عرض مشاركة واحدة
قديم 19-02-2010, 12:42 AM   #1
يحي غوردو
عضو دائم ( لديه حصانه )


الصورة الرمزية يحي غوردو
يحي غوردو غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 27460
 تاريخ التسجيل :  04 2009
 أخر زيارة : 23-03-2012 (02:38 PM)
 المشاركات : 950 [ + ]
 التقييم :  50
لوني المفضل : Cadetblue
نهاية الكتـــــــــــــــابة



نهاية الكتـــــــــــــــابة
(يحي غوردو)

في البدء كانت الكلمة صوتا:
الإنسان اجتماعي بالفطرة، وهو يحتاج إلى إيصال ما في ضميره إلى غيره، وفهم ما في ضمير الغير، لذلك اقتضت الحكمة الإلهية إحداث آليات يخف عليه إيرادها، ويسهل عليه استعمالها، ولا يحتاج إلى غير الآلات الطبيعية التي يملكها كل واحد منا والتي خلقها الله فينا: الفم، اللسان، الشفتين والحبال الصوتية... فوفقة خالقه إلى استعمال صوته، وتقطيع نفسه بالآلة الذاتية إلى مقاطع وحروف يتميز بعضها عن بعض، باعتبار مخارجها وصفاتها، حتى يحصل منها بالتركيب كلمات دالة على المعاني الكامنة في الضمير فيتيسر بذلك فائدة التخاطب، والتحاور والتواصل والمقاصد التي لا بد منها في الحياة.
ثم لما أمكنت تركيبات تلك الحروف على وجوه مختلفة، وأنحاء متنوعة، وطرق متغيرة، حصل لهم ألسنة مختلفة، ولغات متباينة وعلوم متنوعة، وهي نعم وهبها الله لبني البشر.
لكن الأمم المتقدمة في تطورها لم تكتف بالمحاورة الشفهية والاتصال المباشر في إشاعة هذه النعم، لاختصاصها بالحاضرين (لأن النظام الشفهي يستعمل الصوت الذي لا يمكن أن يسمعه إلا من هو معك في المكان والزمان)، ولإطلاع الغائبين عنهم والبعيدين منهم ومن سيأتي بعدهم من أجيال (الغائبين عن المكان والزمان) على ما استنبطوا من معارف وعلوم، وما وصلوا إليه من أفكار ومفاهيم وما استخلصوا من نظم وأنساق، وأتعبوا أنفسهم في تحصيلها لينتفع بها أهل الأقطار القريبة والبعيدة، ولتزداد العلوم بتلاحق الأفكار وتراكم المعلومات، فوضعوا قواعد الكتابة، وبحثوا عن أحوالها، من الحركات، والسكنات، والضوابط، والنقاط، وعن تركيبها، وتسطيرها، والتفنن في تخطيطها لينتقل منها الناظرون إلى الحروف والألفاظ إلى المعاني، فنشأ من ذلك الوضع وتلك العملية جملة العلوم والكتب والمخطوطات.‏
وكان الهدف من كل ذلك توصيل الفكرة التي في الذهن إلى الآخر والحفاظ عليها بأي وسيلة من التلف والاندثار، فكانت الكتابة هي وسيلتهم الوحيدة وتقنيتهم المتوفرة للتواصل عبر أزمنة طويلة، وكان ورقهم من الأخشاب والعظام والطين. فكيف بدأ ذلك المسار؟ ومتى وأين كان ذلك؟ وهل له نهاية؟

كيف كانت البداية؟
في البدء كانت الكلمة (نطقا / سمعا ومعنى) كان الناس يتواصلون شفهيا ولم يستعملوا الكتابة إلا في مرحلة متأخرة لأن مجال تواصلهم كان ضيقا ومحدودا، بعد ذلك جاءت الضرورة لحفظ ما كانوا يقولونه سواء للتواصل مع الآخر في نفس الزمان أو في زمن قادم فاستعملوا الرسوم والصور ( الهيروغليفية) ثم لأسباب تقنية طورت الكتابة إلى رموز مبسطة ( المسمارية) و اقتضت الضرورة لأن تتحول إلى رموز أكثر دقة و تعبيرا (الحروف الفينيقية) كل ذلك من أجل التواصل في الزمان الحاضر والمستقبل. إذا كان التحول كما يلي:
كلمة منطوقة --------> صور (ايقونات) --------> رموز --------> حروف.
الرجوع إلى المنطوق :
منذ أكثر من قرن من الزمن، عرفت الإنسانية رجوعا مكثفا إلى التواصل الشفهي مع انتشار المذياع والتلفون والهاتف الثابت والنقال والتلفاز ثم الحاسوب والأنترنت ...
كانت الصورة التي ترافق منذ مدة النص المكتوب على الورق تنقص التواصل المنطوق عبر الراديو لكن بانتشار التلفزة انظم الصوت إلى الصورة ولم يعد المكتوب يمثل إلا نسبة ضئيلة وهذا ما سيخلق أرضية صالحة لانتشار الوسائل المتعددة الوسائط التي تجمع بين النص والصوت والصورة الساكنة والمتحركة...
ونلاحظ اليوم رجوعا عكسيا كانعكاس المرآة: ففي زمن قريب بدأ الإنسان يستعمل رموزا في أنواع متعددة من الكتابات التي تعتبر جد متطورة وهي المستعملة في الميدان التكنولوجي وآخر ما وصل إليه عقل البشر ك ( HTML – C++ – JAVA - ...... .......) وهي لغات مليئة بالرموز. ثم بدأ الإنسان يستعمل الصور والأيقونات كالتي نجدها في إشارات المرور وكذلك الأيقونات الصغيرة التي غزت شاشة الكمبيوتر: لأنها تختزل معلومات غنية ومكثفة في مكان صغير.
انعكاس السهم يعني عود على بدأ ورجوعا إلى الوراء .
كلمة منطوقة <-------- صور (أيقونات) <-------- رموز <-------- حروف.
لماذا استعمل الإنسان الكتابة؟
الكتابة ترتكز على مبدأين أساسيين:
تسهيل التواصل (مع الحاضر والماضي والمستقبل)
التخزين ( للحاضر والمستقبل) ( الكتابة تدوم) العلم صيد والكتابة قيد.
لكن الكتابة تحفظ لنا فقط جانبا من الكلمة أي معناها بدون الجانب الآخر: النطق والسمع أي بدون مصدرها الأصلي والظروف المحيطة بها كما هي في الواقع فإننا لا نرى قائلها ولا نسمعه ولا نعرف شكله وهيأته وحاله وظروفه ومحيطه ولا حتى نبرات صوته وهذه الأشياء كلها لها دلالات في غاية الأهمية....
حينما نقرأ كتابا لسيبويه مثلا فإننا لا نعرف شكل سيبويه ولا صوته ولا نبرته ولا مكان تواجده وهذا ما يحرمنا من كثير من المعلومات الإضافية المهمة جدا للتواصل الجيد والكامل. فالمعلومات التي نستخلصها من الكتابة لا تمثل إلا جزءا ضئيلا من عملية التواصل والجزء الأكبر موجود في الصوت والصورة والحركة... بالإضافة إلى أن الكتاب لا يفهمه إلا من يتقن الكتابة وفك رموزها وإشاراتها، أما الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب فإنه محروم من الاستفادة منه.
فإذا تم التوصل إلى وسيلة أحسن من الكتابة، أي وسيلة تنقل لنا بكل دقة وموضوعية سياق الكلمة من متكلم وحال وظروف. وسيلة تمكننا من رؤية المرسل بشحمه ولحمه، وسيلة تغنينا عن بدل جهد إضافي، وسيلة تساوي بين الذي يقرأ والذي لا يقرأ. فبدل أن نقرأ للكاتب فإننا سوف نراه ونسمعه بنبراته وتحركاته وإشاراته وانفعالاته سوف نعرف متى يسكت ومتى يتكلم، كيف يقطع الكلمات، متى ينفعل ومتى يبتسم ... وبدلا من أن نمر من الكلمة التي في ذهن المرسل إلى الكتابة ثم من الكتابة إلى ذهن المرسل إليه ونضيع جهدا كبيرا للفهم فسوف نذهب مباشرة من المرسل إلى المرسل إليه عن طريق النطق والبصر.
المرسل --------> الكلمة --------> الكتابة --------> القراءة --------> الكلمة --------> المرسل إليه، (مسار يحتاج لمعرفة الكتابة والقراءة وهي معرفة صناعة الترميز وفك الترميز التي تعتبر عملية صعبة للغاية تحتاج منا جهدا كبيرا لتعلمها: فالكتابة موجهة لفئة محدودة فقط (الذين يعرفون الكتاب ورموزها) ، وهي لا تعني التعلم، فبإمكان الشخص أن يتعلم العلوم أو أي شيء دون أن يعرف الكتابة وفك رموزها... ومن الخطإ أن نعتقد، كما هو شائع اليوم ، أن القراءة والتعلم مرتبطين بالكتابة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ الخط ولا يكتب، وكان إذا نزل عليه الوحي وسمع القرآن حرك لسانه بذكر الله، فقيل له : تدبر ما يوحى إليك، ولا تتلقفه بلسانك، فإنا نجمعه لك ونحفظه عليك : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به) سورة القيامة، كان عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن ولا يعرف قراءة الخط، فمعنى القراءة هو التكرار والحفظ والنطق بالكلام.)
المرسل -------->النطق --------> السمع --------> المرسل إليه،
(مسار لا يحتاج إلى معرفة القراءة والكتابة: موجه لكل الناس بلا استثناء.)

المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس