عرض مشاركة واحدة
قديم 31-08-2002, 05:57 PM   #1
هدهد سليمان
( عضو دائم ولديه حصانه )


الصورة الرمزية هدهد سليمان
هدهد سليمان غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1651
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 24-10-2012 (12:54 AM)
 المشاركات : 1,920 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
إقطع الإتصال واستمتع بالقراءة ولن تندم000



مفهوم الإيمان في ظل واقعنا المعاصر (1)


الإيمان في اللغة: التصديق ، وفي الشرع: "إقرارٌ بالقلب ، ولفظ باللسان، و عمل بالجوارح ، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي" ، هذا المفهوم العظيم للإيمان في حقيقته يشمل جميع أفعال الإنسان: القلبية، و القولية، و العملية وهي مجمل حياة الإنسان..
ليس الإيمان مجرد الاعتقاد القلبي والقول اللفظي دون العمل ، فذلك لا يتفق والنصوص الشرعية ، وليس هذا مجال بحثنا هنا ، ولكن الذي نريده في هذه الكلمات على عجالة هو: تحقيق التعريف الصحيح للإيمان (أو بعض جوانبه) على مستوى الأمة الإسلامية في ظل واقعنا المعاصر:


إقرار بالقلب:

إن العمل القلبي هو الذي يتحكم بعمل اللسان والجوارح ، وإذا صلح القلب وتشبع بالإيمان صلحت الجوارح وصلح اللسان وصلح الإنسان "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ؛ ألا وهي القلب" (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
ولو تأملنا حال الناس في الأمة الإسلامية بعد الأحداث الاخيرة لرأينا أنهم انقسموا إلى ثلاثة أقسام رئيسة:

1- فقسم أخذ بقول الله تعالى "إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد : 7) فهؤلاء قاموا بدين الله ، ودعوا الناس إليه ، وجاهدوا أعداء الله ، يقصدون بذلك وجه الله.

2- وقسم يندرج تحت قول الله تعالى "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ..." (المائدة : 52). فهؤلاء في قلوبهم شك من وعد الله ، ضعف إيمانهم ، وتغلغل النفاق في قلوبهم ، فرجّحوا كفة الكفار على المسلمين ، ووالوا الكفار ضد المؤمنين "فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة : 52).

3- وقسم " مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء ..." (النساء : 143). فلا هم مع المؤمنين يؤازرونهم وينصرونهم ، ولا هم مع الكفار وأهل الأهواء.


أما القسم الأول:
فهؤلاء هم المجاهدون والعلماء العاملون ، وعامة المؤمنين المخلصين الذين لم يبالوا بتكالب الأمم عليهم ، ولم يبالوا بأن الدائرة اليوم عليهم ، لأن الإيمان الذي يتغلغل في قلوبهم أعظم وأكبر من أن يقنطوا من رحمة الله أو يشكّوا في وعد القوي المتين "وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين" (آل عمران : 146).

هؤلاء من الذين قال الله فيهم ، وهو العليم الحكيم "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم" (آل عمران : 173).

هؤلاء هم الذين اجتمع الشرق والغرب على الكيد بهم ، فما وهنوا وما استكانوا ، ولسان حالهم يقول بيقين "قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون * إن وليي الله الذي أنزل الكتاب وهو يتولى الصالحين" ) الأعراف 195- 196) .

هتفوا بعد أن تكالبت عليهم ملل الكفر وكل شيطانٍ رجيم " فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" (هود 55- 56.)

هؤلاء لهم قوانين خاصة يتعاملون بها مع هذه الحياة ، هؤلاء لهم منطق خاص فيه ثوابت ونواميس لا يفقهها غير من خالج قلبه الإيمان بوعد الله ، ومن هذه الثوابت:

- "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض" (الرعد : 17)
- "إن الله يدافع عن الذين آمنوا" (الحج : 38)
- "ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله" (فاطر : 43)
- "ومن يتوكل على الله فهو حسبه" (الطلاق : 3)
- "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" (يونس : 81)
- "إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين" (يوسف : 90)
- "والعاقبة للمتقين" (القصص : 83)

هؤلاء غرباء هذا الزمان .. هم العدة عند الخطوب ، وهم الرجال إذا اشتد البلاء:
وأورد نفسي والمهند في يدي ..... موارد لا يصدرون من لا يجالد
وحيد من الخلان في كل بلدة ..... إذا عظم المقصود قل المساعد
بأمثال هؤلاء تُبنى الأمم ، وبتضحية هؤلاء تحيى الشعوب حرة عزيزة تسمو للقمم.


أما القسم الثاني:
فمنهم كثير من الحكام والمنافقين وغيرهم ممن باع دينه بدنيا غيره ، من الذين لم تستيقن قلوبهم وعد الله فآثروا النفاق والكفر على الإيمان ، فأضحوا لأهل الكفر أذلة صاغرين " فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة : 52) .

فهؤلاء ينظرون إلى أهل الإيمان وما هم عليه من ضعف (مادي) فيؤثرون ما عند أعداء الله (من الذل والهوان) على ما عند الله (من العزة والجِنان) ، يخسرون من النفوس والأموال اضعاف ما يخسرون لو سلكوا طريق الجهاد والنضال ، ويقدمون على مذبح الذل اضعاف ما تتطلبه الكرامة لو قدموا لها الفداء "إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا" (الإنسان : 27) .. لو علم هؤلاء ما عند الله من الأجر والثواب واستيقنته أنفسهم لما يمموا شطر الكفار يبتغون عندهم الحياة !!
ظن هؤلاء أنه ينجيهم الحذر من الأعداء ، وقد كان الأولى بهم الحذر من الله:

والأمر لله رب مجتهـد ...... ما خاب إلا لأنـه جــــــــــــــــاهد
ومتق والسهـام مرسلة ...... يحيص من حابص إلى صارد

[(يحيص: يهرب) .. (حابص: سهم ضعيف) .. (صارد: سهم قوي: أي أنه يهرب من سهم ضعيف إلى نافذ)..]

يهربون من قدر كتبه الله عليهم إلى قدر رسموه لأنفسهم ، فهيهات هيهات ، يقول ابن المعتز "تذل الأشياء للتقدير حتى يصير الهلاك في التدبير"


أما القسم الثالث:
فهؤلاء مترددون لم يندرجوا تحت قسم بعد ، فهم عامة الناس ، وعلى كسبهم يتنافس الطرفان .. والخلل في هذا القسم يكمن في جهلهم بحقيقة الإيمان ، أو قل بحقيقة الأولويات التي تحدد مسار العمل الإسلامي ، فتجد تجار العامة مشغولون بزخرفة مسجد ينفقون عليه المبالغ الطائلة في بلادهم ، بينما تحتاج منظمة أو جمعية دعوية إلى مصاحف أو مساجد في دول أُخرى ، أو طعام ودواء لأبناء المسلمين الذين تتخطفهم المنظمات التنصيرية ، أو المجاهدون الذين يحتاجون ثمن ذخيرة يذودون بها عن بيضة الإسلام !! "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين ، الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون" (التوبة 19-20).

ومن هؤلاء من شُغل بدنياه لا يدري ما يدور حوله ، شغلته التوافه وسفاسف الأمور عن قضايا أمته المصيرية ، وهؤلاء لا عذر لهم في هذا الإنشغال الذي أبعدهم عن سبب وجودهم في هذه الأرض " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات : 56) ، فهؤلاء لا حجة لهم عند الله والقرآن يُتلى على مسامعهم صبح مساء !!



هذا حال المسلمين في واقعنا اليوم ، وعلينا أن نعلم بأن المسلمين ليسوا سواسية ، فمنهم: من يباري ماء المزن طهارة وصفاء ، ويزاحم الكرام البررة منزلة عند رب العالمين، و منهم سابق بالخيرات بإذن الله، ومنهم المقصر " وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا " (التوبة : 102) ، ومنهم ظالم نفسه ، وقوم قست قلوبهم ، وآخرون مردوا على النفاق ، وقوم غرقوا في ذنوبهم واشتد عودهم فلم يعد ينفع معهم نصح ولا موعظة.

إن الواجب الشرعي على المسلم أنه كلما ازدادت المشاكل تضاعفت جهوده للتغلب عليها وقهر الصعوبات وتجاوز العقبات التي تعترض مسيرة الدعوة والجهاد "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " ( آل عمران 142) .. "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الإنسان على قدر دينه، فإن وجد في دينه صلابة زيد له في البلاء" (حديث صحيح) .

إن هذا الوقت الذي نحن فيه يحتاج إلى أصحاب الهمم العالية والعزائم القوية ، جاء رجل إلى العباس بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس فقال له : جئتك بحاجة صغيرة فقال : "اطلب لها رجلا صغيرا".

فحيهلا ان كنت ذا همة فقد ..... حدا بك حادي الاشواق فاطوي المراحل
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ...... ودعه ، فان العزم يكفيك حامـــــــــــلا

لا ينفعنا اليوم تسطير العلم وجمعه في الكراريس والكتب أو حتى في الصدور دون العمل به ، لقد كان بعض السلف رضوان الله عليهم يقول: ( ويل للذي لا يعلم مرة وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات).

"لا ينفعنا اليوم البكاء والنحيب على حال الأمة فـ "إن الحسرة والتألم وتصعيد الزفرات ليست سوى وسيلة سلبية لا تجرح قوى الباطل ـ بل لا تخدشها ـ ، وهي لا بأس بها إن كانت حافزا للعمل ومضاعفة الجهد ، ولكنها تتغلب الى امر بالغ الخطورة إذا لم يعقبها عمل ايجابي مثمر ، إذ تكون وسيلة لامتصاص النقمة على الأوضاع الفاسدة ، ومن ثم الركون اليها ،وعلى احسن الفروض : استمرار هذه النقمة ، ولكن بشكل جامد لا حياة فيه يؤدي الى شلل الحركة . وليس افضل لقوى الباطل من هذا الوضع" (الشيخ محمد أحمد الراشد) .

لا وقت لدينا اليوم للتقاعس عن الجهاد ، وأضعف الإيمان اليوم نصرة المجاهدين ، إن لم يكن بالنفس ، فبالمال والرأي والكلمة والدعاء ، قال ابن العربي "وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل إذا تعين الجهاد على الأعيان بغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو لحلوله بالعقر، فيجب على كافة الخلق الجهاد .." (أحكام القرآن 2/954)

ولاكن ماذا يفعل المسلم إذا تقاعس الناس عن نصرة المجاهدين !! لقد أجاب عن ذلك ابن العربي رحمه الله حين قال: "فكيف يصنع الواحد إذا قعد الجميع؟ يعمد إلى أسير واحد فيفديه ويغزو بنفسه إن قدر وإلا جهز غازيا". (أحكام القرآن 2/954)

إن الإنسان لا يُسأل عن فعل غيره فـ "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ " (المدثر : 38) ، والإنسان لا يُحاسب يوم القيامة مع جماعته أو أقربائه "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا" (مريم : 95) ، فعلى المرئ أن يعذر عند الله ، وأن يفدي نفسه من النار إن استطاع.
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس