عرض مشاركة واحدة
قديم 17-08-2006, 10:54 AM   #1
youpee
( عضو دائم ولديه حصانه ) عضو نادي المتفائلين


الصورة الرمزية youpee
youpee غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 12525
 تاريخ التسجيل :  02 2006
 أخر زيارة : 02-06-2013 (08:56 AM)
 المشاركات : 2,066 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
علم النفس يرصد تحركات الأدباء



علم النفس يرصد تحركات الأدباء.........رؤية الدكتور جلال شربا


إن ما نأخذه من فنون عموما يعتبر سبقا لأي عمل أو اكتشاف علمي فالعين الفنية والحس الأدبي يستطيعان سبر أغوار الكون والنفس البشرية بشكل أكبر مما نتصوره أحيانا .
فالرسام يلحظ بريشته دقائق في الحياة قد نمر بها زمنا طويلا دون أن نلحظها أو نستوقفها ,وعندما تظهر لوحة فنية قد نتعجب من روعتها أو عظمتها ,وكذلك يفعل الأب شعرا كان أم نثرا ,متجولا في مجاهل النفس البشرية يرصد ويصور لنا الإحساس والمشاعر والانفعالات وما يرتسم على الوجه أو بيرق في العينين ناقلا خلجات النفس صورا أو كلمات نبضة من القلب إلى القلب وآهة نشاركها جميعا التأوه .
ويرى الدكتور (جلال الدين شربا) كاتب هذه الكلمات والاختصاصي في بأمراض النفس أنه ليس من الضروري أن يكون الأديب قد أصيب بالكآبة ليصورها لنا,ولسنا بوارد التحليل النفسي لشخصيات الأدباء الذين سنتحدث عنهم في هذا السياق بل نستشهد بما كتبوه عن حالات نفسية بأسلوب أدبي رائع .
ولنبدأ بشكسبير فقد صور هاملت في الفصل الثاني من المسرحية بأنه أصبح مفرط الحساسية ,مرتديا اللباس الأسود ,وترتسم على وجهه علامات الحزن مترافقة بالآهات الحزينة
يقول شكسبير :فلما صدته عن نفسها ولنختصر الحكاية أصابه الأسى وامتنع عن الأكل .
إلى آخر القول ,حيث يقول :بلغ درك الجنون الذي يهذي الآن فيه .
أما في الشعر العربي القديم فقد وصف أبو الفرج الأصفهاني سنه 967م حالة قيس بن الملوح وقصة عشقه لليلى العامرية وما آلت إليه حاله بعد رفض والد ليلى أن يزوجها قيسا فأهمل مظهره وغرق في الحزن ورفض الطعام والشراب مع حالة من التشتت الذهني والعقلي حتى لقب بمجون ليلى , يقول أبو الفرج الأصفهاني واصفا تلك الحالة التي كان يمر بها قيس وأن يفيق ( مائل اللون ذاهلا) وكان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل إلا ما نبت في البرية وطال شعرة وترك الطعام والشراب وجعل يهيم حتى وصل حدود الشام وسأل من يمر به من أحياء العرب عن نجد فيقال له :وأين أنت من نجد قد شارفت الشام ,فيقول أروني وجه الطريق فيرحموه ويعرضون عليه أن يحملوه أو يكسوه فيأبى وقد وصف قيس نفسه :
ولم يبقى إلا الجلد والعظم عاريا ولا عظم لي أن دام ما بي ولا جلد.

وفي حياتنا المعاصرة وأدبنا الحديث قصيدة في منتهى الروعة والسحر ترتسم فيها حالة الإحباط النفسي والألم لكنه الألم الذي يولد اللذة الشاعرة, والكاتبة الأنيسة تقول في قصيدة بعنوان (بين يدي الناس):
برأيك كيف أخرج من حزني يا شجر السنديان
كيف أدخل باب البهجة وأرمي ورائي أعتاب الفجيعة
وأمشط قلبي من الخراب
إنني لا أود التعليق على هذا المقطع بدءا من عنوان القصيدة وحتى أمشط قلبي من الخراب ذلك أن الكاتبة والشاعرة تتجه نحو داخل النفس منادية الغيوم أن تروي الظمأ الشديد الظمأ للحب :
مري بي أيتها الغيوم
أمطري على تلال روحي
قحط هذا الزمان قد أتلف قلبي
إنني لا أجد أروع من هذا الكلام لرسم تلك المعاناة النفسية التي وصلت بها إلى حد القول أتلف قلبي .
ما أريد أن أشير إليه هو أن الاكتئاب ليس مرضا عصريا فيقدر عدد المصابين بالاكتئاب في العالم نحو(120) مليون شخص وقد كان هذا الرقم عام 1993 مئة مليون فقط , إن ها الرقم يرتفع سنويا وذلك لأسباب كثيرة منها زيادة الانفصال والطلاق وافتقاد الفرد الآن إلى الكثير من مصادر الدعم والحماية وفقدان التواصل بين الآباء والأبناء والانشغال الدائم بالعمل وتأمين الحاجات المادية المتزايدة والتي لن تعرف حدا .
كذلك التلوث البيئي من ضجيج وازدحام وما إلى ذلك .كل ذلك يبعث الضيق والضجر ويولد الكآبة إضافة إلى ما يمر به العالم من خواء فكري واحساس الفرد بالعجز عن التأثير في أي شيء فيه .

كتب العقاد ( تجمعت المتاعب دفعة واحدة وبدا لي كأنني مريض بكل داء معروف أو غير معروف ولا مرض هناك غير الركود والإعياء ) ( وتملكتني فكرة الموت العاجل .فأدهشني أنني لم أجد في قرارة وجداني فزعا من هذه الفكرة وكدت أقول لنفسي أنني أطلبها ولا أنفر منها )
ويتابع قائلا :( أن صدمة اليأس كانت أشد على عزيمتي من صدمة المرض أو على الأصح من صدمة الإعياء)
فقد صور الكاتب أن خل من أي مرض عضوي وأنه راجع الأطباء كثيرا ولم يتبين أنه مصاب بأي مرض عضوي إنما حالة الكآبة والتي عانى منها جعلته يعتقد أنه مصاب بداء عضال فهو يعاني من أعراض كثيرة دون أن يعثر على المرض ولا على حل أو شفاء منها ,ثم سيطرت عليه فكرة الموت لكن دون أن يجزع أو يخاف منها ,بل تمناها
(وأشد ما أصابني من هذا اليأس أنه كان يأسا من جميع الآمال ولم يكن يأسا من أمل واحد ,كان يأسا من معنى الحياة ومن كل غاية في الحياة )
فقد وصلت به الحال إلى يأس كامل مع ضياع لكل رجاء في الحياة وكأنه يمشي مستسلما لقدره في النهاية (وهو الموت إذا ما استقر في خلدي بلا أثر ولا خبر )
(وهو الموت امضي إليه صفر اليدين من مجد الأدب ومجد الدنيا ومن كل مجد يبقى بعد ذويه)
إن الكاتب عباس محمود العقاد يصور في هذه المقاطع حالة كآبة متقدمة بأروع وأدق من أي مرجع للطب النفسي يتحدث عن الكتابة.
الفيلسوف الألماني غوته يصور حياته (لم تكن إلا ألما وعبئا وإنني أؤكد خلال خمس والسبعين سنة من العمر التي عشتها إلى الآن لم أختبر الصحة ولو لأربعة أسابيع متصلة ).
رهين المحبسين أبو العلاء المعري يكتب عن اليأس الشديد الذي يمر به:
تعب غير نافع واجتهاد لا يؤدي إلى عناء اجتهاد
ويقول:
وانصرفوا والبلاء باق ولم يزل داؤنا العيــــاء
ويقول شاعرنا الكبير محمد الماغوط في الفرح ليس مهنتي هناك نحل وهناك أزهارومع ذلك فالعلقم يملأ فمي هناك أعراس ومهرجون ومع ذلك فالنحيب يملأ قلبي .
وإن كان الأدب هم انعكاس للمشاعر الشخصية أو تسجيل للقطات من حياته فقد تناول الدكتور يحيى الرضاوي بالتحليل ما كتب الكاتب لكبير نجيب محفوظ (قراءات في نجيب محفوظ) 1992 ففي رواية الشحاذ قدم نجيب محفوظ رؤية اجتماعية من خلال فاجعة (عمر الحمزاوي ) والداء الذي ألم به .
فعمر الحمزاوي في رواية الشحاذ يتصف منذ البداية بالحساسية الشديدة فهو محام ناجح وثري ومتزوج وله بنتان من النوع الضخم الممتلئ وهو في عيادة الطبيب النفسي لأنه شعر (فجمود غريب ونتيجة لهذا الجمود ماتت رغبتي في العمل ). (يخيل لي أنني مازلت قادرا على العمل لكنني لا أ{غب فيه لم تعد لي رغبة فيه على الإطلاق ).
(لا أريد أن أفكر أو أشعر وأتحرك كل شيء يتمزق ويموت )
الشاعر صلاح عبد الصبور يصف في أكثر مواقع حاله وجدانية هي في غرف الطب النفسي رسم دقيق لحالة الكآبة
قلبي المليئ بالهموم المعشبة
وروحي خائفة مضطربة
ووحشة المدينة المكتئبة
هكذا واع حال الابداع الأدبي .مليئ بمواجع الكتابى وشجونها حتى يصير الكتاب بحار كل أمواجه وأشرعته محفوفة بالحزن والتطلع
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس