عرض مشاركة واحدة
قديم 29-11-2009, 02:25 PM   #76
يحي غوردو
عضو دائم ( لديه حصانه )


الصورة الرمزية يحي غوردو
يحي غوردو غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27460
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 23-03-2012 (02:38 PM)
 المشاركات : 950 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue




تشير النصوص القرآنية أن الشياطين يوسوسون في صدور الناس، وتشير الأحاديث الصحيحة أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. فوجب التصديق بكل ذلك حقيقة وعلمنا أن الله عز وجل جعل لهم(الشياطين) قوة يتوصلون بها إلى قذف ما يوسوسون به في النفوس. برهان ذلك قول الله تعالى {من شر الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، من الجنة والناس}.

فالوسوسة، في نظرنا، هي أقوى سلاح يمتلكه عدو الله إبليس وهي مبتدأ وأصل كل الشرور التي تصيبنا... وينتج عن الوسوسة أمور أخرى مثل:
المس والنزغ والتزيين والغضب والإغواء والاستزلال والوعد والأمنية وإيقاع العداوة والفتنة والأمر بالفحشاء والمنكر والصد عن الخير والتحريش بين الناس والتشكيك في النية والإخلاص والتخويف والاستحواذ والنسيان والتسويل والإملاء والنجوى والتحزين....

ولنرجع لكلمة "مس وارتباطها بالوسوسة" :

تخبرنا كتب اللغة أن كلمة "المس" تستعمل في لغة العرب استعمالات عديدة من بينها:
اللمس- الوطيء- القرب- التعرض- الجس- الإصابة بالجنون- الجماع- الإصابة-أول درجات التعب- المسك باليد- المعاقبة- مستعار للأخذ- مستعار للضرب- مستعار للجماع- الملاقاة- التخبط- كناية عن لين الجانب وحسن الخلق.

والسياق هو ما يحدد المعنى المقصود وقد تبين من خلال ما ذكره علماء اللغة أن لفظة المس ليست حقيقة في الجنون والنكاح وإنما هي من قبيل الكنايات.

قول الله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم...} سورة إبراهيم:22.
الآية صريحة في أن الشيطان لا قدرة له على الصرع والإيذاء والسيطرة...، وأن الله تعالى لم يجعل له سلطاناً وسبيلاً على الناس إلا أن يوسوس في صدورهم. قال الإمام الطحاوي في "شرح الآثار": «الناس إنما أمروا بالاستعاذة من الشيطان، فيما جعل له سلطان عليهم -وهي الوسوسة- لتحبيب الشر وتكريه الخير وإنساء ما يذكرون وتذكير ما ينسون. وأما إعثار دوابهم وإهلاك أموالهم، فلا سبب له فيها».
فلم يجعل الله لإبليس سلطاناً يقهر به بني آدم ويجبرهم على المعاصي. وإنما يوسوس لهم ويدعوهم للمعاصي فيطيعونه.

قول الله تعالى: }وَإِماّ يَنَزَغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنّ الّذِينَ اتّقَواْ إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُواْ فَإِذَا هُم مّبْصِرُونَ{. (الأعراف).

من المفسرين من فسر نزغ الشيطان بالغضب ومنهم من فسره بمس الشيطان أو بالصرع ونحوه، وهذا لا يستقيم البتة مع الآيات التي قبلها. ومنهم من فسره بالهم بالذنب. ومنهم من فسره بإصابة الذنب.
جاء في كتاب الناسخ والمنسوخ للنحاس:" مَسَّهُمْ طَائِفٌ " يعني عارض وسواس ... وعند الطبري عن مجاهد أن معنى طائف من الشيطان الغضب، ونقل عن غيره أن المراد الوسوسة، وعن آخر أن المراد لمة من الشيطان، ثم قال: هذه التأويلات متقاربة المعنى، فإن الغضب من استزلال الشيطان، واللمة من الخطيئة منه أيضا، وكل ذلك من طائف الشيطان، وإذا كان ذلك كذلك، فلا معنى لخصوص معنى دون معنى، بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه . فيقال: إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان، أيا ما كان ذلك العارض، تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره. انتهى بتصرف يسير[1]. وعلى هذه الأقوال التي جاءت عند الطبري توارد المفسرون في تفاسيرهم[2].




--------------------------------------------------------
[1] . الطبري، جامع البيان، طبعة شاكر، ج13ص337.
.[2] انظر: الرازي، التفسير الكبير، ج15 ص 81. والسيوطي، الدر المنثور، ج3ص632 وما بعدها. والزمخشري، الكشاف، ج2ص180. وأبي السعود، إرشاد العقل السليم، ج5ص540. وابن أبي حاتم، تفسير ابن أبي حاتم، ج0ص1640. والبغوي، معالم التنزيل، ج2ص224. والسعدي، تفسير السعدي، ج1ص313. والسمعاني، تفسير السمعاني، ج2ص234.


 

رد مع اقتباس