عرض مشاركة واحدة
قديم 22-04-2010, 12:32 PM   #2
يحي غوردو
عضو دائم ( لديه حصانه )


الصورة الرمزية يحي غوردو
يحي غوردو غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27460
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 23-03-2012 (02:38 PM)
 المشاركات : 950 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue


* حول ما يتعلق بقضية دخول الجن في جسم الإنسان، نحن نعلم أن المعتزلة مثلاً لهم موقف واضح من هذا الموضوع، وتبعهم الفخر الرازي في التفسير وبعض علمائنا كالشيخ الجيطالي وغيرهم والشيخ أبي إسحاق أطفيش رحمهم الله كانوا يرون أنه لا يمكن أن يدخل الجني في جسم الإنسان، وآخرون يرون إمكانية ذلك ويحتجون بمجموعة مشاهدات قد لا تجعل للمرء فرصة للتفسير سوى ما يقوله الناس من أن الجني بالفعل موجود في جسم ذلك الإنسان لأنه يتحدث بصوته.
نريد منكم أن تبينوا لنا أمرين، الأول دلالات النصوص في هذه المسألة، والثاني هل ما يُسمع على ألسنة أولئك المرضى يُعد قرينة بالفعل على القطع بهذه الأشياء؟
- نحن علينا أن نؤمن قبل كل شيء أن الجن هم شريحة من الخلق كالإنس، وأنهم بأنفسهم مُعرَضون لما يُعرض له الإنس من الخوف والأمن والصحة والسقم وجميع الأحوال التي يتعرض لها الإنسان، إذ الجن ليسوا كالملائكة، وليسوا أيضا كالحيوانات، هم شريحة مُكلَفة تضطلع بأمانة العبادة، عبادة الله تعالى بدليل النص القرآني الصريح (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (الذاريات:56-58).
وهم يأكلون ويشربون ويتناسلون كما توحي بذلك الآيات القرآنية وتدل على ذلك الأحاديث النبوية.
فالجن إذن هم خلق من خلق الله سبحانه وتعالى، فلا ينبغي أن نتصور الجن تصوراً مَهولاً بحيث نسند كل شيء إليهم. على أن الله سبحانه وتعالى بيّن على أن الجن لا يعلمون الغيب، وهذا أمر قطعي، فإنهم بما أنهم من خلق الله تبارك وتعالى لا يشاركون الله سبحانه وتعالى في صفته الخاصة به، فهم لا يشاركون الله تعالى في كونه علام الغيوب. والجن نص القرآن الكريم على أنهم لا يملكون أيضاً شيئاًً مما يعود إلى أمور البشر، فالله سبحانه وتعالى يحكي عن الجن أنفسهم عن المؤمنين أنهم قالوا (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجن:6)، الرجال من الإنس الذين كانوا يعوذون برجال من الجن ما زادوهم إلا رهقا، يعني كونهم يعوذون بهم وتركوا العياذ بالله، ولجأوا إلى العياذ بالجن أدى بذلك إلى أن زادتهم الجن رهقا.
فنحن على أي حال علينا أن ندرك بأن هؤلاء الذين يتشبثون بالجن ويعوذون بهم ويرجعون إليهم لن يزيدوهم إلا رهقا بدليل هذا النص. وبناء على ذلك أنا أرى أن هذا التشبث بالجن، وهذه الهالة حول حياة الجن وحول طبيعة الجن وحول أعمال الجن، هذه الهالة الكبيرة التي وضعها الناس حولهم، هذه الهالة هي التي جعلت الإنس يقعون في بلبلة، عندما تنعدم هذه الهالة لا ريب أنه لا يبقى هناك شيء من الأوهام، فلا يجد الشيطان ولا يجد أي أحد من شرار الخلق سبيلاً إلى الإنسان.

موقف المعتزلة من الجن
وكما تفضلتم المعتزلة يقولون بعدم دخول الجن في جسم الإنس، ويقولون أيضاً بأن الجن عالم كتب الله تعالى عليه أن لا يُرى، فلذلك لا يُرون، فلأجل ذلك ينشأ أطفالهم بعيدين عن هذه الأوهام، بعيدين عن هذه التصورات، وهذا ما ذكره الكاتبون عنهم بأن المعتزلة من طبعهم أنهم لا يُرَوَعون بمثل هذه الأشياء لأنهم لا يصدقونها، فأطفالهم لا يُرَوَعون بأشباح من الجن تتراءى للناس، ولا يُرَوَعون أيضاً بأن الجن يضرونهم أو إن مروا في طريق تعرضوا للضرر إلى غير ذلك من هذه الأمور، ليس هنالك ترويع.
ومما يذكر أن رجلاً من المعتزلة دخل بيته لص ليسرق فشعر به صاحب البيت، ولما شعر به حاول هذا اللص أن يوهم صاحب البيت بأنه جني، فجاء إلى بئر ونزل فيها فتبعه صاحب البيت، فناداه : لكم النهار ولنا الليل. فأخذ صخرة ورماه بها في البئر. فهذا مما يدل على أن هذه الأوهام لا تدخل في ذهن المعتزلة، لا تتقبلها عقولهم، فلذلك عاشوا بعيدين عن هذه التصورات، وبعيدين عن هذه الأوهام. بينما المجتمعات التي تعشش فيها هذه الأوهام تلد هذه الأوهام بنفسها أمراضاً، هذه الأمراض تتصور أنها من الجن. الآن نحن نرى في مجتمعاتنا هذه كل شيء يُرد إلى الجن، لو أصابت الإنسان حشرجة في حلقه فإنه يقول بأن به مساً من الجن، ولو أصابته حمى يقول بأن به مساًَ من الجن، إن وجعته ركبتاه وقد يكون شيخاً كبيراً بلغ من الكبر عتيا يقول بأن به مساً من الجن، وجع بطن يصيبه يقول بأن سببه مس من الجن، زكام يصيبه يقول بأنه بسبب مس من الجن، وجع صدر يقول بأنه بسبب مس من الجن، كل شيء يُعاد إلى الجن كأنما الإنسان خُلِق بريئاً لا يمرض ولا يصاب بعلة من العلل، مع أن طبيعة الحياة أن فيها الصحة والسقم وفيها القوة والضعف وفيها الراحة والنكد، هذه طبيعة الحياة
جُبِلَت على كدرٍ وأن تُريدُها
لا صَفوا ًمن الأقذارِ والأكدارِ
على أن الإنسان لا يمكن أن يعيش شيخوخته كما عاش شبابه، فهنالك فارق ما بين مرحلة الشيخوخة ومرحلة الشباب لذلك يتباكى الناس على شبابهم عندما يجاوزون هذه المرحلة لما يتمتع به الشاب من الفتوة، فقد يصاب الإنسان بأمراض الشيخوخة فإذا به يَرُدُ كل شيء إلى الجن. الأطفال عندما يصابون بالأمراض يُرَدُ ذلك إلى الجن، هذا بسبب أن هذه الأوهام أصبحت تعشش في أدمغة الناس لتَقَبُلِ الناس لها. ومما يؤسف له أن كثيراً ممن يعالجون الناس يوسعون دائرة هذه الأوهام، فكثير منهم يحاولون أن يغرسوا في النفس المزيد من الأوهام، قد يذهب أحد إلى أحد من هؤلاء وسرعان ما يقول له هذا المرض ما أُصِبتَ إلا بسبب مس من الجن، وقد يتجاوز بعضهم ذلك إلى ادعاءات عجيبة بحيث يقول بأن جنياً مررت به في المكان الفلاني أو عثرت به أو أصبته في كذا وهذا بسبب هذا المس من الجن. وهذه الأوهام تخلق في النفس أوهاماً أخرى، تتوالد الأوهام، فإذا بهذا الإنسان يتصور أنه في وقت من الأوقات مر بمكان ما وأحس بجسم غريب يلامس جسمه إلى آخر ما يحدث، وبسبب هذا انتشرت هذه العلل والعياذ بالله وكثرت هذه الأدواء، منشأ ذلك كله إنما هو من الوهم، ومن عدم التعلق بالله سبحانه وتعالى. على أن الإنسان مأمور أن يعوذ بالله سبحانه وتعالى وحده.
ثم بجانب هذا أيضاً مع كثرة هذه الأوهام الشيطان، وما أدراك ما الشيطان، فإنه يتربص بالإنسان الدوائر، ويحاول أن يستغل كل لحظة من لحظات الإنسان التي يمر فيها بمثل هذه التصورات الخاطئة وبمثل هذه الأوهام ليغرس في نفسه مفاهيم تُبَعّدَه من الله سبحانه وتعالى، وتجعله يُصدّق هذه الأوهام، بسبب ذلك يحصل ما يحصل. وأنا لا أستبعد أن يكون الناس هيأوا أنفسهم للشياطين، وبسبب هذه التهيئة للشياطين الشيطان يضحك عليهم، ونعلم أن للشيطان قوة شريرة وطاقة نارية والعياذ بالله، بعكس طاقة المَلَكْ، طاقة المَلَكْ طاقة نورانية، والمَلَكْ قوة خَيِّرَة، وليس بقوة شريرة، هذه القوة الشريرة التي في الشيطان تتلبس بالإنسان، وهي قوى روحانية، ليست هي قوة جسدية، ليس هنالك دخول جني في الإنسي، وإنما إيحاء من الشيطان إلى الإنسان فيتحدث بحسب ما يُملي عليه الشيطان، قد يتحدث الإنسان باسم شيخ من الجن، أو يتحدث باسم أحد يقلد تقليداً بحسب الإيحاءات التي يوحيها الشيطان من خلال هذه الطاقة النارية، هذه الطاقة التي تتلبس بنفس الإنسان. فالقضية قضية نفسية.
والشيطان يستغل هذا الضعف الذي في الإنسان، ويستغل هذا الانحراف الفكري الذي في الإنسان ليُردِيَه في هذه المتاهات، وليجعله بعيداً عن التصور الحق. فالقضية ليست دخول جسم في جسم. أنا أستبعد أن يدخل الجسم في الجسم. وإنما القضية هي قضية تلبس روحاني بسبب هذه النفس الضعيفة التي أثّرت عليها الأوهام تكون هنالك إيحاءات شيطانية لهذه النفس فيتحدث الإنسان كما يملي عليه الشيطان.

إيحاءات


 

رد مع اقتباس