المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.

 


 
العودة   نفساني > ملتقيات التجارب الشخصية والأبحاث > ملتقى أصحاب الرهاب
 

ملتقى أصحاب الرهاب هل تعاني من الرهاب ...؟ لست وحدك في ذلك!...

حمل كتاب كيف نقهر الخوف

السلام عليكم هذا كتاب موجود في موقع موقع عيون العرب-ملتقى العالم العربي قسم تحميل الكتب . وسانقل لكم بعض الصفحات خوفا من حذف الرابط من الموقع :

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 31-01-2010, 11:27 AM   #1
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue
حمل كتاب كيف نقهر الخوف



السلام عليكم
هذا كتاب موجود في موقع موقع عيون العرب-ملتقى العالم العربي
قسم تحميل الكتب .
وسانقل لكم بعض الصفحات خوفا من حذف الرابط من الموقع :
http://vb.arabseyes.com/t7436.html

واليكم بعض صفحات الكتاب لكي اسعدكم يا احبابي الكرام :

حسن الصفار


كيف نقهر الخوف؟
دراسة إسلامية في سيكولوجيا الرُّهاب (الفوبيا)

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}
صدق الله العلي العظيم
سورة الأحزاب ـ39ـ

المحتويات
مقدمة الطبعة الرابعة 5
مقدمة الطبعة الأولى 7
الفصل الأول: الخوف برؤية قرآنية 9
تمهيد 11
واقعية الخوف 14
الخوف من الله 16
ماذا يعني الخوف من الله؟ 18
الخوف: امتحان 20
مهاجمة الخوف 22
أولياء الشيطان ينشرون الخوف.. 24
الخوف المفرط سمة النفاق، والشجاعة شرط الإيمان 25
الفصل الثاني: الخوف أسبابه وجذوره 27
لماذا الخوف؟ 30
الجذور والأسباب 32
الفصل الثالث: مناطق الخوف في حياة الإنسان 40
الخوف من الفشل 43
لا تتهيب الفشل 45
البُعد الإيجابي للفشل 47
الخوف من المشاكل 48
الخوف من الموت 49
أفضل طريقة للتعامل مع الموت.. 53
الفصل الرابع: كيف ننتصر على الخوف؟ 55
سُبل الانتصار على الخوف 57
الإرادة والتصميم 58
الإيحاء الذاتي 59
قراءة سير الأبطال 61
الزهد في الدنيا 63
الخوف الحقيقي 65
الاقتحام 67
توثيق الصلة بالله 69
التسلح بالفكر الرسالي 71
وكونوا مع الصادقين 73
كلمات أخيرة 76

كتاب صغير فقط 76 صفحة


مقدمة الطبعة الرابعة
الإنسان هو أساس التنمية ومحورها وغايتها.
ولا تحصل تنمية جادة في أي مجتمع، إلا بتنمية قدرات الإنسان ومواهبه، وبإطلاق العنان لطاقاته وكفاءاته، حتى يبدع وينجز.
ومشكلة المجتمعات النامية أن خطط التنمية فيها تركز على مظاهر البناء والعمران، من إنشاء المطارات الضخمة، والشوارع العريضة، والعمارات الشاهقة، والأسواق الاستهلاكية الواسعة، وشراء أفخم الطائرات، وآخر موديلات السيارات، وبناء المشاريع الكبيرة، بالاعتماد على استيراد الخبرات، وجلب الأيدي العاملة من الخارج.
فتعيش البلاد مظاهر التقدم والحضارة، وبدرجة مقاربة لمستوى البلدان الصناعية المتقدمة، لكن إنسان هذه المجتمعات بينه وبين الحضارة مسافة كبيرة، حيث لا دخل له في إنتاج شيء مما يستخدمه من الأجهزة الاليكترونية، بل قد لا يجيد إصلاح أي خلل أو عطب يصيبها، فالكفاءات المهنية والفنية من العمالة الأجنبية غالباً. وخطط بناء المشاريع وتنفيذها العملي، يتم في أكثر الأحيان على أيدي الآخرين أيضاَ.
والنتيجة هي كما قال الشاعر:
خلاصة القضية
توجز في عبارة
أنا لبسنا قشرة الحضارة
والروح جاهلية
إن التنمية الحقيقية يجب أن تبدأ من الإنسان، بأن يثق بنفسه، ويكتشف قدراته، ويفجر طاقاته، ويتحمل مسؤوليته في الحياة.
وهذا لا يحصل إذا لم يتحرر الإنسان من داخله، ويثور على العوائق الذاتية في أعماق نفسه، تلك العوائق التي تمنعه من التحرك والانطلاق.
ويمثل (الخوف) في حالته المرضية واحداً من أبرز تلك العوائق، حيث يفرض الإنسان الخائف على نفسه قمعاً ذاتياً بوليسياً، يشلّ تفكيره وحركته، فلا يفصح عن رغبته، ولا يعبر عن رأيه، ولا يعلن موقفه، فضلاً عن أن يقوم بدور، أو يمارس تحركاً.
يخاف من القوة السياسية أن تسجنه أو تعرقل بعض مصالحه، ويخاف من الجهات الدينية أن تكفره أو تصدر فتوى بضلالته والتشكيك في دينه، ويخاف من مراكز النفوذ الاجتماعي أن تحاصره وتلغي دوره، ويخاف من نفسه على نفسه أن يورّطها، أو يسبب لها المشاكل، أو يوقعها في فشل.
هذا الخوف المكعب المربّع، الذي يملأ نفس إنساننا، هو المسؤول بدرجة كبيرة عن حالة الجمود والتخلف التي تعيشها مجتمعاتنا.
ولا بد من التحرر من سيطرة الخوف، دون أن يعني ذلك الوقوع في فخ التهور والفوضى.
ومفاهيم الإسلام وتعاليمه تقود الإنسان إلى المسار الصحيح، حيث ترشده إلى تجاوز عقبة الخوف، والخروج من هيمنته القمعية، وترتقي به إلى مستوى الشجاعة الحكيمة، والإقدام المسؤول.
وهذه الصفحات التي بين يدي القارئ العزيز، هي محاولة لاستلهام بعض المفاهيم والتعاليم الإسلامية في هذا المجال، وكنت قد تحدثت عن هذا الموضوع في خطابات أيام عاشوراء سنة 1400هـ في القطيف، ثم كتبتها بعد ذلك لتصبح كتاباً تحت هذا العنوان (كيف نقهر الخوف) والذي طبع أول مرة في طهران ـ الجمهورية الإسلامية الإيرانية ـ سنة 1404هـ، ثم أعيد طبعه ثانية في طهران أيضاً، بحجم صغير وورق خفيف، من قبل بعض الأخوة العراقيين، ليتمكن من اختراق الحواجز، والوصول إلى أيدي الناس داخل العراق. وطبع مرة ثالثة في لبنان من قبل مؤسسة الوفاء سنة 1984م. وترجم إلى اللغة الفارسية ونشر تحت عنوان (غلبه برخوف) دون تنسيق مع المؤلف.
ثم لم أفكر في إعادة طبعه، لاعتقادي بأن طرح هذا الموضوع الآن يحتاج إلى تطوير وتجديد، بعد حوالي عشرين عاماً، شهدت الكثير من المتغيرات والتطورات الفكرية والاجتماعية. لكن بعض الأخوة الكرام كانوا يرغبون في إعادة طبعه، ومنهم الأخ الفاضل السيد الهاني إدريس والذي أحترم رأيه، فهو صاحب مؤلفات وأبحاث قيمة، وقد بادر جزاه الله خيراً لاقتراح بعض التغييرات والتصحيحات، في بعض المواقع من الكتاب. كما بذل الأخ الأستاذ محمد دكير جهداً طيباً في الإشراف على تنقيحه وطباعته، فلهما جزيل الشكر والامتنان، وأرجو أن يكون في إعادة طبعه للمرة الرابعة ـ بعد شيء من التنقيح ـ نفع وفائدة. والله ولي التوفيق.

المــؤلـــف
17/11/1423هـ، 20/1/2003م

مقدمة الطبعة الأولى
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:33 AM   #2
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


مقدمة الطبعة الأولى
الحمد الله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين.
يقبل كثير من الناس على اقتناء وقراءة كتب علم النفس.. تلك الكتب التي تكشف للإنسان نفسه وتسلط الضوء على خبايا ذاته وتعالج مشاكله النفسية والوجدانية...
واستجابة لهذا الإقبال صدرت الكثير من الموسوعات والدراسات في مختلف مجالات علم النفس.. وكثير من تلك الكتابات تجارية ـ مع الأسف ـ ينقصها العمق والدقة..
ومادام أن علم النفس قد تأسس واكتمل بنيانه في أوروبا، فإن جل الكتابات حول هذا الموضوع لا تعدو أن تكون ترجمة حرفية أو مفهومية للإنتاج الغربي، في هذا المضمار. ويما أن هذا الإنتاج غريب عن اجتماعنا، وبالتالي، فاستقراءاته ومناهجه كلها استمدت مقوماتها من البنية الاجتماعية والنفسية، لمجتمعات تخالفنا أو تناقضنا في نمط الحياة، وطريقة التفاعل النفسي والاجتماعي للمجتمع، وإسقاط هكذا مناهج وإنتاجات على بنية اجتماعية أخرى، يعتبر نوعاً من التعسف المنهجي والعلمي الذي يؤدي حتماً إلى نتائج مغلوطة.
وفي التراث الإسلامي، تجارب ناجحة تاريخية حافلة، وفيه توجيهات إلهية ثمينة أيضاً... لكن هناك ملاحظة، فالتجارب التاريخية (النفسية) التي حفظها التراث الإسلامي، كانت محدودة، وهذا مدعاة لمزيد من الانفتاح على كثير من التجارب النفسية، وكذلك فهذه تجارب ينقصها المنهج والطريقة العلمية، وهي بالتالي في حاجة لمن يبلورها، ويودعها في نسق علمي يمكن الاعتماد عليه في المقاربات العلمية لعلم النفس الإسلامي.. أما التوجيهات الإلهية، فقد جاءت كاستجابة لمشكلات من هذا النوع. وكانت الطريقة هي وضع حل لكل معضلة نفسية... لكن وفي غياب الوحي المباشر، يحتاج الإنسان إلى اجتهاد معمق ومتواصل لاستقراء منهج علمي، تكون التجارب الإسلامية أساساً له.
وهذه الصفحات التي بين يديك ـ أيها القارئ الكريم ـ هي دراسة مبسطة لإحدى المشاكل النفسية وهي (مشكلة الخوف) وقد استفدت في معالجة هذه المشكلة من بعض (الكتابات العلمية) إلا أنني استهديت كثيراً بالنصوص الدينية، من آيات القرآن وأحاديث الرسول الأعظم  وكلمات الأئمة الطاهرين  كما انطلقت في هذه المعالجة من ملاحظاتي لمظاهر هذه المشكلة في المجتمع...
وها هي بين أيدي القراء، عسى أن تكون مفيدة نافعة وأن يتقبلها الله بأحسن القبول إنه ولي التوفيق.
المؤلف
تمهيد
يعتبر المجال الموضوعي، إحدى أهم خصائص العلوم، ومنذ انفصال العلوم، عن الفلسفة، أصبح للعلم مجالاته الخاصة، وبالتالي: افتقدت (الفلسفة) أبناءها الشرعيين، لتتحول فيما بعد، من (أم العلوم) إلى مجال، يختص بالمجردات، والمطلقات و... و...
وإذا كان موضوع علم الاجتماع هو الظاهرة الاجتماعية، ومجال الاقتصاد هو الثروة وعلاقات الإنتاج و... فإن لعلم النفس، مجالاً موضوعياً، هو (الظاهرة النفسية)، وقد كان في البداية موضوع النفس الإنسانية، موضوعاً غامضاً لكن ذلك لا يعني أن (النفس الإنسانية) كانت مجهولة لدى الناس، فالديانات كانت دائماً، مصدراً أساسياً لتقييم وتقويم نفوس البشر. وكان الأغلبية يعتمدون في معرفة نفسية الآخرين عن طريق (الاستبطان)، وهو نوع من المراقبة، يمارسها الإنسان على نفسه ويستخلص من ثم حقائق حول نفسه، ثم إسقاطها، بالتالي وتعميمها على الناس. كل هذا يعني، أن النفس الإنسانية، لم تكن مجهولة تماماً فيما مضى. ولكن، تبلور هذه المعرفة على شكل تكوين معرفي، ومدرسة متكاملة الأبعاد، هذا لم يحدث إلا في القرن 19.
وتعتبر الظاهرة النفسية من أعقد الظواهر التي اهتمت بها العلوم الإنسانية، ذلك لأن مجالها يتميز بالعمق والتجدد، والعلاقة التي تربطه بعلوم أخرى، كعلم الاجتماع. لا بل الإنتروبولوجيا والاقتصاد والقانون أيضاً. والعلوم كلها، تعاني من مشكلة التجدد الذي يطرأ على الظواهر مما يفتح آفاقاً أوسع أمام مسيرة العلوم، وكلما تقدمت العلوم خطوة، كلما واجهتها عواصف من الإشكاليات، وظهور (علم النفس) كنسق معرفي، يتبنى الإجابة على كل المشاكل التي تتعلق بالنفس الإنسانية، أدخله في مشكلات من نوع آخر: هي مشكلة الاختلاف ـ والتناقض أحياناً ـ في وجهات النظر بين المفكرين. وبالتالي بعض المدارس والاتجاهات.
و (التحليل النفسي) يعتبر أهم تلك الاتجاهات حيث كان أول من أتى بنظرية (اللاشعور)، المنطقة الأساسية والجوهرية في الإنسان، ويعتمد أسلوب التحليل ـ في شكله الذري ـ للنفس الإنسانية، ويراقب المظاهر السطحية والرمزية (فلتان لسان، أحلام... الخ) ـ ليمسك من خلالها، بحقيقة النفس، التي ليست سوى ما يروج داخل منطقة (الهوى النفسية)، حسب هذه المدرسة.
جون واطسون (1913)، يؤسس علماً جديداً في حقل الدراسات النفسية، هو (علم السلوك)، الذي كان بديلاً عن (علم الشعور)، وكانت كلمته التي ألقاها بمناسبة افتتاحية الجمعية الأمريكية للدراسات النفسية، هي المنطلق الأول لهذا الاتجاه.
هذا الاتجاه، يعتبر السلوك، هو المجال الأفضل، والحقيقي للدراسة النفسية، فهي تنطلق من الخارج، لتصل إلى الداخــل. وقد ارتكزت نظريتـه كثيراً على نظرية العالم الروسي (بافلوف) ـ رد الفعل الشرطي ـ.
ماكدوجل (1905) كان ملهماً سابقاً لهذا الاتجاه، قال في كتاب (علم النفس الفيزيولوجي): (( إن أفضل وأشمل تعريف لعلم النفس، هو علم تصرفات الكائنات الحية ))...
كان هناك اتجاه آخر، بدأ يتكون في (ألمانيا) بزعامة (فريتهير)، (كوفكا)، (كهلر)، ذلك هو الاتجاه الجشطالتي. (جشطال) Gestalt، بالألمانية يعني (الشكل)، (البنية)... وهي كلمة استخدمها في بداية الأمر (اهرنغلز) (1859 ـ 1932)، بخصوص البنية (الموسيقية)، ومفاد هذه النظرية، أن (النغمة الموسيقية) تتكون من أجزاء، ولكنها ليست مجموع الأجزاء. وفي حقل الدراسة النفسية، تكون المدرسة (جشطالتية)، نقيضاً للاتجاه الذري، الذي يحلل الشخصية إلى جزئيات فهو يتناول النفس الإنسانية ككل لا يتجزأ.
كل هذا ـ طبعاً ـ تبخر، مع ظهور الاتجاه الماركسي. ففي هذا الاتجاه، تكون (النفس) مضغوطة في علبة (الحتمية) التاريخية، تكون انعكاساً، لنمط الإنتاج، للصراع الطبقي، للشروط التاريخية لطبيعة المجتمع ـ التاريخي ـ وفي النهاية تكون دراسة المجتمع والتاريخ والاقتصاد و... ضرورة لمعرفة النفس، أو بتعبير آخر، تكون دراسة البنية التحتية للمجتمع، أفضل طريقة لمعرفة النفس الإنسانية.
في زحمة هذه التناقضات، وإلى جانب هذه السجالات... ينضاف مشكل (منهجي) هو عملية (الترحيل) الميكانيكي، لمعطيات الدراسات النفسية (الغربية)، إلى العوالم الأخرى، فالإنسان الغربي الذي عاصر (رحلة) التحولات والقفزات الكبرى في أوروبا إبان القرون: 15ـ 16ـ 17ـ 18ـ و19، كان هو (نموذج) ومحور الدراسات النفسية في الغرب، الإنسان الغربي، بما يتميز به من خصائص هو إنسان هارب من قبضة الإقطاع، قلق من الدين، يتملكه جشع إلى المادة، يستقطبه تطلع نحو الحرية أي حرية وكل حرية،... هذا الإنسان في هكذا أوضاع، هو القالب النموذجي، الذي يشكل الحقل الأساسي للدراسات النفسية في الغرب، وتلك المعطيات وتلك النتائج كانت هي النموذج الكوني، ـ الأساس ـ للطب والعلوم النفسية العالمية.
من هنا كانت الحاجة إلى بلورة جديدة، لعلم نفس جديد، لا يرفض ـ سيكولوجيا ـ الغرب، لأنها غربية، ولكن يرفض، إسقاط معطياتها بكل ـ حذافيرها ـ على الإنسان في بلادنا الإسلامية.
يجب البحث عن مكونات أخرى، للنفس الإنسانية في بلادنا، المجتمع، البيئة، التاريخ... المنطلق، الأهداف، التطلعات... الهموم، المؤثرات، المعاناة... كل هذا يختلف، ويميز الإنسان في بلادنا.
فالدين عامل رئيس ومحوري في بلادنا الإسلامية، لذلك يجب إذن أن يكون أرضية لهذا (الجهاد)، جهاد العلم والمعرفة... أرضية يقوم عليها إنتاج نسق معرفي متميز، حول النفس: والإسلام ـ كدين، كوحي ـ له نظرية حول النفس الإنسانية، كما له نظرية في باقي المجالات، وهنا تكمن الحاجة إلى بلورة (علم نفس إسلامي)، يتولى دراسة النفس الإنسانية عموماً، والنفس الإنسانية في أرض الإسلام ـ على وجه الخصوص ـ، ويتبنى أدوات العلم الموضوعية!
و(الخوف) كظاهرة نفسية، عانت منها البشرية ولا تزال... تعتبر من أهم (مواضيع) علم النفس، ذلك لأن أغلب الناس ـ إن لم نقل جميعهم ـ تعتريهم هذه الحالة أو يصيبهم شواظ منها، وقليلاً ما يتخلصون منها.
والخوف الذي نتعرض له بالدراسة، هو تلك الحالة النفسية، غير الطبيعية التي تؤدي بالإنسان إلى الخوف من أشياء غير واقعية. وهي حالة مرضية تقوم على أساس اختلال في التوازن النفسي سببه القلق، والشعور المفرط بالذنب... وغيرها من الأسباب النفسية، ولها في علم النفس تعبير آخر هو (الرهاب) أو (الخوف)، (الفوبيا) Phobi-.e.، وتصنف حسب علم النفس ضمن أمراض (العصاب) ومن ضمن (الرهاب) أو المخاوف المرضية التي اشتهرت في علم النفس:
ـ رهاب الخلاء أو (الآغورافوبيا) وهو خوف يعتري بعض المرضى النفسيين، أثناء وجودهم في الأماكن المفتوحة، كالشوارع، والساحات الواسعة...
ـ رهاب الاحتجاز، وهو عكس الأول، خوف شديد يتملك المريض أثناء تواجده في الأماكن المغلقة، كالمقاهي أو قاعات السينما أو البيوت...
ـ رهاب الاحمرار، وهو خوف الإنسان أن يحمرّ وجهه أثناء موقف ما، كما لو كان عازماً على إلقاء خطاب على الجمهور.
ـ رهاب المرض أو توهمه، وهو المراقبة الشديدة التي يمارسها المريض على أعضاء جسده أو بعضها، خوفاً من أن تصاب بالمرض، وهذا يُحدث له ألماً شديداً.
هذه النماذج من (الخواف) تعتبر، إحدى أهم الإشكالات النفسية التي يهتم بها العلماء والمحللون النفسانيون، لكن نحن نحاول هنا، تسليط الضوء على نماذج أخرى ترتبط بعلاقات الإنسان ووجوده الاجتماعيين، ومقاربتها من خلال الطرح الإسلامي، من أجل تكوين رؤية إسلامية عن هذا المرض، وتوفير العلاج الإسلامي له من خلال التوجيهات الدينية القويمة.
* * * *
القرآن الذي استهدف أولاً وأساساً تزكية النفوس وشفاء الصدور كما يقول تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}( ). {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}( ).
والقرآن الذي جاء لبناء الشخصية الإنسانية المتكاملة القويمة على وجه الأرض، هل عالج مشكلة الخوف، وهي من التوجهات والميول الرئيسية في نفس الإنسان.. ومن العوامل القوية التأثير على شخصيته وسلوكه؟! أم تجاهلها وأعرض عنها؟!.
بالتأكيد ما كان يمكن للقرآن الحكيم أن يغفل عن هذه المشكلة ويتجاوزها، وهو يسعى لتزكية نفس الإنسان وتوجيه سلوكه..
إن أزمة العلوم الإنسانية على وجه العموم وعلم النفس على وجه الخصوص، هي أنه لا يزال بعيداً كل البعد عن جوهر الذات النفسية للإنسان، ومن ثم يأتي غالباً بأخطاء في التحليل النفسي، والغاية القصوى لعلم النفس، هو الوصول إلى مستوى يمكنه من الإحاطة بالنفس إحاطة متكاملة، لتوفير العلاج المناسب، وهذا ما لم يتحقق إلى الآن. بل ولازال علم النفس يعترف بقصوره عن الإحاطة بكل الحالات... والدليل على ذلك، فشله في توحيد النظرية حول المشكلة النفسية الواحدة...
ومادام من ضرورة اعتقادنا بالله، أنه خالق الإنسان، ومدرك لكل ما يعتريه من حالات.. فهو الوحيد القادر على الكشف عن حقيقة النفس الإنسانية، والقرآن هو كلام الله. وبيننا والكشف عن حقيقة النفس الإنسانية، اعتماد طريقة الاستقراء، فقد تمكننا من تشكيل منهج قرآني، يوفر كل القواعد والأسس لدراسة النفس الإنسانية، دراسة حقيقية توفر النتائج والعلاجات الحقيقية.
تحدث القرآن عن مشكلة الخوف في آيات ومجالات عديدة، لو تفرغ لها باحث علمي متخصص، لاستطاع أن يستنبط منها رؤية علمية سليمة.. ومنهجاً تربوياً متكاملاً..
وخلال جولة من التدبر في مجموعة من الآيات القرآنية، التي تتحدث عن الخوف، تبينت لي الملامح التالية، لنظرة القرآن الحكيم حول هذه المشكلة..
تبلغ الآيات التي تتحدث عن الخوف بلفظة الخوف ومشتقاتها (134) آية في مختلف الشؤون والمجالات... أما التي جاءت بلفظة (الخشية) فحوالي (48) آية..


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:34 AM   #3
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


وهناك آيات عديدة تتحدث عن هذه المشكلة، في جذورها أو أعراضها ومظاهرها، وسائر ما يتعلق بها، لم نتوفق لمتابعتها ودراستها والتدبر فيها وعسى أن يتوفق لذلك بعض المتخصصين..
ومن المهم جداً أن ننتبه إلى أن القرآن الحكيم تشكل آياته توجيهاً متكاملاً للإنسان، وعلاجاً لمشاكله النفسية.. فالحقائق الكونية، والعقائد المبدئية، والأحكام والآداب، كلها تلعب دوراً متكاملاً ومتفاعلاً في تزكية نفس الإنسان وعلاج مشاكلها. ذلك أن معتقدات الإنسان وأفكاره التي يؤمن بها.. لها دخل كبير في صياغة نفسيته.. كما أن لنوعية القوانين التي يخضع لها والآداب التي يمارسها تأثير بالغ في توجهاته النفسية..
من هنا نجد أن حديث القرآن الحكيم عن مشكلة الخوف لا يأتي منفصلاً عن سائر جوانب الهدى الإلهي.. بل يجيء تارة ضمن التأكيد على حقيقة كونية.. أو التركيز على قانون اجتماعي، أو في استعراض لحدث تاريخي تربوي.. وتلك هي طبيعة النهج القرآني العظيم..

واقعية الخوف
نعم هو شيء طبيعي أن الذي يتهدده. ولكن (الخوف) الذي يتحول إلى حالة مرضية، ينتج عنها خلل نفسي هو الشيء غير الطبيعي، ويسميها علماء النفس بمرض (الخُواف) أو (الفوبياء) وهي حالة من الخوف تتملك الإنسان في حالات مرضية استثنائية، والتحليل النفسي يصنفها ضمن الأمراض العصابية، وتنشأ عنها حالات مختلفة، كالخواف من الماء أو البحر أو... وغيرهما من الأشياء.
السؤال: هل في إمكان الإنسان (( أن يوجه هذا الميل الفطري نحو الأخطار الحقيقية الكبرى..؟ )).
نعم وذلك بتقوية الإرادة، والإرادة عامل حاسم في الصحة النفسية، وذلك بتوطين النفس على مقاومة حالات (الخُواف).. وفي توجيهاتنا الإسلامية (إذا خفت من أمر فقع فيه)؟!.
أن يخاف الإنسان الخطر ويخشاه فذلك شيء طبيعي وفطري في أعماق نفس الإنسان.. وليس عيباً ولا نقصاً.. والمطلوب من الإنسان ليس هو اقتلاع جذور الخوف من النفس والقضاء عليه نهائياً.. فهو أمر غير ممكن..
إنما المطلوب هو توجيه هذا الميل الفطري نحو الأخطار الحقيقية الكبرى التي تهدد مستقبل الإنسان.. وليس نحو بعض المخاطر الحقيرة البسيطة..
المطلوب أن يخاف الإنسان من مركز القوة والثقل التي تهيمن على العالم، وتسيطر على كل شأن من شؤونه، وكل ذرة من ذراته.. وهي قوة الله سبحانه وتعالى وهيمنته وعظمته..
والمطلوب أخيراً: أن لا يكون الخوف عقبة وحاجزاً أمام الإنسان، يمنعه من التقدم والاحتفاظ بالحرية والكرامة.. فالقرآن يعترف بواقعية الخوف لدى الإنسان، ولا يعتبره جريمة أو عيباً في الأساس.. وإنما الجريمة تكمن في سوء الاستفادة، وفي الإفراط في ممارسة الخوف.. وأن يصبح الخوف عقبة في طريق تقدم الإنسان وكرامته وحريته..
إن القرآن ينقل لنا بعض الصور واللقطات، من داخل وأعماق نفوس أنبيائه وأوليائه، ليؤكد لنا واقعية الخوف وتجذره، حتى في تلك النفوس المختارة الزكية الطاهرة..
فالأنبياء والأولياء أيضاً يخافون، ولكنهم يتجاوزون حاجز الخوف من الأخطار والمشاكل، ويقمعونه داخل أنفسهم.. بقوة إرادتهم، وبتسديد الله تعالى لهم..
1ـ فهذه أم نبي الله موسى ، تلك الولية المخلصة، التي اختارها الله لتكون أم نبي من أعظم أنبيائه، ولتضعه في تلك الظروف الحرجة..
لقد كانت تخاف على وليدها (موسى) من فتك (فرعون).. ويأتيها الوحي من السماء، ليوجهها إلى استثمار ذلك الخوف، في أخذ أشد الاحتياطات والإجراءات، لحماية الوليد، ثم يشجعها على تجاوز حالة الخوف المفرط، والركون إلى الطمأنينة والاستقرار..
يقول تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ}..( ).
2ـ ونبي الله موسى  ذلك الرسول الذي أعده الله تعالى لمواجهة طاغية زمانه المتجبر فرعون.. وزوده بالآيات والمعجزات.. ولكنه لما رأى فعل سحرة فرعون العجيب، حيث تحولت الحبال والعصي في أنظار الناس إلى حيات وأفاعي، توشك أن تلتهم الجموع المتفرجة..
لما رأى ذلك تحرك هاجس الخوف الطبيعي في نفسه. ولكنه انتبه إلى موقفه ومهمته، وأسعفته السماء بتوجيهها وعنايتها، فقمع ذلك الهاجس في نفسه، وتحدى السحرة وأباطيلهم، بكل قوة وصمود..
يقول تعالى: {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى  قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى  فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى  قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى  وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}( ).
3ـ في قضية اجتماعية كان الرسول الأعظم محمد ، يعلم من قبل الله، أن ربيبه (زيد بن حارثة)، الذي رباه ورعاه، سيطلق زوجته (زينب بنت جحش)، وان الله سيزوج رسوله بمطلقة ربيبه (زيد)، الغاءاً للأحكام الجاهلية في تحريم زوجة الربيب (أي الشخص الذي يربيه الإنسان وليس ولداً له).
ولكن الرسول كان يضغط على (زيد) أن لا يطلقها، حذراً من توجيه الاتهامات والشائعات إلى شخصية الرسول العظيم..
وينزل وحي السماء معترضاً على هذا التخوف والحذر، الذي يجيش في أعماق نفس الرسول ، حفاظاً على قدسية رسالته وسمعة شخصيته..
يقول تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}( ).
إذن: فليس عيباً أن تخاف، إنما العيب أن لا تتجاوز الخوف وتقمعه في داخل نفسك..
وعظمة الأبطال ليس في أنهم لا يخافون.. وإنما لأنهم يتجاوزون حاجز الخوف.. تجاوزاً واعياً قائماً على الإيحاء الذاتي، والتحليل الواعي لموضوع الخوف.


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:35 AM   #4
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الخوف من الله
إن الخوف المرضي أو (الخُواف)، هو الخشية من (الوهم)، أما (الخوف) من الشيء الحقيقي فلا يعتبر حالة مرضية. من هنا يكون الخوف من الله تعالى مطلوباً وحقيقياً وفي مجاله الصحيح.. فالله تعالى هوالقوة القادرة المسيطرة على الكون والإنسان.
فهو خالقنا ومصورنا ومنشئنا وبارينا، وهو الذي يمدنا بالوجود والحياة والنعم.. وفي أي لحظة من اللحظات، تنحسر عنا رحمته وعنايته، فسيصبح وجودنا عدماً، وحياتنا سراباً..
وهو سبحانه وتعالى يذكرنا بنعمه ورحمته المتتابعة، ويهددنا بإمكانية سلب هذه النعم إن إقتضت ذلك حكمته ومشيئته، في لحظة واحدة..
يقول تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}( ).
{وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ}( ).
1ـ إن عينك التي تعتز بها، وتنظر بها الأشياء، لست أنت صاحب القرار في استمرار وجودها وعملها.. يقول تعالى:
{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ}( ).
2ـ وهذه الأرض التي نعيش فوقها وتقدم لنا مختلف النعم والخدمات، وهذا الغلاف الجوي الذي يقينا نيازك السماء، وشهبها الخارقة، لا يرتبط بقدرتنا ولا إرادتنا، إن ذلك كله بيد الله.. يقول تعالى:
{أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنْ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}( ).
3ـ ان ثلاثة أرباع الكرة الأرضية التي نعيش على وجهها مغمورة بمياه المحيطات العميقة، والبحار المتموجة.. وما الذي يمنع زحف طوفان المحيطات، وأمواج البحار علينا، إلا إرادة الله..
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ}( ).
4ـ ان وجودنا وحياتنا مرتبطة بمشيئة الله تعالى، وإذا اقتضت مشيئته أن لا نكون فسوف يتبخر وجودنا في أقل من لحظة..
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا}( ).
هذا بعض قليل من مظاهر احتياجنا لرحمة الله تعالى في دار الدنيا.. أما بعد مغادرة الحياة الدنيا، وانتقالنا إلى الآخرة، فهناك يكون الاحتياج والانقطاع والارتباط برحمة الله ومشيئته أظهر وأجلى وأوضح..
هناك حيث الوحدة والوحشة والحساب والعقاب..
يا رحمة الله الواسعة.. ويلنا ان لم تدركنا رحمته تعالى وعنايته..
هناك يتمنى الإنسان لو أنه كان عدما غير موجود:
{إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}( ).
وهناك يهرب الإنسان من عائلته وأقربائه وأصدقائه، ويكون همه نجاة نفسه:
{فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ  يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ  وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ  وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ  لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ  وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ  ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ  وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ  تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ  أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ}( ).
إذن هنا الخوف الحقيقي.
إن أية قوة يمكن أن يخشاها الإنسان في الحياة ويهابها لا تساوي ذرة أمام قوة الله تعالى.
وكل الأخطار التي يخافها الإنسان ويحذرها في الدنيا، ليست شيئاً أمام أخطار الآخرة ومصاعبها.
فلماذا نخاف من القوى الزائفة؟
أليس الأصح والأولى أن نخاف من القوة الحقيقية المهيمنة وهي قوة الله تعالى؟
ولماذا نتهيب المشاكل الصغيرة والحقيرة، ونتجاهل تلك الأخطار الكبيرة المصيرية، التي تنتظرنا في الآخرة؟.
مسكين هو الإنسان ينخدع وتنطلي عليه الأمور، ويبتلي بقصر النظر.. رغم التذكيرات المتكررة له من قبل السماء..
إن الله تعالى يذكرنا بهذه الحقيقة في آيات كثيرة..
يقول تعالى:
{إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}( ).
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}( ).
{فَلاَ تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}( )
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}( )


صفحة 17


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:36 AM   #5
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


ماذا يعني الخوف من الله؟
ولكن كيف وماذا يعني الخوف من الله؟
هل هو مجرد إزعاج للنفس بالمخاوف والآلام؟ أو تعقيد النفس وإشغالها بالقلق؟
كلا..
إن الخوف من الله منهج وسلوك..
1ـ انه يعني الالتزام بحدود الله وقوانينه، والفرار من المعاصي والذنوب والاعتداءات على الآخرين..
إن الخوف من الله هو الذي منع هابيل ابن آدم من البدء بالاعتداء، وقتل أخيه قابيل.. بينما تجرأ قابيل فارتكب أول جريمة قتل في تاريخ البشر، لأن قلبه كان خالياً من خشية الله، يقول سبحانه وتعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ  لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}( ).
والخوف من عذاب الآخرة هو الذي يعصم المؤمن من المعصية والانحراف..
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ  مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}( ).
2ـ والخوف من الله ومن الآخرة يعني الاندفاع والإقبال على العمل الصالح الذي يرضي الله، ويسعد المؤمن في يوم القيامة، ويجنبه العذاب والشقاء..
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا  إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا  إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا..}( ).
3ـ وأخيراً فالخوف من الله يعني احتضان القيم الإلهية، والعمل على نشرها وتطبيقها، والاستهانة بكل قوة أو خطر يقف في طريق ذلك.. فالرساليون المخلصون الذين يجسدون حقيقة الخوف من الله في أجلى صوره ومظاهره، حينما يتحملون مسؤولية الرسالة، ويعملون من أجل الحق والحرية والتقدم..
يقول تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}( ).

الخوف: امتحان
إن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الخوف سيكون حاجزاً أمام الكثيرين عن تحمل مسؤولياتهم الإنسانية والإلهية.
يعلم أن الخوف هو منزلق أكثرية البشر، ودافعهم إلى المذلة والخنوع والاستسلام..
فلماذا أودع هذا الميل، وزرع هذه المشكلة في نفس الإنسان؟
الجواب:
بالإضافة إلى أن لهذا الميل النفسي (الخوف) أبعاداً إيجابية تكلمنا عنها في فصل آخر.. فإنه في بعده السلبي يرتبط بفلسفة خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة..
فالحياة قاعة امتحان، ومسرح ابتلاء لإرادة الإنسان وسلوكه، يقول تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}( ).
لذلك يجب أن يعلم الإنسان حينما يواجه خطراً وصعوبة ومشقة، في سبيل دينه وكرامته، انه أمام امتحان وابتلاء، إن لم يتقمص الشجاعة والإقدام، ويتجاوز حاجز الخوف، فسيكون فاشلاً في ذلك الامتحان.. وماذا يعني الفشل في الامتحان الإلهي؟ انه الخزي والعذاب وسخط الله سبحانه وتعالى.
يؤكد القرآن على هذه الحقيقة قائلاً:
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ  أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ}( ).
إن الشجاعة والصمود ليست فضيلة كمالية.. وإنما هي واجب إلهي.. والجبناء الذين يسقطون ويتهاوون عند حاجز الخوف، لا ينالهم عار الدنيا فقط، وإنما هم معرضون لنار الآخرة.. بينما يبشر الله الصابرين أمام الأخطار والمشاكل، بسبب رؤيتهم الإلهية للحياة، التي تتلخص في عبارة (( إنا لله وإنا إليه راجعون ))، هؤلاء الصابرون عليهم صلوات الله ورحمته وهم المهتدون..
والشجاع المؤمن الذي يتجاوز حاجز الخوف، تغمره لذة أعذب من لذة الانتصار، إنها لذة النجاح في الامتحان الإلهي، واستحقاق الأوسمة العظيمة، التي تحدثت عنها الآيات الكريمة.. وسام الصلاة والرحمة والهداية.

مهاجمة الخوف
كيف يتصرف الإنسان مع القوى المعادية، التي يتوجه إليه منها الخطر، ويخافها على سلامته وأمنه؟
هل يبقى سجين خوفه منها؟ أو يجتر تهيبه وخشيته؟
إن ذلك يعني القلق الدائم، والشعور المستمر بالضعف والعجز، وهذا بحد ذاته شيء خطير، لا يقل عن الخطر الذي يحذره الإنسان من تلك الجهة المعادية.. فانتظار الخطر وتوقعه، هو خطر بحد ذاته..
أليس من الأفضل الإعداد والتصميم على مهاجمة الخطر؟
إن التصميم على مهاجمة الخطر، تعني التخلص من قلق التوقع والانتظار، وأيضاً يعني صنع وتنمية القوة والقدرة الذاتية لمواجهة الخطر.. وهذا ما ينصح به القرآن الحكيم حيث يقول تعالى:
{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}( ).
أي إذا كنتم تخشون خيانة أو اعتداء من جهة معادية، فلا تجلسوا قلقين في انتظار اعتدائهم وخيانتهم، بل أخرجوا إليهم، وواجهوهم، لتريحوا أنفسكم من هّمَّ الانتظار، ولتكسبوا الزمن في صالح تنمية قدرتكم واستعداداتكم..
ما أحوجنا وأحوج أمتنا إلى الاهتداء بهذه البصيرة القرآنية، إن إسرائيل الغاصبة، بقعة سوداء، يحيط بها بحر من ملايين المسلمين، ولكن سيطرة الجبن والخوف على النفوس، هو الذي يجعل الشعوب المسلمة تعيش القلق والاعتداءات المستمرة من قبل إسرائيل.. ولماذا؟
لماذا لا نهاجم إسرائيل ونصمم على إنهاء وجودها العدواني؟
لأننا نخاف القوة الإسرائيلية!! وسنبقى أسرى لهذا الخوف ما لم تهب جماهير الأمة متجاوزة حاجز الخوف والتهيب، متحلية بالشجاعة والإقدام.. والشعوب التي تعيش تحت رحمة الديكتاتورية والاضطهاد، لو أنها تعمل وتخطط لمهاجمة هذا الاستبداد ومواجهته، أليس ذلك أفضل من هذا الانتظار والقلق من؟
وصدق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  إذ يقول: (( إذا هبت أمراً فقع فيه فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه )) ( ).
نعم إن انتظار الخطر أسوأ من الخطر نفسه.. والأفضل هو الهجوم على الخطر..
يقول (ديل كارنيجي): (( هناك شيء واحد مؤكد، هو أنك إن أردت أن تتعلم السباحة، فيجب عليك أن تلقي بنفسك في الماء )).
إن الهجوم على الخوف في ـ مواطنه ـ يؤدي إلى بتر غدة الخوف تماماً، وليس غريباً أن يكون الإجراء الصحي المتبع في العلاج النفسي، هو الدفع (بالخائف) إلى مواجهة نفسه عند حالات الخوف.
وإلى الآن، أثبتت التجارب ـ الإكلينيكية ـ بأن مرض الخوف أو الرهاب، لا يعالج إلا بواسطة الصدمات، والدفع بالمريض، لمواجهة المواقف الباعثة للخوف. وبشكل منظم، يستطيع المريض أن يُكون ثقته بنفسه، وبالموضوع الذي يخافه. وتعرف هذه العملية العلاجية عند الأطباء بـ: إعادة التعلم الشرطي.
فالشخص الذي يخاف من (الكلب) يمكن معالجته عن طريق، احتكاكه المتواصل والمنظم ـ بالكلاب ـ.. وتعتبر تجربة (جونس) (1934) من أنجح التجارب في هذا الميدان.


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:38 AM   #6
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


أولياء الشيطان ينشرون الخوف..
إن الخوف سلاح يخدم العدو في معركتك معه.. فإذا سيطر الخوف عليك قلّت قدرتك على المقاومة.. إن الخوف من أي شيء يحقق انهزامك في داخل نفسك أمام ذلك الشيء.. وهل تستطيع الانتصار بنفس منهزمة؟
ولذا يستعين الأعداء بالطابور الخامس، لبث الخوف في أوساط الجهة الأخرى، التي يريدون الاعتداء عليها.. وهذا مظهر من مظاهر الحرب النفسية كما تسمى.
صحيح أن للخوف جذوراً راسخة في نفس الإنسان، فهو جزء من مشاعره النفسية.. ولكن الجهات المغرضة في المجتمع هي التي تنمي جذور الخوف، وتقويها لصالح الأعداء. لذلك من حقنا أن نشك في نزاهة وسلامة أي فئة تنشر الخوف في صفوف الناس.. الخوف من الأعداء.. من الاستعمار.. من الطغيان..
إن القرآن يحذرنا من وجود فئات مغرضة في المجتمع، تنشر الخوف بين الناس لصالح الأعداء.. ويصف هذه الفئات بأنهم أولياء الشيطان..
وهنا يجب أن يحتفظ المؤمنون بشجاعتهم، ويحولوا دون تسرب هذه المخاوف إلى نفوسهم، واعين بحقيقة الدور الذي يقوم به هؤلاء المثبّطون المخوّفون.. أصابع العدو وعملاؤه.
يقول تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ  إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}( ).


الخوف المفرط سمة النفاق،
والشجاعة شرط الإيمان
يتصور البعض أن أهم الفوارق بين شخصية المؤمن وشخصية غير المؤمن، هي تلك الممارسات العبادية، والعقائد الفكرية. فالمؤمن لديه اعتقادات عقلية خاصة حول الكون والحياة، ويتلزم ببعض الممارسات العبادية.. بينما غير المؤمن قد لا يعتنق مبادىء الدين، أو لا يلتزم بأحكامه..
وهذه مفارقة صحيحة، ولكن هناك مفارقات أخرى تركز عليها الآيات والنصوص، وتعتبرها هي الحد الفاصل والمميز بين الإيمان من جهة، والكفر والنفاق ممن جهة أخرى.. بل إن النصوص يظهر منها: أن العقائد والعبادات تستهدف تركيز تلك العلامات الفارقة بالدرجة الأولى، قبل أن تكون هي مقصودة بذاتها فحسب.
تلك العلامات الرئيسية الملازمة للإيمان هي انعكاسات الإيمان على نفسية الإنسان..
فالمؤمن هو ذو النفس المتكاملة السليمة.. وغير المؤمن هو من تعاني نفسيته من الشروخ والنواقص والثغرات.
فمثلاً: الخوف وهو مشكلة نفسية عندها تختلف وتفترق نفسية المؤمن عن غير المؤمن..
المؤمن الصادق والمكتمل الإيمان، لابد وان يتجاوز هذه المشكلة، ويسد ثغرتها في نفسه.. لأن الله تعالى يعتبر الخوف غير المشروع يتناقض مع الإيمان.. وشرط الإيمان هو الشجاعة..
يقول تعالى:
{فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}( ).
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ}( ).
{أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}( ).
أما الانهيار أمام الأعداء، والجبن والخوف المفرط لدى مواجهة الخطر، فهي صفة يصيب الله تعالى بها المنافقين. يقول عز من قائل:
{فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ}( ).
الفصل الثاني
الخوف أسبابه وجذوره

يعتقد علماء النفس أن القابلية للاستجابة للخوف، في المواقف الخطرة التي تهدد تكامل الفرد، واستمرار بقائه، خاصية موروثة في جميع الحيوانات الثديية على الأقل. ولكن نمو هذه الخاصية، وظهورها في حياة الطفل، لا يبدأ إلا بعد مرور عدة شهور من عمر الطفل.. حينما يظهر لديه إحساس فعلي بذاته وشخصيته.
فمن بداية النصف الثاني، من العام الأول، نلاحظ ظهور استجابات متمايزة، يمكن تعريفها بالخوف. إذ حوالي هذه الفترة من العمر، يظهر تميز فعلي أولي بين الذات والعالم الخارجي، مما يمكّن الطفل من إدراك التهديد الذي يقع عليه. ولكن معظم المخاوف تميل إلى أن تكون غامضة وغير محددة، وذلك لعدم وجود نضج إدراكي كامل.
ففي الشهور الأولى من عمر الطفل، لا يوجد شيء في نفسه يمكن أن نطلق عليه (خوفاً). ذلك لأنه في تلك الفترة لم يتحسس بعد ذاته.. قد يبكي من الجوع أو العطش، أو التأثر لوضع معين في جسمه.. أما حينما يدخل الستة أشهر الثانية، وتبدأ الانفعالات بالتمييز في نفسه، فسيبدأ عنده حينئذٍ الشعور بالخوف.
وعادة ما يكون هذا الشعور عند الطفل، عندما تفارقه أمه أو يواجهه منظر غريب غير مألوف، أو صوت مزعج. وترافق الإنسان مشاعر الخوف عند تحسس الخطر طوال حياته، وإلى أن يموت.

لماذا الخوف؟
الخوف حالة نفسية وميل طبيعي موجود في أعماق نفس الإنسان، بغض النظر عن الخلاف الموجود بين علماء النفس القدامى والجدد حول تحديد الخوف، هل هو غريزة أو هو ميل فطري وحاجة طبيعية.
ففي حين أن بعض علماء النفس القدامى، كانوا يتحدثون عن غريزة الخوف، نجد أن علم النفس الحديث قد أثبت أنه ليس هناك غرائز، بل ميول فطرية، أو حاجات أصلية، تقبل التعديل والتحويل والتبديل والإعلاء. فليس ثمة غريزة محدودة جامدة متصلبة، يمكن أن نطلق عليها اسم (غريزة الخوف)، بل هناك وظيفة نفسية، يضطلع بها الخوف في حياة الكائن البشري، وتلك هي حماية الذات الفردية، ضد أخطار العالمين الخارجي والداخلي، وضد كل ما قد يكون من شأنه أن يهدد سلامة الإنسان. ويعني هذا أن الخوف انفعال طبيعي، يقوم بدور حيوي هام، في صميم الحياة النفسية للوجود البشري( ).
نقول: ـ بغض النظر عن هذا الخلاف العلمي.. فإن الخوف كحالة طبيعية أودعها الله تعالى في نفس الإنسان، هو شيء مفيد لحياة الإنسان.. ذلك لأنه لولا الخوف والشعور بالخوف لما فكر الإنسان في درء الأخطار عن نفسه، وفي حماية نفسه من المصاعب والمشاكل.. وأخذ الضمانات والاحتياطات الكافية لسلامته. يقول الإمام علي : (( من خاف أمن )).( )
أنت إذا لم تكن تخاف البرد لا تستعد له. وإذا لم تكن تخاف المرض لا تستعمل الوقاية الصحية تجاهه.
إذن فمبدأ حالة الخوف لدى الإنسان شيء إيجابي، بيد أن أكثر الميول والحاجات المتأصلة لدى الإنسان، يمكن للإنسان أن يسيء استخدامها، لسبب أو لآخر. وحينئذ تنقلب ضد مصلحة الإنسان.
مثلاً: ـ الحاجة إلى الماء والطعام طبيعية عند الإنسان، وضرورية لاستمرار وجوده ونشاطه.. ولكن إذا أفرط الإنسان في الشرب والأكل أكثر من اللازم، ألا يكون ذلك ضرراً ووبالاً عليه؟
وكذلك الغريزة الجنسية، فهي حاجة ملحة، وتؤدي دوراً في استمرار الوجود البشري.. ولكن إذا أساء الإنسان استخدامها، بممارستها في غير موضعها، أو الإفراط في استخدامها فإنها ستتحول إلى شقاء وانحطاط.. أليس كذلك؟
والخوف أيضاً حاجة إيجابية أودعها الله في نفس الإنسان، كي يحمي بها ذاته، ويحافظ على سلامة وجوده..
أما إذا أفرط الإنسان في الاستجابة لمشاعر الخوف.. وترعرع في نفسه أكثر من الحد اللازم والطبيعي، فسيصبح الخوف بعبعاً يغلق على الإنسان طريق التقدم، ويحرمه السعادة، ويشل مواهبه وطاقاته..
إن الخوف إذا تجاوز حده في نفس الإنسان، تكون له انعكاسات وتأثيرات سيئة على تفكير الإنسان وجسمه أيضاً. حيث يصاب الإنسان بالارتباك، ويصبح عاجزاً عن اتخاذ قرار سليم، ويقدم نفسه نتيجة لذلك فريسة سهلة للأمر الذي تخوف منه..
وكمثال واضح على ذلك: ـ أرأيت شخصاً ماشياً في شارع تقطعه السيارات، وفجأة يجد نفسه أمام سيارة مسرعة، تقترب منه لتطحنه بعجلاتها.. وهنا يبلغ به الخوف حداً مربكاً فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى.. لا يدري أيتراجع أم يسرع إلى الأمام؟ وهنا قد يقع في الخطر الذي كان يخشاه، نتيجة لخوفه وارتباكه، بينما لو كان هادئ النفس، لاستطاع اتخاذ قرار سريع بالرجوع، أو الركض، فينقذ نفسه من الخطر..
أما تأثير الخوف المفرط على الجسم، فيظهر في عدم قدرة الإنسان على التحكم في أعضائه، فيتلكأ في الحديث بلسانه، وتصبح نظراته غير مركزة ولا طبيعية، وقد يتصبب عرقاً، ويتغير لون وجهه.
وقد أشار القرآن الحكيم، إلى مدى التأثير الذي يتركه الخوف المفرط، حتى على مظهر الإنسان وجسمه، ضمن حديثه عن صفات وسلوك المنافقين، يقول تعالى:
{أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ}( ).

الجذور والأسباب
الخوف المفرط الذي يشل الفكر، ويرهق الجسم، ويمنع من التقدم، وتفجير الطاقات، هو المرض الذي تعاني منه الأكثرية الساحقة من الناس..
إنهم يفرطون في خوفهم من كل شيء: من الفشل، التعب، الألم، السلطة، مراكز القوة، المستقبل، الموت... إلخ.
وهذا الخوف هو المسؤول عن شل قدرات الكثيرين، وتجميد طاقاتهم وكفاءاتهم، وبالتالي فهو المسؤول عن قسط كبير من التخلف..
إنه الخوف.. ذلك الشبح الذي يلاحق النفوس حتى إن البعض يخاف من ظله ومن أطياف نومه.. ولعلك تصادف البعض ممن يقصون عليك أحلام نومهم، وهم خائفون وجلون..
إن هذه الظاهرة المرضية الخطيرة المتفشية في المجتمع هي التي تفسح المجال للاستبداد.
فالاستبداد حينما يرى الناس خائفين خاضعين، يزداد هو قوة في مقابلهم، والحال أن قوته ليست ذاتية.. وإنما تأتي من خنوع الناس وضعفهم أمامه..
ولكن ما هي الأسباب والجذور التي يتكون وينمو بسببها هذا المرض الفتاك (الخوف) المفرط في نفوس كثير من الناس؟
ترى المدرسة اللاشعورية (مدرسة التحليل النفسي)، بأن الخوف ـ كباقي الأمراض النفسية ـ ذو أسباب (جنسية)، بل وإن الخوف ـ المرضي ـ الرهاب يعود إلى الضعف الجنسي للأفراد، ودعم فرويد نظريته، بمجموعة من الأمثلة التي تنسجم مع مسلمات المنهج (الفرويدي).
ومعلوم ـ أيضاً ـ أن المرحلة الأوديبية، في عمر الطفل، تعتبر، المرحلة المركزية على صعيد الحياة النفسية كلها، وإن الخوف الشاذ ـ الرُّهاب ـ له جذوره في طفولة الإنسان، وبالذات فإن عدم قدرة بعض الأشخاص على تجاوز مشاكلهم (الأوديبية) هي التي تؤدي بهم إلى هذه الحالات. ونحن إذ، نعالج أسباب مشكلة الخوف غير الطبيعي وأسبابه، نرفض الأخذ بهذه النظرية، لأسباب عدة:
أولاً: إن هذه النظرية ثبت فشلها، بعد ظهور المدارس الأخرى، مثل المدرسة السلوكية، والمدرسة الشعورية (الفيزيولوجية) التي استطاعت أن تخطئ الكثير من مسلمات ـ التحليل النفسي ـ الفرويدي.
ثانياً: إن العامل الجنسي، الذي يلعب دور المتغير الرئيسي في المدرسة اللاشعورية، يعتبر اليوم، وضمن آخر النظريات السيكولوجية، عامل (مهم) وليس (بمحوري).
ثالثاً: إن هذه النزعة (الجنسوية) التي استند إليها التحليل النفسي، قد أفقدته القدرة على تفسير العوامل الأخرى ـ في النفس الإنسانية ـ تفسيراً علمياً، يرقى إلى المستوى المطلوب.
كذلك نحن لا نستطيع أن نقبل العلاقة بين النظرية (الفرويدية) القائلة (بجنسوية) الرهاب أو الخوف، وبين ظاهرة (الاغورافوبيا) التي هي حالة من الرهاب تكتنف الإنسان في الأماكن الوسيعة، المفتوحة؟! ربما في النظرية السلوكية (عند بافلوف) قد نجد، نوعاً من البسط والاتساع في مفهوم الظاهرة النفسية، ذلك أن الخوف هنا ليس سوى رد فعل نفسي، سببه العادة، التي قد تكون (التربية السيئة) أهمها، وتجربة (بافلوف) حول (الكلاب) جعلته يصل إلى نتائج مفيدة في حقل الأمراض النفسية.. كما وفرت إمكانيات العلاج..
وعلى أي حال، فإن مجال الدراسة النفسية، هو أوسع مما حددته المدارس النفسية الغربية، لأنها لا تفعل أكثر من استقراء النتائج من تجارب محدودة ـ إكلينيكيا ـ وفي أوساط وبيئات لها خصوصياتها الاجتماعية والنفسية والجغرافية، وبعض الشعوب أكثر خوفاً من الأخرى... والشعوب التي تعيش في البيئة الديكتاتورية، تكون أكثر عرضة ـ للرهاب ـ من التي تعيش أجواء


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:40 AM   #7
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الحرية..
إذاً، يمكننا الحديث عن الأسباب والجذور، من جوانبها المتعددة، متجاوزين النظريات ذات الاتجاه الواحد، مع مراعاتنا لخصوصياتنا الاجتماعية والنفسية والتاريخية.
لذلك يمكننا الحديث عن الأسباب والجذور التالية:
الوراثة
موضوع الوراثة، وانتقال الصفات والخصائص الجسمية والنفسية، من الآباء والأمهات إلى الأولاد، واضح بالمشاهدة، وثابت بالبحوث العلمية، ومشار إليه في كثير من النصوص الدينية..
فتارة ما نلاحظ التشابه واضحاً بين شكل الولد وبين شكل أحد والديه.. كما نلاحظ احتفاظهم ببعض صفاتهما الأخلاقية والسلوكية..
وعلمياً توصل العلماء بعد جهود عظيمة ودقيقة، إلى أن في الخلية التي يبدأ منها تكوّن الإنسان توجد نواة بيضية الشكل ذات جدار مرن، توجد في داخلها أجسام صغيرة، تظهر عند انقسام الخلية، أسموها (الكروموسومات)، وتحوي كل خلية لدى الإنسان على (48 كروموسوماً)، ولهذه الكروموسومات أجزاء صغيرة جداً، يبلغ عددها العشرات والمئات تسمى (الجينات) وهذه هي التي تؤثر في نقل الصفات الوراثية..
أما دينياً فهناك نصوص كثيرة تشير إلى هذه الحقيقة، فعن رسول الله  انه قال: (( انظر في أي نصاب تضع ولدك، فإن العرق دساس )) ( ). وعن أمير المؤمنين : (( حسن الأخلاق برهان كرم الأعراق )) ( ).
والخوف المفرط صفة نفسية قابلة للانتقال والتوارث..
وينقل لنا التاريخ رواية جميلة عن الإمام علي ، يؤكد فيها على تأثير العامل الوراثي في نقل وتركيز صفة الخوف بالذات، في نفس الولد، ففي واقعة الجمل كان (( محمد بن الحنفية )) ابن الإمام علي، حامل لواء الجيش فأمره الإمام بالهجوم، فأجهز على العدو ولكن ضربات الأسنة ورشقات السهام منعته من التقدم فتوقف قليلاً.. وسرعان ما وصل إليه الإمام وقال له: (( إحمل بين الأسنة )) فتقدم قليلاً ثم توقف ثانية فتأثر الإمام من ضعف ابنه بشدة واقترب منه وضربه بقائم سيفه وقال له: (( أدركك عرق من أمك ))؟نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة )
فهنا يثبت الإمام أن الجبن والخوف الذي ظهر واضحاً في ابنه محمد ليس موروثاً منه لأنه لا يعرف للجبن معنى قط فلابد وأن يكون من أمه( ).
مصاعب الحمل والولادة
لمدة تسعة أشهر تقريباً يلبث الجنين في بطن الأم، ريثما تتكامل خلقته وبناؤه، ويأذن الله تعالى له بالولادة والخروج. وخلال هذه الأشهر التسعة، يكون الجنين جزءاً من أمه، ينفعل ويتأثر بأوضاعها وحالاتها الجسمية والروحية..
(( إن جميع الحالات الجسدية والنفسية للأم تؤثر على الطفل، لأن الطفل في رحم الأم يعتبر عضواً منها. فكما إن الحالات الجسمانية للأم، والمواد التي تتغذى فيها، تؤثر على الطفل، كذلك أخلاق الأم فإنها تؤثر في روح الطفل وجسده كليهما، وقد يتأثر الطفل أكثر من أمه بتلك الأخلاق، إذا أصيبت الأم في أيام الحمل بخوف شديد، فالأثر الذي تتركه تلك الحالة النفسية على بدن الأم، لا يزيد على اصفرار الوجه، أما بالنسبة إلى الجنين فإنه يتعدى ذلك إلى صدمات عنيفة.. ويقول العلم الحديث: إن الاضطرابات العصبية للأم، توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر. ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الأم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الأفكار المقلقة، والهم والغم، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار )) ( ).
ولعل الحديث النبوي المشهور: (( الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه )) ( ) يشير إلى خطورة مرحلة الحمل في تقرير مستقبل نفسية الإنسان.
وأيضاً فإن العنف أثناء الولادة ينتج مزاجاً كثير الميل لنمو الخوف، والأطفال الذين يولدون بعد مخاض عسير، نفوسهم مهيأة أكثر لنمو هاجس الخوف المفرط.
التربية السيئة
المسألة الرئيسية التي تغيب عن وعي الكثير من الناس، هو رؤيتهم للشخصية الإنسانية، فالكثير من هؤلاء، يظن أن الشخصية، تأتي دفعة واحدة، أو أنها تتكون خارج محيط التأثير الاجتماعي والتربوي.
وعلم النفس الحديث، يعتبر الشخصية، الانعكاس الطبيعي للتربية. وإن هذه الأخيرة هي المحدد لمصير الشخصية الإنسانية.. وكثيرة هي العقد والنواقص التي يكسبها الإنسان في صباه وطفولته.. في لحظة قصيرة من عمره، لكنها تبقى راسخة في نفسه إلى أن يصير (شيخاً) هرماً. ولذلك اعتبر (علم النفس) التربية مسألة استراتيجية، في تكوين شخصية الإنسان.
والدراسات النفسية، كلها أو أغلبها، تتفق على أن الإنسان في بدايته لا يعدو أن يكون (ذاتاً) لا شعورية، تتصرف بدون وعي، وأن الوعي يحصل بعد مرور الزمان، وان مجموع التوجيهات والتحذيرات التي تصدر عن الآباء أو المجتمع أو الدين أو السلطة أو...، هي التي تحدد سلوكه الشخصي، بعد أن تتحول هذه (المنظومة) من الأوامر والنواهي، إلى جهاز لا شعوري، يوجه الإنسان.. والطفل في البداية، يكون مستعداً لتلقي كل شيء سلباً أو إيجاباً.. ولذلك يجب الحذر في التعامل مع الأطفال وتحصينهم من أن تتسرب العوامل السلبية إلى نفوسهم.
لكن من المؤسف جداً أن الآباء والأمهات في مجتمعاتنا، لا يهتمون بقراءة تعاليم الإسلام حول تربية الأولاد، ولا يقرؤون مناهج التربية العلمية.. بل يربون أولادهم بطرق ارتجالية تقليدية، تخضع للمزاج والتقلبات..
وكثير من الناس يستشير جدته أو أباه في طريقة تربية طفله!! ومع عدم استهانتنا بتجارب الآباء والأجداد في شؤون الحياة والتربية.. إلا أنه لا يصح لنا أن نعتمد عليها اعتماداً كاملاً، ونتغافل عن توجيهات الإسلام، وتجارب العلم في هذا المجال..
إن للإسلام توجيهات وتعاليم تفصيلية كثيرة، حول أساليب تربية الطفل، والعناية به نفسياً وجسمياً..
لكن تلك التوجيهات غير معروفة لجماهير المسلمين، بسبب تقصير أجهزة ومؤسسات التبليغ الديني، وعدم التفات كثير من العلماء والخطباء إلى ضرورة تذكير الناس بتعاليم الإسلام في هذا المجال، إلى جانب تذكير الناس بمسائل الطهارة والصلاة.. وأيضاً بسبب عدم توجه الناس أنفسهم واهتمامهم بالرجوع إلى دينهم في هذه القضايا.
وفي حين تزخر المكتبات بألوف الكتب التربوية لشتى الاتجاهات، تتضاءل الكتابات الإسلامية في حقل التربية وصناعة الأجيال البشرية..
إن الموجهين الدينيين علماء وخطباء وكتاباً، مطالبون بتوعية المجتمع بأساليب الإسلام التربوية.. كما إن المجتمع مسؤول بأن يبحث عن رأي الدين وتوجيهاته في طريقة التربية..
ومن الكتب الإسلامية الجيدة في مجال التربية مجموعة محاضرات الخطيب (الإيراني) الشهير الشيخ محمد تقي فلسفي، والتي طبعت في مجلدين تحت عنوان (الطفل بين الوراثة والتربية)..
إن للتربية السيئة دوراً خطيراً في زرع وتكريس السلبيات والصفات الذميمة في نفس الإنسان.. وكثير من الناس الذين يفترسهم شبح الخوف المفرط والمزعج، إنما ابتلوا بهذا المرض الخبيث بسبب سوء التربية..
وهناك ثلاثة أساليب منحرفة في مجال التربية تخلق من الإنسان شخصية خائفة جبانة مهزوزة..
أولاً: التعامل الإرهابي مع الطفل:
للطفل رغبات وممارسات تنبع من عدم بلوغه مستوى النضج والرشد، وإذا كان الوالدان مسؤولين عن توجيه رغباته، وتصحيح سلوكه، فعليهما أولاً: أن يأخذا بعين الاعتبار كونه طفلاً له حق اللعب واللهو والعناية وارتكاب الخطأ.. وثانياً: أن يسلكا معه الطريق والأساليب التربوية لتوجيهه وتأديبه..
وما يحدث عند كثير من العوائل هو على العكس من ذلك، حيث لا يراعون في الطفل مرحلة الطفولة، ويطلبون منه التزاماً وتأدباً وإدراكاً لا يحتملها سنه.. ومن ناحية أخرى تكون اللغة المستعملة مع الطفل غالباً هي لغة الزجر والعصا والإرهاب..
هذا الأسلوب يخالف بصراحة تعاليم الإسلام التربوية، والعائلة التي تمارس الإرهاب مع الطفل تكون عاصية ومخالفة لما شرعه الله..
قال رسول الله : (( رحم الله من أعان ولده على بره. فسئل: كيف يعينه على بره؟ فأجاب : يقبل ميسوره، ويتجاوز معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به )) ( ).
وبقوله : (( أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم )).( )
وكان : يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو ليسميه، فيأخذه ويضعه في حجره، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين بال.. فيقول : لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يفضي بوله، ثم يفرغ من دعائه أو تسميته( ).
ومرة قام الرسول  للصلاة وكان سبطه الحسن بن علي (وكان طفلاً آنذاك) متعلقاً به فوضعه النبي إلى جانبه وصلى، فلما سجد أطال السجود.. يقول أحد الصحابة: فرفعت رأسي من بين القوم فإذا الحسن على كتف رسول الله ، فلما سلم قال له القوم: يا رسول الله لقد سجدت في صلاتك هذه سجدة ما كنت تسجدها كأنما يوحى إليك، فقال: لم يوح إلي، ولكن ابني كان على كتفي، فكرهت أن أعجله حتى نزل..( )
هذا العمل من النبي  تجاه ولده الصغير أمام ملأ من الناس نموذج بارز من سلوكه في تكريم الطفل. إن الرسول عمل أقصى ما يمكن من احترام الطفل في إطالته سجدته، وأرشد الناس ضمناً إلى كيفية إحياء الشخصية والاستقلال عند الطفل.


