عرض مشاركة واحدة
قديم 12-04-2009, 05:47 AM   #44
نجلاء الهاجري
الزوار


الصورة الرمزية نجلاء الهاجري

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية :
 أخر زيارة : 01-01-1970 (03:00 AM)
 المشاركات : n/a [ + ]
لوني المفضل : Cadetblue


لك في كل أردب عشرة دراهم سمسرة واقبض الثمن واحفظه عندك وقدر الثمن خمسة آلاف لك منها خمسمائة ويبقى لي أربعة آلاف وخمسمائة فإذا فرغ بيع حواصلي جئت إليك وأخذتها .
فقلت له : الأمر كما تريد ثم قبلت يديه ومضيت من عنده .
فحصل لي في ذلك اليوم ألف درهم وغاب عني شهرا ً، ثم جاء وقال لي : أين الدراهم ?
فقلت : هاهي حاضرة ،
فقال : احفظها حتى أجيء إليك فآخذها .
فقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاءني وقال لي : أين الدراهم ?
فقلت : هاهي حاضرة ،
فقال : أحضرها حتى أجيء إليك فآخذها .
فقمت وأحضرت له الدراهم وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً ثم جاء وقال لي : بعد هذا اليوم آخذها منك .
ثم ولى فقمت وأحضرت له الدراهم وقلت له : هل لك أن تأكل عندنا شيئاً ?
فأبى وقال لي : احفظ الدراهم ، حتى أمضي وأجيء فآخذها منك .
ثم ولى وقعدت أنتظره فغاب عني شهراً فقلت في نفسي : إن هذا الشاب كامل السماحة ، ثم بعد الشهر جاء وعليه ثياب فاخرة فلما رأيته قبلت يديه ودعوت له وقلت له :
يا سيدي أما تقبض دراهمك ?
فقال : مهلاً علي حتى أفرغ من قضاء مصالحي وآخذها منك .
ثم ولى فقلت في نفسي : والله إذا جاء لأضيفنه لكوني انتفعت بدراهمه وحصل لي منها مال كثير .
فلما كان آخر السنة جاء وعليه بدلة أفخر من الأولى فحلفت عليه أن ينزل عندي ، ويضيفني فقال :
بشرط أن ما تنفقه من مالي الذي عندك .
قلت : نعم .
وأجلسته ونزلت فهيئأت ما ينبغي من الأطعمة والأشربة وغير ذلك وأحضرته بين يديه وقلت له : باسم الله .
فتقدم إلى المائدة ومد يده الشمال وأكل معي فتعجبت منه فلما فرغنا غسل يده وناولته ما يمسحها به وجلسنا للحديث فقلت :
يا سيدي فرج عني كربة لأي شيء أكلت بيدك الشمال لعل في يدك اليمين شيئاً يؤلمك .
فلما سمع كلامي أنشد هذين البتين :
خليلي لا تسأل على ما بمهجـتـي ........ من اللوعة الحرى فتظهر أسقـام
وما عن رضا فارقت سلمى معوضاً ........ بديلاً ولكن للـضـرورة أحـكـام

ثم أخرج يده من كمه وإذا هي مقطوعة زنداً بلا كف فتعجبت من ذلك فقال لي : لا تعجب ولا تقل في خاطرك ، إني أكلت معك بيدي الشمال عجباً ولكن لقطع يدي اليمين سبب من العجب .
فقلت : وما سبب ذلك ?
فقال : اعلم أني من بغداد ووالدي من أكابرها ، فلما بلغت مبلغ الرجال سمعت السياحين والمسافرين والتجار يتحدثون بالديار المصرية فبقي ذلك في خاطري حتى مات والدي فأخذت أموالاً كثيرة وهيأت متجراً من قماش بغدادي وموصلي ونحو ذلك من البضائع النفيسة وحزمت ذلك وسافرت من بغداد وكتب الله السلامة لي حتى دخلت مدينتكم هذه .
ثم بكى وأنشد هذه الأبيات :
قد يسلم الأكمه من حفرة ........ يسقط فيها الناصر الناظر
ويسلم الجاهل من لفـظة ........ يهلك فيها العالم الماهـر
ويعسر المؤمن في رزقه ........ ويرزق الكافـر الفاجـر
ماحيلة الإنسان ما فعلـه ........ هو الذي قدره الـقـادر
فلما فرغ من شعره ، قال : فدخلت مصر وأنزلت القماش في خان سرور وفككت أحمالي وأدخلتها وأعطيت الخادم دراهم ليشتري لنا بها شيئاً نأكله ونمت قليلاً فلما قمت ذهبت بين القصرين ثم رجعت وبت ليلتي فلما اصبحت فتحت رزمة القماش وقلت في نفسي أقوم لأشق بعض الأسواق وأنظر الحال فأخذت بعض القماش وحملته لبعض غلماني وسرت حتى وصلت قيسرية جرجس فاستقبلني السماسرة وكانوا علموا بمجيئي فأخذوا مني القماش ونادوا عليه فلم يبلغ ثمنه رأس ماله فقال لي شيخ الدلالين :
يا سيدي أنا أعرف لك شيئاً تستفيد منه وهو أن تعمل مثل ما عمل التجار فتبيع متجرك إلى مدة معلومة بكاتب وشاهد وصيرفي وتأخذ ما تحصل من ذلك في كل يوم خميس واثنين فتكسب الدراهم كل درهم اثنين وزيادة على ذلك تتفرج على مصر ونيلها .
فقلت : هذا رأي سديد .
فأخذت معي الدلالين وذهبت إلى الخان فأخذوا القماش إلى القيسرية فبعته إلى التجار وكتبت عليهم وثيقة إلى الصيرفي وأخذت عليه وثيقة بذلك ورجعت إلى الخان وأقمت أياماً كل يوم أفطر على قدح من الشراب وأحضر اللحم الضاني والحلويات حتى دخل الشهر الذي استحقت فيه الجباية فبقيت كل خميس واثنين أقعد على دكاكين التجار ويمضي الصيرفي والكاتب فيجيآن بالدراهم من التجار ويأتياني بها ، إلى أن دخلت الحمام يوماً من الأيام وخرجت إلى الخان ودخلت موضعي وأفطرت على قدح من الشراب ثم نمت وانتبهت فأكلت دجاجة وتعطرت وذهبت إلى دكان تاجر يقال له بدر الدين البستاني فلما رآني رحب بي وتحدث معي ساعة في دكانه .
فبينما نحن كذلك وإذا بامرأة جاءت وقعدت بجانبي وعليها عصابة مائلة وتفوح منها روائح الطيب فسلبت عقلي بحسنها وجمالها ، ورفعت الأزرار فنظرت إلي بأحداق سود ثم سلمت على بدر الدين فرد عليها السلام ووقف وتحدث معها فلما سمعت كلامها تمكن حبها من قلبي فقالت لبدر الدين :
هل عندك تفصيلة من القماش المنسوج من خالص الذهب ؟
فأخرج لها تفصيلة فقالت للتاجر : هل آخذها وأذهب ثم أرسل إليك ثمنها ?
فقال لها التاجر : لا يمكن يا سيدتي لأن هذا صاحب القماش وله علي قسط .
فقالت : ويلك إن عادتي أن آخذ منك كل قطعة قماش بجملة دراهم وأربحك فيها فوق ما تريد ثم أرسل إليك ثمنها .
فقال : نعم ولكني مضطر إلى الثمن في هذا اليوم .
فأخذت التفصيلة ورمته بها في صدره وقالت : إن طائفتكم لا تعرف لأحد قدراً .
ثم قامت مولية فظننت أن روحي راحت معها ، فقمت ووقفت وقلت لها :
يا سيدتي تصدقي علي بالالتفات وارجعي بخطواتك الكريمة .
فرجعت وتبسمت وقالت : لأجلك رجعت .
وقعدت قصادي على الدكان فقلت لبدر الدين : هذه التفصيلة كم ثمنها عليك ? قال : ألف ومائة درهم .
فقلت له : ولك مائة درهم فائدة ، فهات ورقة فاكتب لك فيها ثمنها .
فأخذت التفصيلة منه وكتبت له ورقة بخطي وأعطيتها التفصيلة وقلت لها : خذي أنت وروحي وإن شئت هاتي ثمنها لي في السوق ، وإن شئت هي ضيافتك مني .
فقال : جزاك الله خيراً ورزقك مالي وجعلك بعلي .
فتقبل الله الدعوة وقلت لها : يا سيدتي اجعلي هذه التفصيلة لك ولك أيضاً مثلها ودعيني أنظر وجهك .
فكشفت القناع عن وجهها فلما نظرت وجهها أعقبتني ألف حسرة وتعلق قلبي بمحبتها فصرت لا أملك عقلي ثم رخت القناع وأخذت التفصيلة وقالت :
يا سيدي لا توحشني .
وقد ولت وقعدت في السوق إلى بعد العصر وأنا غائب العقل وقد تحكم الحب عندي ، فمن شدة ما حصل لي من الحب سألت التاجر عنها حين أردت القيام فقال :
إن هذه صاحبة مال وهي بنت أمير ، مات والدها وخلف لها مالاً كثيرا ً.
فودعته وانصرفت وجئت إلى الخان فقدم لي العشاء فتذكرتها فلم آكل شيئاً ونمت فلم يأتني نوم فسهرت إلى الصباح ثم قمت فلبست بدلة غير التي كانت علي وشربت قدحاً من الشراب وأفطرت على شيء قليل وجئت إلى دكان التاجر فسلمت عليه وجلست عنده فجاءت الصبية وعليها بدلة أفخر من الأولى ومعها جارية ، فجلست وسلمت علي دون بدر الدين وقالت لي بلسان فصيح ما سمعت أعذب ولا أحلى منه :
أرسل معي من يقبض ألف والمائة درهم ثمن التفصيلة .
فقلت لها : ولا شئ ?
فقالت : لا أعدمناك وناولتني الثمن .
وقعدت أتحدث معها فأوميت إليها بالإشارة ففهمت أني أريد وصالها ، فقامت على عجل منها واستوحشت مني وقلبي متعلق بها وخرجت أنا خارج السوق في أثرها وإذا بجارية أتتني وقالت :
يا سيدي كلم سيدتي .
فتعجبت لها وقلت : ما يعرفني هنا أحد .
فقالت الجارية : ما أسرع مانسيتها سيدتي التي كانت اليوم على دكان التاجر فلان .
فمشيت معها إلى الصيارف فلما رأتني زوتني لجانبها وقالت :
يا حبيبي وقعت بخاطري وتمكن حبك من قلبي ومن ساعة رأيتك لم يطب لي نوم ولا أكل ولا شرب .
فقلت لها : عندي أضعاف ذلك والحال يغني عن الشكوى .
فقالت : يا حبيبي أجيء لعندك ?
فقلت لها : أنا رجل غريب ومالي مكان يأويني إلا الخان فإن تصدقت علي بأن أكون عندك يكمل الحظ .
قالت : نعم لكن الليلة ليلة جمعة ما فيها شيء إلا إن كان في غد بعد الصلاة فصل واركب حمارك واسأل عن الحبانية فإن وصلت فاسأل عن قاعة بركات النقيب المعروف بأبي شامة فإني ساكنة هناك ولا تبطئ فإني في انتظارك .
ففرحت فرحاً زائداً ثم تفرقنا وجئت للخان الذي أنا فيه وبت طول الليل سهران فما صدقت أن الفجر لاح حتى قمت وغيرت ملبوسي وتعطرت وتطيبت وأخذت معي خمسين ديناراً في منديل ومشيت من خان مسرور إلى باب زويلة فركبت حماراً وقلت لصاحبه :
امض بي إلى الحبانية .
فمضى في أقل من لحظة فما أسرع ما وقف على درب يقال له درب المنقري فقلت له :
ادخل الدرب واسأل عن قاعة النقيب .
فغاب قليلاً وقال : أنزل .
فقلت : امش قدامي إلى القاعة .
فمشى حتى أوصلني إلى المنزل فقلت له : في غد تجيئني هنا وتوديني .
فقال الحَمار : بسم الله .
فناولته ربع دينار ذهباً فأخذه وانصرف فطرقت الباب فخرج لي بنتان صغيرتان وبكران منهدتان كأنهما قمران فقالتا :
ادخل إن سيدتنا في انتظارك لم تنم الليلة لولعها بك .
فدخلت قاعة مغلقة بسبعة أبواب وفي دائرها شبابيك مطلة على بستان فيه من الفواكه جميع الألوان وبه أنهار دافقة وطيور ناطقة وهي مبيضة بياضاً سلطانياً يرى الإنسان وجهه فيها وسقفها مطلي بذهب وفي دائرها طرزات مكتبة بالازورد قد حوت أوصاف حسنة وأضاءت للناظرين وأرضها مفروشة بالرخام المجزع وفي أرضها فسقية وفي أركان تلك الفسقية الدر والجوهر مفروشة بالبسط الحرير الملونة والمراتب ، فلما دخلت جلست .


 

رد مع اقتباس