الموضوع: نافذه أمل
عرض مشاركة واحدة
قديم 28-01-2021, 02:19 AM   #6
بخير رغم كل شيء
( عضو دائم ولديه حصانه )
خطوات في معترك الحياة


الصورة الرمزية بخير رغم كل شيء
بخير رغم كل شيء غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 61414
 تاريخ التسجيل :  01 2021
 أخر زيارة : 24-04-2024 (05:15 AM)
 المشاركات : 2,323 [ + ]
 التقييم :  129
 الدولهـ
Saudi Arabia
 الجنس ~
Female
لوني المفضل : Blueviolet


يقول الشيخ على الطنطاوي: "أسرد عليكم قصة أسرة أمريكية فيها ستة أولاد، أبوهم فلاح متين البناء قويّ الجسد، ماضي العزم، وأمهم امرأة عاقلة مدبّرة حازمة، فتربى الأولاد على الصبر والاحتمال حتى صاروا رجالاً قبل أوان الرجولة. وخرج الصغير يوماً يلعب وكان في الثالثة عشرة، فقفز من فوق صخرة عالية، قفزة وقع منها على ركبته، وأحس بألم فيها، ألم شديد لا يصبر عليه ولد مثله، لكنه احتمله وصبر عليه، ولم يخبر أحداً، وأصبح فغدا على مدرسته يمشي على رجله، والألم يزداد، وهو يزداد صبراً عليه، حتى مضى يومان فظهر الورم في رجله وازرقَّ، وعجز أن يخطو عليها خطوة واحدة، فاضطربت أمه، وجزع أبوه، وسألاه عن خبره؟ فأخبرهما الخبر، فأضجعوه في فراشه وجاءوا بالطبيب؛ فلما رآها علم أنه قد فات أوان العلاج، وأنها إن لم تُقطع فوراً مات الولد من تسمم الدم، فانتحى بأبيه ناحية وخبّره بذلك همساً، يحاذر أن يسمع الولد قوله. ولكنّ الولد سمع، وعرف أنها ستقطع رجله فصرخ: "لا، لا تقطعوا رجلي، لا تقطعوا رجلي، أبي أنقذني". حاول أن يقفز على رجل واحدة، ويهرب منهم؛ فأمسك به أبوه وردَّه إلى فراشه، فنادى أمه نداء يقطع القلوب: "أمي، أمي، أنقذيني، أمي ساعديني، لا يقطعوا رجلي". ووقفت الأم المسكينة حائرة تحس كأن كبدها تتمزق؛ قلبها يدعوها إلى نجدة ابنها، ويفيض حناناً عليه، وحباً له، وعقلها يمنعها ويناديها أن تفتدي حياته برجله، ولم تدر ماذا تصنع؟ فوقفت وقلبها يتفطر ودمعها يتقاطر، وهو ينظر إليها نظر الغريق إلى من ظن أنه سينقذه. فلما رآها لا تتحرك، يئس منها، كما يئس من أبيه من قبل، وجعل ينادي أخاه "إِدغار" بصوت يختلط فيه النداء بالبكاء والعويل: "إِدغار إِدغار، أين أنت يا إِدغار؟ أسرع فساعدني، إنهم يريدون أن يقطعوا رجلي، إدغار إدغار". وسمع أخوه إدغار وهو أكبر منه بقليل صراخه فأقبل مسرعاً، فشد قامته، ونفخ صدره، ووقف دون أخيه متنمِّراً مستأسداً، وفي عينيه بريق من عزيمة لا تُقهر، وأعلن أنه لن يدع أحداً يقترب منه. وكلمه أبوه، ونصحته أمه؛ وهو يزداد حماسة، وأخوه يختبئ وراءه ويتمسك به، فيشدّ ذلك من عزمه، وحاول أبوه أن يزيحه بالقوّة؛ فهجم على أبيه وعلى الطبيب الذي جاء يساعده. واستأسد واستيأس، والإنسان إذا استيأس صنع الأعاجيب. ألا ترون الدجاجة إذا هجم أحد على فراخها كيف تنفش ريشها، وتقوم دون فراخها؟ والقطة إذا ضويقت كيف تكشِّر عن أنيابها، وتبدي مخالبها؟ إن الدجاجة تتحول صقراً جارحاً، والقطة تغدو ذئباً كاسراً، و"إدغار" صار رجلا قوياً، وحارساً ثابتاً، يتزحزح الجدار ولا يتزحزح عن مكانه. وتركوه آملين أن يملَّ أو يكلَّ فيبعد عن أخيه؛ ولكنه لم يتزحزح. وبقي يومين كاملين واقفاً على باب غرفة أخيه يحرسه، لم يأكل في اليومين إلا لقيمات قربوها إليه، ولم ينم إلا لحظات، والطبيب يجئ ويروح، ورجل الولد تزداد زرقة وورماً. فلما رأى الطبيب ذلك نفض يده، وأعلن أنها لم تبق فائدة من العملية الجراحية، وأن الولد سيموت وانصرف، ووقفوا جميعاً أمام الخطر المحدق. لما ذهب الطبيب، واستحكم اليأس، وملأ قلوب الجميع: قلب الولد الخائف، وأخيه المستأسد المتنمّر، وأبيه وأمه، واستشعروا العجز، ولم تبق في أيديهم حيلة، وبلغوا مرتبة "المضطر"، مدّوا أيديهم إلى الله يطلبون منه الشفاء وحده، ويطلبونه بلا سبب يعرفونه، لأنها قد تقطعت بهم الأسباب، والله الذي يشفي بسبب الدواء والطبّ قادر على أن يشفي بلا طب ولا دواء. مدّوا أيديهم وجعلوا يقولون: يا الله، يدعون دعاء المضطر، والله يجيب دعوة المضطر ولو كان فاسقاً، ولو كان كافراً، ما دام قد التجأ إليه، واعتمد عليه، ووقف ببابه، وعلق أمله به وحده. يا أيها القراء، إنهم لما دعوا؛ نظروا فإذا الورم بدأ يخف، والزُّرقة تمحى، والألم يتناقص. ثم لم يمض يومان حتى شفيت الرِجل تماماً، وجاء الطبيب فلم يكد يصدق ما يراه! ستقولون هذه قصة خيالية أنت اخترعتها وتخيلتها، فما قولكم إن دللتكم على صاحبها؟ إن هذا الولد صار مشهوراً ومعروفاً في الدنيا كلها، وهو الذي روى القصة بلسانه، هذا الولد هو: أيزنهاور القائد العام لجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ورئيس أمريكا بعد ذلك.


 

رد مع اقتباس