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:40 AM   #8
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


وعن الإمام الصادق  أنه قال: (( صلى رسول الله  بالناس الظهر فخفف في الركعتين الأخيرتين فلما انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة حدث؟ قال: وماذاك؟ قالوا: خففت في الركعتين الأخيرتين. فقال لهم: أما سمعتم صراخ الصبي؟ )) ( ).
هذا من الناحية الشرعية..
وأما الانعكاسات النفسية التي يتركها أسلوب التعامل الإرهابي مع الطفل، فإن ذلك يزرع في نفسه عقدة الحقارة، ويفقده الثقة بذاته، وينمو لديه إحساس بالحقد والانتقام، رداً على ما يعانيه من كبت وضغط..
ومن الآثار السيئة التي يتركها هذا الأسلوب الخاطىء، سيطرة الخوف والإرهاب على نفسية الطفل، وتكيفه مع هذه الحالة..
ويبدو أن أوضح تفسير لخضوع الناس للاستبداد والظلم، تكيف نفوسهم وانسجامها وتعودها على الخضوع للقوة والاستسلام للإرهاب.. لعدم وجود احساس داخلي بالتناقض مع تلك الأجواء!!
كيف تم ذلك؟
إنك حينما تلبث فترة من الوقت في مكان دافىء، ثم تخرج فجأة إلى مكان بارد، يشعر جسمك بالتناقض، ويصطدم بتغير الجو، وقد تمرض نتيجة لذلك.. هذا حينما تنتقل فجأة إلى جو مغاير للجو الذي كنت تعيش فيه، أما إذا لم يكن مغايراً فسيستقبل جسمك الجو الثاني بصورة طبيعية..
وكذلك الإنسان الذي ينشأ من صغره خاضعاً لإرهاب العائلة، تلاحقه السياط والزجر والشتم عند أي حركة أو تصرف.. ثم ينتقل إلى المدرسة حيث لا يقصر بعض المدرسين في مواصلة مسيرة الإرهاب والعنف ضد الطلاب.. ويتخرج هذا الشاب من الدراسة ليعمل في دائرة ومعمل.. وهناك لا حدود ولا قوانين تحميه من إرهاب المسؤولين.. فإذا ما عاش الإنسان الإرهاب في بيته والمدرسة ومحل العمل، فهل سيجد تناقضاً أو يحس اصطداماً مع أجواء الاستبداد العام؟!
إن الوضع السياسي لأي شعب من الشعوب، إنما هو مجموعة إفرازات وانعكاسات لحالة الشعب في سائر مجالاته الأخرى، وفي طليعتها مجال النشأة التربوية لأبناء ذلك الشعب، وصدق الحديث الشريف الذي يقول: (( كما تكونوا يُولى عليكم )).( )
في المقابل لو نظرنا إلى أسلوب التربية وطريقة التعامل مع الأطفال والأولاد في المجتمعات المتقدمة، لرأينا مدى احترامهم لأولادهم، واهتمامهم برعاية مشاعرهم النفسية..
يقول أحد الأصدقاء: أردنا شراء بيت في إحدى الدول الأوروبية، وحصلنا على بيت يشمل المواصفات التي نريدها، وبسعر مناسب، ولكننا حينما ذهبنا لرؤية البيت، اشترط علينا صاحبه أن لا نتحدث عن موضوع الشراء أبداً أمام طفلته، التي كان عمرها خمس أو ست سنوات!! فسألناه لماذا؟ قال: رغم أننا سننتقل إلى بيت أفضل ولكن نخشى أن تنجرح مشاعرها حينما تسمع عن إمكانية خروجها من هذا البيت الذي ألفته وأحبته!! قلنا: فكيف ستعملون عند الانتقال؟ قال: إننا سنمهد لذلك معها، ونهيئها نفسياً ليكون الانتقال إلى البيت الجديد شيئاً مرغوباً لديها!!
إن الطفل الذي ينشأ هكذا محترم الشخصية، ولرأيه ورغباته اعتبار واهتمام، سيكبر محترماً لنفسه، مدافعاً عن رأيه وحقوقه، وبذلك يصطدم مع أي أجواء تتعامل معه بطريقة تختلف عن الطريقة التي تربى عليها..
هذا عندهم..
أما عندنا فعلى العكس من ذلك تماماً، حيث يتربى الطفل غالباً في أجواء الخوف والإرهاب مما يجعله مستقبلاً للاستبداد طوال حياته، ويجعل نفسيته خاضعة لسيطرة الخوف، متربية عليه..
ثانياً: التخويف الكاذب
حينما لا يستجيب الطفل لإرشادات أهله يلجأون في بعض الحالات إلى تخويفه بأشياء وهمية ليستجيب لهم تحت ضغط ذلك الخوف.. فيخوفونه (بالجن) ويهددونه (بالشرطي) أو (البدوي)..أو (أم الخضر والليف).. أو ما أشبه.
والأسوأ من ذلك كله تخويف الطفل بالطبيب أو الحقنة أو الدواء.. مما يخلق مشكلة عويصة، عند مرض الطفل، واحتياجه لمراجعة الطبيب، أو تناول الدواء..
فتبقى نفس الطفل فريسة لمخاوف غامضة، وأشباح وهمية، وتستمر عادة لديه حالة الخوف من المجهول، والتهيب من الأشباح والأوهام، ولكن رموزها تختلف باختلاف مراحل عمر الإنسان.
انه أسلوب خاطىء ينمي صفة الخوف المفرط عند الإنسان.
ثالثاً: الدلال المفرط
كما أن احتقار الطفل، والتعامل الإرهابي معه، أسلوب خاطئ في التربية، فكذلك الدلال المفرط للطفل، هو الآخر أسلوب خاطئ..
إن الدلال المفرط يجعل الوالدين يظهران اهتماماً بالغاً ومضخماً بما يصيب الطفل، من مرض أو أذى، حتى ولو كان بسيطاً.. والذي يحدث هو تضخم الأمر في نفس الطفل، واعتقاده بخطورة ما أصابه، وتخوفه من عواقب ذلك..
فإذا ما أشرف الطفل على الوقوع مثلاً، وهو يمشي، أو من على مرتفع بسيط، تتصرف الأم بطريقة هستيرية مزعجة لتمسك به.. وإذا ما مرض يقيم والداه عند فراشه، يبديان الكآبة والألم تجاهه.. وإذا ما أصابه جرح أو أذى يقيمان الدنيا ولا يقعدانها..
إن لهذا الأسلوب آثاراً سيئة، من جملتها تهيب الطفل من أدنى خطر، وتخوفه من أبسط أذى..
يقول الإمام الباقر : (( شر الآباء من دعاه البر إلى الإفراط )).( )
ويهمنا التنبيه إلى أن تأثير عاملي الوراثة والتربية السيئة، في نمو حالة الخوف المفرط عند الإنسان، ليس تأثيراً حتمياً، تعجز أساليب التوجيه، وإرادة الإنسان عن مقاومته، بل الأمر لا يعدو وجود التهيئة والاستعداد في نفس الإنسان، وبإمكانه التغلب على هذه الحالة وإن عايشها فترة من عمره..
رابعاً: ضعف الإيمان
الإنسان الذي يؤمن بأن هناك قوة مسيطرة على الكون، وأنه مرتبط بتلك القوة الغالبة، فإن الأخطار والمخاوف مهما كانت كبيرة وعظيمة، ستتضاءل في نفسه وأمام عينيه..
يؤكد القرآن الحكيم هذه الحقيقة، باستعراضه لموقف المؤمنين الشجاع، أمام أشد المخاوف والأخطار.. يقول تعالى:
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
يقول الإمام الصادق  في تفسير هذه الآية: عجبت لمن يخاف شيئاً كيف لا يرجع إلى هذه الآية.( )
إن من يشعر ويعتقد بأن وراءه تلك القوة العظمى في الكون، لابد وأن يستهين بكل ما أمامه من قوى، فهي زائفة وضعيفة، أمام قوة الخالق الجبار.. وجميل جداً ذلك الحديث الشريف الذي يقول: (( من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )).( )
ويقول أمير المؤمنين  في صفة المتقين: (( عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم )).( )
وهذه الحقيقة وراء كل تلك المواقف الشجاعة، والملاحم البطولية، التي سطرها المؤمنون في صراعهم مع الباطل، عبر مسيرة التاريخ.
خامساً: الانشداد للدنيا والشهوات
إنما يخاف الإنسان على ما يهتم به ويحرص عليه.. وكلما كان اهتمامه وحرصه على شيء ما أكثر بنفس المقدار يكون خوفه من فوت ذلك الشيء أو تضرره. وبالنسبة للدنيا ومصالحها فإن خوف الإنسان المؤمن وحرصه عليها بمقدار حجمها في نفسه، بالإضافة إلى تطلعه إلى ما في الآخرة من خلود، وراحة دائمة، وشهوات باقية، ورضوان من الله أكبر..
ولذا فخوفه وحرصه على لذات الدنيا ومصالحها يكون محدوداً.. أما غير المؤمن فإن الدنيا هي رأسماله الوحيد، وليس لديه أي تطلع فيما وراء الدنيا، فشهوات الدنيا والراحة فيها، ومصالحها، تعني بالنسبة له كل شيء، إذ لا يمتلك بعدها شيئاً..
ومادامت الدنيا وشهواتها تمتلك هذا الموقع في قلبه، فإن أي تهديد يتوجه إلى دنياه وراحته فيها، يسبب له إزعاجاً، وخوفاً مرعباً..
وما أروع كلمة أمير المؤمنين  حين يقول: (( من زهد في الدنيا استهان بالمصيبات )).( )
ومن هذا المنطلق كان علي  نفسه يهزأ بالمخاوف، ويستهين بالمخاطر ويقول: (( والله لو اجتمعت العرب والعجم على قتالي لما وليت منها فراراً.. والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بمحالب أمه )).( )
لماذا؟ ومن أين حظي بهذه البطولة والشجاعة الفائقة؟
لنتأمل النص التالي حتى نكتشف مصدر بطولة (علي) وتغلبه على حاجز الخوف..
يروي (ضرار بن حمزة الضبائي) موقفاً شهده للإمام علي فيقول:
فاشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: (( يا دنيا.. يا دنيا.. إليك عني، أبي تعرضت؟ أم إليَّ تشوقت؟ لا حان حينك! غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها! فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر وعظيم الموردنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة)( )
إن غاية ما تصل إليه الأخطار، وأقصى ما تحمله المخاوف، هو إنهاء حياة الإنسان في هذه الدنيا.. وعند المؤمن لا يعتبر هذا الخطر مهماً، أو شديداً، مادام يسير في طريق الله ويتطلع لأجره وثوابه ورضوانه..
ولذا تبخرت وتلاشت كل تهديدات فرعون لسحرته الذين اهتدوا للإيمان، فحينما هددهم قائلاً:


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:42 AM   #9
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


(كما يحكي عنه القرآن الكريم): {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}..( )
فأجابه المؤمنون بكل شجاعة وثبات: {لاَ ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ}.( )

الفصل الثالث
مناطق الخوف في حياة الإنسان

الخوف عامل إيجابي في حياة الإنسان، إذا لم يسيء الإنسان استخدام هذا العامل، أو يفرط في ممارسته، فالخوف صفة وحاجة نفسية طبيعية، أودعها الله تعالى في الإنسان، لمصلحة حياته، فإن الإنسان إذا لم يكن يخاف فإنه لا يدفع عن نفسه الأخطار، ولا يقيها الأضرار، ولا يفكر لحماية مستقبله، ولصيانة نفسه، ولذا يقول الإمام علي : (( من خاف أمن )).( )
يعني بدافع من الخوف يسلك الإنسان طريق الأمان، ولكن المشكلة هي أن الإنسان يفرط في ممارسة الخوف، فيستعمله في غير مكانه، ويمارسه ممارسة زائدة عن الحد، (( وكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده )) ـ كما يقال ـ، والآن يهمنا الحديث عن بعض مظاهر الخوف المفرط في حياة الإنسان.
الخوف من الفشل
الإنسان لديه طاقات وكفاءات، ولديه طموح، والله تعالى وهب الإنسان القدرة على الطموح، انه يطمح إلى الرقي ويتمنى، لكن هناك دائماً مشاكل في طريق الوصول إلى ما يطمح إليه، وعلى الإنسان أن يشق طريقه، وأن يصارع ويواجه تلك المشاكل والعقبات، ويستطيع بالتالي تجاوزها والتغلب عليها ـ وتحقيق طموحاته وأمنياته، بيد أن فئة كثيرة من الناس، بمجرد أن يلحظوا أن هناك عقبات ومصاعب ومشاكل في طريق طموحاتهم وأهدافهم، فإنهم يتراجعون!! لماذا يتراجعون؟
ليس لأنهم فقدوا الطموح، وليس لأنهم فقدوا الطاقات والمؤهلات، وإنما لأن شعوراً داخلياً ينتابهم، شعور بالخوف من الفشل، يخشى أن يسير باتجاه تحقيق هذا الهدف، ثم لا يستطيع الوصول إليه، يخشى أن يتحرك من أجل تنفيذ عمل ما، ثم تحول العقبات والمشاكل بينه وبين تحقيقه.
قد يطمح الإنسان أن يصبح طبيباً، وله القدرة على الوصول إلى هذا الطموح، ولكن يواجه بعض المشاكل في الطريق، فالجامعة قد لا تقبله، وإذا قبلته فالمدرسون قد لا يحسنون التعامل معه، وقد يكون الامتحان صعباً عليه، وقد لا يستطيع أن يستوعب المواد، وقد.. وقد... وتتراكم هذه الاحتمالات في نفسه، فيخشى إن هو أقدم على دراسة الطب أن يفشل فيه، وأن لا ينجح في أن يصبح طبيباً، فيفضل أن ينسحب منذ البداية، وأن لا يسلك هذا الطريق، ولا يدرس الطب، لأنه يخاف الفشل؟ قد يكون للإنسان طموح أن يكون خطيباً جيداً، ولديه القدرة على ذلك، ولكن هناك متاعب وعقبات، وكل خطيب لم يصبح خطيباً إلا بعد أن مر بتلك المصاعب والعقبات، ولكن البعض يضخمون المصاعب والمشاكل في نفوسهم، يرددّون: أخاف أن ارتبك، أخاف أن أخطئ... أخاف أن لا يتقبل الناس خطابِتي.. أخاف أن لا أعجب الناس، وبناء على هذه المخاوف يتراجع من بداية الطريق، لأنه يخاف أن يفشل في أن يصبح خطيباً ناجحاً!!
كل إنسان لديه طموح، وكل إنسان يريد أن يكون عظيماً، أن يكون متقدماً، أن يكون متفوقاً، ولكن ليس كل إنسان يتخلص من عقدة الخوف من الفشل.
الخوف من الفشل، هو ذلك الحاجز الذي يحول بين الإنسان وبين تفجير طاقاته، وبالتالي بينه وبين الوصول إلى أهدافه وطموحاته وأمانيه.
ولكن لماذا الخوف من الفشل؟
أصل المشكل أن بعض الناس نفوسهم رهيفة لا تقبل الصدمة، نفوس متعودة على الدلال والراحة، ولذا تهرب من أي احتمال للمصاعب، وتتراجع عن أي طريق تعترضها فيه الصدمات والمشاكل. وإنما يخاف الإنسان الفشل لأن الفشل مضخم في نفسه، وحينما تكون الأمور بسيطة أمامك، فإنك لا تتهيب اقتحامها.
فمثلاً لو طلب منك أن تمشي مشواراً محدوداً (نصف كيلومتر)، فإنك لا تخشى ذلك لأن القضية بسيطة في نفسك. ولكن لو طُلب منك أن تمشي (عشرة كيلومترات) فإنك مبدئياً في داخل نفسك تتهيب هذا الأمر، لأنك ترى الموضوع صعباً.

لا تتهيب الفشل
إن أفضل علاج للفشل أن لا يتهيبه الإنسان، فليس مشكلاً كبيراً، أن يفشل الإنسان، وأساساً لماذا لا تريد أن تفشل في حياتك؟ لماذا لا تريد أن تصطدم في حياتك؟ إن طبيعة الحياة وسنتها: أن الإنسان لا يصل إلى النجاح إلا بعد أن يجتاز وديان الفشل.
هل يمشي الإنسان سوياً على قدميه من أول يوم يخرج فيه من بطن أمه؟ كلا... فهو يعيش فترة لا يستطيع المشي فيها، ثم يحبو ثم حينما يحبو، ويحاول المشي لفترة شهور يقوم ويقع، يحاول المشي فلا يستطيع، يحتاج إلى من يمسكه حتى يستطيع المشي.
ألا تلاحظون حياة الطفل حينما يريد المشي؟ ولو أن طفلاً من الأطفال قال أنا غير مستعد أن أحاول المشي وأقع، فأنا لا أحاول المشي إلا إذا توفرت لي الضمانات الكافية لكي أمشي سوياً من أول مرة، فهل يستطيع ذلك الطفل أن يمارس المشي على قدميه؟ كلا...
بل عليه أن يتحمل لفترة من الزمن التعثر في المشي والوقوع.
وأنت لماذا تخاف الفشل؟
وماذا يحصل لو فشلت؟
لماذا يكون الفشل بُعبعاً في نفسك؟
إذا نظر الإنسان إلى الفشل كأمر طبيعي، ولم يضخمه في نفسه، فإن عقدة خوف الفشل تتلاشى من قلبه، ولكنه إذا تضخم الفشل، وصارت هذه العقدة عند الإنسان، حُرم الكثير من المكاسب، وأصيب بالخيبة في حياته. كما يقول الإمام علي  (( قُرنت الهيبة بالخيبة )).( )
الذي يخاف الفشل يصبح خائباً في حياته، لا يتقدم، ولا يتفوق، ولا تتفجر طاقاته، فعلى الإنسان أن لا يضخم قضية الفشل في نفسه، وأن لا يجعل نفسه ناعمة، تخاف من الصدمة والصعوبة، فالإمام علي  يقول: (( إذا هبت أمراً فقع فيه )) ( )، انظر إلى الأشياء التي تخاف منها، ومارسها، حتى تكسر هيبة الفشل في نفسك، وقد دلت التجارب على أن أكثر الأشياء التي يتهيب الإنسان منها أو يخاف الفشل فيها يستطيع النجاح فيها إذا أقدم عليها.
إذن الخوف من الفشل سببه تضخيم قضية الفشل في نفس الإنسان وعندما يبدأ الإنسان يتخيل ويجتر صور الفشل، هنا تصبح لدى الإنسان عقدة الخوف في النفس. فيصبح الخوف لديه مرضياً.


البُعد الإيجابي للفشل
في بعض الأحيان يكون الفشل عنصر خير في حياة الإنسان، فهو الذي يكشف للإنسان نقاط ضعفه، وينبهه إلى الثغرات الموجودة في عمله... بينما استمرار الإنسان في تحقيق المكاسب والانتصارات، قد يخلق في نفسه الغرور، ويضعف من اهتمامه بالتقدم، ورفع مستوى العمل، وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن النكسة التي أصابت المسلمين في واقعة (أُحد) يقول تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ  وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا...}( ).
إنه تعالى يوبخ المسلمين على تعاملهم السلبي مع الهزيمة، ويوجههم إلى الاستفادة الايجابية منها، بالعودة إلى أنفسهم {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}( ) واكتشاف النواقص والسلبيات التي اكتسبتها بعد تحقيق الانتصارات السابقة...
ثم تتحدث الآيات عن البُعد الإيجابي للهزيمة في معرفة الثغرات المخبوءة داخل المجتمع الإسلامي، وفرز العناصر المنافقة غير المخلصة، وتجلي صمود المؤمنين وثباتهم في مواقف المحنة والشدة { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ  وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ}. ولعل كلمة الإمام أمير المؤمنين علي : (( سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك )) ( )، تشير أيضاً إلى هذه الحقيقة


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:44 AM   #10
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الخوف من المشاكل
كثير من الناس يتمنون أن يعيشوا حياة مريحة، يريدون أن تكون الورود تفرش طريقهم دائماً، وأن تكون حياتهم حياة رخاء وهدوء وسلام، ولذلك يتهيبون تصور لحظات المشكلة، ولحظات الصعوبة، لا يريدون مواجهة صعوبة في حياتهم.
هناك عادة لطيفة كانت تمارسها القبائل العربية في الماضي، حيث نجد كثيراً منهم كانوا يبعثون أولادهم ليتربوا في الصحراء، يدفعون الولد إلى أحدى القبائل البدوية ليتربى عندهم، وفلسفة ذلك أن يعيش حياة الخشونة، ويعاني المصاعب، لتكون نفسيته قادرة على المواجهة والمعاناة.
الإنسان يجب أن يعرف أن المشاكل والمصاعب شيء طبيعي في الحياة، كما يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ}( ). ويقول أيضاً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}( ) أي في معاناة، والحياة التي ليس فيها صعوبات، وليس فيها مشاكل، ليست هنا في الدنيا، إنها هناك في الدار الآخرة، إن الصعوبات والمشاكل والآلام هي طريق المجد والتقدم.
يقول الشاعر:
ومن لم يحاول صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر

والآلام والمشاكل ضريبة طبيعية يدفعها الإنسان الذي يريد التقدم، وكما قيل:
ومن طلب العلا، سهر الليالي.

الخوف من الموت
هذا هو أكبر المخاوف في حياة الإنسان، بل قد يقال إنه سبب جميع التخوفات، ولكن لماذا يخاف الإنسان من الموت مادام الموت مصيراً طبيعياً لجميع المخلوقات؟
يخاف الإنسان من الموت للأسباب التالية:
أولاً: إنهاء وجود الإنسان في هذه الحياة..
فللحياة جاذبيتها القوية، التي تشد الإنسان إليها شداً وثيقاً.. وله فيها ارتباطات عديدة، تجعل تشبثه بها متيناً ثابتاً.. وفي الحياة لذات وشهوات، ومصالح تفرض نفوذها وسيطرتها على نفس الإنسان..
والملاحظ أن عجز الإنسان أو ابتعاده ولو كان مؤقتاً عن شيء من لذات الحياة ومصالحها، يؤلم الإنسان ويقلقه ويؤذيه.. ففراق الأهل والأصدقاء، وقلة توفر الطعام والشراب، وفقدان المال والمكاسب أو الامتيازات، أشياء مزعجة ومؤذية للإنسان، ولو كانت لفترة محدودة... فكيف والموت ينسف كل هذه الأمور؟ ويلغي إرتباط الإنسان بها بشكل كامل ونهائي؟!
يقول الإمام علي : (( واعلموا أنه ليس من شيء إلاّ ويكاد صاحبه يشبع منه ويمله إلا الحياة فإنه لا يجد في الموت راحة )).( )
ثانياً: العجز عن المواجهة..
قد يستطيع الإنسان مقاومة سائر المخاوف، والإفلات والهرب من كثير من الأخطار، ولكنه لا يمتلك ذرة من القدرة على مواجهة الموت، أو الفرار منه، إنه عدو قاهر، لابد أن يرفع الإنسان أمامه راية الاستسلام والهزيمة..
إن الله تعالى يتحدى عباده بالموت، ليذكرهم بحجمهم الحقيقي الضعيف المتلاشي، تجاه الهيمنة والقدرة الإلهية يقول تعالى:
{قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}( ).
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}( ).
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}( ).
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}( ).
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ  وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}( ).
فليس هناك في الدنيا منطقة لا يصل إليها الموت، وإلاّ لسافر إليها وقطنها كل البشر ولا يفيد أي طبيب أو علاج أو دواء عند نزول الموت. كما لا تستطيع أي قوة أن تواجه الموت.. وإلا لخلد الأباطرة والأكاسرة والفراعنة والرؤساء.
وصحيح ما قاله الشاعر:
سهم المنون عليك غالب
غالبته أو لم تغالب

لا شك أن سهامه
في كل ناحية صوائب

فليطرقنك هاجما
لو كان دونك ألف حاجب

لا تدفع الموت الجنود قرينه
ولا الأسنة والقواضب

أين الملوك الطالعون
على المشارق والمغارب

ذهبوا كأن لم يخلقوا
والكل في الآثار ذاهب

فاعتد بالتقوى له
فالحزم في نظر العواقب

قد فاز من لاقى المنية
وهو محمود العواقب

وقد حاول الإنسان أن يوظف تقدمه العلمي والتكنولوجي، في العمل على مواجهة أهم خطر يستقبله، وهو خطر الموت، الذي يلغي وجوده، وينهي حياته، ولكن باءت كل تلك المحاولات والجهود بالفشل من بداية الطريق، وأخفقت حتى في الإجابة على أول سؤال في الموضوع وهو: ما هو سبب الموت؟
يقول الأستاذ وحيد الدين خان في كتابه القيم (الإسلام يتحدى):
إن الذين لا يؤمنون بالعالم الثاني ـ الآخرة ـ يحاولون بدافع الغريزة أن يجعلوا من هذا الكون عالماً أبدياً لأفراحهم، ولذلك بحثوا كثيراً عن أسباب (الموت) حتى يتمكنوا من الحيلولة دون وقوع هذه الأسباب، من أجل تخليد الحياة، ولكنهم أخفقوا إخفاقاً ذريعاً، وكلما بحثوا في هذا الموضوع رجع إليهم بحثهم برسالة جديدة عن حتمية الموت وأنه لا مناص منه.
(( لماذا الموت؟ )) هناك ما يقرب من مائتي إجابة على هذا السؤال الخطير، الذي كثيراً ما يطرح في المجالس العلمية منها:
(فقدان الجسم لفاعليته)، (انتهاء عملية الأجزاء التركيبية)، (تجمد الأنسجة العصبية)، (حلول المواد الزلالية القليلة الحركة محل الكثيرة الحركة منها)، (ضعف الأنسجة الرابطة)، (انتشار سموم (بيكتيريا) الأمعاء في الجسم)... وما إلى ذلك من الإجابات التي ترد كثيراً حول ظاهرة الموت.
إن القول بفقدان الجسم لفاعليته جذاب للعقل.. فإن الآلات الحديدية والأحذية والأقمشة كلها تفقد فاعليتها، بعد أجل محدود، فأجسامنا أيضاً تبلى وتفقد فاعليتها كالجلود التي نلبسها في موسم الشتاء، ولكن العلم الحديث لا يؤيد ذلك، لأن المشاهدة العلمية للجسم الإنساني تؤكد: انه ليس كالجلود الحيوانية، والآلات الحديدية، وليس كالجبال.. وان أقرب شيء يمكن تشبيهه به هو ذلك (النهر) الذي لا يزال يجري منذ آلاف السنين على ظهر الأرض فمن ذا الذي يستطيع القول: بأن النهر الجاري يبلي ويهن ويعجز؟! بناء على هذا الأساس يعتقد الدكتور (درلنس بالنج ـ وهو حائز على جائزة نوبل للعلوم): (( إن الإنسان أبدي إلى حد كبير نظرياً، فإن خلايا جسمه تقوم بإصلاح ما فيه من الأمراض ومعالجتها تلقائياً! وبرغم ذلك فإن الإنسان يعجز ويموت، ولا تزال علل هذه الظاهرة أسراراً تحير العلماء.
إن جسمنا هذا في تجدد دائم، وإن المواد الزلالية، التي توجد في خلايا دمائنا تتلف كذلك ثم تتجدد، ومثلها جميع خلايا الجسم، وتحل مكانها خلايا جديدة، اللهم إلا الخلايا العصبية وتفيد البحوث العلمية أن دم الإنسان يتجدد تجدداً كلياً خلال ما يقرب من أربع سنين، كما تتغير جميع ذرات الجسم الإنساني.
ليس جسم الإنسان هيكلاً فقط، وإنما هو كالنهر الجاري، أي أنه (( عمل مستمر )). ومن ثم تبطل جميع النظريات القائلة بأن علة الموت هي وهن الجسم وفقده لقوته، فإن الأشياء التي فسدت أو تسممت من الجسم أيام الطفولة أو الشباب، قد خرجت من الجسم منذ زمن طويل، ولا معنى لأن نجعلها سبب الموت، فسبب الموت موجود في مكان آخر، وليس في الأمعاء والأنسجة البدنية والقلب.
ويدعي بعض العلماء أن الأنسجة العصبية هي سبب الموت، لأنها تبقى في الجسم إلى آخر الحياة ولا تتجدد، ولو صح هذا التفسير القائل بأن النظام العصبي هو نقطة الضعف في الجسم الإنساني، فمن الممكن أن نزعم أن أي جسم خال من (النظام العصبي) لابد أن يحيا عمراً أطول من الأجسام ذات النظام العصبي، ولكن المشاهدة العلمية لا تؤيدنا، فإن هذا النظام لا يوجد مثلاً في الأشجار، وبعضها يعيش لأطول مدة، ولكن شجرة القمح التي لا يوجد بها هذا النظام العصبي لا تعيش أكثر من سنة، وليس في كائن (الاميبا) جهازاً عصبياً، وهي مع ذلك لا تبقى على قيد الحياة أكثر من نصف ساعة، ومقتضى هذا التفسير أيضاً أن تلك الحيوانات التي تعد من (نسل أعلى) والتي تتمتع بنظام عصبي أكمل وأجود، لابد أن تعيش مدة أطول من تلك التي هي أقصر نسلاً وأضعف نظاماً. ولكن الحقائق لا تؤيدنا في هذا أيضاً، فإن السلحفاة والتمساح وسمكة (باتيك) أطول عمراً من أي حيوان آخر، وكلها من النوع الثاني ـ حقير النسل وضعيف النظام..
لقد أخفقت تماماً تلك البحوث التي استهدفت أن تجعل من الموت أمراً غير يقيني، يمكن أن لا يقع، فبقي الاحتمال الذي أكدته الأزمان، وهو أن يموت الإنسان في أي عمر وفي أي زمن، ولم نستطع العثور على أي مكان يمنع الموت رغم جميع الجهود( ).
ثالثاً: المفاجأة
ليس من عادة الموت أن يرسل إنذاراً أو إشعار عن قدومه، حتى ينهي الإنسان أعماله ويستكمل استعداداته.. بل يأتي فجأة ودون سابق إشعار، وفقاً للأجل الذي يعينه ويحدده الله سبحانه وتعالى لكل حي..
يقول تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}( ).
{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}( ).
فقد يأتي الموت للإنسان وهو في قمة اللذة والشهوة.. وقد يأتيه وهو يضع اللمسات الأخيرة على مشروع قد عمل له فترة طويلة.. وقد يأتي الموت والإنسان متورط في أوحال الجريمة أو المعصية.. وقد يأتيه وهو في أسعد لحظات حياته.. يقول أمير المؤمنين :
(( كم من غافل ينسج ثوباً ليلبسه وإنما هو كفنه، ويبني بيتاً ليسكنه وإنما هو موضع قبره )) ( ) وجميل ما قاله الشاعر:
إن الطبيب له طب ومعرفة
مادام في أجل الإنسان تأخير

حتى إذا ما انتهت أيام مدته
حار الطبيب وخانته العقاقير

رابعاً: المصير المجهول
ماذا بعد الموت؟ هذا هو أخطر سؤال يقلق الإنسان عند تفكيره في الموت، فالمشاهد التي يلاحظها الإنسان لأوضاع الموتى، جديرة بأن تثير قلق الإنسان وانزعاجه، فكيف بالجانب الآخر الغيبي الذي لا نراه لما يكون عليه الميت؟! إن كل ما نعرفه هو أن الإنسان بعد الموت يصبح جثة هامدة خامدة، قد غادرتها روح الحياة، وانعدمت فيها القدرة على التحرك والنشاط.


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:44 AM   #11
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


فيحمل الناس تلك الجثة الهامدة، ليودعوها حفرة عميقة في باطن الأرض، ثم يغطونها بالتراب، حتى تتساوى تلك الحفرة مع الأرض، أو ترتفع عليها قليلاً وبعد ذلك تنقطع كل معلوماتنا وارتباطاتنا ومعرفتنا بما يحدث لذلك الميت في أعماق الأرض...
رحماك يا رب..
كم هو معبر عن هذا المصير الغامض الذي ينتظر كل واحد منا ما أنشده الإمام علي الهادي  حيث قال:
باتوا على قُلل الجبال تحرسهم

غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

واستنزلوا بعد عز عن معاقلهم

واسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم

أين الأساور والتيجان والحلل

أين الوجوه التي كانت منعمة

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين سآءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهراً وقد شربوا

فأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا

وطالما عمّروا دوراً لتسكنهم

ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادخروا

ففرقوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفراً معطلة

وساكنوها إلى الأجداث قد نقلوا

نعم إن ما بعد الموت أشد وأدهى من الموت، هناك الحساب والعقاب والجزاء... هناك الوقوف بين يدي الله يوم القيامة..

أفضل طريقة للتعامل مع الموت..
خطر الموت الحتمي يختلف عن سائر الأخطار التي يخافها الإنسان في أننا لا نستطيع أن نقدم أي مساعدة للإنسان من أجل مواجهة أو مقاومة الموت.. كما أننا لا نستطيع نزع هيبة الموت من نفس الإنسان وتشجيعه على عدم التخوف منه..
نعم يمكننا تقديم النصيحتين التاليتين من أجل تعامل أفضل مع هذا الخطر الذي لابد منه:
النصيحة الأولى: الاستعداد للموت
نحن كمسلمين نعتقد بلطف الله ورحمته، ونؤمن بالآخرة والحساب وبكل شؤون الغيب. لذلك يمكننا أن نستقبل الموت بنفوس واثقة مطمئنة حينما نلتزم بحدود الله ونطبق تعاليمه في هذه الحياة.. فأولياء الله لا يزعجهم الموت كثيراً بل يعتبرونه بطاقة دعوة لدخول جنة الله كما يقول تعالى:
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ  ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي  وَادْخُلِي جَنَّتِي}( ).
والنصوص الدينية تؤكد سهولة الموت ويسره على الإنسان المؤمن الملتزم، بينما تتحدث عن بشاعته وصعوبته بالنسبة للكافرين والظالمين.
بالنسبة لحال المؤمنين عند الموت يقول تعالى:
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}( ).
أما الكفار والمنحرفون فلهم وضع آخر عند الموت، يقول عنه تعالى:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ  ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}( ).
(( فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم. ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ))( ).
1ـ وسأل رجال الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب :
ما بالنا نكره الموت ولا نحبه؟ فأجابه الإمام: إنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب..( )
2ـ وسُئل أمير المؤمنين : ما الاستعداد للموت؟
فقال: أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثم لا يبالي أوقع على الموت أو وقع الموت عليه! والله لا يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه!نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة )
3ـ قيل للإمام الصادق : صف لنا الموت.
(( قال: للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كله عنه. وللكافر الأفاعي ولدغ العقارب أو أشد )) ( ).
4ـ وعن رسول الله : (( لو أن مؤمناً أقسم على ربه عز وجل أن لا يميته ما أماته أبداً، ولكن إذا حضر أجله بعث الله عز وجل إليه ريحين: ريحاً يقال له المنسية. وريحاً يقال له المسخية، فأما المنسية فإنها تنسيه أهله وماله. وأما المسخية فإنها تسخي نفسه عن الدنيا، حتى يختار ما عند الله تبارك وتعالى )) ( ).
النصيحة الثانية: توظيف الموت
مادام الموت مصيراً حتمياً، ومستقبلاً طبيعياً لكل إنسان، فلماذا يترك الإنسان المبادرة بيد الموت ليفاجئه في أي لحظة، فيأخذ الإنسان دور الاستسلام والضعف، أمام هجوم الموت المتوقع؟!
أليس من الأفضل أن يستلم الإنسان المبادرة، ويأخذ دور الهجوم على الموت؟ وذلك حينما يحمل أهدافاً سامية، ويرفع لواء مقدساً، ويتبنى مسؤولية عظيمة، فيقذف بنفسه في الأخطار، ويخوض المغامرات، نصرة للحق، وتضحية في سبيل الله..
إنك ستموت حتماً، فلماذا ترضى لنفسك بأن تموت مجاناً ومن موقع ضعف؟ بينما بإمكانك أن توظف موتك من أجل قضية مقدسة، فيكون لموتك ثمن رفيع جداً. وحينئذ لن تموت بل ستبدأ حياة خالدة لا نهاية لها، يقول سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}( ).. ويقول عز من قائل: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ}( ).
ويطلق الإمام علي  على عملية توظيف الموت لصالح قضية مقدسة صفة (أكرم الموت) يقول : في إحدى كلماته الذهبية:
(( إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم، ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل! والذي نفس ابن أبي طالب يده، لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش في غير طاعة الله )).( )
ويقول الأستاذ المدرسي:
الموت: موتان.
موت يأتي إليك، وموت تذهب إليه.
فإذا جاءك الموت فهو موت الجبن والضعف والاستسلام.
أما الموت الذي تذهب إليه، وتفتش عنه وتعانقه فهو موت البطولة.( )
وبمقدار ما ينعكس موت الجبن على نفسية الفرد والأمة ضعفاً وتكاسلاً وخوفاً، فإن موت البطولة ينعكس شجاعة وتحد وقوة.
ومن هذا المنطلق كان أولياء الله يتسابقون إلى الشهادة ويتنافسون عليها.. ويصبح القتل في سبيل الله أمنية يلح المؤمنون على طلبها من الله تعالى حيث يرددون في دعائهم: (( وقتلاً في سبيلك فوفق لنا )).

ص54


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:47 AM   #12
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الفصل الرابع
كيف ننتصر على الخوف؟
سُبل الانتصار على الخوف
الخوف كابوس مرعب ثقيل، يجثم على نفس الإنسان، فيحرمه لذة الأمن والاطمئنان.. ويعرقل حركة تقدمه ونشاطه.. ويمنع طاقاته ومواهبه من النمو والعطاء..
ومن يعيش تحت سيطرة كابوس الخوف، تتحول حياته إلى رعب وشقاء دائم.. يتمنى لو تخلص منه وتحرر من هيمنته..
ورغم أن كل من يعاني من رعب الخوف يتمنى التحرر منه، والتخلص من شقائه، إلا أن البعض يفقد الأمل في قدرته على ذلك، ويتصور أن الخوف جزء لا يتجزأ من نفسه وكيانه، وأنه لا يستطيع أن لا يخاف، ولا يمتلك القدرة على ممارسة الشجاعة والإقدام..
وهذا تصور خاطئ جداً، وبعيد عن الصواب..
فصحيح أن للخوف جذوراً عميقة في أعماق نفس الإنسان لا يمكن انتزاعها.. وأنه حاجة فطرية، وميل طبيعي، أودعه الله في النفس.. ولكن الصحيح أيضاً أن الإنسان قادر على التحكم في تلك الحاجة، والسيطرة على ذلك الميل..
فالخوف صفة نفسية قابلة للتعديل والتوجيه والتحديد.. وبإمكان الإنسان أن يكبح جماح الخوف، ويوقفه عند الحد الأدنى، الذي تقتضيه طبيعته وحياته، كما يستطيع أن يُطلق له العنان لينمو ويتغلب على جميع قواه ومشاعره..
والإنسان هو الذي يمتلك حق توجيه الخوف في نفسه وحياته، فيجبن ويخاف ساعة يشاء الخوف والجبن، ويتمرد ويقدم بشجاعة حينما تقرر إرادته ذلك..
وتلعب الأجواء التي يعيش فيها الإنسان، والظروف المحيطة به، دوراً مساعداً لترجيح إحدى الكفتين.. إذن فلسنا مجبرين على الخضوع لسيطرة الخوف على نفوسنا.. وبإمكاننا مقاومته، والتخلص منه، في الحدود التي نريدها، ولكن ما هي العوامل المساعدة والنافعة لمقاومة الخوف والتحرر من هيمنته الكاملة؟.
يمكننا الحديث عن العوامل التالية، والتي تؤكد التعاليم الدينية، وعلم النفس الحديث، والتجارب العملية، على تأثير هذه العوامل، وقدرتها على مساعدة الإنسان للتخلص والتغلب على حاجز الخوف..
الإرادة والتصميم
مشكلة البعض أنهم يتكيفون مع أمراضهم النفسية، إما باليأس من إمكانية العلاج، أو باختلاق التبريرات التي تقنعهم وترضيهم بما يعانون..
مثلاً: انه يعاني من خوف مفرط من القوة، وبدلاً من أن يفكر في التخلص من هذا المرض فإنه يعمل على تكريسه، باختلاق التبريرات الفكرية مثلاً ادعاءه الامتثال لقوله تعالى: {لاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}!نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة )
أو يعاني مثلاً من: الخوف من الفشل، ويتردد في الإقدام على أي عمل جديد.. ثم يبرر ذلك بلزوم الاستعداد، وأنه إنما لا يعمل ذلك العمل الآن رغبة في أن يؤديه مستقبلاً..!!
أو يجبن عن تحمل مسؤولية معينة، ويفلسف جبنه بأنه تواضع وابتعاد عن الرياء وحب الرئاسة!!
إن اليأس من العلاج، والاعتقاد بأن الخوف جزء لا يتجزأ من النفس، أو تعزيز الخوف بالتبريرات والأفكار السلبية الخاطئة.. كل ذلك يحول بين الإنسان وبين تجاوز حاجز الخوف، والتخلص من سيطرته وإزعاجه.. فالخوف الذي تعاني منه، هو مرض وبلاء. وأنت قادر على التخلص منه..
وكل التبريرات التي ترضيك وتقنعك بقبول هذا المرض، إنما هي تبريرات وأفكار خاطئة..
والمطلوب أن تصمم وتقرر مقاومة الخوف في نفسك، وسيكون النصر والنجاح حليفك حينئذ إن شاء الله..


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:49 AM   #13
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الإيحاء الذاتي
في جميع الأمراض النفسية، يتحدث علماء النفس، عن دور عملية الإيحاء الذاتي في معالجتها، ذلك لأن الإيحاء الذاتي عملية نفسية من نفس جنس تلك الأمراض، فهي أقدر على مواجهتها.. بل حتى بعض الأمراض الجسمية، يستعين الأطباء بالإيحاء الذاتي لمساعدة المريض على تحمل وتجاوز مرضه..
ويقصدون بالإيحاء الذاتي أن يتحدث الإنسان في داخل نفسه، أو بصوت مسموع، عن قدرته على الشفاء، وتجاوزه فعلاً للمرض..
فإذا كان يعاني من مرض الخوف... فليكرر في نفسه، أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز الخوف، وأنه بالفعل شجاع وبطل.. تكرار هذه العملية يوجد عند الإنسان تصميماً ذاتياً على تجاوز الخوف. وشعوراً بتحقق ذلك، يدفعه إلى التصرف وكأنه لم يعد يعاني من الخوف فعلاً.. وتصديق الإنسان بانتصاره على المشكلة، إذا ما دفعه لاقتحامها فعلاً، فإن ذلك سيكون بمثابة خطوة جريئة وعملية للانتصار والنجاح الحقيقي في الواقع الخارجي..
فمثلاً: إذا كنت أعاني الخوف من عملية تسلق الجبال، ولكن أوحيت لنفسي مراراً وتكراراً بقدرتي وتمكني من القيام بعملية التسلق بنجاح.. فإن شكي في قدرتي على ذلك، وبالتالي تخوفي، سينقلب إلى رغبة في ممارسة القناعة الجديدة التي توفرت في نفسي، وهي القدرة على التسلق.. وإذا ما مارست عملية التسلق بالفعل، فإن هيبتها ستنتزع من نفسي، ولن يبق فيها شيء اسمه الخوف من تسلق الجبال...
هكذا يكون الإيحاء الذاتي مؤثراً وفعالاً في تحدي المشاكل والأمراض النفسية. وينصح علماء النفس: بممارسة عملية الإيحاء الذاتي قبيل النوم، وعند الاستيقاظ منه، بعد أن يتنفس الإنسان تنفساً عميقاً، ليخرج كل ما في رئتيه من الهواء، ويستنشق هواءً جديداً، ويكرر الإنسان في نفسه أو بصوت مسموع، أنه قادر على تجاوز تلك المشكلة، وأنه تجاوزها بالفعل (أنا قادر على تجاوز الخوف، أنا شجاع بطل....) في فترة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى ساعة كاملة..
ولعل النصائح الإسلامية بتكرار بعض الأدعية والأذكار والأوراد، تهدف إلى إحداث مثل هذا التأثير في نفس الإنسان، فهي نوع من أنواع الإيحاء الذاتي.. فمثلاً في صلاة الليل يُستحب أن يكرر الإنسان هذه العبارة مرات: (( هذا مقام العائذ بك من النار )) وأن يردد سبعين مرة هذه العبارة: (( أستغفر الله ربي وأتوب إليه )).
إن تكرار هذه الأذكار نوع من الإيحاء الذاتي، الذي يدفع الإنسان إلى التصميم على تحويل ذلك الذكر إلى ممارسة وسلوك خارجي..
قراءة سير الأبطال
عادة سيئة متخلفة، تلك التي يمارسها بعض الذين يعانون من الثغرات والنواقص، حيث يبحثون عن أشباههم، ويضعون أمام أعينهم قائمة بأسماء وقصص الأشخاص الذين يعانون نواقصهم وأمراضهم.. وذلك بهدف تسلية النفس، ومواجهة توبيخ الضمير، وللتبرير أمام الآخرين..
فالطالب الذي يرسب في الامتحان مثلاً، يبحث عن أكبر عدد ممكن من الراسبين مثله، ويحتفظ بأسمائهم في ذاكرته.. وكلما وخزه ضميره: لماذا رسبت؟ أسكت ضميره بأنه ليس الراسب الوحيد، فهناك فلان وفلان وفلان!! وإذا ما عاتبه أهله على عدم اهتمامه، والذي سبّب له الفشل، يجيبهم لست أنا الوحيد ففلان فشل أيضاً، وفلان وفلان..
هذه الطريقة السيئة تضر الإنسان جداً، وتمنع تقدمه وتغلبه على نواقصه ونقاط ضعفه..
والمفروض هو البحث عن الأشخاص الأقوياء المتفوقين، لكي يجعلهم نصب عينيه، ويسعى لتقمص شخصياتهم، والإقتداء بالجوانب الإيجابية في سلوكهم وحياتهم..
من هذا المنطلق، ننصح الذين يعانون من مرض الخوف الفتاك، بأن يكثروا من قراءة حياة وسير الأبطال الشجعان، والمواقف التي تجاوزوا فيها حاجز الخوف..
والملاحظ أن القرآن الحكيم، يهتم كثيراً بإبراز المواقف البطولية في حياة الأنبياء والأولياء، ليجعلهم قدوات حسنة سامية، لعباد الله المؤمنين..
إن حياة الأنبياء والأئمة والأولياء مليئة بمواقف البطولة والشجاعة، وقراءتها تزرع في النفس حب البطولة، وتجعل الإنسان راغباً في ممارستها..
وكذلك حياة الأبطال والمغامرين والثوار، يجب أن تصبح نماذج حية في نفس الإنسان، يتذكرها كلما ألمت به الأخطار والمخاوف، فترتفع معنوياته، ويستلهم منها الشجاعة والصمود..
يقول أحد المجاهدين بعد خروجه من سجن مرير، ذاق فيه مختلف ألوان العذاب: كلما تسارعت وتوالت على جسدي سياط التعذيب، ونهشت أطراف جسمي اللسعات الكهربائية المزعجة.. واقترب مني شبح الموت لما أعاني، كنت ألجأ إلى ذاكرتي واستحضر صورة بلال الحبشي وهو يتلوى تحت السياط، على رمال مكة الحارقة، وهو يصرخ: أحد، أحد.. وأتذكر آل ياسر، الذين أحاط بهم بلاء قريش، حتى استشهد ياسر وسمية تحت التعذيب. أمام أعين ولدهما عمار، وكيف أن الرسول الأعظم  لم يكن يستطيع تقديم أي مساعدة لهم سوى كلمته الصادقة: (( صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة )).. وهكذا استحضر في مخيلتي مواقف كل الأبطال، وصمود كل المناضلين.. حينها يبطل مفعول السياط، وتزداد عندي إرادة التحدي والصمود، وأحس بارتفاع هائل في روحيتي ومعنوياتي..


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:50 AM   #14
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


الزهد في الدنيا
يقول الإمام علي : (( من زهد في الدنيا هانت عليه مصيباتها )).( )
إن تعلق الإنسان الشديد بملذات الحياة وراحتها ومصالحها، يجعله خائفاً هلعاً لدى أي تهديد بفقدانه وحرمانه لشيء من مصالح الحياة..
أما المؤمن الزاهد، الذي ينظر إلى الدنيا بحجمها الحقيقي المحدود، ويتطلع إلى آفاق دار الخلود في الآخرة، فحرصه على المصالح الدنيوية قليل ومحدود، وبالتالي لا يصيبه الخوف الشديد، والهلع المفرط، عندما يواجه خطر فقدان شيء من الملذات والمصالح..
وكمثال على هذه الحقيقة: حينما تكون بيد أحد الأطفال قطعة من الحلوى، فإن أخذها من يده يسبب له صدمة عاطفية، وأذى نفسياً، حيث يستغرق في البكاء، ويستمر في الصراخ.. بينما لو أخذت تلك القطعة من يد إنسان كبير، فإنه لا يعير لها أي اهتمام؟
فما هو الفارق؟
يكمن الفرق في مدى حرص الطفل واهتمامه بتلك القطعة من الحلوى، بينما الرجل لا يرى لها قيمة كبيرة، تستحق أن ينزعج من أجلها..
إن مصالح الدنيا مهما كانت، فإنها عند المؤمن لا تستحق اهتماماً مفرطاً، يجعله يهلع ويجزع، ويفقد ثباته واطمئنانه، أو يتنازل عن كرامته ومبادئه.. بينما الشخص المادي المتعلق بالحياة، والمنشد إلى مصالحها الدنيوية، يزعجه ويربكه ذلك، بل قد يصاب بالهلع الشديد، وقد يتنازل عن كرامته ومبادئه وقيمه، في سبيل إبعاد خطر بسيط عن مصالحه الدنيوية، يقول الإمام الصادق : (( من أحب الحياة ذلّ )) ( ).
وعن الفرق بين طريقتي تعامل المؤمن وتعامل الإنسان المادي المتعلق بالحياة، يقول تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا  إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا  وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا  إِلاَّ الْمُصَلِّينَ  الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ}( ).
الخوف الحقيقي
كم هو مدعاة للعجب والسخرية، أن يشغل الإنسان نفسه، ويوجه اهتمامه، نحو مشاكل صغيرة، وأخطار جزئية حقيرة، بينما هو يتغافل عن تلك الأخطار الكبرى العظيمة التي تهدد مستقبله ومصيره؟؟!!
إن الأخطار الحقيقية التي يجب أن يخافها الإنسان ويخشاها، ليست هنا في دار الدنيا.. إنها هناك في الآخرة حيث الحساب والعقاب والجنة والنار..
ويبدو أن هناك علاقة عكسية، بين الاهتمام بأخطار الدنيا، والتوجه لأخطار الآخرة، فكلما قوي الاهتمام بأحد الخطرين ضعف الاهتمام بالخطر الآخر..
وكلمات الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  مليئة بالتوجيهات والحقائق الثمينة، التي تهدي الإنسان وتلفت نظره إلى ما يستقبله من أخطار عظيمة يوم القيامة، وتنبهه إلى أن كل ما يواجهه من مخاطر وصعوبات في الدنيا فهي لا شيء أمام أبسط مواقف الآخرة..
يقول :
1ـ (( وموتات الدنيا أهون عليّ من موتات الآخرة )) ( ).
2ـ (( وليكن همك فيما بعد الموت )) ( ).
3ـ (( شغل من الجنة والنار أمامه )) ( ).
4ـ (( أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والعثرة تدميه، والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر، وقرين شيطان: أعلمتم أن مالكاً (الملك الذي كلفه الله بشؤون جهنم) إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته! فاسعوا في فكاك رقابكم من قبل أن تغلق رهائنها )) ( ).
5ـ (( ما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة، وكل نعيم دون الجنة فهو محقور، وكل بلاء دون النار عافية )).( )
6ـ (( أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يدي الله عز وجل تهون عليكم المصائب )).( )
وآيات القرآن الكثيرة، التي تتحدث عن القيامة والآخرة، بالإضافة إلى أنها تتحدث عن حقائق واقعة، لابد أن يأخذها الإنسان بعين الاعتبار، فإنها تصرف نظر الإنسان عن مشاكل الدنيا الحقيرة، وأخطارها البسيطة، لا بمعنى أن لا يسعى الإنسان لحل مشاكله في الدنيا، وتجنب الأخطار التي تواجهه فيها.. وإنما أن يتعامل الإنسان مع هذه المخاطر والمشاكل بنفس ثابتة، وقلب هادىء مطمئن، دون أن يضخمها في نفسه، أو تسبب له خوفاً وجزعاً أكثر من اللازم.


الاقتحام
وهو أفضل علاج لانتزاع الخوف من النفس.. وأكثر عملية من جميع الأساليب الأخرى..
1ـ ذلك لأن أكثر الأشياء التي يتخوف منها الإنسان، لا تحمل خطراً حقيقياً، وإنما يتوهم الإنسان فيها الخطر، فإذا أقدم عليها، وواجهها بشجاعة وثبات، فسيلوم نفسه على تخوفه وتردده سابقاً..
2ـ إن صعوبة وسهولة أي عمل من الأعمال، ليس بسبب واقع ذلك العمل، وأنه ينطوي على الصعوبة، أو يكون في حد ذاته سهلاً، بل هناك سبب آخر يتعلق بشخص القائم بالعمل، فإن كان يتهيب العمل أو يستصعبه نفسياً، فسيكون أداؤه للعمل مُكلفاً مجهداً، أما إذا كانت نفسه مهيئة ومستعدة للأداء، فسيصبح ذلك العمل في غاية السهولة واليسر..
3ـ التجربة الأولى لأي عمل جديد، فيها نوع من الهيبة والصعوبة، ولكن القيام بتلك التجربة الأولى، يجعل الطريق سالكاً ومفتوحاً أمام الإنسان، لتكرار ممارسة ذلك العمل.. فاضغط على نفسك لتقتحم أول تجربة، واطمئن بسهولة الأمر فيما بعد..
يقول المثل (( إن الخطوة الأولى هي وحدها الأصعب ))، وكلما استطاع الإنسان النجاح فيها، كلما توفق في حياته، وقضى على خوفه إلى الأبد. فالإنسان الخائف المتردد، هو ذلك الذي لا يعرف، ماذا يفعل، وماذا سيحدث إذا فعل ذلك؟! ولكن التجربة، تعكس له مستواه، وتؤمنه في ما بعد، وتمنحه ثقة كاملة بنفسه.
يقول الأستاذ روبنسن في كتاب (تكوين العقل): (( ينجم الخوف عن الجهل والحاجة إلى الثقة، ولكن ما سبب ذلك؟ إن هذا بدوره نتيجة لعدم معرفة ما نستطيع عمله على وجه الدقة، والسبب في هذا الأخير، حاجتك إلى التجربة. وعندما تحصل على تجربة موفقة تسندك، فإن جميع مخاوفك تختفي وتذوب كما يذوب ضباب الليل تحت أشعة شمس بولية المتوهجة )).
وفي هذه الأثناء، حيث يندفع الإنسان إلى تسجيل أولى تجاربه في موقف معين، يجب أن يوطد نفسه على مقاومة حالات الفشل، عبر الإيحاء الذاتي المتواصل، ويتصرف بكل ثقة، بعد أن يوحي لنفسه بأنه سوف ينجح في موقفه ذلك، وأنه سينتصر على كل حالة شاذة، قد تعتريه في تجربته، يقول: ديل كارنيجي في كتابه (التأثير في الجماهير عن طريق الخطابة):
(( فلكي نشعر بالشجاعة، يجب أن نتصرف كما لو كنا شجعاناً بالفعل، ونستخدم كل إرادتنا للوصول إلى هذه الغاية، وعندئذ يغلب أن تحل نوبة الشجاعة محل نوبة الخوف )).
ولا يخفى على دارسي العلوم النفسية، مدى أهمية (الإيحاء الذاتي) ـ في العلاج النفسي. وهي عملية واعية يقوم بها الإنسان المصاب بالداء النفسي، وهي لا تعدو أن تكون عملية دائبة ومستمرة، يحاول بواسطتها ـ الإنسان ـ إقناع نفسه، بأن حالته طبيعية، وبأنه لا يخاف، وبأنه يستطيع القيام بكل شيء دون خوف... فمجموعة هذه الإيحاءات، تشكل مع الاستمرار، ضغطاً لا شعورياً، يؤدي بالتدريج إلى تحول إيجابي في شخصية الإنسان.
إن الخوف ـ بمعنى الرهاب ـ يأتي عبر الإيحاءات المستمرة التي يتلقاها الإنسان في الطفولة من جانب الآباء، أو المجتمع أو... ويمكن القضاء عليها أيضاً بواسطة (الإيحاء) أيضاً.. والإمام علي  يشير إلى هذه النقطة، عندما يقول، بأنه ما قاتل رجلاً إلا وكان سيفه، ونفسه عوناً عليه.. أي أن نفسية الآخرين كانت تستجيب للإيحاء النفسي الذي كان يمارسه الإمام علي  تجاه الأعداء في المعركة. ولما كانت نفوس أولئك، تستجيب لهذا الإيحاء، أفقدها ذلك ـ حتى ـ القدرة على المقاومة!
يقول الإمام علي : (( إذا هبت أمراً فقع فيه ))..( )


 

رد مع اقتباس
قديم 31-01-2010, 11:51 AM   #15
انور محمود
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية انور محمود
انور محمود غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 19539
 تاريخ التسجيل :  03 2007
 أخر زيارة : 12-05-2014 (09:59 AM)
 المشاركات : 421 [ + ]
 التقييم :  21
لوني المفضل : Cadetblue


توثيق الصلة بالله
إذا دخلت بلداً تطاردك سلطاته، فإنك ستعيش في ذلك البلد بحذر شديد، وتحفظ كبير.. ستشك في كل حركة غريبة، وترتاب في أي شخص مجهول يتحدث معك، وتتوقع الخطر في أي لحظة من اللحظات.. أليس كذلك؟
أما إذا زرت بلداً لك علاقة وصلة بشخص الرئيس الحاكم، أو أحد مراكز القوة في تلك البلاد.. فستشعر بالاطمئنان الكامل، ولن تتهيب من أي أحد أو تخاف.. لماذا؟ لأن لك حماية وعلاقة تقيك الأخطار وتدفع عنك المخاوف..
وعلى نفس المعدل: إنك تعيش في هذا الكون، فمن هي السلطة الحاكمة والمسيطرة عليه؟ أليس هي سلطة الخالق جلَّ وعلا.. سلطة الله؟
فعلى مدى علاقتك وصلتك بالله سبحانه وتعالى، سيتوقف اطمئنانك واستقرارك النفسي.. فإذا ما كانت علاقتك بالله سيئة أو ضعيفة لا سمح الله، فلن تنعم بالاستقرار والأمن، بل يكون حالك كما يعبر الله تعالى عن المنافقين {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}( ). أما إذا كانت علاقتك بالله جيدة ووثيقة، فسيغمر الاطمئنان قلبك، لأن الله هو السلطة المهيمنة، والمشيئة النافذة في هذا الكون معك.. ومن كان مع الله، كان الله معه... {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}( )، {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}( )، {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}( ).
وهذا هو معنى الحديث الشريف: (( من خاف الله أخافه الله منه كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء )).( ) ولدينا أفضل مثال على ذلك ثورة الإمام الحسين  ومواقفه فيها، ففي صبيحة يوم عاشوراء، كان الإمام الحسين  يعيش وضعاً حرجاً، مع عدد قليل من أهل بيته وأصحابه، يحاصرهم جيش كبير، مدجج بالسلاح.. فأمام الحسين سيوف مشهورة، ورماح مشرعة، تتحفز لتمزيق جسمه، وسفك دمه مع أهل بيته.. وحوله خيار أصحابه وأهل بيته، الذين لن يلبثوا معه أكثر من ساعات قليلة، ثم يتساقطون صرعى على أرض الشهادة.. وخلفه عياله ونساؤه، وأطفاله يتضورون من العطش، وتنتظرهم حياة الذل والأسر..
ومع كل هذه الظروف والأوضاع، التي يبعث أدناها في نفس الإنسان الجزع، ويفقده الثبات والاطمئنان.. إلا أن الإمام الحسين  كان في ذروة الصمود والثبات، حتى قال عنه حميد بن مسلم أحد المشاهدين لأحداث عاشوراء: (( والله ما رأيت مكثوراً قط، قتل أصحابه وأهل بيته، أربط جأشاً، ولا أقوى جناناً، من الحسين بن علي ، وإن كانت الجيوش لتحمل عليه، فيشد فيهم، فيفرون من بين يديه فرار المعزى إذا حمل عليها الذئب )).( )
لماذا ومن أين هذا الصمود والثبات؟
لكي نعرف الجواب، لنقرأ مناجاة الإمام الحسين  لربه سبحانه صبيحة عاشوراء، والتي تعبر عن عميق صلته ووثيق ارتباطه بالله سبحانه..
دعا الإمام الحسين بمصحف فنشره على رأسه، وأقبل على الله يتضرع، مستهيناً بما حوله من المصائب والأخطار قائلاً:
(( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من هم يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة إليك عمن سواك، ففرجته وكشفته وكفيته، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة )).( )
ومن كانت علاقته بالله على هذا المستوى، فهل يستغرب منه ذلك الاطمئنان والصمود..
فلنوثق علاقتنا مع الله، ولنقو ارتباطنا معه، فلا شيء يضر مع الله، ولا شيء ينفع من دون الله.. أو كما يقول الدعاء: (( ماذا فقد من وجدك وماذا وجد من فقدك )).( )
وسنرى كيف يغمرنا الاطمئنان، وتحتضننا الشجاعة والبطولة، وينهزم الخوف من أنفسنا حينما نملؤها بذكر الله سبحانه وتعالى.

التسلح بالفكر الرسالي
مع تخلف الأمة الإسلامية، وتخليها عن تحمل مسؤوليات الرسالة في العالم.. وحينما انكفأت الأمة على ذاتها، وتمحور أبناؤها حول مصالحهم وشهواتهم.. بدأ خط فكري ومسار ثقافي منحرف، يسود أجواء الأمة وينتشر في صفوفها..
ذلك الخط الفكري والثقافي المنحرف، كان يركز على مظاهر الدين وشكلياته، ويولي اهتمامه لبعض الجوانب من الإسلام، متغافلاً عن سائر أبعاده. ويستهدف هذا الخط الانحرافي تبرير واقع التخلف في الأمة، وتكريس الذاتية والروح المصلحية، وبالتالي نسف جوهر الإسلام ومضمونه، ومحتواه الرسالي، والإبقاء على مظاهره وشكلياته فقط..
وطبيعة هذا الفكر السلبي التبريري، تخلق من الإنسان المؤمن شخصاً انعزالياً خانعاً، لا دور له ولا طموح.. ويعني ذلك أن تنمو لديه مشاعر الأنانية والمصلحية والخوف.. بينما تخبو في نفسه روح التقدم والبطولة والطموح..
وتلوث عقل الإنسان بالثقافة المتخلفة، يعزز الحالات السلبية في نفسه كالخوف ويكرسها.. باسم التقية والزهد والصبر، وانتظار الفرج، وعدم إلقاء النفس إلى التهلكة، وتقديس السلف الصالح، وعدم التدخل في السياسة، وحرمة التدبر في القرآن.. وبمختلف العناوين التي تعرضت مضامينها ومعانيها للتحريف والتشويه..
بينما الفكر الرسالي، والثقافة الإسلامية الأصيلة، تدفع الإنسان المسلم نحو التغيير والثورة على سلبيات نفسه، وتجاوز الثغرات في ذاته، ثم تحمله مسؤولية التغيير في الواقع الاجتماعي المحيط به، بل ولا تقف طموحات الثقافة الرسالية عند هذا الحد، بل تدفع الإنسان الرسالي، والأمة المؤمنة، نحو القيام بدور قيادي رائد، على صعيد العالم كله، تحقيقاً لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}( ).
وواجب الإنسان المسلم، أن يبحث عن ثقافة الإسلام الأصيلة، ليضمن لنفسه السير على طريق الله المستقيم، وليخلص من كل الرواسب والسلبيات والأمراض النفسية..
صحيح أن الثقافة المتخلفة السلبية هي المسيطرة على الأجواء، وهي المتوفرة.. أما الثقافة الرسالية فإنها مطاردة ممنوعة من التداول، في ظل واقع التخلف والانحطاط..
لكن وظيفة الإنسان المؤمن هي البحث عن الحق، وتجاوز سحب الباطل، وحواجز الضلال..
إن الثقافة الرسالية هي سلاح الإنسان في مقابل التخلف والانحراف، وهي التي تساعده على تجاوز حواجز الخوف، وسلبيات النفس، وتدفعه لتحمل مسؤولياته، والقيام بدوره الريادي في الحياة.


وكونوا مع الصادقين
الإنسان بطبيعته الاجتماعية، لابد له من وسط اجتماعي يعيش فيه، ويرتبط معه.. ذلك الوسط الاجتماعي هو شبكة العلاقات والصداقات التي ينشئها الواحد منا مع الآخرين.. وتلعب هذه العلاقات والصداقات دوراً مؤثراً في حياة الإنسان، وتوجيه نفسه وسلوكه.. فقد يكون صديق واحد سبباً في شقاء الإنسان وضلاله، كما ينقل القرآن الحكيم ندامة وأسف من أضله أصدقاؤه عن طريق الله، يقول تعالى:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً  يَاوَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً  لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}( ).
ونظراً لتأثير العلاقات والأصدقاء في نفس الإنسان وسلوكه سلباً وإيجاباً وردت مجموعة كبيرة من النصوص والتعاليم الدينية، توجه الإنسان إلى ضرورة اختيار أصدقائه، وفق أسس صحيحة، وشروط معينة..
1ـ وعن رسول الله : (( فليكن جلساؤك الأبرار وإخوانك الأتقياء الزهاد لأن الله تعالى قال في كتابه {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} )).( )
2ـ وعنه : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )).( )
3ـ وقال أمير المؤمنين علي :(( فساد الأخلاق معاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق معاشرة العقلاء )).( )
4ـ وقال أيضاً : (( عاشر أهل الفضائل تسعد وتنبل ))( )
(( مجالسة الحكماء حياة العقول وشفاء النُّفوس )) ( )، (( معاشرة الأبرار توجب الشرف )) ( )، و (( مجالسة الأشرار توجب التلف )) ( )، (( إن قرين السوء يغير جليسه )).( )
5ـ يقول الإمام زين العابدين علي بن الحسين : (( مجالس الصالحين داعية إلى الصلاح )).( )
يقول الشاعر:
صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته

فالطبع مكتسب من كل مصحوب

كالريح آخذة مما تمر به

نتناً من النتن أو طيباً من الطيب

وقال آخر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه

فكل قرين بالمقارب يقتدي

إذا كنت من قوم فصاحب خيارهم

ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى

هذه النصوص السابقة، والتجارب الإنسانية، تثبت مدى تأثير الأصدقاء في توجيه نفس الإنسان وسلوكه، سلباً و إيجاباً، فإذا ما انتمى الإنسان إلى تجمع يتصف أفراده بالسلبيات والانحرافات النفسية والسلوكية، فإنه معرض للانزلاق معهم، في مهاوي سلبياتهم وانحرافاتهم.. وعلى العكس من ذلك إذا توفق للانتماء لتجمع إيماني، تسوده الفضيلة والقيم، فإنه سيكسب منهم صفات الخير والاستقامة والصلاح.
وإذا كنت ترغب في تقمص صفة البطولة والإقدام، وتريد التخلص مما تعاني منه نفسك من تخوف وتهيب، فابحث عن التجمعات المؤمنة العاملة الشجاعة.. وابتعد عن أولئك الخائفين الجبناء، مهما تظاهروا بالتدين والصلاح، ذلك لأن الخائفين الجبناء ينمّون في نفسك جرثومة الخوف والجبن بالعدوى، ويتنازلون عنك عند أبسط خطر أو تهديد، بدلاً من أن يدافعوا عنك أو يحمونك.
لذا يعتبر الإمام الباقر  الخائف الجبان أحد الأصناف السيئة التي ينبغي الابتعاد عنها. يقول : (( لا تقارن ولا تؤاخ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب. أما الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، وأما البخيل فإنه يأخذ منك ولا يعطيك، وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه، وأما الكذّاب فإنه يصدق ولا يصدَّق )).( )
وفي أوضاعنا الحاضرة حيث تعيش مجتمعاتنا مرحلة انتقال وتحول، من حالة الجمود والاستسلام، إلى مرحلة النهوض والتغيير، باتجاه الحرية والإسلام إنشاء الله.. فإن هناك تجمعات رسالية تتصف بالشجاعة، ضد الواقع الفاسد، والبطولة في مقابل نفسيات الذل والخنوع.. وكل مسلم واع مطالب بأن يقف إلى جانب هؤلاء المؤمنين الصادقين استجابة لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}( ). لنصرة هؤلاء المجاهدين في معركتهم ضد التخلف والفساد وأخيراً لكي يكتسب الإنسان منهم صفات البطولة والاستقامة والفداء..



 

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:15 AM


Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd. Runs best on HiVelocity Hosting.
المواضيع المكتوبة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع رسميا