المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > الملتقيات العامة > ملتقى الأدب
 

ملتقى الأدب للقصة القصيرة والقصيدة باللغتين الفصحى والنبطي .

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 15-05-2009, 07:14 PM   #181
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والخمسين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد انه عند ذلك رجع الوزير ومن معه من غير فائدة وما زالوا مسافرين إلى أن دخلوا على الملك وأخبروه ، فعند ذلك أمر النقباء أن ينبهوا العسكر إلى السفر من أجل الحرب والجهاد فقال له الوزير :
لا تفعل ذلك فإن الملك لا ذنب له وإنما الامتناع من ابنته فإنها حين علمت بذلك أرسلت تقول :
إن غصبني على الزواج أقتل من أتزوج به وأقتل نفسي بعده .
فلما سمع الملك كلام الوزير خاف على ولده تاج الملوك وقال :
إن حاربت أباها وظفرت بابنته قتلت نفسها .
ثم إن الملك أعلم ابنه تاج الملوك بحقيقة الأمر فلما علم بذلك قال لأبيه :
يا والدي أنا لا أطيق الصبر عنها فأنا أروح إليها وأتسبب في اتصالي بها ولو أموت ولا أفعل غير هذا .
فقال له أبوه :
وكيف تروح ?
فقال :
أروح في صفة تاجر .
فقال الملك :
إن كان ولا بد فخذ معك الوزير وعزيز .
ثم إنه أخرج شيئاً من خزانته وهيأ له متجراً بمائة ألف دينار واتفقا معه على ذلك .
فلما جاء الليل ذهب تاج الملوك وعزيز إلى منزل الوزير وباتا هناك تلك الليلة وصار تاج الملوك مسلوب الفؤاد ولم يطب له أكل ولا رقاد بل هجمت عليه الأفكار وغرق منها في بحار وهزه الشوق إلى محبوبته فأفاض دمع العين وأنشد هذين البيتين :
ترى هل لنا بعد البعاد وصول ........ فأشكو إليكم صبوتي وأقـول
تذكرتكم والليل ناء صباحـه ........ وأسهرتموني والأنام غفـول
فلما فرغ من شعره بكى بكاء شديداً وبكا معه عزيز وتذكر ابنة عمه وما زالا يبكيان إلى أن أصبح الصباح ثم قام تاج الملوك ودخل على والدته وهو لابس أهبة السفر فسألته عن حاله فأخبرها بحقيقة الأمر فأعطته خمسين ألف دينار ثم ودعته وخرج من عندها ودعت له بالسلامة والاجتماع بالأحباب ثم دخل على والده واستأذنه أن يرحل فأذن له وأعطاه خمسين ألف دينار وأمر أن تضرب له خيمة وأقاموا فيها يومين ثم سافروا واستأنس تاج الملوك بعزيز وقال له :
يا أخي أنا ما بقيت أطيق أن أفارقك .
فقال عزيز :
وأنا الآخر كذلك وأحب أن أموت تحت رجليك ولكن يا أخي قلبي اشتغل بوالدتي .
فقال له تاج الملوك :
لما نبلغ المرام لا يكون إلا خيراً .
وكان الوزير قد أوصى تاج الملوك بالإصطبار وصار عزيز ينشد له الأشعار ويحدثه بالتواريخ والأخبار ولم يزالوا سائرين بالليل والنهار مدة شهرين فطالت الطريق على تاج الملوك واشتد عليه الغرام وزاد به الوجد والهيام ، فلما قربوا من المدينة فرح تاج الملوك غاية الفرح وزال عنه الهم والترح ثم دخلوها وما زالوا سائرين إلى أن وصلوا إلى سوق البر .
فلما رأى التجار تاج الملوك وشاهدوا حسنه وجماله تحيرت عقولهم وصاروا يقولون :
هل رضوان فتح أبواب الجنان وسها عنها فخرج هذا الشاب البديع الحسن .
وبعضهم يقول :
لعل هذا من الملائكة .
فلما دخلوا عند التجار سألوا عن دكان شيخ السوق فدلوهم عليه فتوجهوا إليه فلما قربوا قام إليهم هو ومن معه من التجار وعظموهم خصوصاً الوزير الأجل فإنهم رأوه رجلاً كبيراً مهاباً ومعه تاج الملوك وعزيز فقال التجار لبعضهم :
لا شك أن هذا الشيخ والد هذين الغلامين .
فقال الوزير :
من الشيخ فيكم ?
فقالوا :
ها هو .
فنظر إليه الوزير وتأمله فرآه رجلاً كبيراً صاحب هيبة ووقار وخدم وغلمان ، ثم إن شيخ السوق حياهم تحية الأحباب وبالغ في إكرامهم وأجلسهم جنبه وقال لهم :
هل لكم حاجة نفوز بقضائها ?
فقال الوزير :
نعم إني رجل كبير طاعن في السن ومعي هذان الغلمان وسافرت بهما سائر الأقاليم والبلاد وما دخلت بلدة إلا أقمت بها سنة كاملة حتى يتفرجا عليها ويعرفها أهلها وإني قد أتيت بلدكم هذه واخترت المقام فيها وأشتهي منك دكاناً تكون من أحسن المواضع حتى أجلسهما فيها ليتاجرا أو يتفرجا على هذه المدينة ويتخلقا بأخلاق أهلها ويتعلما البيع والشراء والأخذ والعطاء .
فقال شيخ السوق :
لا بأس بذلك .
ثم نظر إلى الولدين وفرح بهما وأحبهما حباً زائداً وكان شيخ السوق مغرماً بفاتك اللحظات عليه حب البنين على البنات ويميل إلى الحموضة فقال في نفسه :
سبحان خالقهما ومصورهما من ماء مهين .
ثم قام واقفاً في خدمتهما كالغلام بين أيديهما ، بعد ذلك سعى وهيأ لهما الدكان وكانت في وسط السوق ولم يكن أكبر منها ولا أوجه منها عندهم لأنها كانت متسعة مزخرفة فيها رفوف من عاج وأبنوس ، ثم سلم المفاتيح للوزير وهو في صفة تاجر وقال :
جعلها الله مباركة على ولديك .
فلما أخذ الوزير مفاتيح الدكان توجه إليها والغلمان ووضعوا فيها أمتعتهم وأمر غلمانهم أن ينقلوا إليها جميع ما عندهم من البضائع والقماش .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:14 PM   #182
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والخمسين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير لما أمر غلمانه أن ينقلوا البضائع والقماش وكان ذلك يساوي خزائن مال فنقلوا جميع ذلك إلى الدكان وباتوا تلك الليلة فلما أصبح الصباح أخذهما الوزير ودخل بهما الحمام فلما دخلوا الحمام تنظفوا وأخذوا غاية حظهم ، وكان كل من الغلامين ذا جمال باهر فصارا في الحمام على قول الشاعر :
بشرى لقـيتـه إذ لامـسـت يده ........ جسماً تولد بين المـاء والـنـور
ما زال يظفر لطفاً مـن صناعتـه ........ حتى جنى المسك من تمثال كافور
ثم خرجا من الحمام وكان شيخ السوق لما سمع بدخولهما الحمام قعد في انتظارهما وإذا بهما قد أقبلا وهما كالغزالين وقد احمرت خدودهما واسودت عيونهما ولمعت أبدانهما حتى كأنهما غصنان مثمران أو قمران زاهيان فقال لهما :
يا أولادي حمامكم نعيم دائم .
فقال تاج الملوك بأعذب كلام :
ليتك كنت معنا .
ثم إن الاثنين قبلا يديه ومشيا قدامه حتى وصلا إلى الدكان تعظيماً له لأنه كبير السوق وقد أحسن إليهما بإعطائهما الدكان ، فلما رأى أردافهما في ارتجاج زاد به الوجد وهاج وشخر ونخر ولم يبق مصطبراً فأحدق بهما العينين وأنشد هذين البيتين :
يطالع القلب باب الاختصاص به ........ وليس يقرأ فيه مبحث الشركه
لا غرو في كونه يرتج من قول ........ فكم لذا الفلك الدوار من حركه
فلما سمعا هذا الشعر أقسما عليه أن يدخل الحمام ثانياً وكانا قد تركا الوزير داخل الحمام فلما دخل شيخ السوق إلى الحمام ثاني مرة سمع الوزير بدخوله فخرج إليه من الخلوة واجتمع به في وسط الحمام وعزم عليه فامتنع فأمسك بإحدى يديه تاج الملوك وبيده الأخرى عزيز ودخلا به أخرى فانقاد لهما الشيخ الخبيث فحلف تاج الملوك أن لا يحميه غيره وحلف عزيز أن لا يصب عليه الماء غيره فقال له الوزير :
إنهما أولادك .
فقال شيخ السوق :
أبقاهما الله لك لقد حلت في مدينتنا البركة والسعود بقدومكم وقدوم أتباعكم ، ثم أنشد هذين البيتين :
أقبلت فاخضرت لدينا الربا ........ وقد زهت بالزهر للمجتلى
ونادت الأرض ومن فوقها ........ أهلاً وسهلاً بك من مقبل
فشكروه على ذلك ، ومازال تاج الملوك يحميه وعزيز يصب عليه الماء وهو يظن روحه في الجنة حتى أتما خدمته فدعا لهما وجلس جنب الوزير على أنه يتحدث معه ولكن معظم قصده النظر إلى تاج الملوك وعزيز ، ثم بعد ذلك جاء لهم الغلمان بالمناشف فتنشفوا ولبسوا حوائجهم ثم خرجوا من الحمام فأقبل الوزير على شيخ السوق وقال له :
يا سيدي إن الحمام نعيم الدنيا .
فقال شيخ السوق :
جعله الله لك ولأولادك عافية وكفاهما الله شر العين ، فهل تحفظون شيئاً مما قاله البلغاء في الحمام ؟
فقال تاج الملوك :
أنا أنشد لك بيتين وهما :
إن عيش الحمام أطيب عيش ........ غير أن المقام فيه قـلـيل
جنة تكره الإقـامة فـيهـا ........ وجحيم يهيب فيها الدخـول
فلما فرغ تاج الملوك من شعره قال عزيز :
وأنا أحفظ في الحمام شيئاً .
فقال شيخ السوق أسمعني إياه .
فأنشد هذين البيتين :
وبيت له من جامد الصخر أزهار ........ أنيق إذا أضرمت حوله الـنـار
تراه جحيماً وهو في الحق جـنة ........ وأكثر ما فيها شموس وأقمـار
فلما فرغ عزيز من شعره تعجب شيخ السوق من شعرهما وفصاحتهما وقال لهما :
والله لقد حزتما الفصاحة والملاحة فاسمعا أنتما مني ، ثم أطرب بالنغمات وأنشد الأبيات :
يا حسن نار والنعيم عذابـهـا ........ تحيا بهـا الأرواح والأبـدان
فأعجبت لبيت لا يزال نعيمـه ........ غضاً وتوقد تحته الـنـيران
عيش السرور إن ألم به وقـد ........ سفحت عليه دموعها الغدران
فلما سمعوا ذلك تعجبوا من هذه الأبيات ، ثم إن شيخ السوق عزم عليهم فامتنعوا ومضوا إلى منزلهم ليستريحوا من تعب الحمام ، ثم أكلوا وشربوا وباتوا تلك الليلة في منزلهم في أتم ما يكون من الحظ والسرور فلما أصبح الصباح قاموا من نومهم وتوضأوا وصلوا فرضهم وأصبحوا ، ولما طلع النهار وفتحت الدكاكين والأسواق خرجوا من المنزل وتوجهوا إلى السوق وفتحوا الدكان وكان الغلمان قد هيأوها أحسن هيئة وفرشوها بالبساط الحرير ووضعوا فيها مرتبتين كل واحدة منهما تساوي مائة دينار وجعلوا فوق كل مرتبة نطفاً ملوكياً دائره من الذهب .
فجلس تاج الملوك على مرتبة وجلس عزيز على الأخرى والوزير في وسط الدكان ووقف الغلمان بين أيديهم وتسامعت بهم الناس فازدحموا عليهم وباعوا بعض أقمشتهم وشاع ذكر تاج الملوك في المدينة واشتهر فيها خبر حسنه وجماله ثم أقاموا على ذلك أياماً وفي كل يوم تهرع الناس إليهم فأقبل الوزير على تاج الملوك وأوصاه بكتمان أمره وأوصى عليه عزيز ومضى إلى الدار ليدير أمراً يعود نفعه عليهم وصار تاج الملوك وعزيز يتحدثان وصار تاج الملوك يقول :
عسى أن يجيء أحد من عند السيدة دنيا .
ومازال تاج الملوك على ذلك أياماً وليالي وهو لا ينام وقد تمكن منه الغرام وزاد به النحول والأسقام حتى حرم لذيذ المنام وامتنع عن الشراب والطعام وكان كالبدر في تمامه فبينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:15 PM   #183
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الستين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد انه بينما تاج الملوك جالس وإذا بعجوز أقبلت عليه وتقدمت إليه وخلفها جاريتان وما زالت ماشية حتى وقفت على دكان تاج الملوك فرأت قده واعتداله وحسنه وجماله فتعجبت من ملاحته ورشحت في سراويلها ، ثم قالت :
سبحان من خلقك من ماء مهين سبحان من جعلك فتنة للعالمين .
ولم تزل تتأمل فيه وتقول :
ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم .
ثم دنت منه وسلمت عليه فرد عليها السلام وقام لها واقفاً على الأقدام وابتسم في وجهها هذا كله بإشارة عزيز ثم أجلسها إلى جانبه وصار يروح عليها إلى أن استراحت ، ثم إن العجوز قالت لتاج الملوك :
يا ولدي يا كامل الأوصاف والمعاني هل أنت من هذه الديار ?
فقال تاج الملوك بكلام فصيح عذب مليح :
والله يا سيدتي عمر ما دخلت هذه الديار إلا هذه المرة ولا أقمت فيها إلا على سبيل الفرجة .
فقالت :
لك الإكرام من قادم على الرحب والسعة ما الذي جئت به معك من القماش فأرني شيئاً مليحاً فإن المليح لا يحمل إلا المليح .
فلما سمع تاج الملوك كلامها خفق قلبه ولم يفهم معنى كلامها ، فغمزه عزيز بالإشارة فقال لها تاج الملوك :
عندي كل ما تشتهين من الشيء الذي لا يصلح إلا للملوك وبنات الملوك فلمن تريدين حتى اقلب عليك ما يصلح لأربابه .
وأراد بذلك الكلام أن يفهم معنى كلامها فقالت له :
أريد قماشاً يصلح للسيدة دنيا بنت الملك شهرمان .
فلما سمع تاج الملوك ذكر محبوبته فرح فرحاً شديداً وقال لعزيز :
ائتني بأفخر ما عندك من البضاعة .
فأتاه عزيز ببقجة وحلها بين يديه ، فقال لها تاج الملوك :
اختاري ما يصلح لها فإن هذا الشيء لا يوجد عند غيري فاختارت العجوز شيئاً يساوي ألف دينار وقالت :
بكم هذا ?
فقال لها :
وهل أساوم مثلك فيه هذا الشيء الحقير الحمد لله الذي عرفني بك .
فقالت له العجوز :
أعوذ وجهك المليح برب الفلق ، إن وجهك مليح وفعلك مليح هنيئاً لمن تنام في حضنك وتضم قوامك الرجيح وتحظى بوجهك الصبيح وخصوصاً إذا كانت صاحبة حسن مثلك .
فضحك تاج الملوك حتى استلقى على قفاه ثم قال :
يا قاضي الحاجات على أيدي العجائز الفاجرات .
فقالت :
يا ولدي ما الاسم ?
قال :
اسمي تاج الملوك .
فقالت :
إن هذا الاسم من أسماء الملوك ولكنك في زي التجار .
فقال لها عزيز :
من محبته عند أهله ومعزته عليهم سموه بهذا الاسم .
فقالت العجوز :
صدقت كفاكم الله شر الحساد ولو فتئت بمحاسنكم الأكباد .
ثم أخذت القماش ومضت وهي باهتة من حسنه وجماله وقده واعتداله ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا وقالت لها :
يا سيدتي جئت لك بقماش مليح .
فقالت دنيا :
أين هذا القماش ؟
فقالت لها :
يا سيدتي ها هو فقبليه وانظريه .
فلما رأته السيدة دنيا قالت لها :
يا دادتي إن هذا قماش مليح ما رأيته في مدينتنا .
فقالت العجوز :
يا سيدتي إن بائعه أحسن منه كأن رضوان فتح أبواب الجنان وسها فخرج منها التاجر الذي يبيع هذا القماش ، وأنا أشتهي في هذه الليلة أن يكون عندك وينام بين نهودك ، فإنه فتنة لمن يراه وقد جاء مدينتنا بهذه الأقمشة لأجل الفرجة .
فضحكت السيدة دنيا من كلام العجوز


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:15 PM   #184
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الحادية والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن السيدة دنيا حين ضحكت من كلام العجوز قالت :
أخزاك الله يا عجوز النحس إنك خرفت ولم يبق لك عقل .
ثم قالت :
هات القماش حتى أبصره جيداً .
فناولتها إياه فنظرته ثانياً فرأته شيئاً قليلاً وثمنه كثيراً وتعجبت من حسن ذلك القماش لأنها ما رأت في عمرها مثله فقالت لها العجوز :
يا سيدتي لو رأيت صاحبه لعرفت أنه أحسن ما يكون على وجه الأرض .
فقالت لها السيدة دنيا :
هل سألتيه إن كان له حاجة يعلمنا بها فنقضيها له ?
فقالت العجوز وقد هزت رأسها :
حفظ الله فراستك ، والله إن له حاجة وهل أحد يخلو من حاجة ?
فقالت لها السيدة دنيا :
اذهبي إليه وسلمي عليه وقولي له :
شرفت بقدومك مدينتنا ومهما كان لك من الحوائج قضيناه لك على الرأس والعين .
فرجعت العجوز إلى تاج الملوك في الوقت فلما رآها طار قلبه من الفرح ونهض لها قائماً على قدميه وأخذ يدها وأجلسها إلى جانبه ، فلما جلست واستراحت أخبرته بما قالته السيدة دنيا ، فلما سمع ذلك فرح غاية الفرح واتسع صدره وانشرح وقال في نفسه :
قد قضيت حاجتي .
ثم قال للعجوز :
لعلك توصلين إليها كتاباً من عندي وتأتيني بالجواب .
فقالت :
سمعاً وطاعة .
فلما سمع ذلك منها قال لعزيز :
ائتني بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
فلما أتاه بتلك الأدوات كتب هذه الأبيات :
كتبت إليـك يا سؤلي كتـابـاً ........ بما ألقاه من ألم الـفـراق
فأول مـا أسطر نـار قلـبـي ........ وثانيه غرامي واشتـياقـي
وثالثه مضى عمري وصـبري ........ ورابعه جميع الوجد باقـي
وخامسه متى عيني تـراكـم ........ وسادسه متى يوم التلاقـي
ثم كتب في إمضائه :
إن هذا الكتاب من أسير الأشواق المسجون في سجن الاشتياق الذي ليس له إطلاق إلا بالوصال ولو بطيف الخيال لأنه يقاسي أليم العذاب من فراق الأحباب ، ثم أفاض دمع العين وكتب هذين البيتين :
كتبت إليك والعبرات تجـري ........ ودمع العين ليس له انقطاع
ولست ببائس من فضل ربي ........ عسى يوم يكون به اجتماع
ثم طوى الكتاب وختمه وأعطاه للعجوز وقال :
أوصليه إلى السيدة دنيا .
فقالت :
سمعاً وطاعة .
ثم أعطاها ألف دينار وقال :
اقبلي مني هذه الهدية .
فأخذتها وانصرفت داعية له ، ولم تزل ماشية حتى دخلت على السيدة دنيا فلما رأتها قالت :
يا دادتي أي شيء طالب من الحوائج حتى نقضيها له ?
فقالت لها :
يا سيدتي قد أرسل معي كتاباً ولا أعلم بما فيه .
فقرأته وفهمت معناه ثم قالت :
من أين إلى أين حتى يراسلني هذا التاجر ويكاتبني ?
ثم لطمت وجهها وقالت :
لولا خوفي من الله تعالى لصلبته على دكانه .
فقالت العجوز :
وأي شيء في هذا الكتاب حتى أزعج قلبك هل فيه شكاية مظلمة أو فيه ثمن القماش ?
فقالت لها :
ويلك ما فيه ذلك وما فيه إلا عشق ومحبة وهذا كله منك وإلا فمن أي يتوصل هذا الشيطان إلى هذا الكلام .
فقالت لها العجوز :
يا سيدتي أنت قاعدة في قصرك العالي وما يصل إليك أحد ولا الطير الطائر ، سلامتك من اللوم والعتاب وما عليك من نباح الكلاب ، فلا تؤاخذيني حيث أتيتك بهذا الكتاب ولكن الرأي عندي أن تردي إليه جواباً وتهدديه فيه بالقتل وتنهيه عن هذا الهذيان فإنه ينتهي ولا يعود إلى فعلته .
فقالت السيدة دنيا :
أخاف أن أكاتبه فيطمع .
فقالت العجوز :
إذا سمع التهديد والوعيد رجع عما هو عليه .
فقالت :
علي بدواة وقرطاس وقلم من نحاس .
فلما أحضروا لها تلك الأدوات كتبت هذه الأبيات :
يا مدعي الحب والبلوى مع السهر ........ وما تلاقيه من وجد ومن فـكـر
أتطلب الوصل يا مغرور من قمر ........ وهل ينال المنى شخص من القمر
إني نصحتك عما أنت طـالـبـه ........ فأقصر فإنك في هذا على خطر
وإن رجعت إلى هذا الكلام فـقـد ........ أتاك مني عذاب زائد الـضـرر
وحق من خلق الإنسان من علـق ........ ومن أنار ضياء الشمس والقمـر
لئن عـدت لـمـا أنـت ذاكـره ........ لأصلبنك في جزع من الشـجـر
ثم طوت الكتاب وأعطته للعجوز ، وقالت لها :
أعطيه له وقولي له :
كف عن هذا الكلام .
فقالت لها :
سمعاً وطاعة .
ثم أخذت الكتاب وهي فرحانة ومضت إلى منزلها وباتت في بيتها ، فلما أصبح الصباح توجهت إلى دكان تاج الملوك فوجدته في انتظارهما فلما رآها كاد أن يطير من الفرح فلما قربت منه نهض إليها قائماً وأقعدها بجانبه فأخرجت له الورقة وناولته إياها وقالت له :
اقرأ ما فيها .
ثم قالت له :
إن السيدة دنيا لما قرأت كتابك اغتاظت ولكنني لاطفتها ومازحتها حتى أضحكتها ورقت لك وردت لك الجواب .
فشكرها تاج الملوك على ذلك وأمر عزيز أن يعطيها ألف دينار ، ثم إنه قرأ الكتاب وفهمه وبكى بكاء شديداً فرق له قلب العجوز ، وعظم عليها بكاؤه وشكواه ثم قالت له :
يا ولدي وأي شيء في هذه الورقة حتى أبكاك ?
فقال لها :
إنها تهددني بالقتل والصلب وتنهاني عن مراسلتها وإن لم أراسلها يكون موتي خيراً من حياتي فخذي جواب كتابها ودعيها تفعل ما تريد .
فقالت له العجوز :
وحياة شبابك لا بد أني أخاطر معك بروحي وأبلغك مرادك وأوصلك إلى ما في خاطرك .
فقال لها تاج الملوك :
كل ما تفعليه أجازيك عليه ويكون في ميزانك فإنك خبيرة بالسياسة وعارفة بأبواب الدناسة وكل عسير عليك يسير والله على كل شيء قدير ، ثم أخذ ورقة وكتب فيها هذه الأبيات :
أمست تهددني بالقتل واحـزنـي ........ والقتل لي راحة والموت مقدور
والموت أغنى لصب أن تطول به ........ حياته وهو ممنوع ومقـهـور
بالله زوروا محباً قـل نـاصـره ........ فإنني عبد والعـبـد مـأسـور
يا سادتي فارحموني في محبتكـم ........ فكل من يعشق الأحرار معذور
ثم إنه تنفس الصعداء وبكى حتى بكت العجوز ، وبعد ذلك أخذت الورقة منه وقالت له :
طب نفساً وقر عيناً ، فلا بد أن أبلغك مقصودك .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:17 PM   #185
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثانية والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قامت وتركت تاج الملوك على النار وتوجهت إلى السيدة دنيا فرأتها متغيرة اللون من غيظها بمكتوب تاج الملوك فناولتها الكتاب فازدادت غيظاً ، وقالت للعجوز :
أما قلت لك أنه يطمع فينا ?
فقالت لها :
وأي شيء من هذا الكتاب حتى يطمع فيك ?
فقالت لها السيدة دنيا :
اذهبي إليه وقولي له إن راسلتها بعد ذلك ضربت عنقك .
فقالت لها العجوز :
اكتبي له هذا الكلام في مكتوب وأنا آخذ المكتوب معي لأجل أن يزداد خوفاً .
فأخذت ورقة وكتبت فيها هذه الأبيات :
أيا غافلاً عن حادثـا الـطـوارق ........ وليس إلى نيل الوصال بسـابـق
أتزعم يا مغرور أن تدرك السهـا ........ وما أنت للبدر المنير بـلا حـق
فكيف ترجينا وتأمـل وصـلـنـا ........ لتحظى بضم للقدود الـرواشـق
فدع عنك هذا القصد خيفة سطوتي ........ بيوم عبوس فيه شيب المـفـارق
ثم طوت الكتاب وناولته للعجوز فأخذته وانطلقت به إلى تاج الملوك فلما رآها قام على قدميه وقال :
لا أعدمني الله بركة قدومك .
فقالت له العجوز :
خذ جواب مكتوبك .
فأخذ الورقة وقرأها وبكى بكاء شديداً ، وقال :
إني أشتهي من يقتلني الآن فإن القتل أهون علي من هذا الأمر الذي أنا فيه .
ثم أخذ دواة وقلماً وقرطاس وكتب مكتوباً ورقم هذين البيتين :
فيا منيتي لا تبتغي الهجر والجفـا ........ فإني محب في المحبة غـارق
ولا تحسبيني في الحياة مع الجفا ........ فروحي من بعد الأحبة طالـق
ثم طوى الكتاب وأعطاه للعجوز وقال لها :
قد أتعبتك بدون فائدة .
وأمر عزيز أن يدفع لها ألف دينار وقال لها :
يا أمي إن هذه الورقة لا بد أن يعقبها كمال الاتصال أو كمال الانفصال .
فقالت له :
يا ولدي والله ما أشتهي لك إلا الخير ومرادي أن تكون عندك فإنك أنت القمر صاحب الأنوار الساطعة وهي الشمس الطالعة وإن لم أجمع بينكما فليس في حياتي فائدة وأنا قد قطعت عمري في المكر والخداع حتى بلغت التسعين من الأعوام فكيف أعجز عن الجمع بين اثنين في الحرام .
ثم ودعته وطيبت قلبه وانصرفت ولم تزل تمشي حتى دخلت السيدة دنيا وقد أخفت الورقة في شعرها .
فلما جلست عندها حكت رأسها وقالت :
يا سيدتي عساك أن تفلي شوشتي فإن لي زماناً ما دخلت الحمام .
فكشفت السيدة دنيا عن مرفقيها وحلت شعر العجوز وصارت تفلي شوشتها فسقطت الورقة من رأسها فرأتها السيدة دنيا فقالت :
ما هذه الورقة ?
فقالت :
كأني قعدت على دكان التاجر فتعلقت معي هذه الورقة هاتيها حتى أوديها له .
ففتحتها السيدة دنيا وقرأتها وفهمت ما فيها فاغتاظت غيظاً شديداً وقالت :
كل الذي جرى لي من تحت رأس هذه العجوز النحس .
فصاحت على الجواري والخدم وقالت :
أمسكوا هذه العجوز الماكرة واضربوها بنعالكم .
فنزلوا عليها ضرباً بالنعال حتى غشي عليها .
فلما أفاقت قالت لها :
والله يا عجوز السوء لولا خوفي من الله تعالى لقتلتك .
ثم قالت لهم :
أعيدوا الضرب .
فضربوها حتى غشي عليها ثم أمرتهم أن يجروها ويرموها خارج الباب فسحبوها على وجهها ورموها قدام الباب .
فلما أفاقت قامت تمشي وتقعد حتى وصلت إلى منزلها وصبرت إلى الصباح ثم قامت وتمشت حتى أتت إلى تاج الملوك وأخبرته بجميع ما جرى لها ، فصعب عليه ذلك وقال لها :
يعز علي يا أمي ما جرى لك ولكن كل شيء بقضاء وقدر .
فقالت له :
طب نفساً وقر عيناً فإني لا أزال أسعى حتى أجمع بينك وبينها وأوصلك إلى هذه العاهرة التي أحرقتني بالضرب .
فقال لها تاج الملوك :
أخبريني ما سبب بغضها للرجال ?
فقالت :
إنها رأت مناماً أوجب ذلك .
فقال لها :
وما ذلك المنام ?
فقالت :
إنها كانت نائمة ذات ليلة فرأت صياداً أنصب شركاً في الأرض وبذر حوله قمحاً ثم جلس قريباً منه فلم يبق شيء من الطيور إلا وقد أتى إلى ذلك الشرك ، ورأت في الطيور حمامتين ذكراً وأنثى .
فبينما هي تنظر إلى الشرك وإذا برجل الذكر تعلق في الشرك وصار يتخبط فنفرت عنه جميع الطيور ومرت فرجعت إليه امرأته وحامت عليه ثم تقدمت إلى الشرك والصياد غافل فصارت تنقر العين التي فيها رجل الذكر وصارت تجذبه بمنقارها حتى خلصت رجله من الشرك وطارت الطيور هي وإياه فجاء بعد ذلك الصباح وأصلح الشرك وقعد بعيداً عنه فلم يمض غير ساعة حتى نزلت الطيور وعلق الشرك في الأنثى فنفرت عنها جميع الطيور ومن جملتها الطير الذكر ولم يعد لأنثاه فجاء الصياد وأخذ الطير الأنثى وذبحها فانتبهت مرعوبة من منامها وقالت :
كل ذكر مثل هذا ما فيه خير والرجال جميعهم ما عندهم خير للنساء .
فلما فرغت من حديثها لتاج الملوك قال لها :
يا أمي أريد أن أنظر إليها نظرة واحدة ولو كان ذلك مماتي فتحيلي لي بحيلة حتى أنظرها .
فقالت له :
اعلم أن لها بستاناً تحت قصرها وهو برسم فرجتها وإنها تخرج إليه في كل شهر مرة من باب السر وتقعد فيه عشرة أيام وقد جاء أوان خروجها إلى الفرجة ، فإذا أرادت الخروج أجيء إليك أعلمك حتى تخرج وتصادفها واحرص على أنك لا تفارق البستان فلعلها إذا رأت حسنك وجمالك يتعلق قلبها بمحبتك فإن المحبة أعظم أسباب الاجتماع .
فقال :
سمعاً وطاعة .
ثم قام من الدكان هو وعزيز وأخذا معهما العجوز ومضيا إلى منزلهما وعرفاه لها ثم إن تاج الملوك قال لعزيز :
يا أخي ليس لي حاجة بالدكان وقد قضيت حاجتي منها ووهبتها لك بجميع ما فيها لأنك تغربت معي وفارقت بلادك .
فقبل عزيز منه ذلك ثم جلسا يتحدثان وصار تاج الملوك يسأله عن غريب أحواله وما جرى له وبعد ذلك أقبلا على الوزير وأعلماه بما عزم عليه تاج الملوك وقالا له :
كيف العمل ?
فقال :
قوموا بنا إلى البستان .
فلبس كل واحد منهم أفخر ما عنده وخرجوا وخلفهم ثلاثة مماليك وتوجهوا إلى البستان فرأوه كثير الأشجار غزير الأنهار ورأوا الخولي جالساً على الباب فسلموا عليه فرد عليهم السلام فناوله الوزير مائة دينار وقال :
أشتهي أن تأخذ هذه النفقة وتشتري لنا شيئاً نأكله فإننا غرباء ومعي هؤلاء الأولاد وأردت أن أفرجهم .
فأخذ البستاني الدنانير وقال لهم :
ادخلوا وتفرجوا وجميعه ملككم واجلسوا حتى أحضر لكم بما تأكلون .
ثم توجه إلى السوق ودخل الوزير وتاج الملوك وعزيز داخل البستان بعد أن ذهب البستاني إلى السوق ثم بعد ساعة أتى ومعه خروف مشوي ووضعه بين أيديهم فأكلوا وغسلوا أيديهم وجلسوا يتحدثون فقال الوزير :
أخبرني عن هذا البستان هل هو لك أم أنت مستأجره ?
فقال الشيخ :
ما هو لي وإنما لبنت الملك السيدة دنيا .
فقال الوزير :
كم لك في كل شهر من الأجرة ?
فقال :
دينار واحد لا غير .
فتأمل الوزير في البستان فرأى هناك قصراً عالياً إلا أنه عتيق فقال الوزير :
أريد أن أعمل خيراً تذكرني به .
فقال :
وما تريد أن تفعل من الخير ?
فقال :


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:17 PM   #186
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


خذ هذه الثلثمائة دينار .
فلما سمع الخولي بذكر الدنانير قال :
يا سيدي مهما شئت فافعل .
ثم أخذ الدنانير فقال له الوزير :
إن شاء الله تعالى نفعل في هذا المحل خيراً .
ثم خرجوا من عنده وتوجهوا إلى منزلهم وباتوا تلك الليلة .
فلما كان الغد أحضر الوزير مبيضاً ونقاشاً وصانعاً جيداً ، وأحضر لهم جميع ما يحتاجون إليه من الآلات ودخل بهم البستان وأمرهم ببياض ذلك القصر وزخرفته بأنواع النقش ثم أمر بإحضار الذهب واللازورد وقال للنقاش :
اعمل في صدر هذا الإيوان آدمي صياد كأنه نصب شركه ، وقد وقعت فيه حمامة واشتبكت بمنقارها في الشرك .
فلما نقش النقاش جانباً وفرع من نقشه ، قال له الوزير :
افعل في الجانب الآخر مثل الأول وصور صورة حمامة في الشرك وأن الصياد أخذها ووضع السكين على رقبتها وأعمل في الجانب الآخر صورة جارح كبير قد قنص ذكر الحمام وأنشب فيه مخالبه .
ففعل ذلك فلما فرغ من هذه الأشياء التي ذكرها الوزير ودعوا البستاني ، ثم توجهوا إلى منزلهم وجلسوا يتحدثون .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
وأما ما كان من أمر العجوز فإنها انقطعت في بيتها واشتاقت بنت الملك إلى الفرجة في البستان وهي لا تخرج إلا بالعجوز فأرسلت إليها وصالحتها وطيبت خاطرها وقالت :
إني أريد أن أخرج إلى البستان لأتفرج على أشجاره وأثماره وينشرح صدري بأزهاره .
فقالت لها العجوز :
سمعاً وطاعة ، ولكن أريد أن أذهب إلى بيتي وألبس أثوابي وأحضر عندك .
فقالت :
اذهبي إلى بيتك ولا تتأخري عني .
فخرجت العجوز من عندها وتوجهت إلى تاج الملوك وقالت له :
تجهز والبس أفخر ثيابك واذهب إلى البستان .
فقال :
سمعاً وطاعة .
وجعلت بينها وبينه إشارة ، ثم توجهت إلى السيدة دنيا وبعد ذهابها قام الوزير وعزيز وألبسا تاج الملوك بدلة من أفخر ملابس الملوك تساوي خمسة آلاف دينار وشد في وسطه حياصة من الذهب مرصعة بالجواهر والمعادن ثم توجه إلى البستان .
فلما وصل إلى باب البستان وجد الخولي جالساً هناك فلما رآه البستاني نهض له على الأقدام وقابله بالتعظيم والإكرام وفتح له الباب وقال له :
ادخل وتفرج في البستان .
ويعلم البستاني أن بنت الملك تدخل البستان في هذا اليوم فلما دخل تاج الملوك لم يلبث إلا مقدار ساعة وسمع ضجة فلم يشعر إلا والخدم والجواري خرجوا من باب السر فلما رآهم الخولي ذهب إلى تاج الملوك ، وأعلمه بمجيئها وقال له :
يا مولاي كيف يكون العمل وقد أتت ابنة الملك السيدة دنيا ?
فقال :
لا بأس عليك فإني أختفي في مواضع البستان .
فأوصاه البستاني بغاية الاختفاء ، ثم تركه وراح فلما دخلت بنت الملك هي وجواريها والعجوز في البستان قالت العجوز في نفسها :
متى كان الخدم معنا فإننا لا ننال مقصودنا .
ثم قالت لابنة الملك :
يا سيدتي إني أقول لك عن شيء فيه راحة لقلبك .
فقالت السيدة دنيا :
قولي ما عندك ?
فقالت العجوز :
يا سيدتي إن هؤلاء الخدم لا حاجة لك بهم في هذا الوقت ولا ينشرح صدرك ما داموا معنا فاصرفيهم عنا .
فقالت السيدة دنيا :
صدقت .
ثم صرفتهم ، وبعد قليل تمشت فصار تاج الملوك ينظر إليها وإلى حسنها وجمالها وهي لا تشعر بذلك وكلما نظر إليها يغشى عليه مما يرى من بارع حسنها ، وصارت العجوز تسارقها الحديث إلى أن أوصلتها إلى القصر الذي أمر الوزير بنقشه ، ثم دخلت ذلك القصر وتفرجت على نقشه وأبصرت الطيور ، والصياد والحمام .
فقالت :
سبحان الله إن هذه صفة ما رأيته في المنام .
وصارت تنظر إلى صور الطيور والصياد والشرك وتتعجب ثم قالت :
يا دادتي كنت ألوم الرجال وأبغضهم ولكن انظري الصياد كيف ذبح الطير الأنثى وتخلص الذكر ، وأراد أن يجيء إلى الأنثى ويخلصها فقابله الجارح وافترسه .
وصارت العجوز تتجاهل عليها وتشاغلها بالحديث إلى أن قربا من المكان المختفي فيه تاج الملوك فأشارت إليه العجوز أن يتمشى تحت شبابيك القصر .
فبينما السيدة دنيا كذلك إذ لاحت منها التفاتة فرأته وتأملت جماله وقده واعتداله ، ثم قالت :
يا دادتي من أين هذا الشاب المليح ?
فقالت :
لا أعلم به غير أني أظن أنه ولد ملك عظيم فإنه بلغ من الحسن النهاية ومن الجمال الغاية .
فهامت به السيدة دنيا وانحلت عرى عزائمها وانبهر عقلها من حسنه وجماله وقده واعتداله وتحركت عليها الشهوة ، فقالت للعجوز :
يا دادتي إن هذا الشاب مليح .
فقالت لها العجوز :
صدقت يا سيدتي .
ثم إن العجوز أشارت إلى ابن الملك أن يذهب إلى بيته وقد التهب به نار الغرام وزاد به الوجد والهيام فسار وودع الخولي وانصرف إلى منزله ولم يخالف العجوز وأخبر الوزير وعزيز بأن العجوز أشارت إليه بالانصراف فصارا يصبرانه ويقولان له :
لولا أن العجوز تعلم في رجوعك مصلحة ما أشارت عليك به .
هذا ما كان من أمر تاج الملوك والوزير وعزيز .
وأما ما كان من أمر ابنة الملك السيدة دنيا فإنها غلب عليها الغرام وزاد بها الوجد والهيام ، وقالت للعجوز :
ما أعرف اجتماعي بهذا الشاب إلا منك .
فقالت لها العجوز :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أنت لا تريدين الرجال وكيف حلت بك من عشقه الأوجال ولكن والله ما يصلح لشبابك إلا هو .
فقالت لها السيدة دنيا :
يا دادتي أسعفيني عليه ولك عندي ألف دينار وخلعة بألف دينار وإن لم تسعفيني بوصاله فإني ميتة لا محالة .
فقالت العجوز :
امض أنت إلى قصرك وأنا أتسبب في اجتماعكما ، وأبذل روحي في مرضاتكما .
ثم إن السيدة دنيا توجهت إلى قصرها وتوجهت العجوز إلى تاج الملوك فلما رآها نهض لها على الأقدام وقابلها بإعزاز وإكرام وأجلسها إلى جانبه فقالت له :
إن الحيلة قد تمت .
وحكت له ما جرى لها مع السيدة دنيا فقال لها :
متى يكون الاجتماع ?
قالت :
في غد .
فأعطاها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت ، وما زالت سائرة حتى دخلت على السيدة دنيا فقالت لها :
يا دادتي ما عندك من خبر الحبيب شيء ?
فقالت لها :
قد عرفت مكانه وفي غد أكون به عندك .
ففرحت السيدة دنيا بذلك وأعطتها ألف دينار وحلة بألف دينار فأخذتهما وانصرفت إلى منزلها وباتت فيه إلى الصباح ، ثم خرجت وتوجهت إلى تاج الملوك وألبسته لبس النساء وقالت له :
امش خلفي وتمايل في خطواتك ولا تستعجل في مشيك ولا تلتفت إلى من يكلمك .
وبعد أن أوصت تاج الملوك بهذه الوصية خرجت وخرج خلفها ، وهو في زي النسوان وصارت تعلمه في الطريق حتى لا يفزع ولم تزل ماشية وهو خلفها حتى وصلا إلى باب القصر فدخلت وهو وراءها وصارت تخرق الأبواب والدهاليز إلى أن جاوزت به سبعة أبواب ولما وصلت إلى الباب السابع قالت لتاج الملوك :
قوي قلبك ، وإذا زعقت عليك وقلت لك :
يا جارية اعبري فلا تتوان في مشيك وهرول فإذا دخلت الدهليز فانظر إلى شمالك ترى إيواناً فيه خمسة أبواب وادخل الباب السادس فإن مرادك فيه .
فقال تاج الملوك :
وأين تروحين أنت ?
فقالت له :
ما أروح موضعاً غير أني ربما أتأخر عنك وأتحدث مع الخادم الكبير .
ثم مشت وهو خلفها حتى وصلت إلى الباب الذي فيه الخادم الكبير فرأى معها تاج الملوك في صورة جارية فقال لها :
ما شأن هذه الجارية التي معك ?
فقالت له :
هذه جارية قد سمعت السيدة دنيا بأنها تعرف الأشغال وتريد أن تشتريها .
فقال لها الخادم :
أنا لا أعرف جارية ولا غيرها ولا يدخل أحد حتى أفتشه كما أمرني الملك .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:18 PM   #187
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثالثة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن العجوز قالت للبواب وقد أظهرت الغضب :
أنا أعرف أنك عاقل ومؤدب فإذا كان حالك قد تغير فإني أعلمها بذلك وأخبرها أنك تعرضت لجاريتها .
ثم زعقت على تاج الملوك وقالت له :
اعبري يا جارية .
فعند ذلك عبر إلى داخل الدهليز كما أمرته وسكت الخادم ولم يتكلم ، ثم إن تاج الملوك عد خمسة أبواب ودخل الباب السادس فوجد السيدة دنيا واقفة في انتظاره ، فلما رأته عرفته فضمته إلى صدرها وضمها إلى صدره ثم دخلت العجوز عليهما وتحيلت على صرف الجواري ثم قالت السيدة دنيا للعجوز :
كوني أنت البوابة .
ثم اختلت هي وتاج الملوك ولم يزالا في ضم وعناق والتفاف ساق على ساق إلى وقت السحر .
ولما أصبح الصباح أغلقت عليهما الباب ودخلت مقصورة أخرى وجلست على جري عادتها وأتت إليها الجواري فقضت حوائجهن وصارت تحدثهن ، ثم قالت لهن :
اخرجن الآن من عندي فإني أريد أن أنشرح وحدي .
فخرجت الجواري من عندها ثم إنها أتت إليهما ومعها شيء من الأكل فأكلوا وأخذوا في الهراش إلى وقت السحر فأغلقت عليهما مثل اليوم الأول ، ولم يزالا على ذلك مدة شهر كامل .
هذا ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا .
وأما ما كان من أمر الوزير وعزيز فإنهما لما توجه تاج الملوك إلى قصر بنت الملك ومكث تلك المدة علما أنه لا يخرج منه أبداً وأنه هالك لا محالة فقال عزيز :
يا والدي ماذا نصنع ?
فقال الوزير :
يا ولدي إن هذا الأمر مشكل وإن لم نرجع إلى أبيه ونعلمه فإنه يلومنا على ذلك .
ثم تجهزا في الوقت والساعة وتوجها إلى الأرض الخضراء والعمودين وتخت الملك سليمان شاه وسارا يقطعان الأودية في الليلة والنهار إلى أن دخلا على الملك سليمان شاه وأخبراه بما جرى لولده وأنه من حين دخل قصر بنت الملك لم يعلموا له خبر فعند ذلك قامت عليه القيامة واشتدت به الندامة وأمر أن ينادي في مملكته بالجهاد ثم أبرز العساكر إلى خارج مدينته ونصب لهم الخيام وجلس في سرادقه حتى اجتمعت الجيوش من سائر الأقطار ، وكانت رعيته تحبه لكثرة عدله وإحسانه ثم سار في عسكر سد الأفق متوجهاً في طلب ولده تاج الملوك .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
وأما ما كان من أمر تاج الملوك والسيدة دنيا فإنهما أقاما على حالهما نصف سنة وهما كل يوم يزدادان محبة في بعضهما وزاد على تاج الملوك العشق والهيام والوجد والغرام حتى أفصح لها عن الضمير وقال لها :
اعلمي يا حبيبة القلب والفؤاد أني كلما أقمت عندك ازددت هياماً ووجداً وغراماً لأني ما بلغت المرام بالكلية .
فقالت له :
وما تريد يا نور عيني ?


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:18 PM   #188
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الرابعة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن دنيا قالت لتاج الملوك :
وماذا تريد يا نور عيني وثمرة فؤادي ؟ إن شئت غير الضم والعناق والتفاف الساق على الساق فافعل الذي يرضيك وليس لله فينا شريك .
فقال :
ليس مرادي هكذا وإنما مرادي أن أخبرك بحقيقتي فاعلمي إني لست بتاجر بل أنا ملك ابن ملك واسم أبي سليمان شاه الذي أنفذ الوزير رسولاً إلى أبيك ليخطبك لي فلما بلغك الخبر ما رضيت .
ثم إنه قص عليها قصته من الأول إلى الآخر وليس في الإعادة إفادة ، وأريد الآن أن أتوجه إلى أبي ليرسل رسولاً إلى أبيك ويخطبك منه ونستريح .
فلما سمعت ذلك الكلام فرحت فرحاً شديداً لأنه وافق غرضها ثم على هذا الاتفاق ، واتفق في الأمر المقدور أن النوم غلب عليهما في تلك الليلة من دون الليالي واستمرا إلى أن طلعت الشمس ، وفي ذلك الوقت كان الملك شهرمان جالساً في دست مملكته وبين يديه أمراء دولته إذ دخل عليه عريف الصياغ وبيده حق كبير وفتحه بين يدي الملك وأخرج منه علبة لطيفة تساوي مائة ألف دينار لما فيها من الجواهر واليواقيت والزمرد والتفت إلى الخادم الكبير الذي جرى له مع العجوز ما جرى وقال له :
يا كافور خذ هذه العلبة وامض بها إلى السيدة دنيا .
فأخذها الخادم ومضى حتى وصل إلى مقصورة بنت الملك فوجد بابها مغلقاً والعجوز نائمة على عتبته فقال الخادم :
إلى هذه الساعة وأنتم نائمون ?
فلما سمعت العجوز كلام الخادم انتبهت من منامها وخافت منه وقالت له :
اصبر حتى آتيك بالمفتاح ثم خرجت على وجهها هاربة .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر الخادم فإنه عرف أنها مرتابة فخلع الثياب ودخل المقصورة فوجد السيدة دنيا معانقة لتاج الملوك وهما نائمان .
فلما رأى ذلك تحير في أمره وهم أن يعود إلى الملك فانتبهت السيدة دنيا فوجدته فتغيرت واصفر لونها وقالت له :
يا كافور استر ما ستر الله .
فقال :
أنا ما أقدر أن أخفي شيئاً عن الملك .
ثم أقفل الباب عليهما .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:19 PM   #189
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue



الليلة الخامسة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الخادم لما أقفل الباب عليهما رجع إلى الملك فقال له :
هل أعطيت العلبة لسيدتك ?
فقال الخادم :
خذ العلبة ها هي وأنا لا أقدر أن أخفي شيئاً ، اعلم أني رأيت عند السيدة دنيا شاباً جميلاً نائماً معها في فراش واحد وهما متعانقان .
فأمر الملك بإحضارهما فلما حضرا بين يديه قال لهما :
ما هذه الفعال ?
واشتد به الغيظ فأخذ نمشة وهم أن يضرب به تاج الملوك وقال له :
ويلك من أنت ? ومن أين أنت ? ومن هو أبوك وما جسرك على ابنتي ?
فقال تاج الملوك :
اعلم أيها الملك إن قتلتني هلكت وندمت أنت ومن معك في مملكتك .
فقال له الملك :
ولم ذلك ?
فقال :
اعلم أني ابن الملك سليمان شاه وما تدري إلا وقد أقبل عليك بخيله ورجاله .
فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام أراد أن يؤخر قتله ويضعه في السجن حتى ينظر صحة قوله ، فقال له وزيره :
يا ملك الزمان الرأي عندي أن تعجل قتل هذا العلق فإنه تجاسر على بنات الملوك .
فقال للسياف :
اضرب عنقه فإنه خائن .
فأخذه السياف وشد وثاقه ورفع يده وشاور الأمراء أولاً وثانياً وقصد بذلك أن يكون في الأمر توان فزعق عليه الملك وقال :
متى تشاور إن شاورت مرة أخرى ضربت عنقك .
فرفع السياف يده حتى بان شعر إبطه وأراد أن يضرب عنقه .


 

رد مع اقتباس
قديم 15-05-2009, 07:19 PM   #190
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السادسة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن السياف رفع يده وأراد أن يضرب عنقه وإذا بزعقات عالية والناس أغلقوا الدكاكين فقال للسياف :
لا تعجل .
ثم أرسل من يكشف الخبر فمضى الرسول ثم عاد إليه وقال له :
رأيت عسكراً كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج وخيلهم في ركض وقد ارتجت لهم الأرض وما أدري خبرهم .
فاندهش الملك وخاف على ملكه أن ينزع منه ثم التفت إلى وزيره وقال له :
أما خرج أحد من عسكرنا إلى هذا العسكر ?
فما أتم كلامه إلا وحجابه قد دخلوا عليه ومعهم رسل الملك القادم ومن جملتهم الوزير فابتدأه بالسلام فنهض لهم قائماً وقربهم وسألهم عن شأن قدومهم فنهض الوزير من بينهم وتقدم إليه وقال له :
اعلم أن الذي نزل بأرضك ليس كالملوك المتقدمين ولا مثل السلاطين السالفين .
فقال له الملك :
ومن هو ?
قال الوزير :
هو صاحب العدل والأمان الذي سارت بعلو همته الركبان السلطان سليمان شاه صاحب الأرض الخضراء والعمودين وجبال أصفهان وهو يحب العدل والإنصاف ويكره الجور والاعتساف ويقول لك :
إن ابنه عندك وفي مدينتك وهو حشاشة قلبه وثمرة فؤاده ، فإن وجده سالماً فهو المقصود وأنت المشكور المحمود وإن كان فقد من بلادك أو أصابه شيء فأبشر بالدمار وخراب الديار لأنه يصير بلدك قفراً ينعق فيها البوم والغراب ، وها أنا قد بلغتك الرسالة والسلام .
فلما سمع الملك شهرمان ذلك الكلام من الرسول انزعج فؤاده وخاف على مملكته وزعق على أرباب دولته ووزرائه وحجابه ونوابه فلما حضروا قال لهم :
ويلكم انزلوا وفتشوا على ذلك الغلام .
وكان تحت يد السياف وقد تغير من كثرة ما حصل من الفزع ، ثم إن الرسول لاحت منه التفاتة فوجد ابن ملكه على نطع الدم فعرفه وقام ورمى روحه عليه وكذلك بقية الرسل ثم تقدموا وحلوا وثاقه وقبلوا يديه ورجليه ففتح تاج الملوك عينيه فعرف وزير والده وعرف صاحبه عزيز فوقع مغشياً عليه من شدة فرحته بهما .
ثم إن الملك شهرمان صار متحيراً في أمره وخاف خوفاً شديداً لا تحقق مجيء هذا العسكر بسبب هذا الغلام فقام وتمشى إلى تاج الملوك وقبل رأسه ودمعت عيناه وقال له :
يا ولدي لا تؤاخذني ولا تؤاخذ المسيء بفعله فارحم شيبتي ولا تخرب مملكتي .
فدنا منه تاج الملوك وقبل يده وقال له :
لا باس عليك وأنت عندي بمنزلة والدي ولكن الحذر أن يصيب محبوبتي السيدة دنيا شيء .
فقال الملك شهرمان :
لا تخف عليها فما يحصل لها إلا السرور .
وسار الملك يعتذر إليه ويطيب خاطر وزير الملك سليمان شاه ووعده بالمال الجزيل على أن يخفي من الملك ما رآه ، ثم بعد ذلك أمر كبراء دولته أن يأخذوا تاج الملوك ويذهبوا به إلى الحمام ويلبسوه بدلة من خيار الملابس ويأتوا بسرعة ففعلوا ذلك وأدخلوه الحمام وألبسوه البدلة التي أفردها له الملك شهرمان ثم أتوا به إلى المجلس .
فلما دخل على الملك شهرمان وقف له هو وجميع أرباب دولته وقام الجميع في خدمته .
ثم إن تاج الملوك جلس يحدث وزير والده وعزيز بما وقع له ، فقال له الوزير وعزيز :
ونحن في تلك المدة مضينا إلى والدك فأخبرناه بأنك دخلت سراية بنت الملك ولم تخرج والتبس علينا أمرك ، فحين سمع بذلك جهز العساكر ثم قدمنا هذه الديار وكان في قدومنا الفرح والسرور .
فقال لهما :
لا زال الخير يجري على أيديكما أولاً وآخراً .
وكان الملك في ذلك الوقت قد دخل على ابنته السيدة دنيا فوجدها تبكي على تاج الملوك وقد أخذت سيفاً وركزت قبضته إلى الأرض وجعلت ذبابته على رأس قلبها بين نهديها وانحنت على السيف وصارت تقول :
لابد أن أقتل نفسي ولا أعيش بعد حبيبي .
فلما دخل عليها أبوها ورآها على هذه الحالة صاح عليها وقال لها :
يا سيدة بنات الملوك لا تفعلي وارحمي أباك وأهل بلدتك .
ثم تقدم إليها وقال لها :
أحاشيك أن يصيب والدك بسببك سوء .
ثم أعلمها بالقصة وأن محبوبها ابن الملك سليمان شاه يريد زواجها وقال لها :
إن أمر الخطبة والزواج مفوض إلى رأيك .
فتبسمت وقالت له :
أما قلت لك إنه ابن سلطان فأنا أخليه يصلبك على خشبة لا تساوي درهمين .
فقال لها :
بالله عليك أن ترحمي أباك .
فقالت له :
رح إليه وائتني به .
فقال لها :
على الرأس والعين .
ثم رجع من عندها سريعاً ودخل على تاج الملوك وشاوره بهذا الكلام ، ثم قام معه وتوجها إليها فلما رأت تاج الملوك عانقته قدام أبيها وتعلقت به وقالت له :
أوحشتني .
ثم التفتت إلى أبيها وقالت :
هل أحد يفرط في مثل هذا الشاب المليح وهو ملك ابن ملك ?
فعند ذلك خرج الملك شهرمان ورد الباب عليهما ومضى إلى وزير أبي تاج الملوك ورسله وأمرهم أن يعلموا السلطان شاه بأن ولده بخير وعافية وهو في ألذ عيش ، ثم إن السلطان شهرمان أمر بإخراج الضيافات والعلوفات إلى عساكر السلطان سليمان شاه والد تاج الملوك فلما خرجوا جميع ما أمر به أخرج مائة من الخيل ومائة هجين ومائة مملوك ومائة عبد ومائة جارية وأرسل الجميع إليه هدية ، ثم بعد ذلك توجه إليه هو وأرباب دولته وخواصه حتى صاروا في ظاهر المدينة .
فلما علم بذلك السلطان سليمان شاه تمشى خطوات إلى لقائه وكان الوزير وعزيز أعلماه ففرح وقال :
الحمد لله الذي بلغ ولدي مناه .
ثم إن الملك سليمان شاه أخذ الملك شهرمان بالحضن وأجلسه بجانبه على السرير وصار يتحدث هو وإياه ثم قدموا لهم الطعام فأكلوا حتى اكتفوا ثم قدموا لهم الحلويات ولم يمض إلا قليل حتى جاء تاج الملوك وقدم عليه بلباسه وزينته ، فلما رآه والده قام له وقبله وقام له جميع من حضر وجلس بين أيديهم ساعة يتحدثون .
فقال الملك سليمان شاه :
إني أريد أن أكتب كتاب ولدي على ابنتك على رؤوس الأشهاد .
فقال له :
سمعاً وطاعة .
ثم أرسل الملك شهرمان إلى القاضي والشهود فحضروا وكتبوا الكتاب وفرح العساكر بذلك وشرع الملك شهرمان في تجهيز ابنته .
ثم قال تاج الملوك لوالده :
أن عزيزاً رجل من الكرام وقد خدمني خدمة عظيمة وتعب وسافر معي وأوصلني إلى بغيتي ولم يزل يصبر لي حتى قضيت حاجتي ومضى معنا سنتان وهو مشتت من بلاده ، فالمقصود أننا نهيء له تجارة لأن بلاده قريبة .
فقال له والده :
نعم ما رأيت .
ثم هيأوا له مائة حمل من أغلى القماش وأقبل عليه تاج الملوك وودعه وقال له :
اقبل هذه على سبيل الهدية .
فقبلها منه وقبل الأرض قدامه وقدام والده سليمان شاه ثم ركب تاج الملوك وسافر مع عزيز قدر ثلاثة أميال وبعدها أقسم عليه عزيز أن يرجع .
وقال :
بالله لولا والدتي ما صبرت على فراقك ، فبالله عليك لا تقطع أخبارك عني .
ثم ودعه ومضى إلى مدينته فوجد والدته بنت له في وسط الدار قبراً وصارت تزوره ، ولما دخل الدار وجدها قد حلت شعرها ونشرته على القبر وهي تفيض دمع العين وتنشد هذين البيتين :
بالله يا قبر هل زالت محاسنـه ........ أو قد تغير ذات المنظر النضر
يا قبر ما أنت بستان ولا فلـك ........ فكيف يجمع فيك البدر والزهر
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات :
مالي مررت على القبور مسلما ........ قبر الحبيب فلم يرد جـوابـي
قال الحبيب وكيف رد جوابكـم ........ وأنا رهين جـنـادل وتـراب
أكل التراب محاسني فنسيتكـم ........ وحجبت عن أهلي وعن أحبابي
فلما أتمت شعرها إلا وعزيز داخل عليها ، فلما رأته قامت إليه واحتضنته وسألته عن سبب غيابه فحدثها بما وقع له من أوله إلى آخره وأن تاج الملوك أعطاه من المال والأقمشة مائة حمل من القماش ففرحت بذلك وأقام عزيز عند والدته متحيراً فيما وقع له من الدليلة المحتالة التي خصته .
هذا ما كان من أمر عزيز .
وأما ما كان من أمر تاج الملوك فإنه دخل بمحبوبته السيدة دنيا وأزال بكارتها ، ثم إن الملك شهرمان شرع في تجهيز ابنته للسفر مع زوجها وأبيه فأحضر لهم الزاد والهدايا والتحف ، ثم حملوا وسار معهم الملك شهرمان ثلاثة أيام لأجل الوداع فأقسم عليه الملك سليمان شاه بالرجوع فرجع وما زال تاج الملوك ووالده وزوجته سائرين في الليل والنهار حتى أشرفوا على بلادهم وزينت لهم المدينة .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:06 AM   #191
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السابعة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سليمان شاه لما وصل إلى بلده جلس على سرير مملكته وابنه تاج الملوك في جانبه ثم أعطى ووهب وأطلق من كان في الحبوس ، ثم عمل لولده عرساً ثانياً واستمرت به المغاني والملاهي شهراً كاملاً ، وازدحمت المواشط على السيدة دنيا وهي لا تمل من الجلاء ولا يمللن من النظر إليها ، ثم دخل تاج الملوك على زوجته بعد أن اجتمع مع أبيه وأمه وما زالوا في ألذ العيش وأهنأه .
فعند ذلك قال ضوء المكان للوزير دندان :
إن مثلك من ينادم الملوك ويسلك في تدبيرهم أحسن السلوك .
هذا كله وهم محاصرون للقسطنطينية حتى مضى عليهم أربع سنين ثم اشتاقوا إلى أوطانهم وضجرت العساكر من الحصار وإدامة الحرب في الليل والنهار فأمر الملك ضوء المكان بإحضار بهرام ورستم وتركاش ، فلما حضروا قال لهم :
اعلموا أننا قمنا هذه السنين وما بلغنا مراماً فازددنا غماً وهماً ، وقد أتينا لنخلص ثأر الملك عمر النعمان فقتل أخي شركان فصارت الحسرة حسرتين والمصيبة مصيبتين ، هذا كله من العجوز ذات الدواهي فإنها قتلت السلطان في مملكته وأخذت زوجته الملكة صفية وما كفاها ذلك حتى عملت الحيلة علينا ، وذبحت أخي وقد حلفت الأيمان العظيمة أنه لابد من أخذ الثأر فما تقولون أنتم فافهموا هذا الخطاب وردوا علي الجواب .
فأطرقوا رؤوسهم وأحالوا الأمر على الوزير دندان .
فعند ذلك تقدم الوزير دندان إلى الملك ضوء المكان ، وقال له :
اعلم يا ملك الزمان أنه ما بقي في إقامتنا فائدة والرأي أننا نرحل إلى الأوطان ونقيم هناك برهة من الزمان ثم نعود ونغزوا الأعداء .
فقال الملك :
نعم هذا الرأي لأن الناس اشتاقوا إلى رؤية عيالهم وأنا أيضاً أقلقني الشوق إلى ولدي كان ما كان وإلى ابنة أخي قضى فكان لأنها في دمشق ولا أعلم ما كان من أمرهما .
فلما سمعت العساكر ذلك فرحوا ودعوا للوزير دندان ثم إن الملك ضوء المكان أمر المنادي أن ينادي بالرحيل بعد ثلاثة أيام ، فابتدأوا في تجهيز أحوالهم وفي اليوم الرابع دقت الكاسات ونشرت الرايات ، وتقدم الوزير دندان في مقدم العسكر وسار الملك في وسط العساكر ، وبجانبه الحاجب الكبير وسارت الجيوش ومازالوا مجدين السير بالليل والنهار حتى وصلوا إلى مدينة بغداد ففرحت بقدومهم الناس وزال عنهم الهم والبأس ثم ذهب كل أمير إلى داره وطلع الملك إلى قصره ودخل على ولده كان ما كان ، وقد بلغ من العمر سبع سنين وصار ينزل ويركب ولما استراح الملك من السفر دخل الحمام هو وولده كان ما كان ثم رجع وجلس على كرسي مملكته ووقف الوزير دندان بين يديه وطلعت الأمراء وخواص الدولة ووقفوا في خدمته .
فعند ذلك أمر الملك ضوء المكان بإحضار صاحبه الوقاد ، الذي أحسن إليه في غربته فحضر بين يديه فلما رآه الملك ضوء المكان قادماً عليه نهض له قائماً وأجلسه إلى جانبه وكان الملك ضوء المكان قد أخبر الوزير دندان بما فعل معه صاحبه الوقاد من المعروف فعظم في عينه وفي أعين الأمراء وكان الوقاد قد غلظ وسمن من الأكل والراحة ، وصار عنقه كعنق الفيل وبطنه كبطن الدرفيل وصار طائش العقل لأنه كان لا يخرج من المكان الذي هو فيه فلم يعرف الملك بسيماه .
أقبل عليه الملك وبش في وجهه وحياه أعظم التحيات وقال له :
ما أسرع ما نسيتني .
فأمعن فيه النظر فلما تحققه وعرفه قام له على الأقدام قال له :
يا حبيبي من عملك سلطاناً ?
فضحك عليه فأقبل عليه الوزير بالكلام وشرح له بالقصة وقال له :
إنه كان أخاك وصاحبك والآن صار ملك الأرض ولابد أن يصل إليك منه خير كثير وها أنا أوصيك إذا قال لك :
تمن علي فلا تتمن إلا شيئاً عظيماً لأنك عنده عزيز .
فقال الوقاد :
أخاف أن أتمنى عليه شيئاً فلا يسمح لي به أو لا يقدر عليه .
فقال له الوزير :
طيب قلبك والله لو طلبت ولاية دمشق موضع أخيه لولاك عليها .
فقال له :
والله لابد أن أتمنى عليه الشيء الذي هو في خاطري وكل يوم أرجو منه أن يسمح لي به .
فعند ذلك قام الوقاد على قدميه فأشار له ضوء المكان أن يجلس فأبى ، وقال :
معاذ الله قد انفضت أيام قعودي في حضرتك .
فقال له السلطان :
لا بل هي باقية إلى الآن فإنك كنت سبباً لحياتي والله لو طلبت مني مهما أردت لأعطيتك إياه فيمن علي الله .
فقال :
والله يا سيدي إني أخاف أن أتمنى شيئاً فلا تسمح لي به أو لا تقدر عليه .
فضحك السلطان وقال له :
لو تمنيت نصف مملكتي لشاركتك فيها فتمن ما تريد .
قال الوقاد :
أخاف أن أتمنى شيئاً لا تقدر عليه .
فغضب السلطان وقال له :
تمن ما أردت .
فقال له :
تمنيت عليك أن تكتب لي مرسوماً بمرافقة جميع الوقادين الذين في مدينة القدس .
فضحك السلطان وجميع من حضر وقال له :
تمن غير هذا .
فقال الوقاد :
أنا ما قلت لك إني أن أتمنى شيئاً لا تسمح لي به وما تقدر عليه .
فغمزه الوزير ثانياً وفي هذه المرة قال :
أتمنى عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس أو في دمشق .
فانقلب الحاضرون على ظهورهم من الضحك عليه وضربه الوزير .
فالتفت الوقاد إلى الوزير وقال له :
ما تكون حتى تضربني ومالي ذنب فإنك أنت الذي قلت لي تمن شيئاً عظيماً .
ثم قال :
دعوني أسير إلى بلادي .
فعرف السلطان أنه يلعب فصبر قليلاً ، ثم أقبل عليه وقال له :
يا أخي تمن علي أمراً عظيماً بمقامي لائقاً .
فقال له :
أتمنى سلطنة دمشق موضع أخيك .
فكتب له التوقيع بذلك وقال للوزير دندان :
ما يروح معه غيرك ، وإذا أردت العودة فأحضر معك بنت أخي قضى فكان .
فقال الوزير :
سمعاً وطاعة .
ثم أخذ الوقاد ونزل به وتجهز للسفر ، وأمر ضوء المكان أن يخرجوا للوقاد تختاً جديداً وطقم سلطنة وقال للأمراء :
من كان يحبني فليقدم إليه هدية عظيمة .
ثم سماه السلطان الزبلكان ولقبه بالمجاهد وبعد أن كملت حوائجه وطلع الزبلكان وفي خدمته الوزير دندان ثم دخل على ضوء المكان ليودعه فقام له وعانقه وأوصاه بالعدل بين الرعية وأمره أن يأخذ الأهبة للجهاد بعد سنتين ثم ودعه وانصرف .
وسار الملك المجاهد المسمى بالزبلكان ، بعد أن أوصاه الملك ضوء المكان بالرعية خيراً وقدمت له الأمراء المماليك فبلغوا خمسة آلاف مملوك وركبوا خلفه وركب الحاجب الكبير وأمير الديلم بهرام وأمير الترك رستم وأمير العرب تركاش وساروا في توديعه ما زالوا سائرين معه ثلاثة أيام ثم عادوا إلى بغداد وسار السلطان الزبلكان هو والوزير دندان .
.


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:06 AM   #192
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


وما زالوا سائرين حتى وصلوا إلى دمشق وكانت الأخبار قد وصلت إليهم على أجنحة الطيور بأن الملك ضوء المكان سلطن على دمشق ملكاً يقال له :
الزبلكان ولقبه بالمجاهد .
فلما وصل إليهم الخبر زينوا له المدينة وخرج إلى ملاقاته كل من في دمشق ثم دخل دمشق وطلع القلعة وجلس على سرير المملكة ووقف الوزير دندان في خدمته يعرفه منازل الأمراء ومراتبهم وهم يدخلون عليه ويقبلون يديه ويلوحون له .
فأقبل عليهم الملك الزبلكان وخلع وأعطى ووهب ، ثم فتح خزائن الأموال وأنفقها على جميع العساكر كبيراً وصغيراً ، وحكم وعدل وشرع الزبلكان في تجهيز بنت السلطان قضى فكان وجعل لها محفة من الإبريسم وجهز الوزير وقدم له شيئاً من المال .
فأتى الوزير دندان ، وقال له :
أنت قريب عهد بالملك وربما تحتاج إلى الأموال أو نرسل إليك نطلب منك مالاً للجهاد أو غير ذلك .
ولما تهيأ الوزير دندان للسفر ركب السلطان المجاهد إلى وداعه وأحضر قضى فكان وأركبها في المحفة وأرسل معها عشر جوار برسم الخدمة .
وبعد أن سافر الوزير دندان رجع الملك المجاهد إلى مملكته ليديرها واهتم بآلة السلاح وصار ينتظر الوقت الذي يرسل فيه الملك ضوء المكان .
هذا ما كان من أمر السلطان الزبلكان .
وأما ما كان من أمر الوزير دندان فإنه لم يزل يقطع المراحل بقضى فكان حتى وصل إلى الرحبة بعد شهر ، ثم سار حتى أشرف على بغداد وأرسل يعلم ضوء المكان بقدومه فركب وخرج إلى لقائه فأراد الوزير دندان أن يترجل .
فأقسم عليه الملك ضوء المكان أن لا يفعل فسار راكباً حتى جاء إلى جانبه وسأله عن المجاهد فأعلمه أنه بخير وأعلمه بقدوم قضى فكان بنت أخيه شركان ففرح وقال له :
دونك والراحة من تعب السفر ثلاثة أيام .
ثم بعد ذلك تعال عندي فقال :
حباً وكرامة .
ثم دخل بيته وطلع الملك إلى قصره ودخل على ابنة أخيه قضى فكان وهي ابنة ثمان سنين فلما رآها فرح بها وحزن على أبيها وأعطاها حلياً ومصاغاً عظيماً ، وأمر أن يجعلوها مع ابن عمها كان ما كان في مكان واحد وكانت أحسن أهل زمانها وأشجعهم لأنها كانت صاحبة تدبير وعقل ومعرفة بعواقب الأمور .
وأما كان ما كان فإنه كان مولعاً بمكارم الأخلاق ولكنه لا يفكر في عاقبة شيء ثم بلغ عمر كل واحد من الاثنين عشر سنين وصارت قضى فكان تركب الخيل وتطلع مع ابن عمها في البر ، ويتعلمان الضرب بالسيف والطعن بالرمح حتى بلغ عمر كل منهما اثنتي عشرة سنة .
ثم إن الملك انتهت أشغاله للجهاد وأكمل الأهبة والاستعداد ، فأحضر الوزير دندان وقال له :
اعلم أني عزمت على شيء وأريد إطلاعك عليه فأسرع في رد الجواب .
فقال الوزير دندان :
ما هو يا ملك الزمان .
قال :
عزمت على أن أسلطن ولدي كان ما كان وأفرح به في حياتي وأقاتل قدامه إلى أن يدركني الممات فما عندك من الرأي ?
فقبل الوزير دندان الأرض بين يدي الملك ضوء المكان ، وقال له :
اعلم أيها الملك السعيد صاحب الرأي السديد أن ما خطر ببالك مليح غير أنه لا يناسب في هذا الوقت الخصلتين ، الأولى :
أن ولدك كان ما كان صغير السن .
والثانية :
ما جرت به العادة أن من سلطن ولده في حياته لا يعيش إلا قليلاً ، وهذا ما عندي من الجواب .
فقال :
اعلم أيها الوزير أننا نوصي عليه الحاجب الكبير صار منا وعلينا ، وقد تزوج أختي ، فهو في منزلة أخي .
فقال الوزير :
افعل ما بدا لك فنحن ممتثلون أمرك .
فأرسل الملك إلى الحاجب الكبير فأحضره وكذلك أكابر مملكته وقال لهم :
إن هذا ولدي كان ما كان قد علمتم أنه فارس الزمان وليس له نظير في الحرب والطعان وقد جعلته سلطاناً عليكم والحاجب الكبير وصي عليه .
فقال الحاجب :
يا ملك الزمان إنما أنا أسير نعمتك .
فقال ضوء المكان :
أيها الحاجب إن ولدي كان ما كان وابنة أخي قضى فكان ولدا عم وقد زوجتها به وأشهد الحاضرين على ذلك .
ثم نقل لولده المال ما يعجز عن وصفه اللسان وبعد ذلك دخل على أخته نزهة الزمان وأعلمها بذلك ففرحت ، وقالت :
إن الاثنين ولداي والله تعالى يبقيك لهما مدى الزمان .
فقال :
يا أختي إني قضيت من الدنيا غرضي وأمنت على ولدي ولكن ينبغي أن تلاحظيه بعينك وتلاحظي أمه ثم أخذ يوصي الحاجب ونزهة الزمان على ولده وعلى زوجته ليالي وأياماً وقد أيقن بكأس الحمام ولزم الوساد وصار الحاجب يتعاطى أحكام العباد وبعد سنة أحضر ولده كان ما كان والوزير دندان ، وقال :
يا ولدي إن هذا الوزير والدك من بعدي ، واعلم أني راحل من الدار الفانية إلى الدار الباقية وقد قضيت غرضي من الدنيا ولكن بقي في قلبي حسرة يزيلها الله على يديك .
فقال ولده :
وما تلك الحسرة يا والدي ?
فقال :
يا ولدي أن أموت ولم تأخذ بثأر جدك عمر النعمان ، وعمك الملك شركان من عجوز يقال لها ذات الدواهي فإن أعطاك الله النصر لا تغفل عن أخذ الثأر وكشف العار وإياك من مكر العجوز وأقبل ما يقوله لك الوزير دندان لأنه عماد ملكنا من قديم الزمان .
فقال له ولده :
سمعاً وطاعة .
ثم هملت عيناه بالدموع .
وبعد ذلك ازداد المرض بضوء المكان وصار أمر المملكة للحاجب فصار يحكم ويأمر وينهي واستمر على ذلك سنة كاملة وضوء المكان مشغول بمرضه ومازالت به الأمراض مدة أربع سنين والحاجب الكبير قائم بأمر الملك ، وارتضى به أهل المملكة ودعت له جميع البلاد .
هذا ما كان من أمر ضوء المكان والحاجب .
وأما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لم يكن له شغل إلا ركوب الخيل واللعب بالرمح والضرب بالنشاب وكذلك ابنة عمه قضى فكان وكانت تخرج هي وإياه من أول النهار إلى الليل فتدخل إلى أمها ويدخل هو إلى أمه فيجدها جالسة عند رأس أبيه تبكي فيخدمه بالليل .
وإذا أصبح يخرج هو وبنت عمه على عادتهما وطالت بضوء المكان التوجعات فبكى وأنشد هذه الأبيات :
تفانت قوتـي ومضى زمانـي ........ وها أنا قد بقيت كما ترانـي
فيوم العز كنت أعز قـومـي ........ وأسبقهم إلى نـيل الأمـانـي
وقد فارقت ملكي بعـد عـزي ........ إلى ذل تخـلـل بـالـهـوان
ترى قبل الممـات أرى غلامي ........ يكون على الورى ملكاً مكاني
ويفتك بالـعـداة لأخـذ ثـأر ........ بضرب السيف أو طعن السنان
أنا المغبون فـي هـزل وجد ........ إذا مولاي لا يشفي جنـانـي
فلما فرغ من شعره وضع رأسه على الوسادة ونام فرأى في منامه قائلاً يقول له :
أبشر فإن ولدك يملك البلاد وتطيعه العباد .
فانتبه من منامه مسروراً ثم بعد أيام قلائل طرقه الممات فأصاب أهل بغداد مصاب عظيم وبكى عليه الوضيع والعظيم ومضى عليه الزمان كأنه ما كان وتغير حال كان ما كان وعزله أهل بغداد وجعلوه هو وأمه في بيت على حدتهم .
فلما رأت أم كان ما كان ذلك صارت في أذل الأحوال ثم قالت :
لابد من قصد الحاجب الكبير وأرجو الرأفة من اللطيف الخبير .
فقامت من منزلها إلى أن أتت إلى بيت الحاجب الذي صار سلطاناً فوجدته جالساً على فراشه .
فدخلت عند زوجته نزهة الزمان ، وقالت :
إن الميت ماله صاحب فلا أحوجكم الله مدى الدهور والأعوام ولا زلتم تحكمون بالعدل بين الخاص والعام قد سمعت أذناك ورأت عيناك ما كنا فيه من الملك والعز والجاه والمال وحسن المعيشة والحال والآن انقلبت علينا الزمان وقصدنا الدهر بالعدوان ، وأتيت إليك قاصدة إحسانك بعد إسدائي للإحسان لأن الرجل إذا مات ذلت بعده النساء والبنات ، ثم أنشدت هذه الأبيات :
كفاك بان الموت بادي العجـائب ........ وما غائب الأعمار عنا بغـائب
وما هـذه الأيـام إلا مـراحـل ........ مواردها ممزوجة بالمصـائب
وحاضر قلبي مثل فقـد أكـارم ........ أحاطت بهم مستعظمات النوائب
فلما سمعت نزهة الزمان هذا الكلام تذكرت أخاها ضوء المكان وابنه كان ما كان فقربتها وأقبلت عليها وقالت :
أنا غنية وأنت فقيرة فوالله ما تركنا افتقارك إلا خوفاً من انكسار قلبك ، لئلا يخطر ببالك أن ما نهديه إليك صدقة مع أن جميع ما نحن فيه من الخير منك ومن زوجك ، فبيتنا بيتك ولك ما لنا وعليك ما علينا .
ثم خلعت عليها ثياباً فاخرة وأفردت لها مكاناً في القصر ملاصقا لمقصورتها وأقامت عندهم في عشية طيبة هي وولدها كان ما كان وخلعت عليه ثياب الملوك وأفردت لهما جواري برسم كل منهما .
ثم إن نزهة الزمان بعد مدة قليلة ذكرت لزوجها حديث زوجة أخيها ضوء المكان فدمعت عيناه وقال :
إن شئت أنت تنتظري الدنيا بعدك فانظريها بعد غيرك فأكرمي مثواها


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:07 AM   #193
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة الثامنة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن هذا ما كان من أمر نزهة الزمان وزوجها وزوجة ضوء المكان .
وأما ما كان من أمر كان ما كان وابنة عمه قضى فكان فإنهما كبرا وترعرعا حتى صار كأنهما غصنان مثمران أو قمران أزهران .
وبلغنا من العمر خمسة عشر عاماً وكانت قضى فكان من أحسن البنات المخدرات ، بوجه جميل وخصر نحيل وردف ثقيل وريق كالسلسبيل وقد رشيق وثغر ألذ من الرحيق كما قال فيها بعض واصفيها هذين البيتين :
كان سلاف الخمر من ريقها بـدت ........ وعنقودها من ثغرها الدر يقطف
وأعنابها مالت إذا ما ثـنـيتـها ........ فسبحان خلاق لـهـا لا يكـيف
وقد جمع الله كل المحاسن فيها فقدها يخجل الأغصان والورد يطلب من خدها الأمان وأما الريق فإنه يهزأ بالرحيق تسر القلب والناظر كما قال فيها الشاعر :
مليحة الوصف قد تمت محاسنها ........ أجفانها تفضح التكحيل بالكحل
كأن ألحاظها في قلب عاشقهـا ........ سيف بكف أمير المؤمنين علي
وأما كان ما كان فإنه كان بديع الجمال فائق الكمال عز في الحسن عن مثال الشجاعة تلوح بين عينيه تشهد له لا عليه وقيل كل القلوب إليه وحين اخضر منه العذار كثرت فيه الأشعار كقول بعضهم :
ما بان عذري فيـه حتـى عـذرا ........ ومشى الدجى في خده متحـيرا
فأعجب لهم شهدوا ومسكنهم لظى ........ ولباسهم فيها الحرير الأخضـر
واتفق في بعض الأعياد أن قضى فكان خرجت تعيد على بعض أقاربها من الدولة والحواري حواليها ، والحسن قد عمها وورد الخد يحسد خالها والأقحوان يبتسم عن بارق ثغرها فجعل كان ما كان يدور حولها ويطلق النظر إليها وهي كالقمر الزاهر فقوى جنانه بالشعر لسانه وأنشد هذين البيتين :
متى يشتفي قلب الدنو من الـبعد ........ ويضحك ثغر الوصل من زائد الصد
فيا ليت شعري هـل أبـيتن ليلة ........ بوصل حبيب عنده بعض ما عنـدي
فلما سمعت قضى فكان هذا الشعر أظهرت له الملامة والعتاب وتوعدته بأليم العقاب فاغتاظ كان ما كان وعاد إلى بغداد وهو غضبان ثم طلعت قضى فكان إلى قصرها وشكت ابن عمها إلى أمها فقالت لها :
يا بنتي لعله ما أرادك بسوء وهل هو إلا يتيم ومع هذا لم يذكر شيئاً يعيبك فإياك أن تعلمي بذلك أحداً ، فربما بلغ الخبر إلى السلطان فيقصر عمره ويخمد ذكره ويجعل أثره كأمس الدابر والميت الغابر .
وشاع في بغداد حب كان ما كان لقضى فكان وتحدثت به النسوان ثم إن كان ما كان ضاق صدره وقل صبره اشتغل باله ولم يخف على الناس حاله واشتهى أن يبوح بما في قلبه من لوعة البين فخاف من غضبها وأنشد هذين البيتين :
إذا خفت يوماً عتاب التـي ........ تغير أخلاقها الـصـافـية
صبرت عليها كصبر الفتى ........ على الكي في طلب العافية


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:08 AM   #194
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة التاسعة والستين بعد المئة

قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الحاجب الكبير لما صار سلطان ، ثم أنه بلغه حب كان ما كان لقضي فكان فندم على جعلهما معاً في محل واحد .
ثم دخل على زوجته نزهة الزمان وقال :
إن الجمع بين الخلفة والنار لمن أعظم الأخطار وليست الرجال على النساء بمؤتمنين ما دامت العيون في عج والمعاطف في لين وابن أخيك كان ما كان قد بلغ مبلغ الرجال فيجب منعه عن الدخول على ربات الحجال ومنع ابنتك عن الرجال أوجب لأن مثلها ينبغي أن يحجب .
فقالت :
صدقت أيها الملك العاقل والهمام الكامل .
فلما أصبح الصباح جاء كان ما كان ودخل على عمته نزهة الزمان على جري عادته وسلم عليها ، فردت عليه السلام وقالت له :
عندي لك كلام ما كنت احب أن أقوله لك ، ولكن أخبرك به رغماً عني .
فقال لها :
وما ذاك الكلام ?
قالت :
إن الملك سمع بحبك لقضي فكان فأمر بحجبها عنك وإذا كان لك حاجة فأنا أرسلها إليك من خلف الباب ولا تنظر قضي فكان .
فلما سمع كلامها رجع ولم ينطق بحرف واحد وأعلم والدته بما قالته عمته فقالت له :
إنما نشأ هذا من كثرة كلامك وقد علمت أن حديث حبك لقضي فكان شاع وانتشر في كل مكان وكيف تأكل زادهم وبعد ذلك تعشق ابنتهم ?
فقال :
إني أريد الزواج بها لأنها بنت عمي وأنا أحق بها .
فقالت له أمه :
أسكت لئلا يصل الخبر إلى الملك سلسان فيكون ذلك سبباً لغرقك في بحر الأحزان وهم يبعثوا لنا في هذه الليلة عشاء ولو كنا في بلد غير هذه لمتنا من ألم الجوع أو ذل السؤال .
فلما سمع كان ما كان كلام أمه زادت بقلبه الحسرات وأنشد هذه الأبيات :
أقلي من اللوم الـذي لا يفـارق ........ فقلبي إلى من تيمتني مفـارق
ولا تطلبي عند الـصـبـر ذرة ........ فصبري وبيت الله من طالـق
إذا سامني اللوام نهيا عصيتهـم ........ وهاأنا في دعوى المحبة صادق
وقد منعوني عنوة أن أزورهـا ........ وإني والرحمن ما أنا فـاسـق
وإن عظامي حين تسمع ذكرهـا ........ تشابه طيراً خلقهـن بـواشـق
ألا قل لمن قد لام في الحب أنني ........ وحق إلهي لبنت عمي لعاشـق
ولما فرغ من شعره قال لأمه :
ما بقي لي عند عمتي ولا عند هؤلاء القوم مقام بل أخرج من القصر وأسكن في أطراف المدينة بجوار قوم صعاليك .
ثم خرج وفعل كما قال وصارت أمه تتردد إلى بيت الملك سلسان وتأخذ منه ما تقتات به هي وإياه .
ثم إن قضي فكان اختلت بأم كان ما كان وقالت لها :
يا امرأة عمي ، كيف حال ولدك ?
فقالت :
أنه باكي العين حزين القلب ليس له من أسر الغرام فكاك ومقتنص من هواك في أشراك .
فبكت قضي فكان وقالت :
والله ما هجرته بغضاً له ولكن خوفاً عليه من الأعداء وعندي من الشوق أضعاف ما عنده ولولا عثرات لسانه وخفقان جنانه ما قطع أبي عنه إحسانه وأولاه منعه وحرمانه ولكن أيام الورى دول والصبر في كل الأمور أجمل ولعل من حكم بالفراق أن يمن علينا بالتلاق .
ثم أفاضت دمع العينين وأنشدت هذين البيتين :
فعندي يا ابن عمي من غرامي ........ كأمثال الذي قد حل عـنـدك
ولكن كتمت عن الناس وجدي ........ فهلا كنت أنت كتمت وجدك
فشكرتها أم كان ما كان وخرجت من عندها وأعلمت ولدها كان ما كان بذلك فزاد شوقه إليها وقال :
ما أبدلها من الحور بألفين وأنشد هذين البيتين :
فو الله لا أصغي إلى قـوم لائـم ........ ولا بحت بالسر الذي كنت كاتما
وقد غاب عني من أرجى وصاله ........ وقد سهرت عيني وقد بات نائما
ثم مضت الأيام والليالي وهو يتقلب على جمر المقالي حتى مضى له من العمر سبعة عشر عاماً وقد كمل حسنه ، ففي بعض الليالي أخذه السهر وقال في نفسه :
ما لي أرى جسمي يذوب وإلى متى لا أقدر على نيل المطلوب وما لي عيب سوى عدم الجاه والمال ، ولكن عند الله بلوغ الآمال ، فينبغي أن أشرد نفسي عن بلادها حتى تموت أو تحظى بمرادها .
ثم أضمر هذه العزمات وأنشد هذه الأبيات :
دع مهجتي تزداد في خفقانـهـا ........ ليس التذلل في الورى من شأنها
واعذر فإن حشاشـتي كصحـيفة ........ لا شك أن الدمع من عنوانـهـا
ها بنت عمي قـد بـدت حـورية ........ نزلت إلينا عن رضا رضوانهـا
من رام ألحاظ العـيون معارضـاً ........ فتكاتها لم ينج من عـدوانـهـا
سأسير في الأرض الوسيعة منقذاً ........ نفسي وأمنحها سوى حرمانهـا
وأعود مسرور الفؤاد بمطلـبـي ........ وأقاتل الأبطال في مـيدانـهـا
ولسوف أشتاق الغـنـائم عـائداً ........ وأصول مقتدراً على أقرانـهـا
ثم إن كان ما كان خرج من القصر حافياً في قميص قصير الأكمام وعلى رأسه لبدة لها سبعة أعوام وصحبته رغيف له ثلاثة أيام ، ثم سار في حندس الظلام حتى وصل إلى باب بغداد فوقف هناك .
ولما فتحوا باب المدينة كان أول من خرج منه ، ثم صار يقطع الأودية والقفار في ذلك النهار ولما أتى الليل طلبته أمه فلم تجده فضاقت عليها الدنيا باتساعها ولم تلتذ بشيء من متاعها ومكثت تنتظر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم إلى أن مضى عشرة أيام فلم تر له خبراً فضاق صدرها ونادت قائلة :
يا مؤنسي قد هيجت أحزاني حيث فارقتني وتركت أوطاني يا ولدي من أي الجهات أناديك ? ويا هل ترى أي بلدٍ يأويك ?
ثم صعدت الزفرات وأنشدت هذه الأبيات :
علمنا بأن بعد غيبـتـكـم نـبلـى ........ ومدت قسى للفراق لـنا نـبلا
وقد خلفوني بعـد شـد رحالـهـم ........ أعالج كرب الموت إذ قطعوا الرملا
لقد هتف بي حنـين لـيل حـمامة ........ مطوقة ناحت فقلت لهـا مـهـلا
لعمرك لو كانت كمثـلـي حـزينـة ........ لما لبست طوقاً ولا خضبت رجـلا
وفارقني ألفي فـألـفـيت بـعـده ........ دواعي الهم لا تفارقـنـي أصـلا
ثم أنها امتنعت من الطعام والشراب وزادت في البكاء والانتحاب وصار بكائها على رؤوس الأشهاد ، واشتهر حزنها بين العباد والبلاد ، وصار الناس يقولون أين عينك يا ضوء المكان ويا ترى ما جرى على كان ما كان حتى بعد عن وطنه وخرج من المكان ، وكان أبوه يشبع الجيعان ويأمر بالعدل والإحسان ، ووصل خبر كان ما كان إلى الملك سلسان .


 

رد مع اقتباس
قديم 16-05-2009, 02:09 AM   #195
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


الليلة السبعين بعد المئة

قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الملك سلسان وصل إليه خبر كان ما كان من الكبار وقال :
إنه ولد ملكنا ومن ذرية الملك عمر النعمان وقد بلغنا أنه تغرب عن الأوطان .
فلما سمع الملك سلسان هذا الكلام اغتاظ غيظاً شديداً وتذكر إحسان أبيه إليه وانه أوصاه عليه فحزن على كان ما كان وقال :
لابد من التفتيش عليه في سائر البلاد ثم بعث في طلبه الأمير تركاش في مائة فارس فغاب عشرة أيام ثم رجع وقال له :
ما اطلعت له على خبر ولا وقفت له على أثر .
فحزن عليه الملك سلسان حزناً شديداً ، وأما أمه فإنها صارت لا يقر لها قرار ولا يطاوعها اصطبار وقد مضى له عشرون يوماً .
هذا ما كان من أمر هؤلاء .
و أما ما كان من أمر كان ما كان فإنه لما خرج من بغداد صار متحيراً في أمره ولم يدر إلى أين يتوجه ، ثم إنه سافر في البر ثلاثة أيام وحده ولم ير راجلاً ولا فارساً فطار رقاده وزاد سهاده وتفكر أهله وبلاده وصار يتقوت من نبات الأرض ويشرب من أنهارها ويقبل وقت الحر تحت أشجارها ، ثم خرج من تلك الطريق إلى طريق أخرى وسار فيها ثلاثة أيام ، وفي اليوم الرابع أشرف على أرض معشبة الفلوات مليحة النبات وهذه الأرض قد شربت من كؤوس الغمام على أصوات القمري والحمام فاخضرت رباها وطاب فلاها فتذكر كان ما كان بلاد أبيه فأنشد من فرط ما هو فيه :
خرجت وفي أملي عودة ........ ولكني لست أدري متى
وشردني أنني لـم أجـد ........ سبيلاً إلى دفع ما قد أتى
فلما فرغ من شعره أكل من ذلك النبات وتوضأ وصلى ما كان عليه من الفريضة وجلس يستريح ومكث طول ذلك النهار ، فلما جاء الليل نام واستمر نائماً إلى نصف الليل ثم انتبه فسمع صوت إنسان ينشد هذه الأبيات :
ما العيش إلا أن يرى لك بارق ........ من ثغر من تهوى ووجه رائق
والموت أسهل من صدود حبيبة ........ لم يغشني منها خـيال طـارق
يا فرحة الندماء حيث تجمعـوا ........ وأقام معشوق هناك وعاشـق
لا سيما وقت الربـيع وزهـره ........ طاب الزمان بما إليه تسابـق
يا شارب الصهباء دونك ما ترى ........ أرض مزخرفة ومـاء دافـق
فلما سمع كان ما كان هذه الأبيات هاجت به الأشجان وجرت دموعه على خده كالغدران وانطلقت من قلبه النيران فقام ينظر قائل هذا الكلام فلم ير أحداً في جنح الظلام فأخذه القلق ونزل في مكانه إلى أسفل الوادي ومشى على شاطئ النهر فسمع صاحب الصوت يصعد الزفرات وينشد هذه الأبيات :
إن كنت تضمر ما في الحب إشفاقاً ........ فأطلق الدمع يوم البين إطـلاقـا
بيني وبين أحبائي عـهـود هوى ........ لذا إليهم أظل الدهر مـشـتـاقـا
يرتاح قلبي إلى تيم ويطـربـنـي ........ نسيم تيم إذا مـا هـب أشـواقـا
يا سعد هل ربة الخلخال تذكرنـي ........ بعد البعاد لنا عـهـداً ومـيثـاقـا
وهل تعود ليالي الوصل تجمعـنا ........ يوماً ويشرح كل بعضٍ ما لاقـى
قالت فتنت بنا وجدا فقلـت لـها ........ كم قد فتنت رعاك الله عـشـاقـا
لا متع الله طرفي في محاسنـها ........ إن كان من بعدها طيب الكرى ذاقا
يا لسعة في فؤادي ما رأيت لـها ........ سوى الوصال ورشف الثغر ترياقا
فلما سمع كان ما كان هذه الأشعار من صاحب الصوت ثاني مرة ولم ير شخصه عرف أن القائل عاشق منع من الوصول إلى من يحبه فقال في نفسه :
لعلي اجتمع بهذا فيشكو كل واحد لصاحبه وأجعله أنيسي في غيبتي .
ثم تنحنح ونادى :
أيها السائر في الليل العاكر تقرب مني وقص علي لعلك تجدني معيناً لك على بليتك .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام أجابه قائلاً :
أيها المنادي السامع لإنشادي من تكون من الفرسان وهل أنت من الأنس أو الجان ? فعجل علي بكلامك قبل دنو حمامك وامش .
فقال كان ما كان :
لا تفعل يا أخا العرب لأن أهلي لا يشتروني بفضة ولا ذهب وأنا رجل فقر ولا معي قليل ولا كثير فدع عنك هذه الأخلاق واتخذني من الرفاق واخرج بنا من أرض العراق .
فلما سمع صاحب الصوت هذا الكلام وكان اسمه صباح غضب وزاد به الالتهاب وقال له :
ويلك تراددني في الجواب يا أخس الكلاب ، أدر كتافك وإلا أنزلت عليك العذاب .
فتبسم كان ما كان وقال :
كيف أدير الكتاف ، أما عندك أوصاف ? أما تخشى معايرة العربان حيث تأسر غلاماً بالذل والهوان وما اختبرته في حومة الميدان وعلمت أهو فارس أم جبان ?.
فضحك صباح وقال :
يا الله العجب إنك في سن الغلام ولكنك كبير الكلام لأن هذا القول لا يصدر إلا عن البطل المصدام .
فقال كان ما كان :
الإنصاف أنك إذا شئت أخذي أسيراً خادماً لك أن ترمي سلاحك وتخفف لباسك وتصارعني وكل من صرع صاحبه بلغ منه مرامه وجعله غلامه .
فضحك صباح وقال :
ما أظن كثرة كلامك إلا لدنو حمامك .
ثم رمى سلاحه وشمر أذياله ودنا من كان ما كان وتجاذبا فوجده البدوي يرجح عليه كما يرجح للقنطار على الدينار ، ونظر إلى ثبات رجليه في الأرض فوجدهما كالمأذنتين المؤسستين أو الجبلين الراسخين فعرف في نفسه قصر باعه وندم على الدنو من صراعه وقال في نفسه :
ليتني قاتلته بسلاحي .
ثم إن كان ما كان قبضه وتمكن منه وهزه فأحس أن أمعاءه تقطعت في بطنه .
فصاح :
أمسك يدك يا غلام .
فلم يلتفت إلى ما أبداه من الكلام بل حمله من الأرض وقصد به النهر فناداه صباح قائلاً :
أيها البطل ما تريد أن تفعل بي .
قال :
أريد أن أرميك في هذا النهر فإنه يوصلك إلى دجلة ، والدجلة يوصلك إلى نهر عيسى ونهر عيسى يوصلك إلى الفرات والفرات يلقيك إلى بلادك فيراك قومك فيعرفونك ويعرفون مروءتك وصدق محبتك .
فصاح صباح ونادى :
يا فارس البطاح لا تفعل فعل القباح أطلقني بحياة بنت عمك سيدة الملاح .
فحطه كان ما كان في الأرض فلما رأى نفسه خالصاً ذهب إلى ترسه وسيفه وأخذهما وصار يشاور نفسه على الهجوم عليه فعرف كان ما كان ما يشاور نفسه عليه فقال له :
قد عرفت ما في قلبك حيث أخذت سيفك وترسك فإنه قد خطر ببالي أنه ليس لك يد في الصراع تطول ، ولو كنت على فرس تجول لكنت بسيفك تصول وهاأنا أبلغك ما تختار حتى لا يبقى في قلبك إنكار فأعطني الترس واهجم علي بالسيف فإما تقتلني أو أقتلك .
فرمى الترس وجرد سيفه وهجم به على كان ما كان فتناول الترس بيمينه وصار يلاقي به عن نفسه وصار صباح يضربه ويقول :
ما بقي إلا هذه الضربة الفاصلة .
فيتلقاها كان ما كان وتروح ضائعة ولم يكن مع كان ما كان ما يضرب به ولم يزل صباح يضرب بالسيف حتى كلت يده وعرف كان ما كان ضعف قوته وانحلال عزيمته فهجم عليه وهزه وألقاه في الأرض وكتفه بحبائل سيفه وجره من رجليه إلى جهة النهر. فقال صباح :
ما تريد أن تصنع بي يا فارس الزمان وبطل الميدان ?
قال :
ألم أقل لك أنني أرسلك إلى قومك في النهر حتى لا يشغل خاطرهم عليك وتتعوق عن عرس بنت عمك .
فتضجر صباح وبكى وصاح وقال :
لا تفعل بي يا فارس الزمان واجعلني لك من بعض الغلمان .
ثم أفاض دمع العينين وأنشد هذين البيتين :
تغربت عن أهلي فيا طول غربتي ........ ويا ليت شعري هل أموت غريبا
أموت وأهلي ليس تعرف مقتلـي ........ وأودي غريباً لا أزور حـبـيبـا
فرحمه كان ما كان ، وأطلقه بعد أن أخذ عليه العهود والمواثيق أنه يصحبه في الطريق ويكون له نعم الرفيق ، ثم إن صباحاً أراد أن يقبل يد كان ما كان فمنعه من تقبيلها ، ثم قام البدوي إلى جرابه وفتحه وأخذ منه ثلاث قرصات شعير وحطها قدام كان ما كان وجلس معه على شاطئ النهر وأكلا مع بعضهما ، ثم توضأ وصليا وجلسا يتحدثان فيم ألقياه من صروف هذا الزمان .
فقال كان ما كان للبدوي :
أين تقصد ?
فقال صباح :
أقصد بغداد بلدك ، وأقيم بها حتى يرزقني الله بالصداق .
فقال له :
دونك والطريق .


 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:02 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا