للحوار والتعاون بين الأديان، لا كما ذكر "الجرجاوي" من أنه أقيم بطلب من الإمبراطور لبحث أنسب الأديان وأفضلها للشعب الياباني!!


 

رد مع اقتباس
قديم 21-08-2002, 10:24 PM   #52
البتــار!!!!
شيخ نفساني


الصورة الرمزية البتــار!!!!
البتــار!!!! غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1771
 تاريخ التسجيل :  06 2002
 أخر زيارة : 15-05-2016 (07:36 AM)
 المشاركات : 5,426 [ + ]
 التقييم :  63
لوني المفضل : Cadetblue


احتـي / فاطمــــــة

اسعــدك اللـــه علــى هـــذاالابـــداع المتمــــيز 00000

عنــدي اسمــاء لشيــوخ هل تسمحــــين لي بالمشاركة

البتـــــار!!!!


 

رد مع اقتباس
قديم 21-08-2002, 10:58 PM   #53
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم
اخي البتار اهلا بك 00
بالطبع يمكن لأي شخص ان يشارك هذا الموضوع
ليس حكرا على احد00
اتمنى ان امكن ان يكونوا شخصيات ساهمت بالكثير ولكن غير مشهورة
واتمنى كذلك ان نتبادل الادوار بحيث كل يوم يكتب احد منا عن شخصيه
معينه لكي يسهل للجميع المتابعه000
-----
مع تحياتي


 

رد مع اقتباس
قديم 22-08-2002, 11:35 PM   #54
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم
اخي البتار000 لااعلم متى تود ان تبدأ00
ولكن حتى ذلك الحين انا في انتظارك000 وحفاظا على اصل الموضوع, فإنه يجب وضع معلومه عن شخصيه اليوم000 سأضعها انا اليوم
ودورك محفوظ00 في انتظارك :)
-------------------
يعيش الكثير من الناس طوال حياتهم في أبراج من نسج أحلامهم وأفكارهم وكلماتهم، بينما لا يستطيع إلا النادر القليل منهم أن يجعل من أحلامه كيانًا ملموسًا باقيًا بآثاره التي لا تُمحَى في حياة الناس، ومن هؤلاء القلة البروفيسور "محمد يونس" أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة "شيتاجونج" إحدى الجامعات الكبرى في بنجلاديش، ومؤسس بنك جرامين Grameen Bank، البنك الذي يملكه الفقراء والذي يعمل من أجل إحداث تغيرات نوعية في حياة أفقر الفقراء في بلد من أفقر بلاد العالم "بنجلاديش"، وهو أيضاً البنك –المدرسة- الذي صار قطبًا يدور في فلك منهجه المتبتلون في محراب العمل من أجل الفقراء.

COLOR=darkblue]من شيتاجونج إلى تينيسي وبالعكس[/COLOR]
ولد محمد يونس عام 1940 في مدينة شيتاجونج Chittagong، التي كانت تعتبر في ذلك الوقت مركزًا تجاريا لمنطقة البنغال الشرقي في شمال شرق الهند، كان والده يعمل صائغًا في المدينة، وهو ما جعله يعيش في سعة من أمره فدفع أبناءه دفعًا إلى بلوغ أعلى المستويات التعليمية، غير أن الأثر الأكبر في حياة يونس كان لأمه "صفية خاتون" التي ما كانت ترد سائلاً فقيرًا يقف ببابهم، والتي تعلّم منها أن الإنسان لا بد أن تكون له رسالة في الحياة.

في عام 1965 حصل على منحة من مؤسسة فولبرايت لدراسة الدكتوراه في جامعة فاندربيلت Vanderbilt بولاية تينيسي الأمريكية، وفي فترة تواجده بالبعثة نشبت حرب تحرير بنجلاديش (باكستان الشرقية سابقا) واستقلالها عن باكستان (أو باكستان الغربية في ذلك الوقت)، وقد أخذ يونس من البداية موقف المساند لبلاده بنجلاديش في الغربة، وكان ضمن الحركة الطلابية البنغالية المؤيدة للاستقلال، التي كان لها دور بارز في تحقيق ذلك في النهاية. وبعد مشاركته في تلك الحركة عاد إلى بنجلاديش المستقلة حديثا في عام 1972 ليصبح رئيسًا لقسم الاقتصاد في جامعة شيتاجونج، وكان أهالي بنجلاديش يعانون ظروفًا معيشية صعبة، وجاء عام 1974 لتتفاقم معاناة الناس بحدوث مجاعة قُتل فيها ما يقرب من مليون ونصف المليون.

إحراق السفن الجامعية
كانت تلك المجاعة هي المعلم الذي تغيرت عنده حياة يونس إلى الأبد، فبينما كان الناس يموتون جوعاً في الطرقات، كان يونس يعلم تلاميذه النظريات الباهرة في الاقتصاد، وأحس بكراهيته لنفسه لشعوره بمدى عجرفة أمثاله من أساتذة الاقتصاد لادعائهم امتلاك الإجابة على الأسئلة الصعبة: "لقد كنا -نعم- نحن أساتذة الاقتصاد نتميز بشدة الذكاء، لكننا لم نكن نعرف شيئًا عن الفقر الذي كان يحيط بنا من كل جانب".

أمضى يونس بعد ذلك العامين التاليين يقود طلابه في رحلات ميدانية إلى قرية جوبراJobra القريبة من الجامعة، لقد كان من السهل رؤية المشكلة، لكن أين يكمن الحل؟ هذا ما كان يحاول استكشافه، وبينما كان يحاور امرأة هناك كانت تقوم بتصنيع كراسٍ من البامبو (حيث تنبت أشجار البامبو في كل مكان على أرض بنجلاديش) لمعت في ذهنه فكرة الحل؛ فقد علم من المرأة أنها لا تملك رأس المال الخاص بها، ومن ثم فهي تلجأ لاقتراضه من أحد المرابين في القرية لشراء البامبو الخام، وتظل تعمل طوال 12 ساعة يوميا في تصنيع الكراسي لرد القرض وفوائده ثم لا يبقى لها بعد ذلك إلا الكفاف لتعيش منه.

وبمساعدة طلابه استطلع "يونس" أحوال الفقراء في 42 قرية أخرى محيطة، واكتشف أن الوضع القائم لا يتيح للفقراء توفير قرش واحد ومن ثم لا يستطيعون تحسين أحوالهم مهما بلغ جدهم واجتهادهم في العمل، ومن ثم اكتشف أنهم لا يحتاجون سوى رأس مال يتيح لهم الاستفادة من عوائد أموالهم، ومن ثم فقد أقرض 42 امرأة من الفقراء مبلغاً بسيطا من المال من جيبه الخاص بدون فائدة، ودونما تحديد لموعد الرد. ولأنه رأى عدم إمكانية الاستمرار في ذلك فقد مضى يحاول إقناع البنك المركزي أو البنوك التجارية لوضع نظام لإقراض الفقراء بدون ضمانات، وهو ما دعا رجال البنوك للسخرية منه ومن أفكاره، زاعمين أن الفقراء ليسوا أهلا للإقراض، وعبثاً حاول إقناعهم أن يجربوا، ومن ثم فقد اقترض قرضاً خاصا ليبدأ به مشروعا في قرية جوبرا بمساعدة طلابه أمضى في متابعته ودراسته من عام 1976 حتى عام 1979 في محاولة لإثبات وجهة نظره بأن الفقراء جديرون بالاقتراض، وقد نجح مشروعه نجاحا باهرا وغير حياة 500 أسرة من الفقراء، وفي عام 1979 اقتنع البنك المركزي بنجاح الفكرة وتبنى مشروع "جرامين" أي "مشروع القرية".

وفي عام 1981 زاد من حجم المشروع ليشمل 5 مقاطعات، وقد أكدت كل مرحلة من تلك المراحل فاعلية نظام القروض المتناهية في الصغر حتى وصل عملاء البنك "المشروع" عام 1983 إلى 59 ألف عميل يخدمهم 86 فرعا، وفي تلك المرحلة قرر يونس إنهاء حياته الأكاديمية وأن يمضي في طريقه حيث تم اعتماد بنك جرامين في ذلك العام كمؤسسة مستقلة لترتبط حياته بهذه المؤسسة التي كانت حلمًا فصارت واقعًا واعدًا منذ تلك اللحظة وإلى الأبد.

يونس قديس الفقراء
يرتكز إنجاز البروفيسور يونس على مجموعة من المحاور الفكرية الأساسية، التي يأتي في طليعتها نظرته النقدية لمؤشرات التنمية السائدة، ووضعه مؤشرات بديلة ترتكز على ما يحدث في حياة الـ 50% التي تقع في قاع المجتمع –أي مجتمع- من تغيرات إيجابية مباشرة تمس جوهر حياتهم اليومية.

وتأتي رؤيته التي تعتبر أن القرض أو الائتمان هو حق أساسي من حقوق الإنسان ليمثل الركيزة الثانية في فكره، التي ينتقد فيها اعتماد نظام البنوك التجارية على إقصاء الفقراء من حق الحصول على القروض، باعتبار أن الفقراء لا يملكون الضمانات التي يقدمونها للبنوك للحصول على الإقراض، وهو الأمر الذي يعني انحياز البنوك لصالح تعزيز غنى الأغنياء، وتكريس فقر الفقراء، وهو ما دفعه لتأسيس بنكه الفريد على أساس ضمان رأس المال الاجتماعي المتمثل في "شبكات التساند والرقابة الاجتماعية والمتجسدة فيما يعرف بالمجموعة والمركز.

أما الركيزة الثالثة فهي اعتباره التوظيف الذاتي للفقراء، أي مساعدة الفقراء كي يساعدوا أنفسهم هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية في أي مجتمع، وأن إخراجهم من حالة "اليد السفلى" التي جعلتهم يدمنون تلقي الإحسان والهبات، إلى حالة "اليد التي يحبها الله ورسوله" هو واجب تفرضه النظرة إلى الفقير باعتباره "إنسانا كامل الأهلية".

الركيزة الرابعة جاءت كنتيجة لخبرة السنوات الأولى من العمل، وهي اعتباره أن المدخل لتحسين حال الأسر الفقيرة هو في تحسين أوضاع النساء فيها، وهو ما دعاه لإعادة اكتشافهن كقوة للعمل، وإعادة اكتشاف الأعمال المنزلية كأعمال مدرة للدخل لتحسن أوضاع الفقراء.

COLOR=darkblue]ميراث الانسانية[/COLOR]
وفي نهاية هذه القصة، قصة حياة البروفيسور محمد يونس وعطاؤه للفقراء، والتي لم تنته بعد، حيث لا تزال فصولها تجري، ليس فقط هناك على أرض "بنجلاديش" وحدها بل على أراضي العشرات من البلدان من أمريكا في أقصى الغرب إلى الفليبين في أقصى الشرق مرورا ببوليفيا وتنزانيا وماليزيا -كنت أفكر في أن أختم الكلام بلغة الأرقام، ولكن ماذا تعني الأرقام إذا كانت تتغير كل لحظة، فما هو رقم صحيح اليوم، يصبح أقل من الصحيح بعد شهور وسنوات؛ لأن عجلة هذا العمل لا تزال دائرة لم تتوقف. يكفي أن نعلم أن عشرات الملايين من الفقراء في العالم أجمع صار النموذج الذي قدمه "محمد يونس" من خلال "جرامين" هو طوق النجاة لهم ولأسرهم من غائلة الفقر.


 

رد مع اقتباس
قديم 24-08-2002, 02:33 PM   #55
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عصمت هانم ام المجاهدين

كثيرًا ما نتساءل كيف تصبح المرأة أم شهيد؟ كيف قامت بتنشئته؟ ماذا كان إحساسها عند سماع خبر شهادته؟.

هذه الأسئلة وغيرها تتبادر إلى الذهن عند ما نسمع عن شهيد تعيش أمه على قيد الحياة، إنها قصة سيدة كان لها من الأبناء أربعة: ثلاثة ذكور وأنثى واحدة، والثلاثة ماتوا في حياتها: الأول: "طارق" وتوفي وعمره سنتان؛ لأنه كان يعاني من ثقب في القلب. والثاني: "عاصم حمودة" الشهيد الذي قام بأعمال رائعة في حرب أكتوبر وهو يدافع عن مدينة السويس التي استطاع أن يصل إليها العدو. والثالث: "هشام" الذي مات أيضًا في حرب 73 إثر حادث تعرض له أدى إلى نزيف بالمخ. كانت المدة الزمنية بين استشهاد ابنيها في الحرب حوالي 3 أسابيع؛ فمن هي هذه الأم؟ وكيف صمدت واستطاعت أن تثبت ؟.

"الإيمان".. هكذا قالت لي، علمت أن ربي لم يرد أن يكون لي أبناء على قيد الحياة. عندما مات طارق كنت صغيرة وتحمّلت، وعند سماع خبر موت عاصم اعتقدت أن "العدو" قتله وهو في القسم.. فقد كان ضابط شرطة، ظننت أنه لم يقاوم " ومات كدة " على حد قولها أي بدون مقاومة او دفاع، ولكن عندما علمت ما قام به من أعمال وكيف حرر قسم شرطة الأربعين بالسويس، وأنه استشهد برصاصة غادرة من جنود العدو ساعتها وساعتها فقط أحسست أن ربي أطفأ ما بي من نار وأثلج صدري.

نعم، هذا ابني، أنا أم الشهيد، أيامها لم نرتد السواد، ولم نقدم للمعزين "القهوة السادة"، كما هو متبع في مراسم العزاء بمصر، ولكن قدمنا الشربات، وقام "ممدوح سالم" رئيس الوزراء وقتها بلقائي ووالده، وأخذ يحكي لنا ما قام به عاصم من أعمال أدت إلى تراجع العدو بدباباته ولم يدخل المدينة.

تعبت بعد موت عاصم وهشام، ولكن بالإيمان وبمساندة والدهم لي مرت الأيام، أنا لم أنسهم، ولكن الله رزقني الصبر، وبقيت لي ابنتي عزة، ربنا يحميها، وهي الآن لها اثنان من الأبناء ،أحدهما "وليد" وهو يشبه خاله عاصم جدًا، وأميرة وهي متزوجة.

رحلة العمر
هي عصمت هانم إبراهيم حمودة.. ولدت في المحلة الكبرى سنة 13/10/1918، والأصل من الشرقية، إلا أن والدها كان ناظرًا لمدرسة في مدينة المحلة وأمها كانت تركية الأصل، تحكي عصمت هانم: حياتي كانت بسيطة، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وزوجي متخرج في الكلية نفسها وهو ابن عمي.. تزوجنا وأنجبت أبناءنا، وعملت لفترة في السفارة البريطانية كمترجمة، ولكن تركت عملي بها سنة 52 تعاطفا مع عمليات المقاومة، خاصة وأن أخوتي كانوا في المقاومة الشعبية بالقناة؛ فلم أستطع أن أتحمل أكثر من ذلك واستقلت.

كنت أريد أن أعمل بالتدريس وأيامها كان استعد للدراسة التربية ؛ فالمؤهل ليس كافيًا ولكن زوجي اقترح عليّ ألا أفعل فتراجعت وجلست في البيت، وساعدت زوجي فيما كان يقوم به من أعمال ترجمة لكتب عالمية؛ فهو من قام بترجمة باب الأدب في الموسوعة الذهبية، وكان يطلب مني أن أراجع الترجمة التي يقوم بها وأن أقول له ملاحظاتي.

كنا نجلس جميعا في غرفة المعيشة، وكان والدهم يرفض أن نجلس هكذا دون أن نفعل شيئا جديدا وشيقا، فمرة يقوم بتوزيع الأدوار علينا لنقوم بتمثيل مسرحية في البيت، وأحيانا أخرى يقوم بتلقين الشعر لأحد من الأولاد ليقوم بإلقائه علينا بعد ذلك.. كل يوم حاجة جديدة تطرح لنقوم بها جميعًا.

كان عاصم يحب الصيد كثيرًا، و يستيقظ صباحًا ليصحب بندقية الصيد ويبدأ في صيد العصافير من على الشجر، وكان والدهم يحب القراءة كثيرًا وقد غرس هذا في أولادنا، وكنا نذهب كثيرًا إلى القرية في البلد، وهناك كانت عمة الأولاد وعاصم يقومان بأدوار قيس وليلى في مسرحة تحمل هذا الاسم ولاقت نجاحًا كبيرًا في البلد.

وأصدقك القول: كنت خائفة على عاصم، وكنت أتمنى أن يبقى في مبنى المحافظة ولا يلقي بنفسه في أرض المعركة، ولكني أعلم ابني جيدا.. ابني لن يجلس يتفرج والناس في خطر؛ فأنا وأبوه لم نربِّه على ذلك.

ارتعش صوتها وبكت، سكتت ولم أستطع الكلام ، فقالت ابنتها: "إيه يا ماما ماذا بك، لماذا تبكين لقد كنت متماسكة ماذا حدث؟".

نظرت لي، وقالت: اعذريني؛ فهذا ابني وأولادي كلهم ماتوا.. أنا لم ولن أنساهم، ولكني أتذكرهم وأبكي.

ذكريات كثيرة وأشياء كبيرة وصغيرة مرت بنا، وها أنا الآن بعد مرور كل هذه السنين أجلس وأتذكر الأب الذي تُوفي، ولم يبق لي إلا ابنتي وأولادها.. الحمد لله.‏


 

رد مع اقتباس
قديم 26-08-2002, 12:50 AM   #56
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

الحوتري استشهادي يخترق المرقص

يخترق صفوف الشباب الصهيوني في مدينة تل أبيب التي لا تحترم حرمة يوم السبت، يقف معهم كأنه واحد منهم. شباب وشابات بعمره، ولكن الاختلاف أنهم يصطفُّون لدخول ملهى ليليّ يُسمَّى "الدولفين"، بعضهم سكارى، وآخرون يصطفُّون للدعارة، وجنود في زيٍّ مدني، لكن سعيد لم يأتِ ليرقص أو يلهو، بل ليفجِّر نفسه، ويقتل 21 إسرائيليًّا معلنًا استمرار المقاومة بوسط تل أبيب.

ذلك الشاب "سعيد الحوتري" وهو الاستشهادي العاشر لكتائب عزِّ الدِّين القسَّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي جعل من شظايا جسده مدافع تخترق أجساد المحتلين، الذين يرقصون ويلهون، وفي الوقت نفسه يقتلون، ويحاصرون، ويهدِّمون المنازل، ويقتلعون الأشجار. سعيد الحوتري هو من قام بعملية تل أبيب في الأول من حزيران/ يونيو والتي تُعَدُّ من أكبر العمليات الاستشهادية في قلب الكيان الصهيوني. علمًا بأن 47% من الاستشهاديين هم أكاديميون، وليس مثلما يقال بأنهم من طبقات مسحوقة ومستوى علمي متدن.

تمتلئ الشوارع في مدينة قلقيلية بالصور والملصقات للشهيد سعيد الحوتري، وهو ثالث شاب يقوم بعملية استشهادية في قلقيلية؛ ولذلك فإن المدينة فخورة به، وحتى الأطفال يقولون: "نحن نريد أن نكون مثل سعيد، فهو بطل".

سعيد نظيف اليد واللسان
يخترق صفوف الشباب الصهيوني في مدينة تل أبيب التي لا تحترم حرمة يوم السبت، يقف معهم كأنه واحد منهم. شباب وشابات بعمره، ولكن الاختلاف أنهم يصطفُّون لدخول ملهى ليليّ يُسمَّى "الدولفين"، بعضهم سكارى، وآخرون يصطفُّون للدعارة، وجنود في زيٍّ مدني، لكن سعيد لم يأتِ ليرقص أو يلهو، بل ليفجِّر نفسه، ويقتل 21 إسرائيليًّا معلنًا استمرار المقاومة بوسط تل أبيب.

ذلك الشاب "سعيد الحوتري" وهو الاستشهادي العاشر لكتائب عزِّ الدِّين القسَّام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الذي جعل من شظايا جسده مدافع تخترق أجساد المحتلين، الذين يرقصون ويلهون، وفي الوقت نفسه يقتلون، ويحاصرون، ويهدِّمون المنازل، ويقتلعون الأشجار. سعيد الحوتري هو من قام بعملية تل أبيب في الأول من حزيران/ يونيو والتي تُعَدُّ من أكبر العمليات الاستشهادية في قلب الكيان الصهيوني. علمًا بأن 47% من الاستشهاديين هم أكاديميون، وليس مثلما يقال بأنهم من طبقات مسحوقة ومستوى علمي متدن.

تمتلئ الشوارع في مدينة قلقيلية بالصور والملصقات للشهيد سعيد الحوتري، وهو ثالث شاب يقوم بعملية استشهادية في قلقيلية؛ ولذلك فإن المدينة فخورة به، وحتى الأطفال يقولون: "نحن نريد أن نكون مثل سعيد، فهو بطل".

لم يكن هاوي سياسه
ومن الأمور الغريبة أيضًا أن سعيد الحوتري لم يكن يتحدث بالسياسة مثل باقي الفلسطينيين، ولم يكن منتميًا إلى أحد الحركات السياسية الفلسطينية، ولكنه كان يبدو متأثرًا بحركة حماس، وبالتالي فسعيد لم يكن سياسيًّا بطبعه، وأوضح ذلك والده الذي يسكن في الرصيفة القريبة من العاصمة الأردنية عَمَّان بقوله: "لم يكن سعيد هاوي سياسة، ولكني علَّمته حب الوطن، ولم أعلِّمه أن يكره اليهود في المقابل؛ لأنني علمته الحب ولم أعلِّمه الكره". عائلة سعيد والتي تعيش حالة اقتصادية متوسطة الحال لم تكن ناشطة سياسيًّا؛ ولهذا فإن إعلان كتائب القسَّام اسم الشهيد سعيد منفِّذ عملية تل أبيب كان مفاجأة كبيرة للعائلة وأصدقاء سعيد.

عبد الله حوتري يوضِّح الأشهر الأخيرة من حياة سعيد: "عندما بدأت الانتفاضة ولم يَعُد باستطاعة سعيد العمل في مجال التمديدات الكهربائية، فإننا طلبنا منه العمل معنا في بيع وتوزيع الخضراوات، وكان يأتي إلى المحل للبيع في الحسبة (مجمع لبيع الخضراوات)، وكان يبعث النقود إلى أهله، حيث بعث آخر مرة 200 دينار أردني إلى أهله، ولكن قبل أن يقوم بالعملية ببضعة أيام قلت له، يا سعيد لك 250 دينارًا فتعالَ وخُذ المال، فلم يأت سعيد، وقال لي: ابعثْهُم أنت، فلم أفهم قصده، وعندما قام بالعلمية واستشهد فهمت قصده. وأيضًا قبل يوم من العملية جاء إلى بيتي وأعطاني هاتفه الخلوي؛ لكي أتحدث مع الأهل في الأردن، وشدَّد عليَّ أن استمر في الحديث بالرغم من أن ذلك سيكلفه الكثير، وبعدها فهمت بأنه عندما يستشهد لن يكون بحاجة إلى ما تبقَّى في رصيده المدفوع مسبقًا، لم أكن لأظن للحظة واحدة بأن سعيد قد يقوم بالعملية، وحتى عندما اختفى بعد العملية، لم أكن لأتوقع بأن سعيد من قام بها، ولكن عند إعلانه منفِّذًا للعملية كانت مفاجأة كبيرة".


 

رد مع اقتباس
قديم 26-08-2002, 12:52 AM   #57
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الدخول الى غرفته

أما أخو الشهيد "علاء الحوتري" والذي يعيش في قلقيلية، فيقول: "لم أكن أتحدث مع سعيد كثيرًا؛ لأنه كان هادئًا، ولا يختلط بالناس، ويدخل من باب غير الباب الذي أدخل منه، وفي يوم العملية لم يأتِ ليودعني، يا ليته قال لي مع السلامة على الأقل، فخرج دون أن أراه، وفي الليل كنت أبحث عنه دون فائدة، وعندما سمعت بالعملية لم أكن لأتوقع أخي، فهو هادئ ولا يعمل مشاكل مع أحد، إنه لا يستطيع قتل دجاجة، الله يرحمه".

غرفة الشهيد في قلقيلية عليها رسوم "ميكي ماوس" قام برسمها عندما جاء إلى قلقيلية قبل سنتان ونصف، وأيضًا مجموعة من الكتابات على الحائط، منها: "وداعًا لطيور السوداء، سافرت في رحلة لم تَعُد"، "واسأل النجم والأنسام عن فجر الأحبة"، "الحب لحن جميل" ، "قلبي يحترق لفراقك يا حبيبتي"، "ليتك تعرفي كم تضيق بي الحياة عندما أكون بعيدًا عنك". هذه المجموعة من الجمل إنما تدلُّ على مدى رقَّة وجمال روح ذلك الشاب الشهيد.

يروي وجيه قوَّاس أحد قادة حماس في قلقيلية علاقته بالشهيد: "كان سعيد يأتي إلى المسجد باستمرار، ويحضر الدروس الدينية، ولم تكون لي معه علاقة قوية، وعندما استشهد صديقه فادي عامر، اعتقلته أجهزة الأمن الفلسطينية، وهناك قام أحد الضباط بضرب الشهيد سعيد، ولكن بعد الإفراج عنه قام ذلك الضباط بالاعتذار للشهيد سعيد، وقال لي لا أعرف كيف ضربت ذلك الشاب إنه كالملاك، على كل حال ذهبت عند اعتقال سعيد لأعرف سبب الاعتقال، وسمعت بأن الضابط ضربه، وعملت على الإفراج عن سعيد، وعندما خرج لم أكن أعرفه، وقال لي أحد الأشخاص بأن ذلك هو سعيد، فتفاجأت كثيرًا، فهو هادئ ولطيف، وكانت المفاجأة الكبرى عندما أعلنت كتائب القسَّام اسم الاستشهادي العاشر سعيد الحوتري".

التنفيذ بمساعدة جاسوس

أما قصة وصول سعيد إلى تل أبيب فهي أشبه بالقصص البوليسية، فلقد قام بتوصيل سعيد عميل يتعاون مع المخابرات الإسرائيلية يعمل على تاكسي أجرة، حيث اتصل به أحد الأشخاص مدعيًا أنه يريد الذهاب إلى تل أبيب، وفعلاً جاء العميل الذي يملك سيارة تحمل لوحة صفراء إسرائيلية تستطيع التحرك داخل اسرائيل دون مشاكل، وجاء العميل إلى قلقيلية، وركب مع سعيد وشخصين آخرين، نزل الأول من السيارة عند المدخل الشرقي لقلقيلية، واستمرَّ الاثنان في رحلتهما إلى تل أبيب، ولم يلاحظ السائق أو الجاسوس أي شيء غريب، وعندما وصلوا إلى ملهى الدولفين في تل أبيب نزل سعيد، وظل الشخص الآخر مع العميل وطلب أن يرجعه إلى قلقيلية وهنا بدأ العميل يشك.

وفي نصف الطريق طلب من الشاب الذي معه أن يتوقف في محطة بنزين لتموين سيارته، وفعلاً توقف وذهب إلى هاتف عمومي وقام بالاتصال بأخيه، وهو عميل أيضًا وبدرجة عالية عند الشاباك الإسرائيلي، وقال له بأن يبقى في مكانه حتى يتصل بالشاباك. ورجع العميل إلى السيارة، ولكن الشاب الذي انتبه إلى أن مؤشر البنزين يشير إلى أن السيارة لا تخلو من البنزين، فأسرع بالهروب من المكان ولم يتم القبض عليه، ورجع بمفرده إلى قلقيلية، وعندما قام سعيد بالعملية الاسشهادية وسمع بها العميل الإسرائيلي جنَّ جنونه؛ لأنه أصبح بنظر الشاباك الإسرائيلي متعاون مع كتائب القسَّام، وتمَّ تقديم العميل إلى المحاكمة بتهمة مساعدة مخرِّب.

تأبينه بين الالغاء والتعتيم

هذا وكانت حماس قد أعلنت القيام بمهرجان تأبيني للشهيد في قلقيلية، إلا أن الرئيس ياسر عرفات ألغى ذلك المهرجان الذي لم يتم حتى الآن بحجة الأوضاع الأمنية المتردية.

وفي الثاني عشر من شهر تموز/ يوليو قامت عائلته في الأردن بعمل مهرجان تأبيني، ولم يكن هناك تواجد لقوات الأمن الأردنية، وقامت بعض الفعاليات السياسية والشخصيات بإلقاء الكلمات لذكرى الشهيد، وكان العدد المتواجد في المهرجان حوالي مائة شخص، وقال أبو الشهيد: "أنا فخور بابني، وأريد كل أبنائي أن يكونوا مثل سعيد".

ويقول أحد التجار الذي كان يجلس مع سعيد في الحسبة: "فوجئت بأن سعيد قام بالعملية؛ لأنه إنسان هادئ، ونحن الآن لا نستبعد أي شخص من أن يقوم بهذا العمل نتيجة الضغوطات التي تمارس على شعبنا، ومع استمرار الاحتلال فإن مئات مثل سعيد سيظهرون، ويمكن كل الشعب الفلسطيني سيكون مثل سعيد، حيث أثبت سعيد أن هناك شعبًا يطالب بحقه، وأن هذه أرضنا، ويجب أن ندافع عنها".

