عرض مشاركة واحدة
قديم 20-11-2022, 09:11 PM   #879
المتنبـي
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية المتنبـي
المتنبـي غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 62497
 تاريخ التسجيل :  11 2022
 أخر زيارة : 31-12-2023 (11:59 PM)
 المشاركات : 538 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


قفها لِكَي نَسأل الأَطلالَ وَالدمنا
عَلامَ أَحبابنا عَنها نَووا ظَعنا

تَحمّلوا ضحوةً عَنها فَما حَملت
لَواقحُ الريح يَوماً نَحوَها المُزُنا

الدَهر حارب أَحبابي فَشتَّتهم
فَحاربي بَعدهم يا مُقلَتي الوَسَنا

كانوا وَكُنت وَظهر الأَرض يَجمَعُنا
إِلى أَن اتخذوا في بَطنِها وَطَنا

كدَّرت يا دَهر ما أَبقيت مِن زَمَن
لبعد مَن أَسعَفوني بِالصَفا زَمَنا

إِذا فَقَدت الأُلى أَهوى حَديثَهمُ
فَإِن مَضمونه أنَّ الفَقيد أَنا

ما بالُنا نَعرف الدُنيا وَفتنتها
وَالكُل تَلقاه في دُنياه مُفتتنا

لَو تَعرف العيس أن المَوت غايَتُها
لصبغت بِدَما أَكبادها العطنا

لا يَنفع المَرء لين الخز يَلبسه
إِن كانَ لا بُدَ مِن أَن نَلبس الكَفَنا

وَلَيسَ يُجديهِ مَأكولٌ يَطيبه
فَفي غَدٍ فَمُه يَلقى الحَصى الخَشِنا

لا يَعدل الدَهر مَن غَدر تَعوَّده
حَتّى يُعيد وُجود العالمين فَنا

لَو دار في خَلَد الدَهر الخؤون بِأَن
يَمحوا إِساءَته أَبقى لَنا حسنا

الأَلمعيَّ الذكي البارع الفطنا
وَالأَريحي السخي المصقع اللَّسِنا

عجبت لِلمَوت كَيفَ اِسطاع يقربه
أَخُفْيةً جاءَهُ أَم جاءَهُ عَلَنا

نَعم أَتى نَحوَه في زي ذي أَمَلٍ
وَكُل ذي أَمل يَدنو لَهُ فَدَنا

لا بَل يَهاب الرَدى يَدنو إِلى بَدَن
لِغَيره وَهوَ يَرعى ذَلِكَ البَدَنا

لَو اِستَعارَ الرَدى قَلب اِبن مشبلة
وَرامَ يقرب مِنهُ عُنوةً جبنا

كانَ الأَمانَ لَنا مِن كُل نازِلَةٍ
حَتّى مِن المَوت مَن يَهرب لَهُ أَمنا

دَلت عَلى عالم الإشراق فطنته
كَأَنَّهُ عِندَ أفلاطون قَد فَطنا

يَدري بِما لَم نَكُن نَدري بِهِ وَيَرى
ما أَظهر اللَه للرائي وَما بَطَنا

مَضى نَقيَّ بُرودٍ ما بِهِ دَرنٌ
حاشا مَلابسه أَن تحمل الدَرَنا

قَد نَزَه النَفس عَن كبر يخالطها
وَلا تَراه إِلى دُنياه قَد رَكَنا

فَبَلْعَمٌ عاف لِلدُنيا عبادتَه
وَمِن تَكبُّره إِبليسُ قَد لُعِنا

لَقَد مَضى وَالتُقى لِلقَبر يَتبعُه
وَلَم يَعد بَل إِلى جَنبيهِ قَد دُفِنا

وَما بَكيناه فَرداً في قَرارته
لَكنَّه بِالسَخا وَالنسك قَد قُرِنا

حاشاه يَطعن في خَلق وَينقصه
حَتّى غَداة قَضى في السن ما طَعَنا

أَودى فَوا حزناً لَو كانَ يَنفَعنا
مِن بَعدِهِ قَولُنا أَودى فَوا حزنا

صَبراً حسينُ لِدَهر أَنتَ تَعرفه
وَإِن تَجرعت مِن أَرزائه مِحَنا

فَفي وُجودك هانَت كُلُّ مُعضلة
وَطاشَ سَهم المَنايا إن سلمت لَنا

وَالدين لَيسَ يُبالي إِن أَقَمت بِهِ
أَقاطنٌ قَومُ سَلمى أَم نووا ظعنا

لَولاك كُلُّ امرئ مِن عظم حيرته
رَأى التَقرُّب في أَن يَعبد الوَثَنا

إِذا طَغى الغيُّ كَالطُوفان كنت لَنا
سَفينةَ الرُشد مَن يَركب بِها أَمنا

نِيابة الغائب المَحجوب أَنتَ لَها
فَقُم بِنا وَانشُر الأَحكام وَالسِنَنا

آراؤك البيض وَالأَقلام سمرك في
حِماية الدين فاشحذها ظُباً وَقَنا

أَتعبت نَفسك تَقوىً فاسترحت بِها
وَإِنما تحصل الراحات بَعد عَنا

وَقَد رَمَيت مِن الدُنيا زَخارفها
رَمي الحَجيج الحَصى إِذ يَنزلون مِنى

أَنفاسك المسك لَو سارَ النَسيم بِها
من العِراق لأَحيا الشام وَاليَمنا

وَخُلقُك العَذبُ لَو في البَحر تسكبه
إِذاً لَساغَ شَراباً بَعدَ ما أجنا

لِلّه بَيتُكُمُ آل الخليل فَما اس
تدار إِلّا عَلى الأَبدال وَالأُمَنا

لِلنسك أَنتَم وَما للنسك غَيركُمُ
كَأَن طيفَكمُ بالنسك قَد عُجنا

أَطائبٌ تغسلُ التَقوى صَدورَكمُ
وَلَم تَدع فيكُم حقداً وَلا إحنا

وَلم تُضَع آيةُ الأَرحام بَينَكُمُ
فَفيكُم يَتَأسّى مِن نَأى وَدَنا

هَذا أَبو صادق قَد عَمَّ نايلُهُ
كَالغَيث يَسقي وِهادَ الأَرض وَالدمنا

لا يَنزل الضيم مِن مَغناه أَفنيةً
مثل ابن مَحْلَمَ عَزّاً بَل أعزُّ فِنا

وَما لَهُ قرناءٌ في حذاقته
لَكن أَقول بِهِ أَربى عَلى القُرَنا

رَكين حلمٍ لَوَ اَنَّ الأَرض لَيسَ بِها
طود لَأَمسَكَها وَالرجف قَد سكنا

وَمحسن في المَعالي مثل والده
فَمن رَأى محسناً يَوماً رَأى حَسَنا

هَزَّت لَنا نَفحاتُ الجُود معطفَهُ
كَنسمة الصُبح يَثني مَرُّها الغُصُنا

شَيخ الطَبابة لا تَبغي بِهِ بَدَلاً
إن أَبدل اللَه عَن بقراطها اللبنا

سُلطان عَلمٍ تَرى الأَيدي لنبعته
مَمدودةً وَلَهُ عَن مدِّهنَّ غِنى

وَاندب أَبا صالح المَهديَّ إِن طرقت
نَوائبُ الدَهر شَتّى مِن هُنا وَهنا

هوَ الصَبور لَو اَنَّ الخضر أَبصَره
في يَوم مُوسى لَقال اَقبِل وَسر مَعنا

وَلَم يَلمه بِإدعام الجدار وَلا
قَتلِ الغُلام وَلا في خرقِه السُفُنا

وَراحَ يَبسط محمود الفعال يَداً
قَد اِستهلت فَخلناها حياً هَتنا

قَد حسنت صفةَ الإِيمان عزتُهُ
فَصار كَالبدر يَزهو بَهجةً وَسَنا

فَلتأخذوها كَصافي الدر يَجلبها
إِلى نياقدها مَن لَم يَرد ثَمَنا

.

للشاعر العراقي جعفر الحلي


 

رد مع اقتباس