المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10-06-2009, 06:27 PM   #346
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والعشرين بعد الثلاثمائة
قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الرجل قال :
فلما دخلت القاعة وجدت واحدة قاعدة على تخت من الخيزران قوائمه من عاج وبين يديها جملة جوار فلما رأتني قامت إلي ونادتني فجئت عندها فأمرتني بالجلوس فجلست إلى جانبها وأمرت الجواري أن يقدمن الطعام الفاخر من سائر الألوان ما أعرف اسمه ولا أعرف صفته في عمري فأكلت منه قدر كفايتي وبعد رفع الزبادي وغسل الأيادي أمرت بإحضار الفواكه فحضرت بين يديها بالحال فأمرتني بالأكل فأكلت فلما فرغنا من الأكل أمرت بعض الجواري بإحضار سلاحيات الشراب فأحضرن مختلف الألوان ثم أطلقن المباخر من جميع البخور وقامت جارية مثل القمر تسقينا على نغمات الأوتار فسكرت أنا وتلك السيدة الجالسة كل ذك جرى وأنا أعتقد أنه حلم في المنام .
ثم بعد ذلك أشارت إلى بعض الجواري أن يفرشن لنا في مكان ففرشن في المكان الذي أمرت به ثم قامت وأخذت بيدي إلى ذلك المكان المفروش ونمت معها إلى الصباح وكنت كلما ضممتها إلى صدري أشم منها رائحة المسك والطيب وما أعتقد إلا أني في الجنة أو أني أحلم في المنام فلما أصبحت سألتني عن مكاني فقلت :
في المحل الفلاني .
فأمرت بخروجي وأعطتني منديلاً مطرزاً بالذهب والفضة وعليه شيئ مربوط فقالت لي :
أدخل الحمام بهذا .
ففرحت وقلت في نفسي :
إن كان ما عليه خمسة فلوس فهي غدائي في هذا اليوم .
ثم خرجت من عندها كأني خارج من الجنة وجئت إلى المخزن الذي أنا فيه ففتحت المنديل فوجدت فيه خمسين مثقالاً من الذهب فدفنتها وقعدت عند الباب بعد أن اشتريت بفلسين خبزاً وإداماً وتغديت ثم صرت متفكراً في أمري فبينما أنا كذلك إلى وقت العصر إذا بجارية قد أتت وقالت لي :
إن سيدتي تطلبك .
فخرجت معها إلى باب الدار فاستأذنت لي فدخلت وقبلت الأرض بين يديها فأمرتني بالجلوس وأمرت بإحضار الطعام والشراب على العادة ثم نمت معها على جري العادة التي تقدمت أول ليلة فلما أصبحت ناولتني منديلاً ثانياً فيه خمسون مثقالاً من الذهب فأخذتها وخرجت وجئت إلى المخزن ودفنتها ومكثت على هذه الحالة مدة ثمانية أيام أدخل عندها في كل يوم وقت العصر وأخرج من عندها في أول النهار .
فبينما أنا نائم عندها ليلة ثامن يوم إذا بجارية دخلت وهي تجري وقالت لي :
قم اطلع إلى هذه الطبقة .
فطلعت في تلك الطبقة فوجدتها تشرف على وجه الطريق فبينما أنا جالس إذا بضجة عظيمة ودربكة خيل في الزقاق وكان في الطبقة طاقة تشرف على الباب فنظرت منها فرأيت شاباً راكباً كأنه القمر الطالع ليلة تمامه وبين يديه مماليك وجند يمشون في خدمته فتقدم إلى الباب وترجل ودخل القاعة فرآها قاعدة على السرير فقبل الأرض بين يديها ثم تقدم وقبل يدها فلم تكلمه فما برح يتخضع لها حتى صالحها ونام عندها تلك الليلة .


 

رد مع اقتباس
قديم 10-06-2009, 06:27 PM   #347
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السادسة والعشرين بعد الثلاثمائة
قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الصبية لما صالحها زوجها نام عندها تلك الليلة فلما أصبح الصباح أتته الجنود وركب وخرج من الباب فطلعت عندي وقالت لي :
أرأيت هذا ?
قلت لها :
نعم .
قالت الصبية :
هو زوجي وأحكي لك ما جرى لي معه .
اتفق أنني كنت وإياه يوماً قاعدين في الجنينة داخل البيت وإذا هو قد قام من جنبي وغاب عني ساعة طويلة فاستبطأته فقلت في نفسي :
لعله يكون في بيت الخلاء .
فنهضت إلى بيت الخلاء فلم أجده فدخلت المطبخ فرأيت جارية فسألتها عنه فأرتني إياه وهو راقد مع جارية من جواري المطبخ فعند ذلك حلفت يميناً عظيماً أنني لابد أن أزني مع أوسخ الناس وأقذرهم ويوم قبض عليك الطواشي كان لي أربعة أيام وأنا أدور في البلد على واحد يكون بهذه الصفة فما وجدت أحداً أوسخ ولا أقذر منك فطلبتك وقد كان ما كان من قضاء الله علينا وقد خلصت من اليمين التي حلفتها .
ثم قالت :
فمتى وقع زوجي على الجارية ورقد معها مرة أخرى أعدتك إلى ما كنت عليه معي .
فلما سمعت منها هذا الكلام ورمت قلبي من لحاظها بالسهام جرت دموعي حتى قرحت المحاجر وأنشدت قول الشاعر :
مكنيني من بوس يسراك عشراً ........ واعرفي فضلها على يمنـاك
إن يسراك لهي أقـرب عهـداً ........ وقـت غـسلـك بمستنجـاك
ثم إنها أمرت بخروجي من عندها وقد تحصل لي منها أربعمائة مثقال من الذهب فأنا أصرف منها وجئت إلى هنا أدعو الله سبحانه وتعالى أن زوجها يعود إلى الجارية مرة لعلي أعود إلى ما كنت عليه .
فلما سمع أمير الحج قصة الرجل أطلقه وقال للحاضرين :
بالله عليكم أن تدعو له فإنه معذور .
ومما يحكى أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي قلقاً شديداً فاستدعى بوزيره جعفر البرمكي وقال له :
صدري ضيق ومرادي في هذه الليلة أن أتفرج في شوارع بغداد وأنظر في مصالح العباد بشرط أننا نتزيا بزي التجار حتى لا يعرفنا أحد من الناس .
فقال له الوزير جعفر :
سمعاً وطاعة .
ثم قاموا في الوقت والساعة ونزعوا ما عليهم من ثياب الافتخار ولبسوا ثياب التجار وكانوا ثلاثة :
الخليفة وجعفر ومسرور السياف وتمشوا من مكان إلى مكان حتى وصلوا إلى الدخلة فرأوا شيخاً قاعداً في زورق فتقدموا إليه وسلموا عليه وقالوا له :
يا شيخ إنا نشتهي من فضلك وإحسانك أن تفرجنا في مركبك هذا وخذ هذا الدينار في أجرتك .


 

رد مع اقتباس
قديم 10-06-2009, 06:28 PM   #348
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والعشرين بعد الثلاثمائة
قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن أنهم قالوا للشيخ :
إنا نشتهي أن تفرجنا في مركبك وخذ هذا الدينار .
قال لهم الشيخ :
من ذا الذي يقدر على الفرجة والخليفة هارون الرشيد ينزل في كل ليلة بحر الدجلة في زورق صغير ومعه مناد ينادي ويقول :
يا معشر الناس كافة من كبير وصغير وخاصاً وعام وصبي وغلام كل من نزل في مركب وشق الدجلة ضربت عنقه أو شنقته على صاري مركبه .
وكأنكم به في هذه الساعة وزورقه مقبل .
فقال الخليفة وجعفر :
يا شيخ خذ هذين الدينارين وادخل بنا قبة من هذه القباب إلى أن يروح زورق الخليفة .
فقال لهم الشيخ :
هاتوا الذهب والتوكل على الله تعالى .
فأخذ الذهب وعوم بهم قليلاً وإذا بالزورق قد أقبل من كبد الدجلة وفيه الشموع والمشاعل مضيئة ، فقال لهم الشيخ :
أما قلت لكم أن الخليفة يشق في كل ليلة .
ثم إن الشيخ صار يقول :
يا ستار لا تكشف الأستار .
ودخل بهم في قبة ووضع عليهم مئزر أسود وصاروا يتفرجون من تحت المئزر فرأوا في مقدم الزورق رجلاً بيده مشعل من الذهب الأحمر وهو يشعل فيه بالعود القاقلي وعلى ذلك الرجل قباء من الأطلس الأحمر وعلى كتفه مزركش أصفر وإلى رأسه شاش موصلي وعلى كتفه الآخر محلاة من الحرير الأخضر ملآنة بالعود القاقلي يوقد منها المشعل عوضاً عن الحطب ورأوا رجلاً آخر في الزورق لابساً مثل لبسه وبيده مشعل مثل المشعل الذي معه ورأوا في الزورق مائتي مملوك واقفين يميناً ويساراً ووجد كرسياً من الذهب الأحمر منصوباً وعليه شاب حسن جالس كالقمر وعليه خلعة سوداء بطراز من الذهب الأصفر وبين يديه إنسان كأنه الوزير جعفر وعلى رأسه خادم واقف كأنه مسرور وبيده سيف مشهور ورأوا عشرين نديماً .
فلما رأى الخليفة ذلك قال :
يا جعفر .
قال الوزير جعفر :
لبيك يا أمير المؤمنين .
قال الخليفة :
لعل هذا واحد من أولادي إما المأمون وإما الأمين .
ثم تأمل الشاب وهو جالس على الكرسي فرآه كامل الحسن والجمال والقد والإعتدال ، فلما تأمله التفت إلى الوزير وقال :
يا وزير جعفر .
قال الوزير جعفر :
لبيك .
قال الخليفة :
والله إن هذا الجالس لم يترك شيئاً من شكل الخلافة والذي بين يديه كأنك أنت يا جعفر والخادم الذي وقف على رأسه كأنه مسرور وهؤلاء الندماء كأنهم ندمائي وقد حار عقلي في هذا الأمر .
فقالت لها أختها دنيازاد :
ما أحسن حديثك وأطيبه وأحلاه وأعذبه .
فقالت شهرزاد :
وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القابلة إن عشت وأبقاني الملك ?
فقال الملك شهريار في نفسه :
والله لا أقتلها حتى أسمع حديثها .


 

رد مع اقتباس
قديم 10-06-2009, 06:28 PM   #349
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الجوهري

الليلة الثامنة والعشرين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة لما رأى هذا الأمير تحير في عقله وقال :
والله إني تعجبت من هذا الأمر يا جعفر .
فقال له جعفر :
وأنا والله يا أمير المؤمنين .
ثم ذهب الزورق حتى غاب عن العين ، فعند ذلك خرج الشيخ بزورقه وقال :
الحمد لله على السلامة حيث لم يصادفنا أحد .
فقال الخليفة :
يا شيخ وهل الخليفة في كل ليلة ينزل دجلة ?
قال الشيخ :
نعم يا سيدي وله على هذه الحالة سنة كاملة .
فقال الخليفة :
يا شيخ نشتهي من فضلك أن تقف لنا هنا الليلة القابلة ونحن نعطيك خمسة دنانير ذهباً فإننا قوم غرباء وقصدنا النزهة ونحن نازلون في الفندق .
فقال له الشيخ :
حباً وكرامة .
ثم إن الخليفة وجعفراً ومسروراً توجهوا من عند الشيخ إلى القصر وقلعوا ما كان عليهم من لبس التجار ولبسوا ثياب الملك وجلس كل واحد في مرتبته ودخل الأمراء والوزراء والحجاب والبواب وانعقد المجلس بالناس ، فلما انقضى المجلس وتفرقت أجناس الناس وذهب كل واحد إلى حال سبيله قال الخليفة هارون رشيد :
يا جعفر انهض بنا للفرجة على الخليفة الثاني .
فضحك جعفر ومسرور ولبسوا لبس التجار وخرجوا يشقون وهم في غاية الإنشراح وكان خروجهم من باب السر .
فلما وصلوا إلى الدجلة وجدوا الشيخ صاحب الزورق قاعداً لهم في الإنتظار فنزلوا عنده في المركب فما استقر بهم الجلوس مع الشيخ ساعة حتى جاء زورق الخليفة الثاني وأقبل عليهم فالتفتوا إليه وأمعنوا فيه النظر فوجدوا فيه مائتي مملوك غير المماليك الأول والمشاعلية ينادون على عادتهم ، فقال الخليفة :
يا وزير هذا شيء لو سمعت به ما كنت أصدقه ولكنني رأيت ذلك عياناً .
ثم إن الخليفة قال لصاحب الزورق الذي هم فيه :
خذ يا شيخ هذه العشرة دنانير وسر بنا في محاذاتهم فإنهم في النور ونحن في الظلام فننظرهم ونتفرج عليهم وهم لا ينظروننا .
فأخذ الشيخ العشرة دنانير ومشى بزورقه في محاذاتهم وساروا في ظلام زورقهم .


 

رد مع اقتباس
قديم 10-06-2009, 06:29 PM   #350
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


التاسعة والعشرين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد قال للشيخ :
خذ هذه العشرة دنانير ومر بنا في محاذاتهم .
فقال : سمعاً وطاعة .
ثم أخذ الدنانير وسار بهم وما زالوا سائرين في ظلام الزورق إلى البساتين .
فلما وصلوا إلى البستان رأوا زريبة ، فرسي عليها الزورق وإذا بغلمان واقفين ومعهم بغلة مسرجة بلجمة فطلع الخليفة الثاني وركب البغلة وسار بين الندماء وصاحت المشاعلية واشتغلت الحاشية بشأن الخليفة الثاني هارون الرشيد هو وجعفر ومسرور إلى البر وشقوا بين المماليك وساروا قدامهم فلاحت من المشاعلية التفاتة فرأوا ثلاثة أشخاص لبسهم لباس تجار وهم غرباء الديار فأنكروا عليهم وغمزوا وأحضروهم بين يدي الخليفة الثاني ، فلما نظرهم قال لهم :
كيف وصلتم إلى هذا المكان وما الذي أتى بكم في هذا الوقت ?
قالوا له :
يا مولانا نحن قوم من التجار غرباء الديار وقدمنا في هذا اليوم وخرجنا نتمشى الليلة وإذا بكم قد أقبلتم فجاء هؤلاء وقبضوا علينا وأوقفونا بين يديك وهذا خبرنا .
فقال الخليفة الثاني :
لا بأس عليكم لأنكم قوم غرباء ولو كنتم من بغداد لضربت أعناقكم .
ثم التفت إلى وزيره وقال :
خذ هؤلاء صحبتك فإنهم ضيوفنا في هذه الليلة .
فقال الوزير :
سمعاً وطاعة لك يا مولانا .
ثم ساروا معه إلى أن وصلوا إلى قصر عال عظيم الشأن محكم البنيان ما حواه سلطان قام من التراب وتعلق بأكتاف السحاب وبابه من خشب الصاج مرصع بالذهب الوهاج يصل منه الداخل إلى إيوان بفسقية وشاذروان وبسط ومخدات من الديباج ونمارق وطاولات ، وهناك ستر مسبول وفرش يذهل العقول ويعجز من يقول وعلى الباب مكتوب هذان البيتان :
قصر عليه تـحـية وسـلام ........ خلعت عليه جمالـهـا الأيام
فيه العجائب والغرائب نوعت ........ فتحيرت في فنهـا الأقـلام
ثم دخل الخليفة الثاني والجماعة صحبته إلى أن جلس على كرسي مذهب مرصع بالجواهر وعلى الكرسي سجادة من الحرير الأصفر وقد جلست الندماء ووقف سياف النقمة بين يديه فمدوا السماط وأكلوا ورفعت الأواني وغسلت الأيادي وأحضروا آلة المدام واصطفت القناني والكاسات ودار الدور إلى أن وصل إلى الخليفة هارون الرشيد فامتنع من الشراب فقال الخليفة الثاني لجعفر :
ما بال صاحبك لا يشرب ?
فقال الوزير جعفر :
يا مولاي إن له مدة ما شرب من هذا .
فقال الخليفة الثاني :
عندي مشروب غير هذا يصلح لصاحبك وهو شراب التفاح .
ثم أمر به فأحضروه في الحال فتقدم الخليفة الثاني بين يدي هارون الرشيد وقال له :
كلما وصل إليك الدور فاشرب من هذا الشراب .
وما زالوا في انشراح وتعاطي أقداح الراح إلى أن تمكن الشراب من رؤوسهم واستولى على عقولهم .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:38 AM   #351
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة الثاني هو وجلساؤه ما زالوا يشربون حتى تمكن الشراب من رؤوسهم واستولى على عقولهم فقال الخليفة هارون الرشيد لوزيره جعفر :
والله ما عندنا آنية مثل هذه الآنية فيا ليت شعري ما شأن هذا الشاب .
فبينما هما يتحدثان سراً إذ لاحت من الشاب التفاتة فوجد الوزير يتساور مع الخليفة فقال :
إن المساورة عربدة .
فقال الوزير جعفر :
ما ثم عربدة إلا رفيقي هذا يقول :
إني سافرت إلى غالب البلاد ونادمت أكابر الملوك وعاشرت الأجناد فما رأيت أحسن من هذا النظام ولا أبهج من هذه الليلة غير أن أهل بغداد يقولون :
الشراب بلا سماع ربما أورث الصداع .
فلما سمع الخليفة الثاني ذلك تبسم وانشرح وكان بيده قضيب فضرب به على مدوره وإذا بباب فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من العاج مصفحاً بالذهب الوهاج وخلفه جارية بارعة في الحسن والجمال والبهاء والكمال فنصب الخادم الكرسي وجلست عليه الجارية وهي كالشمس الضاحية في السماء الصافية وبيدها عود عمل صناع الهنود فوضعته في حجرها وانحنت عليه انحناء الوالدة على ولدها وغنت عليه بعد أن أطربت وقلبت أربعاً وعشرين طريقة حتى أذهلت العقول ثم عادت إلى طريقتها الأولى وأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات :
لسان الهوى في مهجتي لك ناطق ........ يخبر عني أنني لـك عـاشـق
ولي شاهد من حر قلب معـذب ........ وطرف قريح والدموع سوابـق
وما كنت أدري حبك ما الهـوى ........ ولكن قضاء الله في الخلق سابق
فلما سمع الخليفة الثاني هذا الشعر من الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق البدلة التي كانت عليه من الذيل وأسبلت عليه الستارة وأتوه ببدلة غيرها أحسن منها فلبسها ثم جلس على عادته فلما وصل إليه القدح ضرب بالقضيب على المدورة وإذا بباب قد فتح وخرج منه خادم يحمل كرسياً من الذهب وخلفه الجارية الثاتية أحسن من الأولى فجلست على ذلك الكرسي وبيدها عود يكمد قلب الحسود فغنت عليه هذين البيتين :
كيف اصطباري ونار الشوق في كبدي ...... والدمع من مقلتي طوفانه أبدي
والله ما طاب لـي عـيش أسـر بـه ...... فكيف يفرح قلب حشوه كمـدي
فلما سمع الشاب هذا الشعر صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب إلى الذيل وانسبلت عليه الستارة وأتوه ببدلة أخرى فلبسها واستوى جالساً إلى حالته الأولى وانبسط في الكلام فلما وصل القدح إليه ضرب على المدورة فخرج خادم وراءه جارية أحسن من التي قبلها ومعه كرسي فجلست الجارية على الكرسي وبيدها عود فغنت عليه هذه الأبيات :
أقصروا الهجر أو أقلوا جفاكم ........ ففؤادي وحقكم ما سـلاكـم
وارحموا مدنفاً كئيباً حـزينـاً ........ ذا غرام متيماً في هـواكـم
قد برته السقام من فرط وجد ........ فتمنى من الإله رضـاكـم
يا بدوراً محلها فـي فـؤادي ........ كيف أختار في الأنام سواكم
فلما سمع الشاب هذه الأبيات صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من الثياب فأرخوا عليه الستارة وأتوه بثياب غيرها ثم عاد إلى حالته مع ندمائه ودارت الأقداح فلما وصل القدح إليه ضرب على المدورة فانفتح الباب وخرج منه غلام ومعه كرسي وخلفه جارية فنصب لها الكرسي وجلست عليه وأخذت العود وأصلحته وغنت عليه بهذه الأبيات :
حتى متى يبقى التهاجر والقلـى ........ ويعود لي ما قد مضى لي أولا
من أمس كنا والديار تلـمـنـا ........ في أنسنا ونرى الحواسد عقلا
غدر الزمان بنا وفرق شملـنـا ........ من بعد ما ترك المنازل كالخلا
أتروم مني يا عذولـي سـلـوة ........ وأرى فؤادي لا يطيع العـدلا
فدع الملام وخلنـي بصبابـتـي ........ فالقلب من أنس الأحبة ما خلا
يا سادة نقضوا العهود وبـدلـوا ........ لا تحسبوا قلبي بعدكـم سـلا
فلما سمع الخليفة الثاني إنشاد الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:39 AM   #352
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة الثاني لما سمع شعر الجارية صرخ صرخة عظيمة وشق ما عليه من ثياب وخر مغشياً عليه فأرادوا أن يرخوا عليه الستارة بحسب العادة فتوقفت حبالها فلاحت من هارون الرشيد التفاتة إليه فنظر إلى بدنه آثار ضرب مقارع فقال هارون الرشيد بعد النظر والتأكيد :
يا جعفر والله إنه شاب مليح إلا انه لص قبيح .
فقال جعفر :
من أين عرفت ذلك يا أمير المؤمنين ?
فقال هارون الرشيد :
أما رأيت ما على جنبيه من أثر السياط .
ثم أسبلوا عليه الستارة وأتوه ببدلة غير التي كانت عليه واستوى جالساً على حالته الأولى مع الندماء فلاحت منه التفاتة فوجد الخليفة وجعفر يتحدثان سراً فقال لهما :
ما الخبر يا فتيان ?
فقال الوزير جعفر :
يا مولانا خيراً ، غير أنه لا خفاء عليك إن رفيقي هذا من التجار وقد سافر جميع الأمصار والأقطار وصحب الملوك والخيار وهو يقول لي :
إن الذي حصل من مولانا الخليفة في هذه الليلة إسراف عظيم ولم أر أحداً فعل مثل فعله في سائر الأقاليم ، لأنه شق كذا وكذا بدلة كل بدلة بألف دينار وهذا إسراف زائد .
فقال الخليفة الثاني :
يا هذاإن المال مالي والقماش قماشي وهذا من بعض الإنعام على الخدام والحواشي فإن كل بدلة شققتها لواحد من الندماء الحضار وقد رسمت لهم مع كل بدلة بخمسمائة دينار .
فقال الوزير جعفر : نعم ما فعلت يا مولانا .
ثم أنشد هذين البيتين :
بنت المكارم وسط كفك منزلا ........ وجعلت كالك للأنام مباحـا
فإذا المكارم أغلقت أبوابهـا ........ كانت يداك لقفلها مفتـاحـا
فلما سمع الشاب هذا الشعر من الوزير جعفر رسم له بألف دينار وبدلة ثم دارت بينهم الأقداح وطاب لهم الراح ، فقال الرشيد :
يا جعفر اسأله عن الضرب الذي على جنبيه حتى ننظر ما يقول في جوابه .
فقال الوزير جعفر :
لا تعجل يا مولاي وترفق بنفسك فإن الصبر أجمل .
فقال هارون الرشيد :
وحياة رأسي وتربة العباس إن لم تسأله لأخمدن منك الأنفاس .
فعند ذلك التفت الشاب إلى الوزير وقال له :
مالك مع رفيقك تتساوران فأخبرني بشأنكما ?
فقال الوزير جعفر :
خير .
فقال الخليفة الثاني :
سألتك بالله أن تخبرني بخبركما ولا تكتما عني شيئاً من امركما .
فقال الوزير جعفر :
يا مولاي إنه أبصر على جنبيك ضرباً وأثر سياط ومقارع فتعجب من ذلك غاية العجب وقال :
كيف يضرب الخليفة وقصده أن يعلم ما السبب ?
فلما سمع الشاب ذلك تبسم وقال :
اعلموا أن حديثي غريب وأمري عجيب لو كتب بالإبر على أفاق البصر لكان عبرة لمن اعتبر .
ثم صعد الزفرات وانشد هذه الأبيات :
حديثي عجيب فاق كل العـجـائب ........ وحق الهوى ضاقت على مذاهبي
فإن شئتموا أن تسمعوا لي فأنصتوا ........ ويسكت هذا الجمع من كل جانب
واصغوا إلى قولي ففـيه إشـارة ........ وإن كلامي صادق غـير كـاذب
فإني قتـيل مـن غـرام ولـوعة ........ وقاتلتي فاقت جميع الكـواكـب
لها مقلة كحلاء مـثـل مـهـنـد ........ وترمي سهاماً من قسي الحواجب
وقد حس قلبي أن فيكم أمـامـنـا ........ خليفة هذا الوقت وابن الأطـايب
وثانيكم هو المنادي بـجـعـفـر ........ لديه وزير صاحب وابن الأصاحب
وثالثكم مسـرور سـياف نـقـمة ........ فإن كان هذا القول ليس بكـاذب
لقد نلت ما أرجو من المر كـلـه ........ وجاء سرور القلب من كل جانـب
فلما سمعا منه هذا الكلام حلف له جعفر وروى في يمينه أنهم لم يكونوا المذكورين فضحك الشاب وقال :
اعلموا يا سادتي أني لست أمير المؤمنين وغنما سميت نفسي بهذا لأبلغ ما أريد من أولاد المدينة وإنما اسمي محمد علي بن علي الجواهري وكان أبي من الأعيان فمات وخلف لي مالاً كثيراً من ذهب وفضة ولؤلؤ ومرجان وياقوت وزبرجد وجواهر وعقارات وحمامات وغيطان وبساتين ودكاكين وطوابين وعبيد وجواري وغلمان فاتفق في بعض الأيام إني كنت جالساً في دكاني وحولي الخدم والحشم وإذا بجارية قد أقبلت راكبة على بغلة وفي خدمتها ثلاث جوار كأنهن الأقمار .
فلما قربت مني نزلت على دكاني وجلست عندي وقالت لي :
هل أنت محمد الجوهري ?
فقلت لها : نعم هو أنا مملوكك وعبدك .
فقالت الجارية :
هل عندك جوهر يصلح لي ?
فقلت لها : يا سيدتي الذي عندي أعرضه عليك وأحضره بين يديك فإن أعجبك منه شيء كان بسعد المملوك وإن لم يعجبك شيء فبسوء حظي .
وكان عندي مائة عقد من الجوهر فعرضت عليها الجميع فلم يعجبها شيء من ذلك وقالت :
أريد أحسن مما رأيت .
وكان عندي عقد صغير اشتراه والدي بمائة ألف دينار ولم يوجد مثله عند أحد من السلاطين الكبار ، فقلت لها :
يا سيدتي بقي عندي عقد من الفصوص والجواهر التي لا يملك مثلها أحد من الأكابر والأصاغر .
فقالت لي :
أرني إياه .
فلما رأته قالت :
هذا مطلوبي وهو الذي طول عمري أتمناه .
ثم قالت لي :
كم ثمنه ?
فقلت لها :
ثمنه على والدي مائة ألف دينار .
فقالت الجارية :
ولك خمسة آلاف دينار فائدة .
فقلت لها :
يا سيدتي العقد وصاحبه بين يديك ولا خلاف عندي .
فقالت الجارية :
لابد من الفائدة ولك المنة الزائدة .
ثم قامت من وقتها وركبت البغلة بسرعة وقالت لي :
يا سيدي باسم الله تفضل صحبتنا لتأخذ الثمن فإن نهارك اليوم بنا مثل اللبن .
فقمت وأقفلت الدكان وسرت معها في أمان إلى أن وصلنا الدار فوجدتها داراً عليها آثار السعادة لائحة وبابها مزركش بالذهب والفضة واللازورد مكتوب عليه هذان البيتان :
ألا يا دار لا يدخلـك حـزن ........ ولا يغدر بصاحبك الزمـان
فنعم الدار أنت لكل ضـيف ........ إذا ما ضاق بالضيف المكان
فنزلت الجارية ودخلت الدار وأمرتني بالجلوس على مصطبة الباب إلى أن يأتي الصيرفي ، فجلست على باب الدار ساعة وإذا بجارية خرجت إلي وقالت :
يا سيدي أدخل الدهليز فإن جلوسك على الباب قبيح .
فقمت ودخلت الدهليز وجلست على الدكة ، فبينما أنا جالس إذا بجارية خرجت إلي وقالت لي :
يا سيدي إن سيدتي تقول لك ادخل واجلس على باب الديوان حتى تقبض مالك .
فقمت ودخلت البيت وجلست لحظة وإذا بكرسي من الذهب وعليه ستارة من الحرير وإذا بتلك الستارة قد رفعت فبان من تحتها تلك الجارية التي اشترت مني ذلك العقد وقد أسفرت عن وجه كأنه دارة القمر والعقد في عنقها فطاش عقلي واندهش لبي من تلك الجارية لفرط حسنها وجمالها .
فلما رأتني قامت من فوق الكرسي وسعت نحوي وقالت لي :
يا نور عيني هل كان من كان مليح مثلك ما يرثي لمحبوبته .
فقلت لها :
يا سيدتي الحسن كله فيك وهو من بعض معانيك .
فقالت الجارية :
يا جوهري ، اعلم أني أحبك وما صدقت أني أجيء بك عندي .
ثم إنها مالت علي فقبلتها وقبلتني وإلى جهتها جذبتني وعلى صدرها رمتني .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:39 AM   #353
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والثلاثين بعد الثلاثمائةقالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الجوهري قال :
ثم إنها مالت علي فقبلتها وقبلتني وإلى جهتها جذبتني وعلى صدرها رمتني وعلمت من حالي أنني أريد وصالها فقالت :
يا سيدي أتريد أن تجتمع بي في الحرام والله لا كان من يفعل مثل هذه الآثام ويرضى بقبح الكلام فإني بكر عذراء ما دنا مني أحد ولست مجهولة في البلد ، أتعلم من أنا ?
فقلت لها : لا والله يا سيدتي .
فقالت الجارية :
أنا السيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي وأخي جعفر وزير الخليفة .
فلما سمعت ذلك منها أحجمت بخاطري عنها وقلت لها :
يا سيدتي مالي ذنب في التهجم عليك أنت من أطمعتني في وصالك بالوصول إليك .
فقالت الجارية :
لا بأس عليك ولابد من بلوغك المراد بما يرضي الله فإن أمري بيدي والقاضي ولي عقدي والقصد أن أكون لك أهلاً وتكون لي بعلاً .
ثم إنها دعت بالقاضي والشهود وبذلت المجهود ، فلما حضروا قالت لهم :
محمد علي بن علي الجوهري قد طلب زواجي ودفع لي هذا العقد في مهري وأنا قبلت ورضيت .
فكتبوا كتابي عليها ودخلت بها وأحضرت آلات الراح ودارت الأقداح بأحسن نظام وأتم أحكام ولما شعشعت الخمرة في رؤوسنا ، أمرت جارية عوادة أن تغني فأخذت العود وأطربت النغمات وأنشدت هذه الأبيات :
بدا فأراني الظبي والغصن والبدرا ........ فتباً لقلب لا يبيت بـه مـعـزى
مليح أراد اللـه إطـفـاء فـتنة ........ بعارضه فاستؤنفت فتـنة أخـرى
أغالط عـذابـي إذا ذكـروا لـه ........ حديثاً كأني لا أحـب لـه ذكـرا
وأصغي إذا فاهو بغـير حـديثـه ........ بسمعي ولكني أذوب به فـكـرا
نبي جمال كل ما فـيه مـعـجـز ........ الحسن ولكن وجهه الآية الكبـرا
أقام بلال الحال في صحـن خـده ........ تراقب من لألأ غرته الـفـجـرا
يريد سلوى الـعـاذلـون جـبالة ........ وما كنت أرضى بعد إيماني الكفرا
فأطربت الجارية بما أبدته من نغمات الوتار ورقيق الأشعار ، ولم تزل الجواري تغني جارية بعد جارية وينشدن الأشعار إلى أن غنت عشر جوار ثم إنها صرفت الجواري وقمنا إلى أحسن مكان قد فرش لنا فيه فرش من سائر الألوان ونزعت ما عليها من الثياب وخلوت بها خلوة الأحباب فوجدتها درة لم تثقب مرة ومهرة لم تركب ففرحت بها ، ولم أرى في عمري ليلة أطيب من تلك الليلة .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:40 AM   #354
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثالثة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن محمد بن علي الجوهري قال :
لما دخلت بالسيدة دنيا بنت يحيى بن خالد البرمكي رأيتها درة لم تثقب ومهرة لم تركب فأنشدت هذين البيتين :
طوقته طوق الحمام بساعدي ........ وجعلت كفي للثام مبـاحـا
هذا هو الفوز العظيم ولم نزل ........ متعانقين فلا نريد بـراحـا
ثم أقمت عندها شهراً كاملاً وقد تركت الدكان والأهل والأوطان فقالت لي يوماً :
يا نور العين يا سيدي محمد إني قد عزمت اليوم على المسير إلى الحمام فاستقر أنت على هذا السرير ولا تنتقل من مكانك إلى أن أرجع إليك وحلفتني على ذلك .
فقلت لها : سمعاً وطاعة .
ثم إنها حلفتني أني لا أنتقل من موضعي وأخذت جواريها وذهبت إلى الحمام فو الله يا أخواني ما لحقت أن تصل إلى رأس الزقاق إلا والباب قد فتح ودخلت منه عجوز وقالت :
يا سيدي محمد إن السيدة زبيدة تدعوك فإنها سمعت بأدبك وظرفك وحسن غنائك .
فقلت لها :
والله ما أقوم من مكاني حتى تأتي السيدة دنيا .
فقالت العجوز :
يا سيدي لا تجعل السيدة زبيدة تغضب عليك وتبقى عدوتك فقم كلمها وارجع إلى مكانك .
فقمت من وقتي وتوجهت إليها والعجوز أمامي إلى أن أوصلتني إلى السيدة زبيدة ، فلما وصلت إليها قالت لي :
يا نور العين هل أنت معشوق السيدة دنيا .
فقلت لها : أنا مملوكك وعبدك .
فقالت زبيدة :
صدق الذي وصفك بالحسن والجمال والأدب والكمال فإنك فوق الوصف والمقال ولكن غن لي حتى أسمعك .
فقلت لها : سمعاً وطاعة .
فأتتني بعود فغنيت عليه بهذه الأبيات :
قلب المحب مع الأحباب مـغلوب ........ وجسمه بيد الأسقام منـهـوب
ما في الرجال وقد زمت ركائبهم ........ إلا محب له في الركب محبوب
أستودع الله في أطنابكم قـمـراً ........ يهواه قلبي وعن عيني محجوب
يرضى ويغضب ما أحلى تدللـه ........ وكل ما يفعله المحبوب محبوب
فلما فرغت من الغناء قالت لي :
أصح الله بدنك وطيب أنفاسك فلقد كملت في الحسن والأدب والغناء فقم وامض إلى مكانك قبل أن تجيء السيدة دنيا فلا تجدك فتغضب عليك .
فقبلت الأرض بين يديها وخرجت من عندها وجئت إلى السرير فوجدتها قد جاءت من الحمام وهي نائمة على السرير فقعدت عند رجليها وكبستها ففتحت عينيها فرأتني تحت رجلها ، فرفستني ورمتني من فوق السرير وقالت لي :
يا خائن خنت اليمين وحنثت فيه ووعدتني أنك لا تنتقل من مكانك وأخلفت الوعد وذهبت إلى السيدة زبيدة والله لولا خوفي من الفضيحة لهدمت قصرها على رأسها .
فتقدم العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني وأراد أن يضرب عنقي .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:41 AM   #355
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن محمد الجواهري قال :
فتقدم العبد وشرط من ذيله رقعة وعصب عيني وأراد أن يضرب عنقي فقامت إليها الجواري الكبار والصغار وقلن لها :
يا سيدتنا ليس هذا أول من أخطأ وهو لا يعرف خلقك وما فعل ذنباً يوجب القتل .
فقالت دنيا :
والله لابد أن أعمل فيه أثراً .
ثم أمرت أن يضربوني فضربوني على أضلاعي وهذا الذي رأيتموه أثر ذلك الضرب وبعد ذلك أمرت بإخراجي فأخرجوني وأبعدوني عن القصر ورموني فحملت نفسي ومشيت قليلاً حتى وصلت إلى منزلي وأحضرت جراحاً وأريته الضرب فلاطفني وسعى في مداواتي .
فلما شفيت ودخلت الحمام وزالت عني الأوجاع والأسقام جئت إلى الدكان وأخذت جميع ما فيه وبعته وجمعت ثمنه واشتريت لي أربعمائة مملوك فما جمعهم أحد من الملوك وصار يركب معي منهم في كل يوم مائتان وعملت هذا الزورق وصرفت عليه خمسة آلاف دينار من الذهب وسميت نفسي بالخليفة ورتبت من معي من الخدم واحد في وظيفة واحد من أتباع الخليفة وهيأته بهيئته وناديت كل من يتفرج في الدجلة ضربت عنقه بلا مهلة ولي على هذه الحال سنة كاملة وأنا لم أسمع لها خبراً ولم أقف لها على أثر .
ثم إنه بكى وأفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات :
والله ما كنت طول الدهر ناسيها ........ ولا دنوت إلى من ليس يدنيهـا
كأنها البدر في تكوين خلقتـهـا ........ سبحان خالقها سبحان بـاريها
قد صيرتني حزيناً ساهراً دنفـاً ........ والقلب قد حار مني في معانيها
فلما سمع هارون الرشيد كلامه وعرف وجده ولوعته وغرامه تدله ولهاً وتخير عجباً وقال :
سبحان الله الذي جعل لكل شيء سبباً .
ثم إنهم استأذنوا الشاب في الإنصراف فأذن لهم وأضمر له الرشيد على الإنصاف وأن يتحفه غاية الإتحاف .
ثم انصرفوا من عنده سائرين وإلى محل الخلافة متوجهين فلما استقر بهم الجلوس وغيروا ما عليهم من الملبوس ولبسوا أثواب المواكب ووقف بين أيديهم مسرور سياف النقمة قال الخليفة لجعفر :
يا وزير ، علي بالشاب الذي كنا عنده في الليلة الماضية .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً وطاعة .
ثم توجه إليه وسلم عليه وقال له :
أجب أمير المؤمنين الخليفة هارون الرشيد .
فسار معه إلى القصر ، وهو من الترسيم عليه في حضر فلما دخل على الخليفة قبل الأرض بين يديه ودعا له بدوام العز والإقبال وبلوغ الآمال ودوام النعم وإزالة البؤس والنقم ، وقد أحسن ما به تكلم حيث قال :
السلام عليك يا أمير المؤمنين وحامي حومة الدين .
ثم أنشد هذين البيتين :
لا زال باب كعـبة مقصـودة ........ وترابها فوق الجباه رسـوم
حتى يناديك في البلاد بأسرها ........ هذا المقام وأنت ابـراهـيم
فتبسم الخليفة في وجهه ورد عليه السلام والتفت إليه بعين الإكرام وقربه لديه وأجلسه بين يديه وقال له :
يا محمد علي أريد منك أن تحدثني بما وقع لك في هذه الليلة فإنه من العجائب وبديع الغرائب .
فقال الشاب :
العفو يا أمير المؤمنين أعطني منديل الأمان ليسكن روعي ويطمئن قلبي .
فقال له الخليفة :
عليك الأمان من الخوف والأحزان .
فشرع الشاب يحدثه بالذي حصل له من أوله إلى آخره فعلم أن الصبي عاشق وللمعشوق مفارق فقال له :
أتحب أن أردها عليك ?
قال محمد الجوهري :
هذا من فضل أمير المؤمنين .
ثم أنشد هذين البيتين :
ألثم أنامله فلسـن أنـامـلاً ........ لكنهن كفـاتـح الأرزاق
وأشكر صنائعه فلسن صنائعاً ........ لكنهـن قـلائد أعـنـاق
فعند ذلك التفت الخليفة إلى الوزير وقال له :
يا جعفر أحضر لي أختك دنيا بنت الوزير يحيى بن خالد .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين .
ثم أحضرها في الوقت والساعة فلما تمثلت بين يديه قال لها الخليفة :
أتعرفين من هذا ?
قالت دنيا :
يا أمير المؤمنين من أين للنساء معرفة الرجال ?
فتبسم الخليفة وقال لها :
يا دنيا هذا حبيبك محمد بن علي الجوهري وقد عرفنا وسمعنا الحكاية من أولها إلى آخرها وفهمنا ظاهرها والأمر لا يخفى وعنا كان مستوراً .
فقالت دنيا :
يا أمير المؤمنين كان ذلك في الكتاب مسطوراً وأنا أستغفر الله العظيم مما جرى مني وأسألك من فضلك العفو عني .
فضحك الخليفة هارون الرشيد وأحضر القاضي والشهود وجدد عقدها على زوجها محمد بن علي الجوهري وحصل لها وله سعد السعود وإكماد الحسود وجعله من جملة ندمائه واستمروا في سرور ولذة وحبور إلى أن أتاهم هازم اللذات ومفرق الجماعات .

حكاية هارون الرشيد مع علي العجمي
وما يتبع ذلك من حديث الجراب الكردي

ومما يحكى أيضاً أن الخليفة هارون الرشيد قلق ليلة من الليالي فاستدعى بوزيره فلما حضر بين يديه قال له :
يا جعفر إني قلقت الليلة قلقاً عظيماً وضاق صدري وأريد منك شيئاً يسر خاطري وينشرح به صدري .
فقال له جعفر : يا أمير المؤمنين إن لي صديقاً اسمه علي العجمي وعنده من الحكايات والأخبار المطربة ما يسر النفوس ويزيل عن القلب البؤس .
فقال له هارون الرشيد :
علي به .
فقال الوزير جعفر :
سمعاً طاعة .
ثم إن جعفر خرج من عند الخليفة في طلب العجمي فأرسل خلفه فلما حضر قال له :
أجب أمير المؤمنين .
فقال العجمي :
سمعاً وطاعة .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:41 AM   #356
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الخامسة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي قال :
سمعاً وطاعة .
ثم توجه معه إلى الخليفة فلما تمثل بين يديه أذن له بالجلوس فجلس فقال له الخليفة :
يا علي إنه ضاق صدري في هذه الليلة وقد سمعت عنك أنك تحفظ حكايات وأخبار وأريد منك أن تسمعني ما يزيل همي ويصقل فكري .
فقال العجمي :
يا أمير المؤمنين هل أحدثك بالذي رأيته بعيني أو بالذي سمعته بأذني ?
فقال الخليفة :
إن كنت رأيت شيئاً فاحكه ?
فقال العجمي :
سمعاً وطاعة يا أمير المؤمنين .
إني سافرت في بعض السنين من بلدي هذه وهي مدينة بغداد وصحبتي غلام ومعه جراب لطيف ودخلنا المدينة .
فبينما أنا أبيع وأشتري وإذا برجل كردي ظالم متعدي قد هجم علي وأخذ مني الجراب وقال :
هذا جرابي وكل ما فيه متاعي .
فصرخت وقلت :
يا معشر المسلمين خلصوني من يد أفجر الظالمين .
فقال الناس جميعاً :
اذهبا إلى القاضي واقبلا حكمه بالتراضي ?
فتوجهنا إلى القاضي وأنا بحكمه راضي فلما دخلنا عليه وتمثلنا بين يديه قال القاضي :
في أي شيء جئتما ? وما قضية خبركما ?
فقلت للقاضي :
نحن خصمان إليك تداعينا وبحكمك تراضينا .
فقال القاضي :
أيكما المدعي ?
فتقدم الكردي وقال :
أيد الله مولانا القاضي إن هذا الجراب جرابي وكل ما فيه متاعي وقد ضاع مني ووجدته مع هذا الرجل .
فقال القاضي : ومتى ضاع منك ?
فقال الكردي : من أمس هذا اليوم وبت لفقده بلا نوم .
فقال القاضي : إن كنت تعرفه فصف لي ما فيه ?
فقال الكردي :
في جرابي هذا مردوان من لجين وفيه أكحال للعين ومنديل لليدين ووضعت فيه شرابتين وشمعدانين وهو مشتمل على بيتين وطبقتين وملعقتين ومخدة ونطعين وابريقين وصينية وطشتين وقسدرة وزلعتين ومغرفة وسلة ومردوين وهرة وكلبتين وقصعة وقعيدتين وجبة وفروتين وناقتين وجاموسة وثورين ولبة وسبعين ودبة وثعلبين ومرتبة وسريرين وقصراً وقاعتين ورواقاً ومقعدين ومطبخاً ببابين وجماعة أكراد يشهدون أن الجراب جرابي .
فقال القاضي :
ماذا تقول أنت يا هذا ?
فقلت إليه يا أمير المؤمنين وقد أبهتني الكردي بكلامه فقلت :
أعز الله مولانا القاضي أنا في جرابي هذا دويرة خراب واخرى بلا باب ومقصورة للكلاب وفيه الصبيان كتاب وشباب يلعبون الكعاب وفيه خيام وأطناب ومدينة البصرة وبغداد وقصر شداد بن عاد وكور حداد وشبكة صياد وأوتاد وبنات وأولاد وألف قواد يشهدون أن الجراب جرابي .
فلما سمع الكردي هذا الكلام بكى وانتحب وقال :
يا مولانا القاضي إن جرابي هذا معروف وكل ما فيه موصوف في جرابي هذا حصون وقلاع وكراكي وسباع ورجال يلعبون بالشطرنج والرقاع وفي جرابي هذا حجرة ومهران وفحل وحصانان ورمحان طويلان وهو مشتمل على سبع وارنبين ومدينة وقريتين وقحبة وقوادين شاطرين ومخنث وعلقين وأعمى وبصيرين واعرج وكسيحين وقسيس وشماسين وبطريق وراهبين وقاض وشاهدين وهم يشهدون أن الجراب جرابي .
فقال القاضي :
ماذا تقول يا علي ?
فامتلأت غيظاً يا أمير المؤمنين وتقدمت إليه وقلت :
أيد الله مولانا القاضي .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:42 AM   #357
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue



الليلة السادسة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجمي قال :
فامتلأت غيظاً يا أمير المؤمنين وتقدمت إليه وقلت :
أيد الله مولانا القاضي أنا في جرابي هذا زرد وصفاح وخزائن سلاح وألف كبش نطاح وفيه للغنم مراح وألف كلب نباح وبساتين وكروم وازهار ومشموم وتين وتفاح وصور وأشباح وقناني وأقداح وعرائس ومغاني وأفراح وهرج وصياح وأقطار فساح وأخوة نجاح ورفقة صباح ومعهم سيوف ورماح ملاح وقوس ونشاب وأصدقاء وأحباب وخلان وأصحاب ومحابس للعقاب وندماء للشراب وطنبور ونايات وأعلام ورايات وصبيان وبنات وعرائس مجليات وجوار مغنيات وخمس حبشيات وثلاث هنديات وأربع مدنيات وعشرون روميات وخمسون تركيات وسبعون عجميات وثمانون كرديات وتسعون جرجيات والدجلة والفرات وشبكة صياد وقداحة وزناد وإرم ذات العماد وألف علق وقواد وميادين واصطبلات ومساجد وحمامات وبناء وتجار وخشبة ومسمار وعبد أسود ومزمار ومقدم وركبدار ومدن وأمصار ومائة ألف دينار والكوفة مع الأنبار وعشرون صندوقاً ملآنة بالقماش وخمسون حاصلاً للمعاش وغزة وعسقلان من دمياط إلى أسوان وإيوان كسرى وأنوشروان وملك سليمان ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان وبلخ وأصبهان ومن الهند إلى بلاد السودان وفيه أطال الله عمر مولانا القاضي غلائل وعراضي وألف موس ماض تحلق ذقن القاضي إن لم يخش عقابي ولم يحكم بأن الجراب جرابي .
فلما سمع القاضي هذا الكلام تحير عقله من ذلك وقال :
ما أراكما إلا شخصين نحسين أو رجلين زنديقين تلعبان بالقضاة والحكام ولا تخشيان من الملام لأنه ما وصف الواصفون ولا سمع السامعون بأعجب مما وصفتما ولا تكلموا بمثل ما تكلمتما والله إن من الصين إلى شجرة أم غيلان ومن بلاد فارس إلى أرض السودان ومن وادي نعمان إلى أرض خراسان لا يسع ما ذكرتماه ولا يصدق ما ادعيتماه فهل هذا الجراب بحر ليس له قرار أو يوم العرض الذي يجمع الأبرار والفجار .
ثم إن القاضي أمر بفتح الجراب ففتحه وإذا فيه خبز وليمون وجبن وزيتون ثم رميت الجراب قدام الكردي ومضيت .
فلما سمع الخليفة هذه الحكاية من علي العجمي استلقى على قفاه من الضحك وأحسن جائزته .

حكاية هارون الرشيد مع جعفر والجارية والإمام أبي يوسف

ومما يحكى أن جعفر البرمكي نادم الرشيد ليلة فقال الرشيد :
يا جعفر بلغني أنك اشتريت الجارية الفلانية ولي مدة أطلبها فإنها على غاية الجمال وقلبي يحبها في اشتعال فبعها لي .
فقال الوزير جعفر :
لا أبيعها يا أمير المؤمنين .
فقال هارون الرشيد :
إذن هبها لي .
فقال الوزير جعفر :
لا أهبها يا أمير المؤمنين .
فقال الرشيد : زبيدة طالق ثلاثاً إن لم تبعها لي أو تهبها لي .
قال جعفر :
زوجتي طالق ثلاثاً إن بعتها لك .
ثم أفاقا من نشوتهما وعلما أنهما وقعا في أمر عظيم وعجزا عن تدبير الحيلة .
فقال هارون الرشيد :
هذه وقعة ليس لها غير أبي يوسف .
فطلبوه وكان ذلك نصف الليل فلما جاءه الرسول قام فزعاً وقال في نفسه :
ما طلبت في هذا الوقت إلا لأمر حدث في الإسلام .
ثم خرج مسرعاً وركب بغلته وقال لغلامه :
خذ معك مخلاة البغلة لعلها لم تستوف عليقها فإذا دخلنا دار الخلافة لتأكل ما بقي من عليقها إلى حين خروجي إذا لم تستوف عليقها في هذه الليلة .
فقال الغلام :
سمعاً وطاعة .
فلما دخل هارون الرشيد قام له وأجلسه على سريره بجانبه وكان لا يجلس معه أحداً غيره وقال له :
ما طلبناك في هذا الوقت إلا لأمر مهم هو كذا وكذا وقد عجزنا في تدبير الحيلة .
فقال أبي يوسف :
يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر أسهل ما يكون .
ثم قال لجعفر :
يا جعفر بع لأمير المؤمنين نصفها وهب له نصفها وتبرآن يمينكما في بذلك .
فسر أمير المؤمنين بذلك وفعلا ما أمرهما به ثم قال هارون الرشيد :
أحضروا الجارية في هذا الوقت .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:43 AM   #358
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخليفة هارون الرشيد قال :
أحضروا الجارية في هذا الوقت فإني شديد الشوق إليها .
فأحضروها وقال للقاضي أبي يوسف :
أريد وطأها في هذا الوقت فإني لا أطيق الصبر عنها إلى مضي مدة الإستبراء وما الحيلة في ذلك ?
فقال أبو يوسف :
ائتوني بمملوك من مماليك أمير المؤمنين الذي لم يجر عليه العتق .
فأحضروا المملوك فقال أبو يوسف :
أتأذن لي أن ازوجها منه ثم يطلقها قبل الدخول فيحل وطؤها في هذا الوقت من غير استبراء ?
فأعجب هارون الرشيد ذلك أكثر من الأول .
فلما حضر المملوك قال الخليفة للقاضي :
أذنت لك في العقد .
فأوجب القاضي النكاح ثم قبله المملوك وبعد ذلك قال له القاضي :
طلقها ولك مائة دينار .
فقال المملوك :
لا أفعل .
ولم يزل يزيده وهو يمتنع إلى أن عرض عليه ألف دينار ثم قال للقاضي :
هل الطلاق بيدي أم بيد أمير المؤمنين ?
قال القاضي :
بيدك .
قال المملوك :
والله لا أفعل أبداً .
فاشتد غضب أمير المؤمنين وقال :
ما الحيلة يا أبا يوسف ?
قال القاضي أبو يوسف :
يا أمير المؤمنين لا تجزع فإن الأمر هين ملك هذا المملوك للجارية .
قال الرشيد : ملكته لها .
قال القاضي : قولي قبلت .
فقالت الجارية : قبلت .
فقال القاضي :
حكمت بينهما بالتفريق لأنه دخل في ملكها فانفسخ النكاح .
فقام أمير المؤمنين على قدميه وقال :
مثلك من يكون قاضياً في زماني .
واستدعى بأطباق الذهب فأفرغت بين يديه وقال للقاضي :
هل معك شيء تضعه فيه ?
فتذكر مخلاة البغلة فاستدعي بها فملئت ذهباً فأخذها وانصرف إلى بيته فلما أصبح الصباح قال لأصحابه :
لا طريق إلى الدين والدنيا أسهل وأقرب من طريق العلم فإني أعطيت هذا المال العظيم في مسألتين أو ثلاث .
فانظر أيها المتأدب إلى لطف هذه الوقعة فإنها اشتملت على محاسن منها دلال الوزير على هارون الرشيد وعلم الخليفة وزيادة علم القاضي فرحم الله أرواحهم أجمعين .

حكاية خالد بن عبد الله القسري مع الشاب السارق

ومما يحكى أن خالد بن عبد الله القسري كان أمير البصرة فجاء إليه جماعة متعلقون بشاب ذي جمال باهر وأدب ظاهر وعقل وافر وهو حسن الصورة طيب الرائحة وعليه سكينة ووقار فقدموه إلى خالد فسألهم عن قصته فقالوا :
هذا لص أصبناه البارحة في منزلنا .
فنظر إليه خالد فأعجبه حسن هيئته ونظافته فقال :
حلوا عنه .
ثم دنا منه وسأله عن قصته فقال :
القوم صادقون فيما قالوه والأمر على ما ذكروا .
فقال له خالد :
ما حملك على ذلك وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة ?
قال الشاب :
حملني على ذلك الطمع في الدنيا وقضاء الله سبحانه وتعالى .
فقال له خالد :
ثكلتك أمك ، أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك ، وحسن أدبك زاجر يزجرك عن السرقة ?
قال الشاب :
دع عنك هذا أيها الأمير وامض إلى ما أمر الله تعالى به فذلك ما كسبت يداي وما الله بظلام العبيد .
فسكت خالد ساعة يفكر في أمر الفتى ، ثم أدناه منه وقال له :
إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وأنا ما أظنك سارقاً ولعل لك قصة غير السرقة فأخبرني بها ?
قال الشاب :
أيها الأمير لا يقطع نفسك شيء سوى ما اعترفت به عندك وليس لي قصة أشرحها إلا أني دخلت دار هؤلاء فسرقت ما أمكنني فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك .
فأمر خالد بحبسه وأمر مناد ينادي بالبصرة :
إلى من أحب أن ينظر إلى عقوبة اللص وقطع يده فليحضر من الغداة إلى المحل الفلاني .
فلما استقر الفتى في الحبس ووضعوا في رجليه الحديد تنفس الصعداء ، وأفاض العبرات وأنشد هذه الأبيات :
هددني خالد بقـطـع يدي ........ إذا لم أبح عنده بقصتهـا
فقلت هيهات أن أبوح بما ........ تضمن القلب من محبتها
قطع يدي الذي اعترفت به ........ أهون للقلب من فضيحتها
فسمع ذلك الموكلون به فأتوا خالداً وأخبروه بما حصل منه فلما جن الليل أمر بإحضاره عنده فلما حضر لمنطقته رآه عاقلاً أديباً فطناً لبيباً فأمر بطعام فأكل وتحدث معه ساعة كاملة ثم قال له خالد :
قد علمت أن لك قصة غير السرقة فإذا كان الصباح وحضر الناس وحضر القاضي وسألك عن السرقة فأنكرها واذكر ما يدرأ عنك حد القطع فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ادرؤوا الحدود بالشبهات .
ثم أمر به إلى السجن .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:43 AM   #359
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن خالداً بعد أن تحدث مع الشاب أمر به إلى السجن فمكث فيه ليلته فلما أصبح الصباح حضر الناس يقطعون يد الشاب ولم يبق أحد في البصرة من رجل وامرأة إلا وقد حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى ، وركب خالد ومعه وجوه أهل البصرة وغيرهم ثم استدعى بالقضاة وأمر بإحضار الفتى فأقبل يحجل في قيوده ، ولم يره أحد من الناس إلا وبكى عليه .
وارتفعت أصوات النساء بالنحيب فأمر القاضي بتسكيت النساء ، ثم قال له :
إن هؤلاء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم وسرقت مالهم فلعلك سرقت دون النصائب ?
قال الشاب :
بل سرقت نصاباً كاملاً .
قال القاضي :
لعلك شريك القوم في شيء منه ?
قال الشاب :
بل هو جميعه لهم ولا حق لي فيه .
فغضب خالد وقام إليه بنفسه وضربه على وجهه بالسوط وقال متمثلاً بهذا البيت :
يريد المرء أن يعطى مناه ........ ويأبى اللـه إلا مـا يريد
ثم دعا بالجزار ليقطع يده وأخرج السكين ومد يده ووضع عليها السكين فبادرت جارية من وسط النساء عليها أطوار وسخة فصرخت ورمت نفسها عليه ثم أسفرت عن وجه كأنه القمر وارتفع في الناس ضجة عظيمة وكاد أن يقع بسبب ذلك فتنة طائرة الشر ، ثم نادت تلك الجارية بأعلى صوتها :
ناشدتك الله أيها الأمير لا تعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة .
ثم دفعت إليه رقعة ففتحها خالد وقرأها فإذا مكتوب فيها هذه الأبيات :
أخالد هـذا مـسـتـهـام متـيم ........ رمته لحاظي عن قسي الحمـالـق
فأصماه سيف اللحظ مـنـي لأنـه ........ حليف جوري من دائه غير فـائق
أقر بمـا لـم يقـتـرفـه كـأنـه ........ رأى ذلك خيراً من هتيكة عاشـق
فمهلاً عن الصب الكـئيب فـإنـه ........ كريم السجايا في الورى غير سارق
فلما قرأ خالد هذه الأبيات تنحى وانفرد عن الناس وأحضر المرأة ثم سألها عن القصة فأخبرته بأن هذا الفتى عاشق لها وهي عاشقة له وإنما أراد زيارتها فتوجه إلى دار أهلها ورمى حجراً في الدار ليعلمها بمجيئه فسمع أبوها وأخوها صوت الحجر فصعدوا إليه فلما أحس بهم جمع قماش البيت كله وأراهم أنه سارق ستراً على معشوقته ، فلما رأوه على هذه الحالة أخذوه وقالوا :
هذا سارق .
وأتوا به إليك فاعترف بالسرقة وأصر على ذلك حتى لا يفضحني وقد ارتكب هذه الأمور واتهم نفسه بالسرقة لفرط مرؤته وكرم نفسه .
فقال خالد : إنه لخليق أن يسعف بمراده .
ثم استدعى الفتى إليه وقبله بين عينيه وأمر بإحضار أبي الجارية وقال له :
يا شيخ إنا كنا عزمنا على إنفاذ الحكم في هذا الفتى بالقطع ولكن الله عز وجل قد حفظه من ذلك ، وقد أمرت له بعشرة آلاف درهم لبذله يده حفظاً لعرضك وعرض ابنتك وصيانتكما من العار ، وقد أمرت لابنتك بعشرة آلاف درهم حيث أخبرتني بحقيقة الأمر ، وأنا أسألك أن تأذن لي في تزويجها منه .
فقال الشيخ :
أيها الأمير قد أذنت لك في ذلك .
فحمد الله خالد وأثنى عليه وخطب خطبة حسنة .


 

رد مع اقتباس
قديم 11-06-2009, 09:44 AM   #360
الفجر البعيد
الزوار


الصورة الرمزية الفجر البعيد

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue



الليلة التاسعة والثلاثين بعد الثلاثمائة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن خالداً حمد الله وخطب خطبة حسنة وقال للفتى :
قد زوجتك هذه الجارية فلانة الحاضرة بإذنها ورضاها وإذن أبيها على هذا المال وقدره عشرة آلاف درهم .
فقال الفتى : قبلت منك هذا التزويج .
ثم إن خالداً أمر بحمل المال إلى دار الفتى مزفوفاً في الصواني وانصرف الناس وهم مسرورون ، فما رأيت يوماً أعجب من ذلك اليوم أوله بكاء وشرور وآخره فرح وسرور .

حكاية أبي محمد الكسلان مع الرشيد

ومما يحكى أن هارون الرشيد كان جالساً ذات يوم في تخت الخلافة إذ دخل عليه غلام من الطواشية ومعه تاج من الذهب الأحمر مرصع بالدر والجواهر وفيه من سائر اليواقيت والجواهر ما لا يفي به مال ، ثم إن الغلام قبل الأرض بين يدي الخليفة وقال له :
يا أمير المؤمنين إن السيدة زبيدة .
فقالت لها أختها دنيازاد :
ما أحسن حديثك وأطيبه وأحلاه واعذبه .
فقالت شهرزاد :
وأين هذا مما أحدثكم به الليلة القادمة إن عشت وأبقاني الملك .
فقال الملك شهريار في نفسه :
والله لا أقتلها حتى أسمع بقية حديثها .


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:12 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا