عرض مشاركة واحدة
قديم 19-11-2002, 01:06 PM   #2
البتــار!!!!
شيخ نفساني


الصورة الرمزية البتــار!!!!
البتــار!!!! غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1771
 تاريخ التسجيل :  06 2002
 أخر زيارة : 15-05-2016 (07:36 AM)
 المشاركات : 5,426 [ + ]
 التقييم :  63
لوني المفضل : Cadetblue


معاناتهم داخل المؤسسات الايوائية


هي دار رعاية جماعية أو جمعية خيرية، لها لوائح وأنظمة تحكم وتوجه العاملين فيها والمستفيدين منها. وتختلف طبيعة هذه الدور والجمعيات من دولة لأخرى في طريقة عملها لرعاية الأطفال والمراهقين المحرومين من الرعاية الأسرية الطبيعية، مع محاولة تنمية جوانب النمو لإشباع حاجاتهم الضرورية لتكوين شخصياتهم، ولسد جانب النقص الذي يعانون منه.

إن وجود هؤلاء المجهولين داخل مؤسسات إيوائية، معناه حرمانهم من بيئة الأسرة الطبيعية ومعطياتها ـ التي رغم الجهود المادية والمعنوية التي تبذل من أجلهم داخل هذه المؤسسات من قبل القائمين عليها ـ إلا أنها لا يمكن أن تعوضهم عما افتقدوه وحرموا منه ولو بقدر يسير، لعيشهم في بيئة جافة بعيدة عن بيئة الأسرة الطبيعية والجو الأسري المنشود، الذي تسوده الألفة والمحبة، خاصة وهم لم يخوضوا تجربة الاندماج في المجتمع ، بل هم معزولون عنه داخل أسوار المؤسسات ليس لهم الخيار فيها، موكل أمرهم إلى موظفين يعاملونهم جملة لا فرادى، في رعاية جماعية تتسم بالتقييد والإلزام بالنظام الذي لابد منه في تلك البيئات، مما يجعل اليتيم يبدو عليه الشعور بالوحشة والعزلة مفتقدا الاحتياجات الطبيعية مثل : الحب والحنان، والتقدير، والأمن، والاستقرار النفسي، والانتماء، والحرية، والاستقلال الفردي، والخصوصية، واكتساب الخبرات الجديدة وغيرها من الاحتياجات المكونة للشخصية السوية . وهذا انعكس سلبياً على توافق المجهولين الشخصي، واستقرارهم الاجتماعي، فإذا لم يتعهدوا بتربية متكاملة الجوانب فإنهم سينتقمون من واقعهم ومجتمعهم بصور شتى، أدناها العزلة وعدم التفاعل، وأعلاها الجريمة بأنماطها المختلفة، معبرين بذلك عن شعورهم نحو أنفسهم وبيئتهم . والجريمة في مفهومها النفسي والاجتماعي، ما هي إلا سوء تكيف الفرد مع ظروف البيئة التي يعيش فيها . فالمجرم شخص اخفق في تكيفه الاجتماعي المطلوب .

معاناة فقد الهوية
كل فرد له هويته التي يستمد منها تقديره لذاته، ولا يستطيع العيش بدونها بين الآخرين، وإذا كانت مجهولة لديه أو اضطربت في ذهنه؛ فإنه – تبعا لذلك - يدخل في حالة اضطراب وعدم استقرار لا يخرج منها ما دام فاقدا لهويته. ولذا يعيش مجهولو الهوية داخل المؤسسات الإيوائية في حيرة وقلق من حقيقة واقعهم، لأنهم لا يعرفون من أين أتوا وأين أسرهم وكيف فقدوا وما أصل وجودهم في هذه الحياة ؟ وماذا عن صحة أسمائهم؟ … أسئلة كثيرة يسألونها ويكررونها وهي: ..أين أهلي؟ ما هو لقب عائلتي ؟ من أين اتيت؟ كيف فقدت؟ كيف وضعت في هذا المكان؟ لا يجدون لهذه الأسئلة جواباً شافيا، إلى أن يكبروا وتكبر معهم هذه الأسئلة المحيرة، فينجرفون نحو دائرة الشكوك والأوهام تجاه وجودهم، فيلجأون إلى ما يعبرون به عما في نفوسهم من الحسرة والحيرة، بالانطواء والسرحان والحزن العميق، واختلاق القصص الكاذبة عن أنفسهم فيظلون على حالة غير مستقرة من الناحية النفسية والاجتماعية والسلوكية التي تنعكس سلبا على مستقبل حياتهم .

معاناتهم من الناحية لاجتماعية
إن طبيعة البيئة ومقوماتها ومدى ما تحققه للفرد الذي يعيش بداخلها، من إشباع لحاجاته الاجتماعية والنفسية والتربوية ، ينعكس بلا شك على سلوكه وانفعالاته. ومجهول الأبوين الذي يعيش داخل المؤسسة الإيوائية بصفته إنسانا كأي إنسان، يحتاج ولو بقدر قليل إلى الضروريات الطبيعية المكونة للشخصية السوية ، فبقدر افتقاره لهذه الاحتياجات الفطرية، بسبب حرمانه من بيئة الأسرة الطبيعية، يحدث الخلل في تكيفه واستقرار شخصيته، والذي يتضح في سلوكه وتفاعله الاجتماعي. وهذا يدل على ضرورة وجوده داخل بيئة أسرية طبيعية تحتضنه، والمقصود بالطبيعية التي تتحقق فيها المقومات التي تشتمل على عوامل تكوين الأسرة ، كوجود المنزل مع وجود الأب والأم والأخوة الذين يحققون هذه المعاني في بيئة اجتماعية مستقرة ومتآلفة، بغض النظر عن أن يكون الأبوين حقيقيين من ناحية النسب أو غير حقيقيين. فقد يوجد أحيانا أبناء يعيشون في كنف أبوين حقيقيين، ولكنهم يفتقرون إلى الاحتياجات الطبيعية أكثر من غيرهم من المحرومين منها، ويحدث أيضا العكس فقد وجد أبناء محتضنون عاشوا لدى أبوين غير حقيقيين أشبعوا احتياجاتهم الطبيعية، فأصبحوا في حالة أفضل من الذين يعيشون في أسرهم الحقيقية.

وتتجلى حاجة اليتيم ( مجهول الأبوين ) في أن يكون داخل أسرة حاضنة في إشباع بعض الاحتياجات الطبيعية اللازمة لكل إنسان ، واكتساب القيم والمفاهيم الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تسود البيئة العامة للمجتمع الذي يعيش فيه، وإكمال جانب النقص في شخصيته التي لا يمكن أن يكتسبها مادام يعيش داخل مؤسسة إيوائية في رعاية جماعية، بعيدة عن بيئة الأسرة الطبيعية ويتضح ذلك مما يلي:

لا يمكنه أن يتعلم الاشتراك في أحاديث الأسرة بما فيها من كبار وصغار. ولا أن يتعلم التفاعل الاجتماعي في جو طبيعي، إنما ينظر إلى زملائه الذين يكبرونه نظرة تهيب ورهبة ويعاملهم بحذر، ليكسب ودهم ويتقي أذاهم له، وينظر إلى العاملين على أنهم موظفون متسلطون يأخذون المقابل على تسلطهم.

لا يشعر بالانتماء إلى أسرة كغيرة من أبناء الأسر الذين يراهم في واقع الحياة، ويشعر بأنه لا يماثل الآخرين في الوضع الاجتماعي عندما يسمع زملاء الدراسة يتحدثون عن إخوانهم وآبائهم وأمهاتهم وأقاربهم، وهو لا يعرف عن نفسه إلا أنه وحده.

تنقصه المعرفة عن الواقع وما يدور فيه مثل استعمال التكنولوجيا، أو مما يزوده بخبرة عملية نافعة.

في المؤسسة الإيوائية لا يرى الطعام ولا يعرف عنه إلا عند تناوله، فلا يسمع لرأيه فيما يحب ويكره، كما انه محروم من تناوله حسب الطريقة أو الوقت الذي يناسبه، بعكس الأم داخل الأسرة تستشير أطفالها في أنواع الطعام، وتستأنس برأيهم في صنع أنواع الأغذية مما يشبع جانبا مهما في نفوسهم، بتحقيق رغباتهم.

عندما يسمع الطفل الذي يعيش داخل المؤسسة عن بعض المظاهر الاجتماعية المختلفة؛ فإنه يستغربها ولا يعرف عنها إلا الاسم، مثل : مناسبات الزواج، وولادة مولود في الأسرة، والاجتماعات العائلية في الأعياد، وحضور الولائم، وحالة الوفاة والعزاء، وغيرها من المظاهر والمناسبات.

من خلال التفاعل الاجتماعي مع الأقارب والجيران وأبنائهم؛ يكتسب الطفل الأسلوب المناسب للتعامل مع الآخرين، أما في المؤسسة فإنه مسير حسب نظام داخلي يحكم سلوكه الاجتماعي، لا تظهر فيه ملامح شخصيته الحقيقية.

في الأسرة يقوم الابن بإنجاز الأعمال وقضاء بعض الاحتياجات للأسرة، بتوجيه من أفرادها. وهذا يكسبه الخبرة في الحياة والاعتماد على النفس، أما في المؤسسة لا يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في أبسط الأشياء، لأن جميع احتياجاته تقضى له.

معاناتهم من الناحية النفسية
رغم الخدمات التي تقدم وتبذل من أجل مجهولي الأبوين، داخل المؤسسات الايوائية، من قبل القائمين عليها والتي تقدم لهم أحيانا في بعض البيئات على أعلى المستويات، إلا أنهم يعانون من تدهور صحتهم النفسية بسبب طبيعة البيئة التي يعيشون فيها - سبق ذكرها- دون إشباع حاجاتهم الضرورية، مقاسين في ذلك أنواع الحرمان والضغوط والتناقض. إضافة إلى طبيعة ظروفهم الاجتماعية القاهرة.

ومن الأعراض التي تدل على سوء صحتهم النفسية، والتي لوحظت عليهم كما ذكر من خلال الدراسات والبحوث في بيئات مختلفة ما يلي:

يشعرون بالحرمان من الدفء العاطفي، ويحسون بالكبت.

يشعرون بعدم الأمن والخوف من المستقبل.

يشعرون بالقلق والاكتئاب، ويعانون من توتر متزايد.

يعانون من الشرود الذهني والسرحان وصعوبة التركيز.

يشعرون بالنقص ( الدونية )، بشعورهم أنهم مختلفون عن الآخرين.

يعانون من الشعور بالظلم والاضطهاد.

يميل أغلبهم إلى العزلة والانسحاب.

ليس لديهم الثقة في أنفسهم، ولا القدرة على تحمل المسئولية.

يبحث الواحد منهم دائما عن تأكيد ذاته بين أقرانه، بحب التعدي والميل للتخريب.

يمارسون الكذب كثيراً.

يلاحظ عليهم سرعة الانفعال.

يشعرون بالضيق الشديد لوجودهم في المؤسسات الإيوائية.

يظهر عليهم الخجل عند التعامل مع الآخرين.

تتقلب حالتهم المزاجية والوجدانية بين السعادة والحزن، دون سبب ظاهر.

يميل غالبيتهم للعناد والعمل على عكس ما يطلب منهم.

يعاني كثير منهم من الاضطرابات اثناء النوم، والاهتزازات السريرية، والتبول اللاإرادي.

يكثر فيهم التعثر في الدراسة وعدم الرغبة فيها وتركها بدون هدف، مع انعدام الطموح لديهم.

إن هذه المعاناة التي عرضنا جزاء منها هي بسبب عيش هؤلاء الأيتام داخل مؤسسات إيوائية وحرمانهم من بيئة الأسرة التي ينعم بها غيرهم، والتي يمكن أن تتحقق لهم من خلال كفالتهم واحتضانهم، داخل أسر بديلة.

أيها الأخوة الأفاضل لكي تساهموا في التخفيف من معاناة هؤلاء المحرومين، تقدموا إلى أقرب مكتب اجتماعي واطلبوا حضانة أحدهم في منزلكم إذا كان وضعكم الاجتماعي يسمح بذلك، لتصبح أسرتكم بديلة لأسرته التي حرم منها، فقد ثبت علميا بأن الأسرة البديلة هي أفضل الوسائل لرعايتهم والتخفيف من معاناتهم. وفي حالات كثيرة يكونون أفضل من الأبناء الحقيقيين إذا أحسنت رعايتهم ، فقد اعتمدت حاضنات على أبنائهن المحتضنين لإعالتهن بعد أن تقدمت بهن السن وبعد أن اصبحوا يشغلون مراكز اجتماعية محترمة، ولا يخفى فضل كفالة اليتيم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا } وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا، وكافل اليتيم هو الذي يقوم بأمره ويعوله ويربيه، وفي رواية أخرى أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: { كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة } قال مالك ابن انس رضى الله عنه: بإصبعيه السبابة والوسطى. وكلمة لغيره في الحديث ترجع إلى كافل اليتيم؛ وتعني أن اليتيم يكون أجنبياً لغيره، وليس من قرابته فتكفل به؛ فإن اجره يكون واحداً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من ضم يتيما من بين المسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله عز وجل، غفرت له ذنوبه البتة إلا أن يعمل عملاً لا يغفر }



 

رد مع اقتباس