و أخيرًا، فإن الشهيد سعيد الحوتري ذلك الشاب الهادئ المتديِّن الذي عاش معاناة شعبه، وقام بالعملية الاستشهادية - بغضِّ النظر عمَّا تبعها من ردود فعل - أثبت بأن العمق الإسرائيلي هو في متناول الفلسطينيين، ولا يمكن لأي جيش في العالم من أن يمنع شخصًا يريد أن يضحِّي بأغلى ما عنده، وهي حياته؛ لكي ينعم شعبه بالحرية والاستقلال، وكما وعدت كتائب القسَّام بعشرة استشهاديين وأوفت بوعدها، فإنها وعدت قبل أسابيع بعشرة آخرين؛ لتستمر المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.


 

رد مع اقتباس
قديم 26-08-2002, 10:32 PM   #58
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

نظرا لأني سأغيب عن المنتدى يومي الثلاثاء والاربعاء00
فإني اليوم سوف اكتب عن شخصيتين تعويا لأيام غيابي
--------------------------------

ابواياد فلسطيني بلاهوية

كان خروج صلاح خَلَف من يافا في 13 أيار/ مايو 1948م قبيل إعلان دولة إسرائيل بأربع وعشرين ساعة مع عائلته تحت وابل من القذائف التي أطلقتها المدفعية اليهودية، حادثًا سيظل محفوراً في ذاكرته إلى الأبد، ذاكرة ذلك الصبي الذي لم يتجاوز عمره حينذاك الخامسة عشر، ذاكرة غصَّت بصور مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سلكوا طريق المنفى.

لم يكن يخطر بباله - وهو على ظهر المركب الذي يغادر ميناء يافا باتجاه غزة - أسباب المغادرة، كل ما كان مقتنعاً به - شأن ذويه - أنه ليس أمامهم سبيل آخر للإفلات من الموت، ومع أمواج البحر التي كانت تتقاذف هذا المركب طافت به الذكريات في يافا في حي بمواجهة البحر يُدعَى: "الحمام المحروق" حيث وُلِد، سيتذكر والده صاحب البقالة التي كان يساعده فيها هو وشقيقه الأكبر: عبد الله بعد أن ينتهوا من المدرسة، وعَلَّمته هذه البقالة بعض الكلمات العبرية من خلال تعاملاته مع الزبائن اليهود الذين كانوا يشكّلون نصف الحي، وكانت تربطهم بعائلته علاقات طيبة، وسيتذكر صداقته للطلاب اليهود وما جنته عليه هذه الصداقة من ويلات؛ حيث كانت سبباً في فرض الإقامة الجبرية عليه وهو لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره، مما غرس في قلبه بذور الحقد على الصهيونية والإنجليز، يستذكر نفسه شِبْلاً في منظمة "النجادة" الفلسطينية التي نشأت لمقاومة منظمة "الهاجانا" اليهودية وكيف كان نشاطه فيها.

وكانت صورة أبيه وهو يمسك بيده مفاتيح بيتهم في يافا ويقول له: إننا سنعود، هي آخر ما مر به من ذكريات قبل أن يحط به المركب في ميناء غزة، وكانت سنوات اللجوء إلى غزة من أكثر سِنِيِّ حداثته كآبة، رغم أنه لم يكن في عداد الأكثرين حرمانًا، توجه إلى القاهرة عام 1951م؛ ليتابع دراسته الجامعية وانتسب إلى دار العلوم، ثم حصل بعدها على دبلوم تربية وعلم نفس من جامعة عين شمس.

وجوده في القاهرة كان نقطة انطلاق لعملية النضال، حيث تعرف على ياسر عرفات الطالب في كلية الهندسة آنذاك، وبدأ ينمو توجه بين عدد من الطلبة – كان هو من بينهم - يدعو إلى ضرورة اعتماد الفلسطينيين على أنفسهم بعد أن فقدوا الثقة بالأنظمة العربية، فقرروا عام 1952م مباشرة هذه الفكرة بتقديم ترشيحهم إلى قيادة اتحاد الطلاب الفلسطينيين، وكان التشكيل الوحيد الذي يمثل قطاعًا ما من الرأي العام الفلسطيني، ونجحت لائحة "أنصار الاتحاد الطلابي"، وأثبت ذلك أن الطلاب يتطلعون – وبرغم معتقداتهم الإيديولوجية - إلى عمل وحدوي.

وبدأ التطور في عمل الطلبة الفلسطينيين بعد الغارة الإسرائيلية على غزة في عام 1955م، حيث نظموا المظاهرات والإضرابات عن الطعام، وكان من جملة مطالبهم إلغاء نظام التأشيرات بين غزة ومصر، وإقامة معسكرات تدريب إجبارية تتيح للفلسطينيين الدفاع عن أنفسهم ضد الهجمات الإسرائيلية، واستجاب الرئيس عبد الناصر لمطالباهم، وبدأت العلاقة تتوطد بين الطلبة والثورة المصرية، ونشط أبو إياد ورفاقه في تجنيد الكوادر وتوطيد هذه العلاقة، بعد أن أنهى أبو إياد دراسته في مصر عاد إلى غزة عام 1957م للتدريس، وبدأ عمله السري في تجنيد مجموعات من المناضلين وتنظيمهم في غزة.


 

رد مع اقتباس
قديم 26-08-2002, 10:35 PM   #59
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


وعلى الطرف الآخر في الكويت كان رفيق دربه: أبو عَمَّار يعمل هناك مهندسًا وينشط في تجنيد المجموعات الفلسطينية. وانتقل أبو إياد إلى الكويت عام 1959م للعمل مدرسًا وكانت فرصة له هو ورفاقه؛ لتوحيد جهودهم لإنشاء حركة تحرير فلسطين "فتح" لتعيد الفلسطينيين إلى أرضهم وحقوقهم وعزم مؤسسو "فتح" على التصدي لكل محاولة لإخضاع الحركة الوطنية لإشراف أية حكومة عربية، لما في ذلك من عقبات قد تثنيهم أو تُبَطِّئ بهم السير نحو هدفهم، وبدءوا بعرض مبادئهم أمام الجماهير الواسعة بواسطة مجلة "فلسطيننا"، وابتكروا جهازين: أحدهما عسكري، والآخر سياسي في الفترة ما بين 1959م –1964م.

وعندما ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة الشقيري اكتشفت "فتح" خطورة هذه المنظمة التي تشرف فيها الأنظمة العربية على الحركة الوطنية الفلسطينية، وحاول ياسر عرفات وصلاح خلف الاتصال بالشقيري؛ لإقناعه بالتنسيق السري بين نشاطاته العلنية وبين عمل يخوضونه بصورة سرية وكان موقف الشقيري سلبيًّا، ومع ذلك ارتأى عرفات وصلاح خلف أن المشاركة في هذه المنظمة ستجعلهم فاعلين في الحياة السياسية وسيفيدون من مَقْدراتها وإمكانياتها، فانخرط فدائيو "فتح" في جيش التحرير – تحت إشراف المنظمة -.

رشهدت أوساط فتح منذ خريف 1964م خلافًا حول حرب العصابات، فمنهم من رأى أن الوقت مبكر وكان الطرف الآخر وعلى رأسهم أبو إياد يرى أن الوضع مناسب لِبَدْء الكفاح المسلح، وأن "فتح" ستتطور إلى حركة جماهيرية بممارسة الكفاح، واستطاع أبو إياد وبحنكته وحكمته من إقناع المتحاورين برأيه.
وجرى توقيت ميعاد أول عملية عسكرية في 31/12/1964م، ومنها كانت انطلاقة البلاغ العسكري الأول باسم "العاصفة".

ورغم التضييقات العربية، وضآلة الدعم الخارجي والخلافات داخل "فتح" واصلت "فتح" حرب العصابات، مما زاد من التوتر بين إسرائيل والبلدان العربية.

شكلت هزيمة العرب في حرب عام 1967م نقطة انطلاق جديد لحركة فتح، فأقيمت قواعد على طول نهر الأردن، وآزرهم في ذلك السكان المحليون والقوات الأردنية، وتُوِّج ذلك بانتصار معركة الكرامة التي على إثرها تدفق الآلاف للانتساب لحركة فتح.

بعد هذه المعركة كان صلاح خلف وراء إصدار بيان عن اللجنة المركزية لفتح يُعْلن تعيين عرفات ناطقًا باسم فتح وبالتالي باسم "العاصفة".

وفي عام 1969م استطاعت حركة فتح السيطرة على منظمة التحرير، وبالتالي آلت رئاسة المنظمة لعرفات وتم دمج الحركة الفدائية في منظمة التحرير، وبدأت المنظمة بتأمين مرتكزات دولية، وكان ذلك باتجاه إلى الدول الاشتراكية التي دعمت كفاح الشعب الفلسطيني بالمال والتدريب والدورات مثل كوبا وفيتنام.

وبدأ اسم أبو إياد يبرز عضوًا للجنة المركزية لفتح، ثم مفوّض جهاز الأمن في فتح، ثم تولّى قيادة الأجهزة الخاصة التابعة للمنظمة. ومنذ عام 1970م تعرَّض لأكثر من عملية اغتيال سواء من الإسرائيليين أم بعض الحركات الفلسطينية المُمَوَّلة من الأنظمة العربية.

وصلت العلاقات بين السلطات الأردنية والمقامة الفلسطينية حد الاشتباك المسلح وذلك في أيلول عام 1970م، واعتُقل صلاح خلف في هذه الأحداث في عمَّان مع عدد من رفاقه، ثم دُعِي إلى القصر الملكي في عَمَّان للقاء الوفد العربي الذي جاء إلى عمان للتوصل إلى وقف المعارك، وتم إخراجه من عمّان على نفس الطائرة التي أقلّت الوفد العربي إلى القاهرة؛ ليشرح للرئيس عبد الناصر الوضع في الأردن، وانتهت المقاومة الفلسطينية في الأردن صيف 1971م، ويُقِرُّ أبو إياد أنه بذلك قُلِبَت صفحة من تاريخنا بصورة نهائية.

كان صلاح خلف من القلة التي عرفت بعض الخفايا التي سبقت حرب أكتوبر 1973م ورافقتها وأعقبتها، حيث أسرَّ السادات له ولعدد من المقاومة الفلسطينية بذلك، طالبًا منهم أكبر عدد ممكن من الفدائيين للاشتراك معه في المعركة، وحضر أبو إياد إدارة غرفة عمليات المعركة مع السادات، وبعد هذه المعركة تبنَّى صلاح خلف مشروع إقامة الدولة على جزء من فلسطين!!، وصولاً إلى إقامة دولة ديموقراطية على كامل فلسطين تضم الفلسطينيين والمسيحيين واليهود!!، وعلى إثر هذا المشروع برزت جبهة الرفض الفلسطينية التي رفضت هذا المشروع.

كان لأبو إياد دور بارز في لبنان إبَّان الحرب الأهلية؛ فقد كان أحد قادة المقاومة المكلف بعملية المفاوضات المعقدة بين الفصائل اللبنانية من جهة، والفصائل اللبنانية والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وشارك في الإعداد لاتفاقية شتورا عام 1977م التي نظمت هذه العلاقة.
-----------------


 

رد مع اقتباس
قديم 26-08-2002, 10:40 PM   #60
Fatma
عضو مميز جدا وفـعال


الصورة الرمزية Fatma
Fatma غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 271
 تاريخ التسجيل :  07 2001
 أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
 المشاركات : 1,583 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


بسم الله الرحمن الرحيم

سليم علي الموت عشقا للطيور

علماؤنا دائماً من النابغين.. يحصلون على أعلى الدرجات، ويحصدون المراكز الأولـى طوال حياتهم. أما اليوم.. فنحن أمام عالم لا ينتمي لهذا النوع من العلماء.. وجه أسمر مرسوم عليه بسمة ساخرة، لم يعرف التفوق يوماً في دراسته، ولم يكمل تعليمه الجامعي، يبغض الجبر واللوغاريتمات، ويحصل على الوظائف بصعوبة بالغة.

يوجد في حياته قصتان للحب: واحدة منهما كانت سبباً في شهرته العالمية، وجعلته دائماً محلقاً ببصره في السماء، ألا وهي قصة حبه للطير.. عالمنا هو د. سليم علي.. واحد من أعظم علماء القرن العشرين في علم الطيور الملقب بـ "رجل الطير الهندي".

هكذا كانت البداية

دخل طفل في العاشرة من عمره على سكرتير جمعية التاريخ الطبيعي ببومباي B.N.H.S وفى يده عصفور دوري صغير Sparrowبرقعة صفراء على رقبته.. يسأل عن نوع هذا العصفور.

هذا الطفل كان "سليم علي"، وكان د. ملرد Millard هو سكرتير جمعية (BNHS) Bombay natural history society الإنجليزي الجنسية، والذي لفت نظره حرص الفتى الصغير على معرفة نوع الطائر الذي اصطاده في رحلة مع خاله. بعد الإجابة على سؤاله، اصطحبه في جولة بالجمعية، وأطلعه على المجموعة الفريدة التي تضمها من الطيور.. بهر الفتى الصغير، وكان لهذا الموقف أثره في اكتشاف حبه الفطري للطيور، وليكتب اسمه عالماً مرموقاً في علم الطيرOrnithology .

ولد د. سليم معز الدين عبد الله علي في 12 من نوفمبر في عام 1896، كانت أسرته عائلة ثرية مترابطة، وكان سليم معز أصغر إخوته العشرة.. إلا أنه تيتم في صغره وتربى على يد خاله عمر الدين تايبجي الذي كان يهوى الصيد ورحلاته.

حينما أتم سليم العاشرة، عرفه خاله على بندقية الصيد التي اصطاد بها سليم هذا العصفور، والذي لم يكن خاله على دراية بنوعه فأشار عليه أن يذهب به إلى جمعية التاريخ الطبيعي.

تنقل سليم بصعوبة في مراحل التعليم المختلفة.. التحق بجامعة St. Xavier ولكنه لم يكمل تعليمه بها وتركها هارباً من فروع الرياضة الثقيلة على نفسه.

الى التجارة

ترك سليم تعليمه الرسمي وسافر إلى "بورما" في عام 1919 لمساعدة أخيه في أعمال التعدين، ولكنه بدلا من أن يصب وقته كله في خدمة عمله، أخذ يبحث عن طيوره في غابات بورما الرائعة؛ فقضى معظم وقته في مراقبة الطيور والحياة البرية. وكما كان متوقعاً فإن العمل الذي جاء من أجله سليم لم يكتب له النجاح.. واضطر إلى العودة إلى بومباي بالديون التي أثقلته، بصحبة زوجته تهمينا Tehmina رفيقة السنين الست الماضية.

عاد سليم إلى بومباي، وحاول أن يحصل على وظيفة كعالم للطير إلا أن عدم حصوله على درجات علمية حالت دون ذلك، ولكنه استطاع بعد فترة من الوقت في عام 1926 أن يعمل كمرشد لأنواع الطير لزوار قسم التاريخ الطبيعي، والذي كان قد افتتح حديثاً في متحف "أمير ويلز" في مومبايMumbai .

وقد أدرك سليم علي خطأه بالابتعاد عن التعليم الجامعي والحصول على درجاته. وكان هذا هو سر ندائه الدائم للشباب بالاهتمام بالدرجات العلمية المرموقة لتحقيق أحلامهم وأهدافهم بنجاح.

حاول د. سليم علي في أثناء عمله كمرشد أن يحصل على شهادة البكالوريوس، لكن لم يكن الأمر متاحاً في ذلك الوقت.. فحصل على برنامج مكثف في علم الحيوان لمدة عام، وحرص فيه على الاستفادة الكاملة من الأسس العلمية لعلم الحيوان.

وبعد عامين من عمله، قرر أن يتوجه إلى ألمانيا؛ حيث تدرب هناك على يد واحد من أكبر علماء الطيور هناك، والذي كان له أكبر الأثر في إعطاء د. سليم فرصة حقيقية للتعلم. وحينما عاد بعد 15 شهراً، وجد أن منصبه في المتحف قد فقد لوجود مشاكل اقتصادية في الحكومة.. حاول الاتجاه من جديد إلى التجارة، لكن الأمر لم يرق له، فقرر مصيراً هو وزوجته، اعترفا فيه سويا أن سليم عاش للطيور.

القرار المصيري

في عام 1930 عرض د. سليم على جمعية BNHS أن يقوم بدراسات ميدانية على أماكن كثيرة لم تكتشف بعد، ولم يطلب سليم أكثر من ثمن التنقلات والمعيشة في الغابات.. لاقت هذه الفكرة قبولاً عند مسئولي المقاطعات الملكية، وبدأ حياته كرحالة. كانت الأموال غير كافية على الإطلاق؛ فاعتمد على بعض أموال زوجته وبعض من أمواله القليلة.. قد تبدو هذه الفترة لأي شاب في مقتبل حياته فترة قاسية لا يراها مرضية لطموحه، ولكنها كانت لسليم وزوجته أحلى سنين العمر.

عشرون عاما قضاها يدرس فيها كل شبر في بلاده من قريب أو من بعيد، حتى أصبح من نوادر العلماء الذين يعرفون كل شبر في بلادهم. ولم يهتم د. سليم بنوع الطائر فقط، بل ببيئته، وتاريخه، وظروف معيشته وتوزيعه الجغرافي.. كان وصفه مميزاً؛ حيث كان يقول: "بسفري إلى المناطق النائية، أستطيع أن أدرس كيف تعيش وتتصرف الطيور في بيئتها الطبيعية، وليس في المعمل تحت الميكروسكوب".

هذه العشرون عاماً لم تكن مليئة بالإنجازات فقط، ولكن أيضا بالأحزان؛ فقد توفيت زوجته "تهمينا" في عام 1939 من جراء جراحة صغيرة.. بقى بعدها فترة وحدة وحزن قضاها عند أخته في بومباي.. لم تكن تهمينا زوجة عادية لسليم.. بل كانت وراءها قصة.


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:27 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا