المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > المنتديات الإسلامية > الملتقى الإسلامي
 

الملتقى الإسلامي قال تعالى : (( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ))

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
قديم 06-10-2011, 07:29 AM   #166
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 166

(إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب "166")
إن كل من زين الكفر والعصيان لغيره سيتبرأ من كل من زين لهم معصية الله والشرك به، حتى الشيطان؛ العمدة في إغوائهم سيتبرأ منهم، وسيقول ساعتها:

{إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي}
(من الآية 22 سورة إبراهيم)


فلن يستطيع الشيطان أن ينقذ أحدا من المشركين، ولن يصرخ فيأتي له المشركون لإنقاذه، وإن صرخ المشركون؛ فلن يأتي لهم الشيطان لينقذهم، وسيتبرأ كل منهم من الآخر، وسيتبرأ الكافرون من كل من زين لهم الشرك بالله، أو سيقول الكافرون لمن زينوا لهم الشرك بالله: "نحن أبرياء منكم ولا علاقة لنا بكم". وجاءت الآية بالذين اتبعوا أولا لأنهم المفتون فيهم، ثم جاءت بالذين اتبعوا من بعد ذلك، إنهم يرون العذاب وتتقطع بهم الأسباب، وأصبحت كل نفس بما كسبت رهينة، والشيطان نفسه يعترف بأنه لم يكن صاحب سلطان إلا بأن داهم، فمن استجاب له، جيء به إلى هذا المصير، والسلطان إما أن يكون سلطان حجة،وإما سلطان قهر، ولم يكن للشيطان سلطان قهر على الكافرين، ولم يكن له إلا عمل واحد بلا سلطان، وهو أن دعاهم إلى الشرك بالله؛ فاستجابوا له. فماذا يحدث عندما تتقطع بهم الأسباب؟
إن الحق سبحانه يقول:


 

قديم 06-10-2011, 07:29 AM   #167
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 167

(وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار "167")
إن تبرؤ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا لن ينفعهم، وتمنيهم أن تكون لهم كرة ـ أي عودة ـ ليتبرأوا منهم لن يجدي، ويريهم الله أعمالهم ـ التي سبقت ـ حسرات عليهم. ولا تكون الحسرة إلا إذا أصيب الإنسان بمصيبة لا منأى من النجاة منها، "وما هم بخارجين من النار" أي لن ينفعهم ندمهم على ما سبق من أعمالهم السيئة، ولن يجدي هذا الندم في إخراجهم من النار.
ويقول الحق من بعد ذلك:


 

قديم 06-10-2011, 07:30 AM   #168
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 168

(يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "168")
إن من رحمة الله عز وجل على عباده أنه لم يقصر الخطاب على الذين آمنوا؛ وإنما وسع الدائرة لتشمل المؤمنين وغيرهم؛ فقال: "يا أيها الناس" فكأنه خلق ما في الأرض جميعا للناس جميعا، وهذا ما قلنا عنه: إنه عطاء الربوبية لكل البشر، من آمن منهم ومن لم يؤمن، فهو سبحانه خلق كل الخلق، مؤمنهم وكافرهم، ومادام قد خلقهم واستدعاهم إلى الوجود فهو يوجه الخطاب لهم جميعا؛ مؤمنهم وكافرهم؛ وكأن الخطاب يقول للكافرين: حتى ولو لم تؤمنوا بالله، فخذوا من المؤمنين الأشياء الحلال واستعملوها لأنها تفيدكم في ديناكم؛ وإن لم تؤمنوا بالله، لأن من مصلحتكم أن تأكلوا الحلال الطيب، فالله لم يحرم إلا كل ضار، ولم يحلل إلا كل طيب.
هنا موقف يقفه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن تكون قضية الدين وقضية التحريم وقضية التحليل، قضايا كاذبة؛ لأنه لا ينجيهم أمام أنفسهم إلا أن يجدوا أشياء يكذبون بها الدين، لأنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله، فلما لم يستطيعوا ذلك لم يجدوا منفذا لهم إلا أن يقولوا: إن قضايا الدين كاذبة بما فيها التحليل والتحريم. إنهم يقولون: مادام الله قد حرم شيئا فلماذا خلقه في الكون؟. كأنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض قد خلق ليؤكل، وما علموا أن لكل مخلوق في الأرض مهمة، فهم الآن يمسكون الحيات والثعابين ليستخلصوا منها السموم؛ حتى يقتلوا بها الميكروبات التي تقتل الإنسان، وكانوا قبل اكتشاف فائدة السم في الثعبان يتساءلون "وما فائدة خلق مثل هذه الثعابين؟". فلما أحوجهم الله وألجأهم إلى أن يستفيدوا بما في الثعابين من سم؛ ليجعلوه علاجا أدركوا حكمة الله من خلق هذه الأنواع، لقد خلقها لا لنأكلها، وإنما لنعالج بها.
فأنت إذا رأيت شيئا محرما لا تقل لماذا خلقه الله، لأنك لا تعرف ما هي مهمته، فليست مهمة كل مخلوق أن يأكله الإنسان، إنما لكل مخلوق مهمة قد لا تشعر بأدائها في الكون. وهذه مسألة نستعملها نحن في ذوات نفوسنا، على سبيل المثال؛ عندما يأتي الصيف ونخشى على ملابسنا الصوفية من الحشرات؛ فنأتي لها بما يقتل الحشرات، وهو "النفتالين"، ونحذر أبناءنا من عدم الاقتراب منه وأكله. إن "النفتالين" لا يؤكل، ولكنه مفيد في قتل الحشرات الضارة. كذلك "الفينيك" نشتريه ونضعه في زجاجة في المنزل لنطهر به أي مكان ملوث، ونحذر الأطفال منه لأنه ضار لهم، ولكنه نافع في تطهير المنزل من الحشرات، وكذلك المخلوقات التي لا نعرف حكمة خلقها، لقد خلقها الله لمهمة خاصة بها، فلا تنقل شيئا من مهمته إلى مهمة أخرى.
وإذا كان الإنسان لم يدرك حتى الآن فائدة بعض المخلوقات، فما أكثر ما يجهل، وهو يكتشف كل يوم سرا من أسرار مخلوقات الله. وعلى سبيل المثال، كانوا ينظرون إلى نوع من السمك لا يتجاوز حجمه عقلة الإصبع؛ ولا يكبر أبدا، واحتاروا في فائدته، وعندما ذهبنا للسعودية ورأينا الأماكن التي نأخذ منها الماء الذي قد يفسد، ووجدنا هذا النوع من السمك بكثرة، فسألناهم عن حقيقة هذا السمك، فقالوا: إنه لا يكبر ويظل على هذا الحجم، ومهمته تنقية المياه في الأماكن التي لا يقوم الإنسان بتنقيتها. وجربنا حقيقة ما قالوا؛ فألقينا بعضا من مخلفات الطعام؛ فوجدنا هذه الأسماك تخرج من حيث لا ندري وتلقف هذه البقايا؛ ولا تتركها حتى تنهيها. هكذا يخلق الحي القيوم مخلوقات لتحفظ مخلوقات أخرى، هو سبحانه يقول للإنسان: لا تأكل هذا وكل ذاك؛ لحكمة قد لا نعرفها.
مثال آخر، الطائر المعروف بأبي قردان صديق الفلاح، كانت وظيفته في الحياة أن يأكل الحشرات والديدان عند ري الأرض، ومنذ أن اختفى هذا الطائر يتأثر بالمبيدات؛ استفحل خطر الديدان على الزرع وبخاصة دودة القطن. إنها معادلة إلهية مركبة تركيبا دقيقا. وكذلك الذباب، يتساءل بعض الناس "ما حكمة وجوده في الحياة؟" وهم لا يعرفون أن الذباب يؤدي للإنسان دورا هاما هو أكل القاذورات وما بها من أمراض، ولو تحصن الناس بالنظافة لما جاءهم الذباب. إذن، فكل شيء في الوجود مرتب ترتيبا دقيقا، إنه ترتيب خالق عليم حكيم، ومادام الحكيم هو الذي خلق؛ فلا يعترض أحد ويقول لماذا خلق كذا وكذا؟، لأن لكل مخلوق دوراً يؤديه في الكون.
ولذلك ينبه الخالق الناس ـ مؤمنهم وكافرهم ـ بأن يأكلوا الحلال الطيب من الأرض، وهو يقول للكافر؛ إنك إن تعقلت الأمور؛ لوجدت أن كل ما أمرتك به هو لصالحك، وحتى لو لم تؤمن فأنا أدلك على ما ينفع، فلا تأكل إلا الحلال الطيب، انظر إلى المؤمنين بماذا سمح لهم من طعام وكل مثلهم. وقد أثبت الواقع والتاريخ؛ أن الكافرين يلجأون إلى منهج الله في بعض الأقضية؛ ليحلوا مشاكل حياتهم، لا بدين الله كدين، ولكن بأوامر الله كنظام، فلو كان عند الكافرين بالله حكمة حتى فيما يتعلق بشئون دنياهم؛ لأخذوا ما أمر الله به المؤمنين واتبعوه.
والمثال على ذلك؛ عندما يحرم الحق سبحانه وتعالى لحم الميتة، أي التي ماتت ولم تذبح، إن لحمها ضار بالصحة، لأن أوعية الدم في الحيوان وفي كل كائن حي هي وعاءان! إما أوردة وإما شرايين، والدم قبل أن يذهب إلى الكلى أو الرئة يكون دما فاسدا، ونحن عندما نذبح الحيوان يسيل منه الدم الفاسد وغير الفاسد ويخرج، ويصير اللحم خالصا، لكن الحيوان الذي لم يذبح؛ لم يذك، يعي لم يطهر من فساد الدم، وهو ضار للإنسان. الشيطان عداوته لكم مسبقة، ويجب أن تحتاطوا بسوء الظن فيه؛ فهو الذي عصى ربه؛ ولا يصح أن يطاع في أي أمر، "إنه لكم عدو مبين" وعداوة الشيطان للإنسان قديمة من أيام آدم.
ويقول الحق عن أوامر الشيطان:


 

قديم 06-10-2011, 07:30 AM   #169
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 169

(إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "169")
والسوء هو كل ذنب لا حد فيه، مثل الغيبة أو النميمة، والفحشاء هي كل ذنب فيه حد وفيه عقوبة. والشيطان يأمركم أن تقولوا على الله ما تجهلون.
ويقول الحق من بعد ذلك:


 

قديم 06-10-2011, 07:30 AM   #170
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 170

(وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون"170")
وهذه الآية تعالج قضية خطيرة في المجتمع الإسلامي، قضية تقليد الناس لعادات آبائهم. والتقاليد هو نشأة طبيعة في الإنسان، لأن الإنسان حين يخرج للوجود ممداً بطاقة الحياة؛ فهذه الطاقة تريد أن تتحرك؛ وحركتها تأتي دائما وفق ما ترى من حركة السابق لها، فالطفل الصغير لا يعرف أن يده تتناول أشياء إلا إذا رأى في البيئة المحيطة به إنسانا يفعل ذلك، وحين يريد الطفل أن يتحرك، فهو يقلد حركة الذين حوله، ولذلك تجد الأطفال دائما يقلدون آباءهم في معظم حركاتهم، وحين يوجد الأطفال مع أجيال متعاقبة تمثل أعماراً مختلفة، فإن الطفل الصغير يقلد في حركته البدائية خليطا من حركات هذه الأجيال، فهو يقلد جده، ويقلد جدته، ويقلد أباه وأمه، وإخوته؛ فتنشأ حركات مختلطة تمثل الأجيال كلها.
ولذلك فاندماج الطفل في أسرة مكونة من آباء وأجداد، تمثل في الإنسان طبيعة الحياة المتصلة بمنهج الحركة في الأرض وبمنهج السماء؛ لأن الطفل حين يعيش مع أبيه فقط، قد يجده مشغولا في حركة الحياة التي ربما شدته عن قيم الحياة أو عن منهج السماء؛ لكنه حين يرى أبا لأبيه؛ هو جده قد فزع من حركة الحياة، واتجه إلى منهج القيم؛ لأنه قريب عهد فيما يظن بلقاء الله، فإن كان لا يصلي في شبابه فهو يصلي الآن، وإن كان لا يفعل الطاعات سابقا؛ أصبح يفعلها الآن، وهكذا يرى الطفل حركة الحياة الجامحة في الدنيا والتلهف عليها من أبيه، ويجد الإقبال على القيم والعبادات ن جده، ولذلك تجده ربما عاون جده على الطاعة؛ فساعة يسمع الطفل المؤذن يقول: "الله اكبر"، فهو يعرف أن جده يريد أن يصلي؛ فيذهب هو ويأتي بالسجادة ويفرشها لجده؛ ويقف مقلدا جده، وإن كانت بنتا، فنحن نجدها تقلد أمها أو جدتها وتضع الغطاء على رأسها لتصلي، إذن، فاندماج الأجيال يعطي الخير من الحركتين، حركة مادية الحياة وحركة قيم منهج السماء، ولذلك يمتن الحق علينا قائلا:

{وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدةً}
(من الآية 72 سورة النحل)


إذن، فتقليد الأجيال اللاحقة للأجيال السابقة أمر تقتضيه طبيعة الوجود. وحين يدعو الله الناس أن يتبعوا ما ينزله على الرسل فهو ينهاهم أن يتبعوا تقليد الآباء في كل حركاتهم، لأنه قد تكون حركة الآباء قد اختلت بالغفلة عن المنهج أو بنسيان المنهج، لذلك يدعونا ويأمرنا سبحانه: أن ننخلع عن هذه الأشياء ونتبع ما أنزل الله، ولا نهبط إلى مستوى الأرض، لأن عادات ومنهج الأرض قد تتغير، ولكن منهج السماء دائما لا يتغير، فاتبعوا ما أنزل الله. والناس حين يحتجون يقولون: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. وتلك قضية تبريرية في الوجود، ولو كان ذلك حقا وصدقا، ومطابقا للواقع، لما كرر الله الرسالات بعد أن علم آدم كل المنهج الذي يريد؛ لأننا لو كنا نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. لكان أبناء آدم سيتبعون ما كان يفعله آدم، وأبناء أبناء آدم يتبعون آباءهم، وهكذا يظل منهج السماء موجوداً متوارثاً فلا تغيير فيه. إذن فما الذي اقتضى أن يتغير منهج السماء؟
إن هذا دليل على أن الناس قد غيروا المنهج، ولذلك فقولهم: "نتبع ما ألفينا عليه آباءنا" هي قضية مكذوبة، لأنهم لو اتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم؛ لظل منهج الله في الأرض مضيئا غير متأثر بغفلة الناس ولا متأثرا بانحرافات أهل الأرض عن منهج السماء. وهو تبرير يكشف أن ما وجدوا عليه آباءهم يوافق أهواءهم. وقوله الحق: "اتبعوا" أي اجعلوا ما أنزل عليكم من السماء متبوعا وكونوا تابعين لهذا المنهج؛ لا تابعين لسواه؛ لأن ما سوى منهج السماء هو منهج من صناعة أهل الأرض، وهو منهج غير مأمون، وقولهم: "ما ألفينا عليه آباءنا" أي ما وجدنا عليه آباءنا، وما تفتحت عليه عيوننا فوجدناه حركة تحتذي وتقتدي.
والحق يبين لهم أن هذا كلام خاطئ، وكلام تبريري وأنتم غير صادقين فيه، وعدم الصدق يتضح في أنكم لو كنتم متبعين لمنهج السماء؛ لما تغير المنهج، هذا أولا، أما ثانيا، فأنتم في كثير من الأشياء تختلفون عن آبائكم، فحين تكون للأبناء شخصية وذاتية فإننا نجد الأبناء حريصين على الاختلاف، ونجد أجيالا متفسخة، فالأب يريد شيئا والابن يريد شيئا آخر، لذلك لا يصح أن يقولوا: "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"؛ لأنه لو صح ذلك لما اختلف منهج الله على الأرض لكن المنهج اختلف لدخول أهواء البشر، ومع ذلك نرى بعضا من الخلاف في سلوك الأبناء عن الآباء، ونقبل ذلك ونقول: هذا بحكم تغيير واختلاف الأجيال، أي أن الأبناء أصبحت لهم ذاتية. ولذلك فالقول باتباع الأبناء للآباء كذب لا يمثل الواقع.
والحق سبحانه وتعالى يرد على هذه القضية لأنها قضية تبريرية لا دليل لها من صدق، ولا برهان لها من واقع. ويقول سبحانه: "أو لم كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" أي أيتبعون ما وجدوا عليه آباءهم حتى ولو كان آباؤهم لا يعقلون ولا يهتدون؟. إذن، الرد جاء من ناحيتين، من ناحية التعقل، ومن ناحية الاهتداء، وكل من التعقل والاهتداء منفي عن الآباء في هذه الآية، فأنتم تتبعونهم اتباعا بلا تفكير، اتباعا أعمى. والإنسان لا يطيع طاعة عمياء إلا لمن يتيقن صدق بصيرته النافذة المطلقة، وهذه لا يمكن أن تتأتى من بشر إلى بشر، فالطاعة المطلقة لا تصح أن تكون لشيء إلا لمنهج السماء، وحين تكون طاعة عمياء لمن تثق ببصره الشافي الكافي الحكيم؛ فهي طاعة مبصرة وبصيرة في آن واحد. لأنك تحمي نفسك من خطأ بصرك، وخطأ بصيرتك، وتلتزم في التبعية بمن تعتقد أن بصره وبصيرته لا يخطئان أبدا، عندها لا تكون طاعة عمياء.


 

قديم 06-10-2011, 07:30 AM   #171
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 171

(ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون "171")
والذي ينعق هو الذي يصوت ويصرح للبهائم، وهو الراعي، إذن، فكلمة ينعق أعطتنا صورة راع يرعى بهائم. وكان هذا الصياح من الراعي ليلفت الماشية المرعية لتسير خلفه، وهو لا يقول لها ما يريده أن تفعله، وإنما ينبهها بالصوت إلى ما يريد، ويسير أمامها لتسير خلفه إلى المرعى أو إلى نبع الماء، فالنداء لفتة ودعاء فقط، لكن ما يراد من الدعاء يصير أمرا حركيا تراه الماشية. فكأن الماشية المرعية لا تفهم من الراعي إلا النداء والدعاء، إنما دعاء ونداء لماذا؟ فهي لا تعرف الهدف منه، إلا بأن يسلك الراعي أمامها بما يرشدها. وهكذا نفهم أن هناك "راعيا"، و"ماشية"، و"صوتا من الراعي" وهو مجرد دعاء ونداء.
مقابل هؤلاء الثلاثة في قضيتنا هو الرسول حين يدعو فيكون هو "الراعي" ويدعو من؟، يدعو "الرعية" الذين هم الناس. وبماذا يدعو الرعية؟. أيناديها فقط لتأتيه، أم يناديها لتأتيه ويأمرها بأشياء؟. إنه يأمرها باتباع منهج السماء. وهذا هو الفارق بين الراعي في الماشية والراعي في الآدميين. فعندما يأتي الرسول ويقول: "يا قوم إني لكم رسول، وإني لكم نذير"، فهذا هو الدعاء، ومضمون ذلك الدعاء هو "اعبدوا الله". "انظروا في السماء والأرض"، "افعلوا كذا من أوامر وانتهوا عن تلك النواهي"، هذا ما يريده الرسول. إذن فالرسول يشترك مع الراعي في الدعاء والنداء، وهم اشتركوا مع المرعى في أنهم لم يفهموا إلا الدعاء والنداء فقط، وفي الاستجابة هم "صم بكم عمي"، فالمدعو به لم يسمعوه، وكأنهم اشتركوا مع الحيوان في أنهم لا يستمعون إلا للدعاء والنداء، إنما المدعو به ومضمون النداء هم لا يعقلونه ولا يفهمونه. وبكم لا ينطقون بمطلوب الدعوة وهو "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"، وليس عندهم عقل يدير حركة العيون لينظروا في ملكوت السماوات والأرض ليظهر لهم وجه الحق في هذه المسألة.
إذن فمثل الذين كفروا بالرسول كمثل الماشية مع الراعي، فهم لا يسمعون إلا مجرد الدعاء، كما أن الماشية تسمع الراعي ولا تعقل، مع الفارق؛ لأن الدواب ليس مطلوبا منها أن ترد على من يناديها. ولا تسمع غير ذلك من المدعو به لذا كان الكافرون شر الدواب. وقوله الحق: "صم" أي مصابون بالصمم؛ وهو آفة تمنع الأذن من أداء مهمتها. و"بكم" أي مصابون بآفة تصيب اللسان؛ فتمنعه من أداء مهمته، إلا أن السبب في الصمم سبب إيجابي، لأن هناك شيئا قد سد منفذ السمع فلا تسمع، وبسبب الصمم فهم بكم، والبكم هو عجز اللسان عن الكلام، لأن الإنسان إن لم يسمع فهو لن يتكلم. ولذلك فإن الإنسان إذا وجد في بيئة عربية فهو يتكلم اللغة العربية، وإذا نشأ الإنسان في بيئة إنجليزية فهو يتكلم لغة إنجليزية. وهب أنك قد نشأت في بيئة تتكلم العربية ثم لم تسمع كلمة من كلماتها هل تتكلم بها؟ لا.
إذن فاللسان ينطق بما تسمعه الأذن، فإذا لم تسمع الأذن لا يتكلم اللسان. والصمم يسبق البكم، ولذلك فالبكم هو آفة سلبية، وتجد أن اللسان يتحرك ويصوت أصواتا لا مدلول لها ولا مفهوم. فهل نفهم من قوله تعالى عنهم: "صم" أنهم مصابون بالصمم؟. لا. إن الحق يقول: لقد جعلت الأذن لتسمع السماع المفيد؛ فكأنها معطلة لا تسمع شيئا. وكذلك اللسان أوجدته ليتكلم الكلام المفيد، بحيث من لا يتكلم به كأنه أبكم، والعقل أوجدته ليفكر به؛ فإذا لم يفكر تفكيرا سليما منطقيا، فكأن صاحبه لا عقل له. فالأصم حقيقة خير من الذي يملك حاسة السمع ولا يفهم بها، لأن الأصم له عذره، والأبكم كذلك، والمجنون أيضا له عذره، فليت هؤلاء الكفار كانوا كذلك، لقد صموا آذانهم عن سماع الدعوة، وهم بكم عن النطق بما ينجيهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وهم عمي عن النظر في آيات الكون، فلو أن عندهم بصر لنظروا في الكون كما قال الله تعالى:

}
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" {
)سورة آل عمران(

فلو أنهم نظروا في خلق السماوات والأرض؛ لاهتدوا بفطرتهم إلى أن لهذا الوجود المتقن المحكم صانعا قد صنعه، لكنهم لا يعقلون، لأن عملية العقل تنشأ بعد أن تسمع، وبعد اكتمال الحواس، ولذلك فالإنسان في تكوينه الأول حركي حسي، يرى ويسمع ويتذوق ثم يتكون عنده من بعد ذلك القضايا العقلية.
ويقول الحق بعد ذلك


 

قديم 06-10-2011, 07:31 AM   #172
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 172

(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"172")
وهذا خطاب من الله للذين آمنوا بأن يأكلوا من الطيبات، وقد سبق في الآية 168 خطاب مماثل في الموضوع نفسه؛ ولكن للناس جميعا وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا". وقلنا: إن الحق سبحانه وتعالى ساعة يخاطب الناس جميعا، فهو يلفتهم إلى قضية الإيمان، ولكن حين يخاطب المؤمنين فهو يعطيهم أحكام الإيمان، فالله لا يكلف بحكم إلا من آمن به، أما من لم يؤمن به، فلا يكلفه بأي حكم، لأن الإيمان التزام. ومادمت قد التزمت بأنه إله حكيم؛ فخذ منه أحكام دينك.
وعدل الله اقتضى ألا يكلف إلا من يؤمن، وهذا على خلاف مألوف البشر، لأن تكليفات القادة من البشر للبشر تكون لمن يرضى بقيادتهم ومن لم يرض، وإذا كان للقائد من البشر قوة، فإنه يستخدمها لإرغام من يوجدون تحت ولايته على تنفيذ ما يقول. وخطاب الله للمؤمنين هنا جاء بقوله: "كلوا من طيبات ما رزقناكم"، ذلك أن المؤمن يتقين تماما بأن الله هو الخالق وهو الذي يرزق. ويذيل الآية الكريمة بقوله: "واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"، فشكر العبد المؤمن للرب الخالق واجب، مادام العبد المؤمن يختص الله بالعبادة.
ويقول الحق بعد ذلك:


 

قديم 06-10-2011, 07:31 AM   #173
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 173

(إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم "173")
ونجد أن استخدام "الموت" يأتي في كلمات منوعة، ففيه: "ميت" و"مَيتَة"، و"ميًتة" ومثال ذلك ما يقوله الحق:

{فسقناه إلى بلدٍ ميتٍ}
(من الآية 9 سورة فاطر)


و"الميت" بتشديد الياء هو من ينتهي أمره إلى الموت وإن كان حيا، فكل واحد يقال له أنت ميت، أي مصيره إلى الموت، ولذلك يخاطب الله رسوله:

{إنك ميت وإنهم ميتون "30"}
(سورة الزمر)


إذن فكلمة "ميت" معناها أنك ستموت، رغم أنك الآن حي. لكن عندما نقول: "ميت"، بتسكين الياء، لقلنا: إن كل شيء سيموت يصير محرما، لكن كلام الله هنا "الميتة" ـ بالياء الساكنة ـ وهي الميتة بالفعل، وهي التي خرجت روحها حتفا؛ لأنه فيه خروج الروح إزهاقا بمعنى أن تذبحه فيموت؛ لكن هناك مخلوقات تموت حتف أنفها، وساعة تموت الحيوانات حتف أنفها تحتبس فيها خلاصة الأغذية التي تناولتها وهي الموجودة بالدم؛ وهذا الدم فيه أشياء ضارة كثيرة، ففي الدم مواد ضارة فاسدة استخلصتها أجهزة الجسم وهو حي، وكانت في طريقها إلى الخروج منه، فإذا ما ذبحناه؛ سال كل الدم الفاسد والسليم، ولأن درء المفسدة مقدمة على جلب المصلحة، فإننا نضحي بالدم السليم مع الدم الفاسد. وهذا الدم يختزنه الجسم عندما يموت، وتظل بداخله الأشياء الضارة فيصبح اللحم مملوءا بالمواد الضارة التي تصيب الإنسان بالأمراض. ونظرة بسيطة إلى دجاجتين، إحداهما مذبوحة أريق دمها، والأخرى منخنقة أي لم يرق دمها، فإننا نجد اختلافا ظاهرا في اللون، حتى لو قمنا بطهي هذه وتلك فسنجد اختلافا في الطعم، سنجد طعم الدجاجة المذبوحة مقبولا، وسنجد طعم الدجاجة الميتة غير مقبول، وكان الذين لا يؤمنون بإله أو بمنهج يقومون بذبح الحيوانات قبل أكلها، لماذا؟ لقد هدتهم تجاربهم إلى أن هذه عملية فيها مصلحة، وإن لم يعرفوا طريقة الذبح الإسلامية.
وحين يحرم الله "الميتة" فليس هناك أحد منا مطالب أن يجيب عن الله؛ لماذا حرم الميتة؟، لأنه يكفينا أن الله قال: إنها حرام، ومادا الذي رزقك قال لك: لا تأكل هذه؛ فقد أخرجها من رزقيه النفعية المباشرة، ولو لم يكن فيها ضرر نعلمه، هو سبحانه قد قال: لا تأكلها، فلا تأكلها، لأنه هو الذي رزق، وهو الذي خلقك، وهو الذي يأمرك بألا تأكلها، فليس من حقك بعد ذلك أن تسأل لماذا حرمها علي؟. وهب أننا لم نهتد إلى حكمة التحريم، ولم نعرف الأذى الذي يصيب الإنسان من أكل الميتة؟ هل كان الناس يقفون عند الأمر حتى تبدو علته، أم كانوا ينفذون أوامر الله بلا تفكير؟ لقد استمع المؤمنون لأوامر الحق ونفذوها دون تردد. إذن، فمادام الله يخاطبنا، فبمقتضى حيثية الإيمان يجب أن نتقبل عنه الحكم وعلة قبول الحكم هي صدوره من الذي حكم. أما أن نعرف علة الحكم، فهذه عملية إيناس للعقل، وتطمين على أن الله لم يكلفنا بأمر إلا وفيه نفع لنا، والمؤمن لا يصح أن يجعل إيمانه رهنا بمعرفة العلة.
إن الحق يقول: "إنما حرم عليكم الميتة" والآية صريحة في أن كل ميتة حرام، ومادامت ميتة فقد كان فيها حياة وروح ثم خرجت، لكننا نأكل السمك وهو ميت، وذلك تخصيص من السنة لعموم القرآن، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أحل لكم ميتتان: السمك والجراد، ودمان؛ الكبد والطحال". لماذا هذا الاستثناء في التحليل؟ لأن للعرف في تحديد ألفاظ الشارع مدخلاً، فإذا حلفت ألا تأكل لحماً وأكلت سمكا فهل تحنث؟. لا تحنث، ويمينك صادقة؛ رغم أن الله وصف السمك بأنه لحم طري، إلا أن العرف ساعة يطلق اللحم لم يدخل فيه السمك. إذن، فالعرف له اعتبار، لذلك فالزمخشري صاحب الكشاف يقول في هذه المسألة: "لو حلفت ألا تأكل اللحم وأكلت السمك فإجماع العلماء على أنك لم تحنث في يمينك".
وضرب مثلا آخر فقال: لو حلفت بأن تركب دابة، والكافر قد أسماه الله دابة فقال: "إن شر الدواب عند الله الذين كفروا" فهل يجوز ركوب الكافر؟. لا يجوز فكان مقتضى الآية أنه يصح لك أن تركبه وعلق على ذلك قائلا: صحيح أن الدابة هي كل ما يدب على الأرض، إلا أن العرف خصها بذوات الأربع. لهذا كان للعرف مدخل في مسائل التحليل والتحريم. فإذا قال قائل: إن الله حرم الميتة، والسمك والجراد ميتة فلماذا نأكلها؟. نرد عليه: إن العرف جرى على أن السمك والجراد ليسا لحماً، بدليل قولهم: "إذا كثر الجراد أرخص اللحم"، وذلك يعني أن الجراد ليس من اللحم.
أما بالنسبة للسمك، فالسمك لم يكن كالميتة التي حرمها الله لأن الميتة المحرمة هي كل ما يذبح ويسيل دمه، والسمك لا نفس سائلة له أي لا دم له. والجراد أيضا لا دم فيه، إذن، فتحليل أكله وهو ميت إنما جاء بسبب عدم وجود نفس سائلة يترتب عليها انتقال ما يضر من داخله إلى الإنسان، وكذلك الكبد والطحال أيضا ليسا بدم؛ فالدم له سيولة، والكبد والطحال لحم متجمد متماسك، خلاصة دم تكون منه عضو الكبد وعضو الطحال. إذن، السنة لها لدور بيان في التحليل والتحريم، وقوله الحق: "إنما حرم عليكم الميتة والدم" يعني أنه سبحانه قد حرمها لأجل بقاء الدم في الميتة وعدم سيلانه، ومن باب أولى؛ كان تحريم الدم أمراً واجباً. وحرم الحق "لحم الخنزير" وقلنا إن علة الإقبال عليه الحكم هو أمر الله به.
فإذا أثبت الزمن صدق القضية الإيمانية في التحليل؛ فذلك موضوع يؤكد عملية الإيمان، لكن لو انتظرنا وأجلنا تنفيذ حكم الله حتى نتأكد من علة التحريم؛ لكنا نؤمن بالعلماء والاكتشافات العلمية قبل أن نؤمن بالله. لأننا إن انتظرنا حتى يقول العلماء كلمتهم؛ فقد اعتبرنا العلماء آمن علينا من الله. وهل يوجد مخلوق آمن على مخلوق من الخالق؟. إن ذلك مستحيل. إذن فالمؤمن من يأخذ كل حكم صادر من الله، وهو متيقن أن الله لا يأمره إلا بشيء نافع له، وفي الحقيقة فالشيء الضار غير ضار في ذاته، فقد ينفع في أشياء أخرى. ونضرب هذا المثل ـ ولله المثل الأعلى ـ فأنت ساعة تعاقب ابنك بأمر من الأمور، فنحرمه من المصروف أو تحرمه من أكلة شهية، فإن ذلك العقاب ليس ضاراً في ذاته، إنما إغراقك إياه بما يحب ويطلب، مع سيره في طريق لا ترتضيه، هو دعوة للابن أن يستمر في فعل ما لا ترتضيه. إن عدم تربية الابن بالثواب والعقاب هو أمر ضار.
ولذلك نقول للذين يريدون أن يوجدوا علة لكل محرم: أنتم لم تفطنوا إلى تحريم التأديب، فهناك تحريم لأمر لأنه ضار، وهناك تحريم لأمر آخر لأنك تريد أن تحرمه تأديباً له، وأنت لا يصح منك أن تجعل عملية التأديب في القيم دون عملية الإصلاح في المادة البدنية. والحق سبحانه وتعالى أرحم بخلقه من الأب بابنه، وهو قد حرم بعضاً من طيبات الحياة على بني إسرائيل للتأديب، فقال عز وجل:

{فبظلمٍ من الذين هادوا حرمنا عليهم طيباتٍ أحلت لهم}
(من الآية 160 سورة النساء)


 

قديم 06-10-2011, 07:31 AM   #174
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 174

(إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم "174")
إن الحق سبحانه وتعالى ينزل بوساطة رسله على خلقه ليحكم المنهج حركة الحياة للناس وعلى الناس، إنه يحكم للناس أي لمصالحهم، ويحكم على الناس إن فوتوا المصالح، لأن الذي يفوت مصلحة لسواه عنده، لابد أن يلحظ أن غيره سيفوت عليه مصلحة عنده. إذن، فمن الإنصاف في التشريع أن تجعل له وعليه، فكل "تكليف عليه" يقابله "تكليف له"، لأنه إن كان له حق، فحقه واجب على سواه، ومادام حقه واجباً على ما سواه، فلزم أن يكون حق غيره واجباً عليه؛ وإلا فمن أين يأخذ صاحب الحق حقه؟
والحق سبحانه وتعالى حين ينزل المنهج يبلغه الرسل ويحمله أولو العلم؛ ليبلغوه للناس، فالذين يكتمون ما أنزل الله إنما يصادمون منهج السماء. ومصادفة منهج السماء من خلق الله لا تتأتى إلا من إنسان يريد أن ينتفع بباطل الحياة؛ ليأكل حق الناس. فحين يكتمون ما أنزل الله، فقد أصبحوا عوائق لمنهج الله الذي جاء ليسيطر على حركة الحياة. وما نفعهم في ذلك؟. لابد أن يوجد نفع لهم، هذا النفع لهم هو الثمن القليل، مثل "الرشا"، أو الأشياء التي كانوا يأخذونها من أتباعهم ليجعلوا أحكام الله على مقتضى شهوات الناس.
فالله يبين لهم: أن الشيء لا يثمن إلا بتثمين من يعلم حقيقته، وأنتم تثمنون منهج الله، ولا يصح أن يثمن منهج الله إلا الله. ولذلك يجب أن يكون الثمن الذي وضعه الله لتطبيق المنهج ثمنا مربحا مقنعا لكم، فإن أخذتم ثمنا على كتمان منهج الله وأرضيتم الناس بتقنين يوافق أهواءهم وشهواتهم، فقد خسرتم في الصفقة؛ لأن ذلك الثمن مهما علا بالتقدير البشري، فهو ثمن قليل وعمره قصير. والأثمان عادة تبدأ من أول شيء يتعقل بحياة الإنسان هو قوام حياته من مأكل ومشرب، لذلك قال الله سبحانه وتعالى: "أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار" وإذا كانوا يأكلون في بطونهم ناراً فكيف يكون استيعاب النار لكل تلك البطون؟ لأن المؤمن كما قال الرسول يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء، أي أن الكافر لا يأكل إلا تلذذاً بالطعام؛ فهو يريد أن يتلذذ به دائما حتى يضيق بطنه بما يدخل فيه. لكن المؤمن يأخذ من الطعام بقدر قوام الحياة، فسيد الخلق محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: "حسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده".
إذن فالأكل عند المؤمن هو لمقومات الحياة وكوقود للحركة، ولكن الكافر يأخذ الأكل كأنه متعة ذاتية. والحق يقول: "أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار" يعني كما أرادوا امتلاء بطونهم شهوة ولذة، فكذلك يجعل الله العذاب لهم من جنس ما فعلوه بالثمن القليل الذي أخذوه، فهم أخذوا ليملأوا بطونهم من خبيث ما أخذوا وسيملأ الله بطونهم ناراً، جزاء وفاقا لما فعلوا، وهذا لون من العقاب المادي يتبعه لون آخر من العقاب هو "ولا يكلمهم الله" أي أن الحق ينصرف عنهم يوم لا أنس للخلق إلا بوجه الحق. ونحن حين نقرأ كلمة "لا يكلم فلان فلاناً" نستشعر منها الغضب؛ لأن الكلام في البشر هو وسيلة الأنس، فإذا ما امتنع إنسان عن كلام إنسان، فكأنه يبغضه ويكرهه. إذن "لا يكلمهم الله" معناها أنه يبغضهم، وحسبك بصدود الله عن خلقه عقابا وعذابا. لقد والاهم بالنعمة وبعد ذلك يصد عنهم. ويقول قائل: كيف نقرأ هنا أن الحق لا يكلمهم، وهو سبحانه القائل:

{قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين "106" ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون "107" قال اخسئوا فيها ولا تكلمون "108"}
(سورة المؤمنون)


نقول: صحيح أنه سبحانه يقول لهم: "لا تكلمون" ولكن الكلام حين ينفي من الله فالمقصود به هو كلام الحنان وكلام الرحمة وكلام الإيناس واللطف، أما كلام العقوبة فهو اللعنة. إذن "لا يكلمهم الله" أي لا يكلمهم الحق وصلا للأنس. ولذلك حين يؤنس الله بعض خلقه يطيل معهم الكلام. ومثال ذلك عندما جاء موسى لميقات ربه، ماذا قال الله له؟ قال عز وجل:

{وما تلك بيمينك يا موسى "17" }
(سورة طه)


فهل يعني هذا السؤال أن الله يستفهم من موسى عما بيده؟. إنه سؤال الإيناس في الكلام حتى يخلع موسى من دوامة المهابة. وضربنا مثلا لذلك ـ ولله المثل الأعلى ـ حينما يذهب شخص إلى بيت صديقه ليزوره، فيأتي ولده الصغير ومعه لعبة، فيقول الضيف للطفل: ما الذي معك؟ إن الضيف يرى اللعبة في يد الطفل، لكن كلامه مع الطفل هو للإيناس. وعندما جاء كلام الله بالإيناس لموسى قال له:

{وما تلك بيمينك يا موسى "17"}
(سورة طه)


كان يكفي موسى أن يقول: عصا، وتنتهي إجابته عن السؤال، ولو قال موسى: عصا، لكان ذلك منه عدم استيعاب لتقدير إيناس الله له بالكلام، لكن سيدنا موسى عليه السلام انتهز سؤال الله له ليطيل الأنس بالله فيقول:

{قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى "18"}
(سورة طه)


تأمل التطوير في إجابة موسى. إن كلمة "هي" زائدة، و"أتوكأ عليها" زائدة أي غير محتاج إليها في إفادة المعنى، و"أهش بها على غنمي" تطوير أكثر" و"لي فيها مآرب أخرى" رغبة منه في إطالة الحديث أكثر. إذن فكلام الله والنظر إليه سبحانه افضل النعم التي ينعم الله بها على المؤمنين يوم القيامة. فإذا كان الله سيمنع عن الكافرين وسائل التكريم المادي فلا يكلمهم، فهذه مسألة صعبة. "لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" وبعد أن يحرمهم من الكلام والاستئناس بحضرته؛ ولا يطهرهم من الخبائث التي ارتكبوها؛ ولا يجعلهم أهلا لقربه، بعد ذلك يعذبهم عذاباً شديداً؛ كأن فيه عذابا سابقا؛ ثم يأتي العذاب الأشد، لأنهم لابد أن يلاقوا عذابا مضاعفاً، لأنهم كتموا منهج الله عن خلق الله، فتسببوا في إضلال الخلق، فعليهم وزر ضلالهم وأوزار فوق أوزارهم لأنهم أضلوا سواهم.ومسألة كلام الله للناس أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر". ما سر حرمان هؤلاء من كلام الله وتزكيته والنظر إليهم؟ إن الشيخ الزاني يرتكب إثماً، لا ضرورة له لأنه لا يعاني من سعار المراهقة. والملك الذي يكذب، إنما يكذب على قوم هم رعيته، والكذب خوف من الحق، فممن يخاف الملك إذا كان الناس تحت حكمه؟. وعائل الأسرة عندما يصيبه الكبر وهو فقير، سيسبب له هذا الكبر الكثير من المتاعب ويضيق عليه سبل الرخاء وسبل العيش ويجعله في شقاء من العيلة، فإن أراد أحد مساعدته فسيكون الكبر والاستعلاء على الناس حائلاً بينه وبين مساعدته، وهذا هو معنى "لا يكلمهم ولا يزكيهم"، فما معنى "لا ينظر إليهم"؟ إن النظر شراك العطف، ولذلك يقطع الحق عنهم باب الرحمة والعطف من الأصل، وهو النظر إليهم، ويذيل الحق الآية الكريمة بقوله: "ولهم عذاب أليم" أي مؤلم، وعندما تسمع صيغة "فعيل" فنحن نأخذها بمعنى فاعل أو مفعول، لذلك نفهم "أليم" على أنه مؤلم.
ثم يقول الحق:


 

قديم 06-10-2011, 07:32 AM   #175
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 175

(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار "175")
يذكر الله لنا حيثية الحكم عليهم؛ ولماذا لا يكلمهم؛ ولماذا لا يزكيهم، ولماذا يكون لهم في الآخرة عذاب أليم؟ إنهم قد بدلوا الضلالة بالهدى؛ والعذاب بالمغفرة. وعندما ترى فظاعة العقاب فلا تستهوله، ولكن انظر إلى فظاعة الجرم. إن الناس حين يفصلون الجريمة عن العقاب فهم يعطفون على المجرم؛ لأنهم لا يرون المجرم إلا حالة عقابه ومحاكمته ونسوا جريمته، ولذلك فساعة ترى عقوبة ما وتستفظعها؛ فعليك استحضار الجرم الذي أوجب تلك العقوبة. ولذلك نجد الناس غالباً ما يعطفون على كل المجرمين الذين يحاكمون وتصدر عليهم عقوبات صارمة، لأن الجريمة مر عليها وقت طويل، ولم نرها، وآثارها وتبعاتها انتهت. ولم يبق إلا المجرم؛ فيعطفون عليه، ولذلك فمن الخطأ أن تطول الإجراءات في المحاكمات، بل لابد من محاكمة المجرم من فور وقوع الجريمة وهي ساخنة؛ حتى لا يعطف عليه الجمهور، لأن تعطيف قلب الجمهور عليه يجعل العقوبة قاسية.
"أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" ونعرف أن "الباء" تدخل على المتروك، فالضلالة هنا أخذت وترك الهدى، واستبدلوا العذاب بالمغفرة، وماداموا قد أخذوا الضلالة بدلا من الهدى، والعذاب بدلا من المغفرة، فالعدالة أن يأخذوا العذاب الأليم. وبعد ذلك يقول الحق: "فما أصبرهم على الناس" هذا تبشيع للعقاب حتى ينفر منه الناس. ويريد منا الله أن نتعجب، كيف يجوز للضال أن يترك الهدى ويأخذ الضلال، وبعد ذلك تكون النتيجة أن يأخذ العذاب ويترك المغفرة. فما الذي يعطيه الأمل في أن يصبر على النار؟، هل عنده صبر إلى هذا الحد يجعله يقبل على الذنب الذي يدفعه إلى النار؟. وما الذي جعله يصبر على هذا العذاب؟ أعنده قوة تصبره على النار؟ وما هذه القوة؟. وكأن الحق يقول: أنت غير مدرك لما ينتظرك من الجزاء وإلا ما الذي يصبرك على هذه النار؟ إنك تتمادى في طغيانك وضلالك، وتنسى أن النار ستكون من نصيبك؛ فإذا كنت متيقناً أن النار من نصيبك؛ فكيف أخذت أماناً من صبرك على النار. فالنار أمر لا يصبر عليه إنسان أبداً.
ويقول الحق بعد ذلك:


 

قديم 06-10-2011, 07:32 AM   #176
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 176

(ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد "176")
وذلك إشارة إلى ما تقدم، وما تقدم هو الضلالة التي أخذوها وتركوا الهدى، والعذاب الذي أخذوه بدلاً من المغفرة، ونار يعذبون فيها، وقد صبروا عليها، إنها ثلاثة أشياء ملتقية؛ العذاب، والضلالة، والنار. فالضلال هو السبب الأصيل في العذاب، فإذا قال الله: عاقبتهم بكذا لأنهم ضلوا، فذلك صحيح، وإذا قال: فعلت فيهم ذلك لأنهم استحقوا العذاب، فهو صادق، والعذاب كحكم عام يكون بالنار. إذن، عندما يقول الحق: بالنار أو بالعذاب أو بالضلال فمرجعها جميعا واحد، يقال عنه: "ذلك". "ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق" والذي يغير الكتاب ويكتمه إنما يكره الحق. "وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد". إنها هوة واسعة يسقطون فيها، فالشقاق في القيم المنهجية السماوية هو هوة كبيرة، فلو كان الخلاف في أمور مادية لأمكن للبشر أن يتحملوها فيما بينهم، ولكانت مسألة سهلة. ولكن الخلاف في أمر قيمي لا يقدر البشر علي أن يصلحوه فيما بينهم، من هنا فإن شقة الخلاف واسعة، ولا يقوى على حلها إلا الله، ولذلك قال سبحانه:

{إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون}
(من الآية 3 سورة الزمر)


 

قديم 06-10-2011, 07:32 AM   #177
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 177

(ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون "177")
وعندما جاء الأمر من الحق سبحانه وتعالى بتحويل القبلة إلى الكعبة واتجاه المسلمين في صلواتهم إليها بعد أن كانوا يصلون ووجهتهم إلى بيت المقدس، عند ذلك حدثت بلبلة، وصار لكل أتباع ملة قبلة خاصة: فالمسلون يتجهون إلى الكعبة، واليهود يتجهون إلى بيت المقدس، والنصارى يتجهون إلى الشرق. وهذه الآية تؤكد أن الخلاف ليس في مسألة اتجاه الصلاة، وقبل تحويل القبلة كان كل من يصلي يتجه إلى متجه، وتغيير المتجه ليس فيه مشقة. والحق سبحانه وتعالى يقول لهم: لا تجعلوا أمر الاتجاه إلى الكعبة هو كل البر؛ لأن هذا الأمر لا مشقة فيه؛ فلا مشقة في توجه المسلمين إلى الكعبة بعد أن كانوا متوجهين إلى بيت المقدس، إنما المسألة هي امتثال لأمر الآمر، فالبر إذن ليس في الأمور السهلة التي لا مشقة فيها، وإنما في الخير الواسع الكثير، ويشمل الإيمان ويشمل التقوى، ويشمل الصدق، ويشمل الطاعة، ويشمل الإحسان، وكل وجوه الخير تدخل في كلمة "البر". فالبر معناه كبير واسع، ومادام معناه متسعا هكذا فكل ناحية منه تحتاج إلى مشقة.
وانظروا إلى مطلوب البر، ومتعلقات البر التي تتطلب منكم المشقة، ولا تختلفوا في المسألة السهلة اليسيرة التي لا يوجد فيها أدنى تعب مثل مسألة تغيير اتجاه القبلة، فإن كنتم تعتقدون أن ذلك هو البر نقول لكم: لا، البر له مسئوليات تختلف، إن متعلق البر هو أن يختبر صدق الإيمان، ويظهر الإيثار لمطلوب الله على الراحة، ويتطلب من المؤمن أن يقبل على الطاعة وإن شقت عليه، ويتطلب أن يمتنع المسلم عن المعاصي؛ وأن يعرف أن للمعاصي لذة عاجلة، لكن عقابها كبير، كل ذلك هو من مطلوبات البر والإيمان، فلا تجعلوا مسألة التوجه إلى الكعبة أو إلى بيت المقدس، أو إلى المشرق هو المشكلة؛ لأن وجوهكم ستتولى إلى جهة ما وإن لم تؤمروا. والبر كما نعلم هو الخير الواسع الذي يشمل كل وجوه الجمال في الكون يقول الحق: "ولكن البر من آمن".
ولماذا جعل الله الحديث عن البر حديثا عن ذات مجسدة؛ برغم أن البر معنى؟. إن الحق يجسد المعنى وهو البر في ذات العبد الذي آمن لأنه سبحانه حينما يريد أن يؤكد معنى من المعاني يجعل الذات مجسدة فيه. وعلى سبيل المثال ـ ولله المثل الأعلى ـ عندما نقول: "فلان عادل"، أي نحن نصفه بما يحقق للسامع أنه رجل يعرف العدل. ولكن عندما نقول: "فلان عدل" فكأنه هو العدل ذاته، وكذلك عندما نقول: "فلان صادق" فمعنى ذلك أنه صاحب ذات اتصفت بالصدق، ومن الممكن للذات أن تنفصل عن الصدق يوما، ولكن حين نقول: "فلان صدق" فمعنى ذلك أن الصدق قد امتزج به فلا ينحل عنه أبدا، أو أن الحق يريد أن يقول لنا: لكن صاحب البر هو من آمن بالله، أو يقول: "ولكن البر هو بر من آمن بالله"، أو أن الإخبار بالذات "من آمن" عن الصفة "البر" دليل على امتزاج الذات في الصفة امتزاجا لا تتخلى عنه أبدا فكأن البر قد تجسد فيهم.
وكل هذه الأقوال يتسع لها النص القرآني الكريم. والحق يقول: "ولكن البر من آمن بالله" هذه بداية الإيمان، ويأتي بعد ذلك بنهاية الإيمان وهو ضرورة الإيمان بـ"اليوم الآخر"، إن بداية القوس هي الإيمان بالله وطرفه الأخير الإيمان باليوم الآخر. وهنا نتساءل: وكيف يأتي الإيمان باليوم الآخر؟ نقول: يأتي الإيمان باليوم الآخر بأن تؤمن بالله ثم تؤمن بما يخبرك به الله، فلا تقل: أنا جعلتهما في صف واحد، بل الإيمان بالله أولا، وبعد ذلك الإيمان بما أخبرني به الله، وقد أخبر سبحانه: أن هناك يوما آخر، فصدقت ما أخبر به. وتأتي مسألة الإيمان بالملائكة فيقول الحق: "والملائكة" فكيف نؤمن بخلق من خلق الله لا نراه؟. إننا مادمنا قد آمنا بالقمة، وهي الإيمان بالله، والله أخبرنا بأن هناك ملائكة، وحتى لو كان وجود الملائكة غيبيا فنحن نؤمن بها؛ لأن الذي أخبر بها هو الله، وكذلك نؤمن بالجن برغم أننا لا نراه، وكل ما يتعلق بالغيبيات هو إخبار ممن آمنت به، لذلك تؤمن بها.
والمسائل الإيمانية كلها غيبية، ولا تقول في الأمر الحسي: "إنني آمنت به"، إنما تقول: "آمنت" في الأمر الغيبي؛ لأنه أمر غيبي لا تأنس به الحواس والإدراكات، وتريد أن تجعله عقيدة، والعقيدة هي أمر يعقد فلا ينحل أبدا، ولأنه أمر غيبي فربما ينفلت منا؛ لأنه لو كان أمرا مشهديا لما غفل عنه الإنسان أبدا؛ لأن مشهديته ستجعلك تتذكره، إنما هو أمر غيبي، ويسمى عقيدة، أي أمراً معقوداً لا يحل أبدا. والقمة العقدية هي أن تؤمن بالله، ثم تؤمن بما يخبرك به الله من غيبيات لا دليل لك عليها إلا أن الله قال بها، فإن رأيت في متعلقات الإيمان أمورا محسة فاعلم أن الجهة في الإيمان منفكة؛ لأنه سيأتي ذكر الملائكة واليوم الآخر وكلاهما غيب، وبعد ذلك سيذكر الكتاب والنبيين، وهما محسوسان.
صحيح أن الكتاب أمر محس والنبيين كذلك، لكننا لم نحس أن الله أنزل الكتاب، وأن الله بعث النبيين. ونحن لم نكن على قيد الحياة وقت نزول الكتاب ولا وقت بعث النبي، وجاء إيماننا لأننا صدقنا أن الله أنزل وحيا على محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون مبلغا لهذا الوحي، وكل هذه أمور غيبية لم نرها. والغيبيات هي أرضية الحركة الإيمانية؛ أو أساس الإيمان. وبعد ذلك تنتقل الآية من الحديث عن الأمر العقدي، لتبين لنا أن البر مكون من أمور عقدية هي أساس لأمور حركية، والأمور الحركية هي المقصودة من كل تدين. فالحق سبحانه لا يعنيه أن يؤمن به أحد، ولا يعنيه أن تؤمن بملائكته، وكتبه ورسله، لكن الأمر الذي يريده الله هو أن تنتظم حركة الحياة في الأرض بمنهج الله، ولذلك ينتقل الحديث إلى الأمر المادي فيقول: "وآتى المال على حبه" كأن الإنسان قد ملك المال وبعد ذلك "آتاه". وعندما تقول: "آتيت" فهي تعني أعطيت، وهي تختلف عن "أتيت" التي تعني "جئت".
وما هو المال؟ إن المال هو كل ما يتمول إلا أننا نصرفه إلى شيء يمكن أن يأتي بكل متمول وأسميناه بالنقد. وأصبحت له الغلبة؛ لأننا نشتري بالنقد كل شيء، لكن المعنى الأصلي للمال هو كل ما يتمول، وكيف يجئ المال لك أو لي أو لأي إنسان؟. أخرج أحد منا من بطن أمه وهو يملك شيئا؟. لا. إن ما يملكه الإنسان يأتي إما من متحرك في الحياة قبلك إن كان والدك أو جدك وإما من حركتك أنت. إذن لا يقال: "آتى المال" إلا إذا ثبتت له حركة ذاتية يصير بها متمولا، أو ورث عن متمول، والمتمول هو الذي يتحرك في الحياة حركة قد تكون لنفسه، وإن اتسعت حركته فستكون لأبنائه، وإن اتسعت أكثر فستكون لأحفاده. والحق يقول: "وآتى المال على حبه" وكلمة الحب مصدر، والمصدر أحيانا يضاف إلى فاعله، وأحيانا يضاف إلى المفعول الواقع عليه، مثلا كلمة "ضرب" نحن نقول: ضرب زيد عمر، وهكذا نجد ضاربا هو "زيد" ومضروبا هو "عمر".
وإذا قيل: "أعجبني ضرب زيدٍ". إن قلت: "لعمر" عرفنا الضارب والمضروب، وإن سكت عند قولك: أعجبني ضرب زيد فهي تحتمل معنيين، الضرب الصادر من زيد، أو الضرب الواقع على زيد. فساعة تأتي بالمصدر ويضاف إلى شيء فيصح أن يضاف إلى فاعله وأن يضاف إلى مفعوله. "وآتى المال على حبه" يمكن أن نفهمه على أكثر من معنى: يمكننا أن نفهمها على أنه يعطي المال وهو يحب المال، ويحتمل أن نفهمها على أنه يؤتي المال لأنه يحب أن يعطي مما يحبه المال عملا بقول الله تعالى "لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون" .. وهي تحتمل المعنيين. ويمكن أن تصعد المعنى فيصير "وآتى المال على حب الإيتاء أي الإعطاء" أي يحب الإعطاء وترتاح نفسه للإعطاء، ومن الممكن تصعيدها تصعيدا آخر يشمل كل ما سبق فيصبح المعنى: وآتى المال على حب الله الذي شرع له ذلك، وكل هذه المعاني محتملة. والحق يقول:

{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً "8"}
(سورة الإنسان)


 

قديم 06-10-2011, 07:33 AM   #178
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 178

(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم "178")
وساعة ينادي الله "يا أيها الذين آمنوا" فهذا النداء هو حيثية الحكم الذي سيأتي، ومعنى هذا القول: أنا لم أكلفكم اقتحاما على إرادتكم؛ أو على اختياركم، وإنما كلفتكم لأنك دخلتم إلى من باب الإيمان بي، ومادمتم قد آمنتم بي فاسمعوا مني التكليف. فالله لم يكلف من لم يؤمن به، ومادام الله لا يكلف إلا من آمن به فإيمانك به جعلك شريكا في العقد، فإن كتب عليك شيئا فأنت شريك في الكتابة، لأنك لو لم تؤمن لما كتب، فكأن الصفقة انعقدت، ومادامت الصفقة قد انعقدت فأنت شريك في التكليف، ولذلك يقول الله: "كتب" بضم الكاف. ولم يقل "كتب" بفتح الكاف. وتلحظ الفرق جليا في الأشياء التي للإنسان دخل فيها، فهو سبحانه يقول:
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي}
(من الآية 21 سورة المجادلة)


إنه سبحانه هنا الذي كتب، لأنه لا شريك له. عندما تقرأ "كتب عليكم" فافهم أن فيها إلزاما ومشقة، وهي على عكس "كتب لكم" مثل قوله تعالى:

{قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}
(من الآية 51 سورة التوبة)


إن "كتب لنا" تشعرنا أن الشيء لمصلحتنا. وفي ظاهر الأمر يبدو أن القصاص مكتوب عليك، وساعة يكتب عليك القصاص وأنت قاتل فيكون ولي المقتول مكتوباً له القصاص، إذن كل "عليك" مقابلها "لك"، وأنت عرضة أن تكون قاتلا أو مقتولا. فإن كنت مقتولا فالله كتب لك. وإن كنت قاتلا فقد كتب الله عليك. لأن الذي "لي" لابد أن يكون "على" غيري، والذي "علي" لابد أن يكون "لغيري". فالتشريع لا يشرع لفرد واحد وإنما يشرع للناس أجمعين. عندما يقول: "كتب عليكم القصاص"، ثم يقول في الآية التي بعدها: "ولكم في القصاص حياة"، فهو سبحانه قد جاء بـ"لكم"، و"عليكم". "عليكم" للقاتل، و"لكم" لولي المقتول. فالتشريع عادلا لأنه لم يأت لأحد على حساب أحد، والعقود دائما تراعي مصلحة الطرفين. "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر".
ومن هو الحر؟ الحر ضد العبد وهو غير مملوك الرقبة، والحر من كل شيء هو أكرم ما فيه، ويقال: حر المال يعني أكر ما في المال. و"الحر" في الإنسان هو من لا يحكم رقبته أحد. و"الحر" من البقول هو ما يؤكل غير ناضج، أي غير مطبوخ على النار، كالفستق واللوز. والحق سبحانه يقول: "الحر بالحر"، وظاهر النص أن الحر لا يقتل بالعبد، لأنه سبحانه يقول: "الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى"، لكن ماذا يحدث لو أن عبداً قتل حراً، أو قتلت امرأة رجلاً؛ هل نقتلهما أم لا؟ إن الحق يضع لمسألة الثأر الضوابط، وهو سبحانه لم يشرع أن الحر لا يقتل إلا بالحر، وإنما مقصد الآية أن الحر يقتل إن قتل حراً، والعبد يقتل إن قتل عبداً، والأنثى مقابل الأنثى، هذا هو إتمام المعادلة، فجزاء القاتل من جنس ما قتل، لا أن يتعداه القتل إلى من هو أفضل منه. إن الحق سبحانه وتعالى يواجه بذلك التشريع في القصاص قضية كانت قائمة بين القبائل، حيث كان هناك قتل للانتقام والثأر.
ففي الزمن الجاهلي كانت إذا نشأت معركة بين قبيلتين، فمن الطبيعي أن يوجد قتلى وضحايا لهذا الاقتتال، فإذا قتل عبد من قبيلة أصرت القبيلة التي تملك هذا العبد أن تصعد الثأر فتأخذ به حراً، وكذلك إذا قتلت في تلك الحرب أنثى، فإن قبيلتها تصعد الثأر فتأخذ بها ذكراً. والحق سبحانه وتعالى أراد أن يحسم قضية الثأر حسماً تدريجيا، لذلك جاء بهذا الأمر "الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى". إذن فالحق هنا يواجه قضية تصعيدية في الأخذ بالثأر، ويضع منهجاً يحسم هذه المغالاة في الثأر. وفي صعيد مصر، مازلنا نعاني من الغفلة في تطبيق شريعة الله، فحين يقتل رجل من قوم فهم لا يثأرون من القاتل، وإنما يذهبون إلى اكبر رأس في عائلة القاتل ليقتلوه. فالذين يأخذون الثأر يريدون النكاية الأشد، وقد يجعلون فداء المقتول عشرة من العائلة الأخرى، وقد يمثلون بجثثهم ليتشفوا، وكل ذلك غير ملائم للقصاص.
وفي أيام الجاهلية كانوا يغالون في الثأر، والحق سبحانه وتعالى يبلغ البشرية جمعاء بأن هذه المغالاة في الثأر تجعل نيران العداوة لا تخمد أبدا. لذلك فالحق يريد أمر الثأر إلى حده الأدنى، فإذا قتلت قبيلة عبداً فلا يصح أن تصعد القبيلة الأخرى الأمر فتأخذ بالعبد حراً. إذن فالحق يشرع أمراً يخص تلك الحروب الجماعية القديمة، وما كان يحدث فيها من قتل جماعي، وما ينتج عنها بعد ذلك من مغالاة في الثأر، وهذا هو التشريع التدريجي، وقضى سبحانه أن يرد أمر الثأر إلى الحد الأدنى منه، فإذا قتلت قبيلة عبدا فلا يصح أن تصعد القبيلة الأخرى الثأر بأن تقتل حراً. والحق يشرع بعد ذلك أن القاتل في الأحوال العادية يتم القصاص منه بالقتل له أو بالدية. فقد جاءت آية أخرى يقول فيها الحق:

{وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون "45"}
(سورة المائدة)


وهكذا يصبح القصاص في قتل النفس يتم بنفس أخرى، فلا تفرقة بين العبد أو الحر أو الأنثى، بل مطلق نفس بمطلق نفس. وهاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يواجه بتقنين تشريع القصاص قضية يريد أن يميت فيها لدد الثأر وحنق الحقد. فساعة تسمع كلمة قصاص وقتل، فمعنى ذلك أن النفس مشحونة بالبغضاء والكراهية، وريد أن يصفي الضغن والحقد الثأري من نفوس المؤمنين. إن الحق جل وعلا يعط يولي الدم الحق في أن يقتل أو أن يعفو، وحين يعطي الله لولي الدم الحق في أن يقتل، فإن أمر حياة القاتل يصبح بيد ولي الدم، فإن عفا ولي الدم لا يكون العفو بتقنين، وإنما بسماحة نفس، وهكذا يمتص الحق الغضب والغيظ. وبعد ذلك يرقق الله قلب ولي الدم فيقول: "فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان".


 

قديم 06-10-2011, 07:33 AM   #179
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 179

(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "179")
وهنا نلاحظ أن النسق القرآني يأتي مرة فيقول: "يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم". ويأتي هنا ليقول النسق القرآني: "ولكم في القصاص". التشريع الدقيق المحكم يأتي بواجبات وبحقوق؛ فلا واجب بغير حق، ولا حق بغير واجب، وحتى نعرف سمو التشريع مطلوب من كل مؤمن أن ينظر إلى ما يجب عليه من تكاليف، ويقرنه بما له من حقوق، ولسوف يكتشف المؤمن أنه في ضوء منهج الله قد نال مطلق العدالة. إن المشرع هو الله، وهو رب الناس جميعا، ولذلك فلا يوجد واحد من المؤمنين أولى بالله من المؤمنين الآخرين. إن التكليف الإيماني يمنع الظلم، ويعيد الحق، ويحمي ويصون للإنسان المال والعرض. ومن عادة الإنسان أن يجادل في حقوقه ويريدها كاملة، ويحاول أن يقلل من واجباته، ولكن الإنسان المؤمن هو الذي يعطي الواجب تماما فينال حقوقه تامة، ولذلك يقول الحق:

{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون "179" }
(سورة البقرة)


إن القصاص مكتوب على القاتل والمقتول وولي الدم. فإذا علم القاتل أن الله قد قرر القصاص فإن هذا يفرض عليه أن يسلم نفسه، وعلى أهله ألا يخفوه بعيداً عن أعين الناس؛ لأن القاتل عليه أن يتحمل مسئولية ما فعل، وحين يجد القاتل نفسه محوطاً بمجتمع مؤمن يرفض القتل فإنه يرتدع ولا يقتل، إذن ففي القصاص حياة؛ لأن الذي يرغب في أن يقتل يمكنه أن يرتدع عندما يعرف أن هناك من سيقتص منه، وأن هناك من لا يقبل المداراة عليه. ونأتي بعد ذلك للذين يتشدقون ويقولون: إن القصاص وحشية وإهدار لآدمية الإنسان، ونسألهم: لماذا أخذتكم الغيرة لأن إنساناً يقتص منه بحق وقد قتل غيره بالباطل؟ ما الذي يحزنك عليه. إن العقوبة حين شرعها الله لم يشرعها لتقع، وإنما شرعها لتمنع. ونحن حين نقتص من القاتل نحمي سائر أفراد المجتمع من أن يوجد بينهم قاتل لا يحترم حياة الآخرين، وفي الوقت نفسه نحمي هذا الفوضوي من نفسه؛ لأنه سيفكر ألف مرة قبل أن يرتكب جريمة.
إذن فالقصاص من القاتل عبرة لغيره، وحماية لسائر أفراد المجتمع ولذلك يقول الحق سبحانه: "ولكم في القصاص حياة". إن الحق يريد أن يحذرنا أن تأخذنا الأريحية الكاذبة، والإنسانية الرعناء، والعطف الأحمق، فنقول: نمنع القصاص. كيف نغضب لمعاقبة قاتل بحق، ولا نتحرك لمقتل برئ؟ إن الحق حين يشرع القصاص كأنه يقول: إياك أن تقتل أحداً لأنك ستقتل إن قتلته، وفي ذلك عصمة لنفوس الناس من القتل. إن في تشريع القصاص استبقاء لحياتكم؛ لأنكم حين تعرفون أنكم عندما تقتلون بريئا وستقتلون بفعلكم فسوف تمتنعون عن القتل، فكأنكم حقنتم دماءكم. وذلك هو التشريع العالي العادل.
وفي القصاص حياة؛ لأن كل واحد عليه القصاص، وكل واحد له القصاص، إنه التشريع الذي يخاطب أصحاب العقول وأولي الألباب الذين يعرفون الجوهر المراد من الأشياء والأحكام، أو غير أولي الألباب فهم الذين يجادلون في الأمور دون أن يعرفوا الجوهر منها، فلولا القصاص لما ارتدع أحد، ولولا القصاص لغرقت البشرية في الوحشية. إن الحكمة من تقنين العقوبة ألا تقع الجريمة وبذلك يمكن أن تتواري الجريمة مع العقوبة ويتوازن الحق مع الواجب. إن المتدبر لأمر الكون يجد أن التوازن في هذه الدنيا على سبيل المثال في السنوات الماضية يأتي من وجود قوتين عظميين كلتاهما تخشى الأخرى وكلتاهما تختلف مع الأخرى، وفي هذا الاختلاف حياة لغيرهما من الشعوب، لأنهما لو اتفقتا على الباطل لتهدمت أركان دولتهما، وكان في ذلك دمار العالم، واستعباد لبقية الشعوب.
وإذا كان كل نظام من نظم العالم يحمل للآخر الحقد والكراهية والبغضاء ويريد أن يسيطر بنظامه لكنه يخشى قوة النظام الآخر، لهذا نجد في ذلك الخوف المتبادل حماية لحياة الآخرين، وفرصة للمؤمنين أن يأخذوا بأسباب الرقي العلمي ليقدموا للدنيا أسلوباً لائقاً بحياة الإنسان على الأرض في ضوء منهج الله. وعندما حدث اندثار لقوة من القوتين هي الاتحاد السوفيتي، فإن الولايات المتحدة تبحث الآن عن نقيض لها؛ لأنها تعلم أن الحياة دون نقيض في مستوى قوتها، قد يجري الصغار عليها. إن الخوف من العقوبة هو الذي يصنع التوازن بين معسكرات العالم، والخوف من العقوبة هو الذي يصنع التوازن في الأفراد أيضا.
إن عدل الرحمن هو الذي فرض علينا أن نتعامل مع الجريمة بالعقاب عليها وأن يشاهد هذا العقاب آخرون ليرتدعوا. فهاهو ذا الحق في جريمة الزنى على سبيل المثال يؤكد ضرورة أن يشاهد العقاب طائفة من الناس ليرتدعوا. إن التشديد مطلوب في التحري الدقيق في أمر حدوث الزنى؛ لأن عدم دقة التحري يصيب الناس بالقلب ويسبب ارتباكا وشكا في الأنساب، والتشديد جاء أيضا في العقوبة في قول الحق:

{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "2"}
(سورة النور)
إن الذي يجترئ على حقوق الناس يجترئ أيضا على حقوق الله، ولذلك فمقتضى إيثار الإيمان هو إرضاء الله لا إرضاء الناس. وفي إنزال العقاب بالمعتدي خضوع لمنهج الله، وفي رؤية هذا العقاب من قبل الآخرين هو نشر لفكرة أن المعتدي ينال عقاباً، ولذلك شرع الحق العقاب والعلانية فيه ليستقر التوازن في النفس البشرية. وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى ليعالج قضية اجتماعية أخرى. إن الحق بعد أن عالج قضية إرهاق الحياة ينتقل بنا إلى قضية أخرى من أقضية الحياة، إنها قضية الموت الطبيعي. كأن الحق بعد أن أوضح لنا علاج قضية الموت بالجريمة يريد أن يوضح لنا بعضاً من متعلقات الموت حتفا من غير سبب مزهق للروح. إن الحق يعالج في الآية القادمة بعضاً من الأمور المتعلقة بالموت ليحقق التوازن الاقتصادي في المجتمع كما حقق بالآية السابقة التوازن العقابي والجنائي في المجتمع.
يقول الحق:


 

قديم 06-10-2011, 07:33 AM   #180
الشاكر
مراقب عام


الصورة الرمزية الشاكر
الشاكر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 29965
 تاريخ التسجيل :  03 2010
 أخر زيارة : 28-03-2023 (01:07 PM)
 المشاركات : 34,379 [ + ]
 التقييم :  253
 الدولهـ
Yemen
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Royalblue


تفسير سورة البقرة - الآية: 180

(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "180")
والحق كما أوضحت من قبل لا يقتحم على العباد أمورهم ولكنه يعرض عليهم أمر الإيمان به، فإن آمنوا فهذا الإيمان يقتضي الموافقة على منهجه، ولذلك فالمؤمن يشترك بعقيدته في الإيمان بما كتب الله عليه. إن المؤمن هو من ارتضى الله إلهاً ومشرعاً، فحين يكتب الله على المؤمن أمراً، فالمؤمن قد اشترك في كتابة هذا الأمر بمجرد إعلانه للإيمان. أما الكافر بالحق فلم يقتحم الله عليه اختياره للكفر، ولذلك لم يكتب عليه الحق إلا أمراً واحداً هو العذاب في الآخرة. فالله لا يكلف إلا من آمن به وأحبه وآمن بكل صفاته الجلال والكمال فيه. ولذلك فالتكليف الإيماني شرف خص به الله المحبين المؤمنين به، ولو فطن الكفار إلى أن الله أهملهم لأنهم لم يؤمنوا به لسارعوا إلى الإيمان، ولرأوا اعتزاز كل مؤمن بتكليف الله له. إن المؤمن يرى التكليف خضوعا لمشيئة الله. والخضوع لمشيئة الله يعني الحب. ومادام الحب قد قام بين العبد والرب فإن الحق يريد أن يديم هذا الحب، لذلك كانت التكاليف هي مواصلة للحب بين العبد والرب.
إن العبد يحب الرب بالإيمان، والرب يحب العبد بالتكليف، والتكليف مرتبة أعلى من إيمان العبد، فإيمان العبد بالله لا ينفع الله، ولكن تكاليف الله للعبد ينتفع بها العبد. إن المؤمن عليه أن يفطن إلى عزة التكليف من الله، فليس التكليف ذلا ينزله الحق بعباده المؤمنين، إنما هو عزة يريدها الله لعباده المؤمنين، هكذا قول الحق: "كتب عليكم" إنها أمر مشترك بين العبد والرب. إن الكتابة هنا أمر مشترك بين الحق الذي أنزل التكليف وبين العبد الذي آمن بالتكاليف. والحق يورد هنا أمراً يخص الوصية فيقول سبحانه:

{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "180" }
(سورة البقرة)


وهنا نجد شرطين: الشرط الأول: يبدأ بـ"إذا" وهي للأمر المتحقق وهو حدوث الفعل. والموت أمر حتمي بالنسبة لكل عبد، لذلك جاء الحق بهذا الأمر بشرط هو "إذا"، فهي أداة لشرط وظرف لحدث. والموت هو أمر محقق إلا أن أحداً لا يعرف ميعاده. والشرط الثاني يبدأ بـ"إن" وهي أداة شرط نقولها في الأمر الذي يحتمل الشك؛ فقد يترك الإنسان بعد الموت ثروة وقد لا يترك شيئا، ولذلك فإن الحق يأمر العبد بالوصية خيراً له لماذا؟ لأن الحق يريد أن يشرع للاستطراق الجماعي، فبعد أن يوصي الحق عباده بأن يضربوا في الحياة ضرباً يوسع رزقهم ليتسع لهم، ويفيض عن حاجتهم، فهذا الفائض هو الخير، والخير في هذا المجال يختلف من إنسان لآخر ومن زمن لآخر.
فعندما كان يترك العبد عشرة جنيهات في الزمن القديم كان لهذا المبلغ قيمة، أما عندما يترك عبد آخر ألف جنيه في هذه الأيام فقد تكون محسوبة عند البعض بأنها قليل من الخير، إذن فالخير يقدر في كل أمر بزمانه، ولذلك لم يربطه الله برقم. إننا في مصر ـ مثلاً ـ كنا نصرف الجنيه الورقي بجنيه من الذهب ويفيض منه قرشان ونصف قرش؛ أما الآن فالجنيه الذهبي يساوي أكثر من مائتين وخمسين جنيها؛ لأن رصيد الجنيه المصري في الزمن القديم كان عاليا. أما الآن فالنقد المتداول قد فاق الرصيد الذهبي، لذلك صار الجنيه الذهبي أغلى بكثير جداً من الجنيه الورقي.
ولآن الإله الحق يريد بالناس الخير لم يحدد قدر الخير أو قيمته، وعندما يحضر الموت الإنسان الذي عنده فائض من الخير لابد أن يوصي من هذا الخير. ولنا أن نلحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن انتظار لحظة الموت ليقول الإنسان وصيته، أو ليبلغ أسرته بالديون التي عليه، لأن الإنسان لحظة الموت قد لا يفكر في مثل هذه الأمور. ولذلك فعلينا أن نفهم أن الحق ينبهنا إلى أن يكتب الإنسان ما له وما عليه في أثناء حياته. فيقول ويكتب وصيته التي تنفذ من بعد حياته. يقول المؤمن: إذا حضرني الموت فلوالدي كذا وللأقربين كذا.
أي أن المؤمن مأمور بأن يكتب وصيته وهو صحيح، ولا ينتظر وقت حدوث الموت ليقول هذه الوصية. والحق يوصي بالخير لمن؟ "للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين". والحق يعلم عن عباده أنهم يلتفتون إلى أبنائهم وقد يهملون الوالدين، لأن الناس تنظر إلى الآباء والأمهات كمودعين للحياة، على الرغم من أن الوالدين هما سبب إيجاد الأبناء في الحياة، لذلك يوصي الحق عباده المؤمنين بأن يخصصوا نصيبا من الخير للآباء والأمهات وأيضا للأقارب. وهو سبحانه يريد أن يحمي ضعيفين هما: الوالدين والأقرباء.
وقد جاء هذا الحكم قبل تشريع الميراث كانوا يعطون كل ما يملكون لأولادهم، فأراد الله أن يخرجهم من إعطاء أولادهم كل شيء وحرمان الوالدين والأقربين. وقد حدد الله من بعد ذلك نصيب الوالدين في الميراث، أما الأقربون فقد ترك الحق عباده تقرير أمرهم في الوصية. وقد يكون الوالدان من الكفار، لذلك لا يرثان من الابن، ولكن الحق يقول:

{ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير "14" وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون "15"}
(سورة لقمان)


إن الحق يذكر عباده بفضله عليهم، وأيضاً بفضل الوالدين، ولكن إن كان الوالدان مشركين بالله فلا طاعة لهما في هذا الشرك، ولكن هناك الأمر بمصاحبتهما في الحياة بالمعروف واتباع طريق المؤمنين الحاملين للمنهج الحق. لذلك فالإنسان المؤمن يستطيع أن يوصي بشيء من الخير في وصيته للأبوين حتى ولو كانا من الكافرين، ونحن نعرف أن حدود الوصية هي ثلث ما يملكه الإنسان والباقي للميراث الشرعي. أما إذا كانا من المؤمنين فنحن نتبع الحديث النبوي الكريم: "لا وصية لوارث".
وفي الوصية يدخل إذن الأقرباء الضعفاء غير الوارثين، هذا هو المقصود من الاستطراق الاجتماعي. والحق حين ينبه عباده إلى الوصية في أثناء الحياة بالأقربين الضعفاء، يريد أن يدرك العباد أن عليهم مسئولية تجاه هؤلاء. ومن الخير أن يعمل الإنسان في الحياة ويضرب في الأرض ويسعى للرزق الحلال ويترك ورثته أغنياء بدلاً من أن يكونوا عالة على أحد. عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي صلى الله عليه وسلم يعودني، وأنا بمكة، قال: يرحم الله بن عفراء، قلت: يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
وإذا رزق الله الإنسان بالعمل خيراً كثيراً فإياك أيها الإنسان أن تقصر هذا الخير على من يرثك. لماذا؟ لأنك إن قصرت شيئاً على من يرثك فقد تصادف في حياتك من لا يرث وله شبهة القربى منك، وهو في حاجة إلى من يساعده على أمر معاشه فإذا لم تساعده يحقد عليك وعلى كل نعمة وهبها الله لك، ولكن حين يعلم هذا القريب أن النعمة التي وهبها الله لك قد يناله منها شيء ولو بالوصية وليس بالتقنين الإرثي هذا القريب يملأه الفرح بالنعمة التي وهبها الله لك. ولذلك قال الحق:

{كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين "180" }
(سورة البقرة)


إن الحق يريد أن يلفت العباد إلى الأقرباء غير الوارثين بعد أن أدخل الآباء والأمهات في الميراث. إن الإنسان حين يكون قريباً لميت ترك خيراً، وخص الميت هذا القريب ببعض من الخير في الوصية، هذا القريب تمتلئ بالخير نفسه فيتعلم ألا يحبس الخير عن الضعفاء، وهكذا يستطرق الحب وتقوم وشائج المودة. والحق يفترض ـ وهو الأعلم بنفوس عباده ـ أن الموصي قد لا يكون على حق والوارث، ولذلك يريد الحق سبحانه وتعالى أن يعصم الأطراف كلها، إنه يحمي الذي وصى، والموصي له، والوارث.


 

موضوع مغلق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:30 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا