عرض مشاركة واحدة
قديم 24-01-2011, 08:16 PM   #14
أ.ليلى الحمدان
اخصائية نفسية اكلينيكية


الصورة الرمزية أ.ليلى الحمدان
أ.ليلى الحمدان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 28535
 تاريخ التسجيل :  08 2009
 أخر زيارة : 01-06-2016 (11:34 PM)
 المشاركات : 1,344 [ + ]
 التقييم :  79
لوني المفضل : Cadetblue


سعيــــــد

ظل حاج عبد الله جالسا لساعات طويلة في غرفة الاستقبال يغالب النوم منتظرا عودة أبنه سعيد من الخارج.


الساعة الآن شارفت الثالثة صباحا ولم يعد سعيد بعد بالرغم من وعده أن يكون بالمنزل في الحادية عشرة والنصف مساءا. ها هو كعادته لا يلتزم بوعده. لقد حاول كلا الوالدين مرارا الاتصال به على هاتفه الجوال ألا أن الهاتف كان مغلقا في كل المحاولات. يبدو أنه قام بإغلاقه متعمدا لكيلا يتصل به أحدهما مطالبا له بالعودة السريعة للمنزل. لقد انتظرت أم سعيد بجانب زوجها إلى ما بعد منتصف الليل وهى تدعو الله أن يعيده بالسلامة إلا أنها اضطرت للذهاب إلى فراشها وهى مغلوبة على أمرها للإرهاق الشديد الذي كانت تشعر به لانهماكها المتواصل في شؤون المنزل. لكنها لم تنس أن تطلب من زوجها ألا يقسو عليه ويغضبه عند عودته، بل يتركه يذهب لفراشه لينام ليلحق بحافلة المدرسة.


دارت أفكار كثيرة مقلقة ومخيفة في بعض الأحيان في ذهن حاج عبد الله وهو ينتظر عودة أبنه. لعله أصيب في حادث حركه وهو الآن في المستشفى. وقد يكون قد تعارك مع بعض الشباب والآن في مخفر للشرطة. قد..قد..لعل...ولعل... كثير من الاحتمالات دارت في ذهنه إلى أن استقرت عيناه صدفة على صورة فوتوغرافية قديمة معلقة على الحائط أمامه تضمه هو وزوجته مع ابنهما سعيد وهو في عامه السادس. انفرجت أساريره للحظة وهو يسترجع ذكريات تلك الفترة السعيدة. كان سعيد لصيقا بوالده لا يفارقه عند تواجده بالمنزل وهو يشاهد التلفاز أو يطالع صحيفته. وكان يصحب والده بالسيارة في كل جولاته بعد دوام العمل الرسمي وكذلك إلى المسجد. أما أصدقاء الوالد فكانوا يرتاحون لرؤية سعيد دأبوا على ممازحته ومداعبته وهو يستجيب لهم بكل براءة وعفوية. الجميع يقول أن ذكاءه وأسلوبه في التعبير عن أفكاره الطفولية أكبر من عمره الزمني بكثير. كل تلك الصفات حببت حببت سعيد لوالده الذي كان يسعد كثيرا عندما كان سعيد يمطره بأسئلته العفوية الذكية التي كان يصعب أحيانا عليه الإجابة عليها بأسلوب يستوعبه عقل الطفل. المشكلة الوحيدة حينئذ كانت إفراط سعيد في حركته وتسرعه واندفاعه وعدم حيطته أحيانا. ونتيجة لذلك أصيب بكسيرين بذراعه ورجله. طبيب الأسرة ذكر له أن سعيد قد يكون يعانى من اعرض" اضطراب فرط النشاط وعجز الانتباه" وقد يقوم بتحويله لطبيب الأطفال النفسي لو تعاظمت الأعراض مستقبلا. لكن الحمد لله هدأت حركته كثيرا الآن إلا أنه لا زال يصعب عليه التركيز أو الصبر على أمر ما لفترة تكفى لإنجازه.


وبينما كانت هذه الذكريات تدور في ذهن حاج عبد الله إذ به يغفو قليلا. رأى في منامه سيارة مسرعة تصطدم بصبي قريب الشبه بسعيد وتقذف به بعيدا. أفاق من نومه مفزوعا وزاد من روعه رنين جرس الباب الخارجي في نفس اللحظة.


" اللهم أجعله خير. اللهم أستر " ردد حاج عبد الله هذه العبارات لنفسه وهو يتجه نحو الباب. ظن لوهلة أنها الشرطة قادمة لتبلغه أنباء سيئة عن سعيد. تردد كثيرا قبل أن يفتح الباب ولكنه اضطر لذلك عندما عاد الرنين مرة ثانية. الحمد لله لقد أكتشف أن القادم هو سعيد نفسه فتحول فزعه في لحظة إلى مشاعر متناقضة من الارتياح والغضب. الارتياح لعودته سالما والغضب لما عاناه هو ووالدته من قلق وخوف وسهر وهما في انتظار عودته.


" أين كنت لهذه الساعة؟., تركتنا منتظرين لآذان الفجر, وكمان مغلق تلفونك !!." بادر حاج عبد الله سعيد وهو يحاول كبح غضبه.


" كنت مع أصحابي، رفضتم تعطوني نسخة من المفتاح حتى لا تنتظروني". رد سعيد بشيء من الحدة والغلظة على والده.


" أترك الولد لحالو، الحمد لله أهو رجع بسلام، خليه يروح ينام... عنده مدرسة الصباح"


هكذا فاجأت أم سعيد زوجها وقد أفاقت لتوها من نومها على صوتيهما. هي في الحقيقة لم تستطع الاستغراق في النوم وكانت تصحو من آن لآخر لكي تطمئن على عودة سعيد وتتمتم ببعض الأدعية راجية من الله سلامته قبل أن تغمض عينيها مرة ثانية. شعرت بشيء من الارتياح عندما سمعت صوته وهو يرد على والده فتركت سريرها لتمنع أي صدام محتمل بينهما. هي دائما تتدخل عندما يواجه الوالد سعيد ناصحا أو معاتبا. تقف بجانبه على الدوام وتحاول أن تجد له المبررات والأعذار عندما يخطئ. هذا التصرف منها أستغله سعيد لمصلحته مما جعله يستهين بوالده ويتحداه أحيانا. مع ذلك هي تشكو مر الشكوى من تصرفات سعيد معها. أنه يعاملها بنفس الأسلوب الذي يعامل به والده ويبتزها لأخذ ما يحتاجه من مال ويضطرها للتستر عليه وأن لا تطلع زوجها على الكثير من تصرفاته الحمقاء. كم من مرة فكر حاج عبد الله في ترك المنزل لها ولأبنها ليريح أعصابه، ألا أنه دائما يلعن الشيطان ويدعو الله أن يمنحه الصبر عليهما. وبدون أن يرد على زوجته بكلمة أتجه لغرفة نومه وهو يكظم غيظه.

سعيد الآن في الثامنة عشر من عمره. لم يستطع العام الماضي إحراز المعدل المطلوب في امتحان الثانوية ليدخله الجامعة ولذلك أضطر أن

يعيد المحاولة هذا العام. لقد حدث تغيير كبير في تصرفاته الأعوام الثلاثة الماضية بعد أن تعرف على بعض أصدقاء السوء. تدنى مستواه الدراسي كثيرا وأصبح لا يهتم بدروسه ويتغيب كثيرا عن الدراسة. أصبح يجادل ويعاند ويتحدى والديه ولا يستمع أو يستجيب لنصائحهما. كثيرا ما كان يرفع صوته ويثور في وجههما ولا يبدى أي احترام لهما. يخرج كثيرا من المنزل بدون أن يستأذن ويتأخر في العودة ويستاء ويتضجر إذا ما لامه والده وأحيانا يتجاهله تماما ويسرع إلى غرفته ويقفل الباب من خلفه. يقضى معظم وقته في غرفته أما مستلقيا على سريره نائما أو متحدثا بهاتفه مع أصدقائه أو منسجما مع جهازي كمبيوتره وتلفازه. وقد تعود عدم الاختلاط ببقية أفراد الأسرة ويفضل تناول طعامه لوحده عندما يحلو له ذلك.


مرات عديدة أستدعى حاج عبد الله للمدرسة لينبه على سلوك أبنه أو ليكتب تعهدا أو يتلقى إنذارا بالفصل له. أخيرا بدأ يتجاهل هذه الاستدعاءات لشعوره بالذل والهوان وهو يستمع للمدير أو الأخصائي الاجتماعي وهما يعددان مشاكل سعيد مع الطلبة ومع أساتذته. أتهم مرارا بالاعتداء على أو تهديد بعض الطلبة أو الإساءة لبعض الأساتذة. وقد تم فصله لعدة أيام في حالتين إلا أنه لم يرتدع. في أحدى المرات أتلف أطار سيارة أحد المعلمين وكاد الأخير أن يستدعى الشرطة لولا أن أقنع والده المعلم بعدم ذلك على أن يدفع له قيمة إطار جديد. أحدى المرات أتى للمنزل تفوح من فمه رائحة الخمر ولكن أسرعت والدته لإدخاله غرفته بينما كان والده منشغلا بالهاتف وصدقها الوالد عندما ذكرت له أنه كان يراجع دروسه مع أحد أصدقائه استعدادا للامتحان.


أخيرا لجأ والد سعيد إلى أحد المشايخ الذي وعد أن يقرأ القرءان عليه دون أن يقابله لرفض سعيد مرافقته. أما والدته فقد لجأت بدورها لأحدى السيدات العرافات التي أخبرتها أن جنية صغيرة تلبست سعيد وهى المتسببة في كل ما يحدث منه ووعدت بإخراجها عن طريق " رقية " تضعها الأم تحت وسادة سعيد. كل هذه المحاولات لم تجد سبيلا حتى كاد الوالد أن ييأس وأن يفوض أمره لله تعالى لعجزه التام عن أصلاح سعيد.


أخيرا نجح خال سعيد الذي كانت له علاقة جيدة به علي إقناعه ليقابل أحد الأطباء النفسيين الذي أبدى استعدادا للمساعدة بعد أن أستنتج من المعلومات التي ذكرها له الخال أن سعيد لا محالة يعانى من أعراض " اضطراب السلوك ". وضح الخال لسعيد أن الطبيب سوف يحاول مساعدته مع والديه على أعادة الانسجام بينهم بعد أن يستمع لثلاثتهم. لم يقل لسعيد أنه المسئول عن عدم الانسجام ويحتاج للعلاج بل ذكر له إن هنالك سوء تفاهم بين أفراد الأسرة يستدعى الحل.


صحب الخال سعيد لعيادة الطبيب الذي أستمع جيدا لوالديه في جلسة سابقة. وبعد تعريفه بالطبيب تركهما الخال لوحدهما وأنتظر بالخارج. كان سعيد متوترا في بداية اللقاء معتقدا أن الطبيب سوف يبدأ كالعادة بانتقاده و محاولة إعطائه درسا آخر في الأدب والأخلاق الحميدة ومحملا إياه مسؤولية كل المشاكل التي حدثت بينه ووالديه وأسرة المدرسة. لذلك قرر أن يغادر الغرفة اللحظة التي يبدأ فيها الطبيب ذلك. لكنه فوجئ بالطبيب وهو يتحدث إليه باحترام وهدوء ويقول له أنه فقط يريد أن يساعد في أعادة العلاقة الطيبة بينه ووالديه وكل ما يريده منه هو أن يجيب على أسئلته بكل وضوح وأن لا يخفى عنه شيئا. وعد سعيد الطبيب بالتعاون الكامل بعد أن أرتاح إليه كثيرا. هذا الطبيب يذكره بخاله الذي يحبه كثيرا لطريقة تعامله معه والتي تختلف كثيرا عن أسلوب والديه الذين يعتقد أنهما ينتقدان كل تصرفاته ويقسوان عليه في الحديث. في البداية وجه الطبيب إلى سعيد بعض الأسئلة لكي يتحقق فيما أذا كان سعيد يعانى من أعراض اضطراب نفسي ما أو يسيء استعمال أي من العقاقير التي تضر بالعقل قد تكون السبب في سلوكه المضطرب. أطمأن عندما تأكد من أنه سليم من هذه الناحية.


عند سؤال سعيد عن طبيعة علاقته بوالديه أجاب بدون تردد بأنها غير جيدة لأن والده يعامله بقسوة ودائما ما ينتقد تصرفاته ويشتمه ويحرجه أمام أخوته الصغار ويعامله كطفل. كذلك ذكر أن والده لا يستجيب لطلباته ولا يعطيه مصروفا مناسبا ويمنعه عن الاتصال بأصدقائه. وكذلك ذكر أنه لا يشعر بسعادة أو بانتماء لأسرته لأن الجميع يتعامل معه بجفاء ويعتقد أن والده يكرهه ويعامل أخوته بطريقة مختلفة. وكم من مرة حاول ترك المنزل ألا أنه لا يدرى إلى أين يذهب. وعند سؤاله إذا ما كان يستمع لنصائح والديه ويستجيب لطلباتهما ذكر أنه أحيانا لا يفعل للطريقة التي يتعاملون بها معه فهما دائما ينتقدانه ويعطيانه أوامر عليه أن ينفذها فقط بدون أي سؤال. أما عن المشاكل التي تحدث في المدرسة فعزاها إلى إن بعض الطلبة والمعلمين يستفزونه و يسيئون إليه ويستصغرون شأنه وهو لا يسمح لأحد أن يعامله بتلك الطريقة. ولذلك فهو ينتقم لنفسه في الحال بأي وسيلة تخطر على باله لحظتها.


هنا أوضح الطبيب له برفق بأن انتقاد والده له وتشدده معه في بعض الأحيان لا يعنى أنه لا يحبه بل يهدف إلى إرشاده وتوجيهه إلى السلوك القويم لكي يشب مواطنا صالحا وناجحا في مستقبل حياته. هذا واجب على كل أب وليس على والده فقط. وكذلك ذكره الطبيب بالتصرفات التي قام بها في المدرسة والتي أساءت لوالديه كثيرا. ولم ينس أن يذكره بالأشياء الثمينة التي اشتراها له والده والتي عددها هو بنفسه مثل جهاز التلفاز والكمبيوتر والدراجة والهاتف الجوال مع تكبده مصاريف الدروس الخصوصية لكي يحسن من مستواه الدراسي. ذلك يؤكد إن والده يستجيب لطلباته في حدود إمكانياته المادية المحدودة. وكذلك لفت انتباه سعيد بأن الأشياء التي يطالبه بها والده هي لمصلحته هو فقط وهو الذي يضار مستقبلا أذا ما أستمر على نفس التصرف.


ظل سعيد واجما وهو يستمع للطبيب وهو يوضح له هذه الحقائق بكل هدوء. بدأ يستوعب الأمور بصورة مغايرة ولأول مرة يشعر أنه يستمع لشخص يبين له مشاكله بدون أن يجرح كبريائه ويثير غضبه. الآن هو يتفهم حسن نوايا والده الذي يريد له كل خير ولو قسي عليه في بعض الأحيان. في الماضي كان يركز فقط على الأشياء التي كان يعتقد أنها سلبية في تعامل والده معه ولذلك وصل إلى قناعات خاطئة أدت إلى سلوك خاطئ منه وبالتالي إلى تدهور علاقته بوالديه وأسرة مدرسته.


لم يتردد سعيد على الموافقة على الحضور اليوم التالي لكي يخضعه الطبيب لجلسة تحت التنويم لكي تساعده على تغيير كل المفاهيم الخاطئة التي كونها عن والديه وعن الآخرين. ولأول مرة يشعر أن هنالك شخص يتعامل معه بكل تهذيب وتفهم ويرغب في مساعدته علي حل مشاكله. لذلك أتى سعيد اليوم التالي لوحده لمقابلة الطبيب وهو في ثقة أن مشاكله في طريقها للحل. تدبر الليلة الماضية في ما قاله الطبيب له. بدت له الأمور على حقيقتها لأول مرة وشعر بشي من تأنيب الضمير لتصرفاته الحمقاء التي عادت عليه وعلى أسرته بكثير من الشقاء.


بعد شرح موجز لعملية التنويم التي تتطلب كل تعاون من سعيد لإنجاحها أستطاع الطبيب إن يوجه سعيد بإيحاءاته إلى مرحلة النشوة التنويمية ومن ثم طلب منه إن يستغل خصوبة خياله ويرجع بذاكرته إلى الوراء لأربعة سنين ليتذكر بوضوح كل سلوكياته السلبية مع معلميه ومع والديه ومع أشقائه وما أحدثته هذه التصرفات من أضرار له شخصيا ومن آلام للآخرين. وبعد ذلك طلب منه أن يتخيل حاله بعد خمسة وعشرة سنوات وهو يسلك نفس السلوك ويتخيل النتيجة وقد فصل من المدرسة وأضطر أن يترك منزل والديه ويهيم في الشوارع بدون مأوى ولا عمل ويعيش مع حثالة المشردين والمنبوذين اجتماعيا. وكذلك يتخيل دخوله في مواجهات عديدة مع الشرطة واتهامه بالسرقة وإزعاج الأمن العام وقد تم حبسه لأشهر. هذا سيكون مصيره إذا ما أستمر على نفس السلوك. وبعد أن أخرجه من الحالة التنويمية ناقش معه كل ما تخيل حدوثه مستقبلا مستشعرا كل الآلام التي صاحبت تخيله. و عند سؤاله إذا ما كان فعلا يريد السير في هذا الدرب نفى بشدة ذلك وهو يظهر امتعاضه من تلك الصورة الخيالية المخيفة والبغيضة. ومرة أخرى أرجعه الطبيب إلى نفس الحالة التنويمية العميقة وهذه المرة طلب منه أن يتخيل نفسه وقد غير من تصرفاته وواظب على دراسته وحسن علاقته بوالديه الذين أصبحا سعداء بهذا التغيير وظلا يشجعانه ويشدان من أزره حتى نجح في التخرج من الجامعة والتحق بعمل يدر عليه راتبا مجزيا أستطاع به أن يقتنى كل ما يحب وتوج ذلك بزواجه وإكرام الله له بطفلين. وعند سؤاله إذا ما كان يرغب في السير في هذا الدرب أجاب سعيد بكل قوة وثقة بالإيجاب. وبعد إن أخرجه الطبيب من الحالة التنويمية أستعرض معه كلا الاحتمالين ووجد منه نفورا شديدا من الاحتمال السلبي وإصرارا على الاحتمال الإيجابي الذي يكسبه رضاء والديه ويحقق له كل أهدافه في الحياة.


في الجلسة التالية طلب الطبيب من سعيد إن يتخيل نفسه بعد عملية التغيير التي حدثت له بعد سنين وقد حقق كل أمانيه. يتخيل نفسه وهو واقف مرفوع الرأس مبتسما وهو ممتلئ ثقة وأيمانا، فخورا ومعجبا بنفسه وبجانبه زوجته وطفلاه وهم أمام سيارة فارهة يمتلكها ومن خلفهم منزل كبير يمتلكه أيضا. هذه الصورة الخيالية سوف تنطبع في عقله الباطني الذي سوف يحتفظ بها ويحفزه باستمرار لتحقيقها في الواقع مستقبلا. كذلك طلب منه إن يتخيل صورة لوالديه بعد عدة سنين وهما يبتسمان له ويشعران بالفخر والإعزاز لأن الله وفقهما علي حسن تربيته التي ساعدته علي تحقيق كل آماله في الحياة. وأخيرا أعطاه إيحاءات يرددها من خلفه ليحتفظ بها عقله الباطني لتكون جزء من قناعاته لتعطيه التصميم وقوة الإرادة والثقة بالنفس للاحتفاظ بهذا التغيير الايجابي لتحقيق كل أمانيه.


أما الجلسة الأخيرة فقد جمعت بين سعيد ووالديه. طلب الطبيب من الوالدين أن يعبرا لسعيد بكل صدق ووضوح عن مشاعرهما تجاهه. كلاهما عبرا عن حبهما له وعدم التفريق بينه وإخوته في المعاملة وأكدا أن كل ما صدر منهما تجاهه كان بقصد توجيهه وتجنيبه الأخطاء لكي يشب عضوا صالحا لأسرته ومجتمعه. عندها جاء دور سعيد ليعبر لوالديه عن مشاعره الجديدة تجاههما. لم يستطع سعيد أن يحبس دموعه وهو يعتذر بدوره لوالديه عن تصرفاته السابقة وبوعدهما أن يكون ابنا بارا وان يستمع لنصائحهما وان يهتم بدروسه ويحترم أساتذته. ولدهشة الجميع قام سعيد بتقبيل أيدي والديه ولم يستطع ثلاثتهم حبس دموعهم من شدة الانفعال.


لاحظ الوالدان أن تغييرا كبيرا قد حدث لسعيد بعد تلك المقابلة. أصبح يهتم بدروسه ويواظب على مراجعتها. كذلك قلل كثيرا من خروجه من المنزل وأبتعد عن كل الأصدقاء القدامى. كذلك بدأ يشارك أسرته الجلوس بغرفة الاستقبال لمشاهدة التلفاز وعلى مائدة الطعام والتحدث إليهما بكل عفوية وصراحة. تحسنت علاقته بوالده كثيرا وصار يخاطب والده بكل تهذيب واحترام ويستشيره في الأمور الهامة. توقف عن المبالغة في مطالبة والدته بالمال وأصبح يساعدها بالمنزل ويستجيب لطلباتها بسرور تام.

حمد حاج عبد الله الله كثيرا لصلاح حال سعيد الذي استعاده أخيرا بعد أن كاد أن يفقده وييأس من إصلاحه. وبدون توقع أحرز سعيد معدلا ممتازا في امتحان الشهادة الثانوية يمكنه من الالتحاق بالكلية الجامعية التي يرغب فيها.


 
التعديل الأخير تم بواسطة أ.ليلى الحمدان ; 24-01-2011 الساعة 08:18 PM

رد مع اقتباس