عرض مشاركة واحدة
قديم 20-03-2023, 12:53 AM   #21
سمير ساهران
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية سمير ساهران
سمير ساهران غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 60990
 تاريخ التسجيل :  05 2020
 أخر زيارة : 13-01-2024 (10:37 PM)
 المشاركات : 518 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الكبير الرهابي والصغير الرهابي

لكل من يسأل هذا السؤال، نقول: هل الشخص لما يكبر ينتظر منه الناس السلوك الحسن، أم السلوك السيئ، الخجل، أم الاجتماعية؟ مما لا شك فيه، أنَّ الناس تنتظر منه السلوك الحسن، والإقدام، والاجتماعية، فالسلوك السيئ متوقع جدا من الأطفال، والصبيان، والخجل متوقع جدا من الأطفال، فنحن نسمع الناس انطلاقا من التجارب، يقولون سيكبر ويعقل، سيكبر ويصير مقداما، سيكبر ويصير اجتماعيا، وبما أنَّ هذا المرض وأعراضه لا تفرق بين صغير وكبير، فإنَّه سيبقى في المريض، ولا أمل في الشفاء منه، فهو ما دام لا ينخفض إلى درجة غير مرضيه، فسيبقى في الشخص بصرف النظر عن سنه، فلو افترضنا شخصا لن يموت ابدا - وهو مجرد افتراض فتأمل -، فسيبقى المرض فيه إلى ما لا نهاية، فالمرض لا يحابي الكبير على حساب الطفل والصغير، ولا يفرق بينهما، فهل مثلا يفرق السرطان بين طفل وكبير؟ بالتأكيد لا، فكما يصاب به الطفل، ويتألم منه، فكذلك الكبير، وكذلك الشأن بالنسبة لهذا المرض.
لا بد من الانتباه للتشابه بين الخجل والرهاب، فهذا التشابه راسخ في أذهان الناس، إلى حد أنَّ الكثير من الناس تعتبر الرهابي خجولا، فإذا قرأ شيئا في كتب علم النفس عن هذا، فسيقول بأنَّ فيه مرضا نفسيا أو عقليا، ومن ثم لن ينظر إلى حال المريض كما ينظر الذين يعتقدون أنَّ هذا الحال خجلا، فإذا انتظروا خروج المصاب من هذا الحال، فهذا انتظار أملي فقط، وليس كانتظار تعقل الصغير لما يكبر ممن ليس به هذا المرض، فهذا انتظار توقعي أكثري.
هنا لا بد من الانتباه فانطلاقا من عادة أنَّ الكبير يتجه إلى السلوك الحسن، ويصير حاله أفضل، وتجاوز الخجل، فأي شخص يكبر ولا يصير كذلك، فإنَّه يكون ملفتا للانتباه كثيرا، فالشاذ ملفت، وبما أنَّ المريض يشذ عما توقعوا، فيكون ملفتا كثيرا إليهم، فهم إذا نكتوا على الطفل، والصغير، فسينكتوا كثيرا على الكبير الرهابي، والناس تستعمل كلمة تندروا في الأحوال قليلة الحصول، ولكن الخجل ليس قليل الحصول لدى الأطفال، ولذلك لا يتندرون على الأطفال، ولكنهم يتندرون على أحوال الكبير الرهابي، ويتندروا على أحوال الرهابي، فالكبير الرهابي يكون تحت أبصارهم أكثر، فهم يصيرون يتمتعون بأحواله الرهابية، فالرهابي يتألم بأحواله، وهم يتمتعون بأحواله، فهذه المتعة تتضمن السخرية - فهي متعة مسخرية -، فهو قبل أنْ يصير كبيرا كان يتألم بأحوال الرهاب، أما وقد كبر وصار ألفت مقارنة بالصغير، فصار يتألم أكثر، فالرهابي الصغير يتألم، أما الرهابي الكبير فيتألم أكثر، فالرهاب في الصغير مؤلم، ولكن الرهاب في الكبير آلَم، أي أكثر ألما، نتيجة أنَّه خرج عن التوقع، فصار حالة نادرة، أو من الأحوال النادرة، فالناس لا تجعل من الرهابي الصغير مِعْرَضا، ولكنهم نتيجة خروج أحوال المريض عن العادة والتوقع، فيجعلون من منه مِعْرَضا، فالكبير الرهابي مِعْرَضا بالنسبة إليهم، فالكبير الرهابي مِعْرَضا متنقلا بالنسبة لسلوكهم تجاهه، وهذا كله يجعل الرهاب أشد في المريض، ما لم يتعامل المريض بنوع من اللامبالة مع شيء من التذاذاتهم السُّخْرِيَّة، وسخريتهم عموما.
الذين كانوا يصابون بهذه الأحوال في المتجمعات الريفية تجدهم يفقدون عقولهم الموسعة، أما في المجتمعات الفردانية، حيث الاستقلالية الفردية، وإنْ بنسبة ما، فالمرض يبقى فيهم كما هو، ويتألمون منه كثيرا، فالمريض الذي لم يفقد عقله الموسع، لا يدخل إلى حال قبول السخرية المغلفة منه، أما المريض الذيي فقد عقله الموسع، فهو لا يتفطن إلى السخرية المغلفة، ولذلك يصير يُضْحك الناس، وهو لا يدري أنهم يعتبرونه مضحكة، وإنْ خُبِّر أنهم يعتبرونه مضحكة، ومسخرة، فإنهم إذا انكروا هذا فيصدقهم، فقابلية التصديق لديه مرتفعة بشأن هذا المسألة، ما لم يحصل على دليل لا يُرَد.
بإيجاز ألم الكبير الرهابي أكثر من ألم الصغير الرهابي، خاصة إذا لم ينجز الرهابي شيئا في حياته بسبب الرهاب، وعدم الإنجاز هو الغالب على الرهابيين، فالوقت يمر بسرعة في مكان الرهاب، فينصدم الرهابي من سرعة مرور الوقت الكبيرة، فآلام الكبير الرهابي ليست فقط من الرهاب، ونظرة الناس مُكَثِّرة الألم، بل ومن الصدمة من مرور الوقت سريعا بلا انجاز، فممكن أنْ ينظر إلى عشرة سنين على أنَّها شهرا واحد أو أكثر أو أقل، ولكن إنْ أنجز شيئا مهما، فهذا يقلل من آلام مرور الوقت سريعا.

كتبت هذا الكلام على عجالة.


 

رد مع اقتباس