عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-2022, 06:45 PM   #1
ستوكا
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية ستوكا
ستوكا غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 40364
 تاريخ التسجيل :  09 2012
 أخر زيارة : 25-11-2022 (02:32 PM)
 المشاركات : 797 [ + ]
 التقييم :  34
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Black
« اقتباسات Quotes »



« لا ينتبه الإنسان إلا بعد فوات الأوان إلى أن كل تطلعاتـه ومتمنياته التي كافح من أجلها ، ونجح في تحقيقها ، لم تعـد تناســبه كشخص نالت منه تقلبات الزمن ، فلم يعد هو ذلك الذي خطط لها في البداية بكل حماسة ، وراح ينجزها بهمة على الأرض . إن الـزمن كفيل بإنهاك الإنسان ، وإضعاف قدراته ، فتتعثـر مشـاريعه وسـط الطريق . والقاعدة نفسها تنسحب على المغانم والخيرات التي يكـون الإنسان قد راكمها لقاء كدح عظيم ومخاطر جسيمة ، وما أن تقـع بين يديه حتى يعجز عن جني ثمارها والاستمتاع بها ليتفطن ، بعـد حين ، إلى أنه كان يجد ويكد لأجل لاشيء أو لأجل الآخرين الـذين يجنون ثمار ما زرعه بجهده الخاص . هذا الشخص وأمثاله أشبه بمــن بذل الغالي والنفيس لأجل حصوله على منصب ، وما أن حصل عليه حتى خذلته قواه فبات عاجزاً عن تقلده . هكذا الأشياء تأتينــا دائما بعد فوات الأوان ، أو بالأحرى لا نصل إليها إلا بعـد فـوات الأوان . كذلك الأمر في مجال الإبداع والإنتاج الفكري ، إذ يتـزامن تحقيق المبتغى بالغالب مع حدوث تحول جذري في الذائقة الجماعيـة للمتلقين ، وفي مقاييس تقييم المنتوج ، ويظهر جيل جديـد لا يأبـه إطلاقاً لقضاياه ومضامينه . بل قد تظهر نتاجات أخرى متقدمة علـى التي سبقتها أنجزها أصحابها في مدة أقصر وبجهد أقل ، فضـلا عـن متغيرات أخرى داهمة تدخل على الخط . وكل هذا الذي قلناه تـوا ، اختصره "هوراس" في هذه الجملة الاستفهامية : لِمَ نعذب أرواحنا بين جنبينا باللهاث وراء غايات تتجاوزها ؟
إن مصدر هذا الخطأ الشائع بين الناس هو الأوهـام المشوشـة للرؤيا لا الرؤية ، فيجعلها ترى الأشياء ممتـدة بلانهايـة أو خاطفـة كالبرق تبعا للنظرة التي تختلف جذرياً عند الدخول إليها أو الخـروج منها .
غير أن هذا الوهم نفسه لا يخلو من جانب إيجابـي فلولاه ، لما حقق الناس إنجازات كثيرة في التاريخ وبشق الأنفس . عموماً ، يحدث للناس ما يحدث للمسافر إذ بقدر ما يتقـدم في رحلته بقدر ما تتخذ الأشياء قبالته أشكالا مغايرة عن تلـك الـتي تراءت له عن بعد . وكلما اقترب منها أكثر طالتها تغيرات وتبدلات متتالية . وهذا المسار العجيب شبيه ، حد التماثل ، بالمسار الذي يقطعه الناس باتجاه شهواتهم ورغائبهم .
إذ قد يجدون أفضـل ممـا كـانوا ينتظرونه ويتطلعون إليه ، لو أنهم سلكوا طريقا أخرى غير الطريق التي سلكوها حتى ذلك الحين . فحيثما ظن الإنسان بأنه سيجد المتعـة الوافرة والسعادة الغامرة إلا ووجد درساً قاسياً يتعظ به ، وشروحات ضافية للغوامض ومعرفة أكبر بالأشياء والناس ، أي أنه يجد في نهايـة مساره ، خيرا مقيماً وواقعياً عوض خير خادع وعابر .»

" آرثر شوبنهاور "
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس