عرض مشاركة واحدة
قديم 02-02-2017, 11:08 AM   #1
ستوكا
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية ستوكا
ستوكا غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 40364
 تاريخ التسجيل :  09 2012
 أخر زيارة : 25-11-2022 (02:32 PM)
 المشاركات : 797 [ + ]
 التقييم :  34
 الدولهـ
Syria
 الجنس ~
Male
لوني المفضل : Black
الطريق إلى ملعب بستان الثور ...بقلمي



كانت المدرسة الابتدائية في نفس الحي الذي نسكن فيه...و كان أولاد المدرسة هم نفسهم أولاد و رفاق الحي...

بدأت فترة الشقاوة و الشيطنة في ذلك العمر من الصف الرابع الى السادس الابتدائي...
بعد الانصراف من المدرسة وانتهاء نوبة الشيطنة هناك..كنا نتجمع في الحي بحدود 10 الى 15 شيطان صغير..
نأخذ كرة قدم و ننطلق باتجاه ملعب بستان الثور الذي يقع على مسافة ليست بعيدة...
كان بستان صغير محاط بأشجار زيتون و صفصاف...وتحول مع الزمن تحت أقدام الأولاد الصغيرة إلى أرض ترابية صلبة صارت ملعب كرة القدم الأساسي في الحي...
و الحقيقة لا أحد يعرف من أين أتت تسميته بالثور ...كنا نسمع عدة روايات لهذه التسمية.. أشهرها و أكثرها رعبا" أن صاحب البستان أسمه الثور وله ذنب و عنده كلب شرس مسعور وجفت ( بندقية صيد بفوهتين ) يصيد بها الأولاد الذين يلعبون في بستانه و يقطعهم ثم يطبخهم في قدر كبير ويأكلهم و أنه كان يحب لحم الأولاد الصغار.
لذلك كان الذهاب و اللعب هناك يكدره الخوف.

في منتصف الطريق تقريبا" إلى هذا الملعب يوجد منزل مميز عن كل بيوت الحي وكنا نسميه قصر السندباد ...كانت ديكوراته من الخارج أنيقة و مميزة و ملفتة و كان أكثر ما يعجبنا فيه جدرانه المغطاة برخام فاخر ناعم و أملس كالحرير عليه نقوش و رسومات ملونة رائعة.

و كنا عندما نصل الى ذلك البيت نتبول بشكل جماعي على جدرانه الرائعة.

كان محطة التبول تلك بديهية و متفق عليها وتثير الحماس بحيث أنه لا يمكن أن نتجاوز ذلك المنزل دون إنجازها على أكمل وجه.
وهي عرف موروث عن أجيال الأولاد المتعاقبة قبلنا.
و مع مرور الأيام و في إحدى المرات وأثناء التبول على الرخام الفاخر خرج لنا صاحب البيت بسروال قصير و فانيلا حافي القدمين يحمل عصا كبيرة و يركض نحونا كثور هائج منفلت يسب و يشتم بصوت عالي.

قطعنا التبول و هربنا مذعورين نركض في كل الاتجاهات كدجاجات دخل قنها ثعلب...
وأذكر جيدا" أنني ركضت بسرعة هائلة كما لم أركض أبدا" من قبل دون أن ألتفت لحظة واحدة الى الخلف...كانت قدماي تركضان لوحدهما دون شعور و دون إرادة...

صاحب المنزل كان بدين و لم يستطع مجاراة 10 شياطين يركضون بسرعة غزال يهرب لينجوا من مفترس يريد أكله...
وعندما يأس من الامساك بأحدنا صار يرمينا بحجارة كبيرة و كلما قذفنا بحجر نقفز إلى أعلى في كل الاتجاهات كالأرانب آملين أن ننجوا من الاصابة.
وأذكر أنني كنت مع بعض الرفاق من أول الواصلين الى الملعب و لما وصل الجميع تبين أننا نجونا جميعا" و صار كل واحد يحكي قصة هروبه و بطولته مضيفا" إليها بعض الأكاذيب.

انقسمنا الى فريقين و لعبنا الكرة لساعات دون تعب أو ملل.

وعندما حل الظلام و انتهى اللعب عاد الخوف إلى القلوب لأن طريق العودة سيكون عبر ذلك المنزل الرخامي و كانت العادة أن نتبول عليه في طريق الاياب أيضا"...لكنه لم يعد الآن كما سبق مجرد محطة ترفيهية تثير الحماس.

بلعت و بلع كل الأولاد خوفهم و أخفوه في أعماق صدورهم....
كان إظهار الخوف و الجبن ضعف و إهانة لا يقبل أن ينعت بها أي ولد.
لذلك مشينا جميعا نحو قدرنا قافلين في نفس الطريق بقلوب مذعورة مع قدرة رهيبة على إخفاء الخوف و الذعر.
وعندما اقتربنا انهار أحد الأولاد وكنا نسميه (سنفور مفكر) و اقترح أن نغير الطريق و أكد لنا أن هذا ليس خوفا" إنما ذكاء و حكمة ( انسحاب تكتيكي ) لأن الرجل من المؤكد أنه يتربص و يكمن لنا منتظرا" عودتنا...ويجب أن نكون أشطر منه.

الحقيقة كان الاقتراح رائعا" يثلج القلوب التي تكاد تحترق من الخوف...لكن مشاعر الكبرياء الطفولي كان أقوى و أشد من أي مشاعر أخرى.

ولم يتردد الجميع في رفض الاقتراح و وصفه بالجبان و الانهزامي...

قلنا للسنفور : اذا أنت خائف اذهب من طريق آخر ما فيه شرشبيل...نحن لن نعود إلا من نفس الطريق مرورا" بقصر السندباد الرخامي ...و أضاف ولد لعين متحمس و مندفع أننا لن نقطع المنزل دون التبول على جدرانه كما كنا نفعل في كل مرة ذهابا" و إيابا".
و تبنى الجميع هذا الكلام حتى (سنفور مفكر) قال انه سيبقى معنا ليثبت لنا أنه ليس خائف و أن اقتراحه كان من جانب الحكمة فقط.

و عندما بان المنزل في الأفق صارت أقدامنا تمشي لوحدها مشية رجل محكوم بالاعدام باتجاه حبل المشنقة.

واقترح (سنفور مفكر) مجددا" بصوت مرتعش أنه من الحكمة أن نتقاسم المراقبة أثناء تنفيذ العملية بحيث نغطي كل الاتجاهات لأنه من الممكن أن يخرج لنا صاحب المنزل من أي جهة...ليس فقط من المخرج الرئيسي كالمرة السابقة.
كان الاقتراح واقعي ولا يخدش كبرياء الطفولة وبالفعل وزعنا المراقبة...كل واحد عينه على جهة على أن يعطي إنذار للبقية اذا شاهد العدو.
وعندما صرنا على بعد أمتار قليلة من الجدران الرخامية و بلغت القلوب الحناجر...تقدمنا و بدأنا انجاز المهمة التاريخية...صار الوقت يمضي ببطأ شديد.. كل ثانية كأنها ساعة.
انتهينا دون يهاجمنا أحد وأكملنا الطريق محتفلين بالنصر الكبير و نحن نغني :

خمسة عشر رجلا" ماتوا من أجل صندوق..

و ضحكنا كثيرا" عندما قال أحد الأولاد أن ( سنفور مفكر ) لم يستطع أن يبول و لا قطرة واحدة من الخوف.

بعمر العشرينات اجتمعنا ثمانية شباب من شلة الأولاد تلك...و دار نقاش حول الدافع لقيام أولاد صغار بهذا السلوك.

أحد الشباب وكان يدرس في كلية الاجتماع كان يرى أن الموضوع لم يكن مجرد تسلية...بل أنه يعكس الصراع الطبقي والعداء للطبقة البرجوازية... وأننا في الحقيقة كنا نتبول على البرجوازية نفسها و التفاوت الطبقي و أنه رد فعل فطري نظيف من أطفال لا يعرفون شئ عن هذه المسألة.

لكن خالفه الرأي شاب آخر... قال أن صاحب المنزل أصلا من الفقراء الكادحين و أن منزله ذاك كد و تعب و غربة 15 سنة في الكويت.

وهنا عبر آخر عن حزنه و شعوره بالذنب و أنه يحتقر نفسه كلما تذكر هذه القصة وقال أن ذلك لم يكن سلوك أولاد ذوي تربية صحيحة.

و خفف عنه آخر :
يا أخي لا تهم حالك...لم نخرب و نكسر له الرخام...قليل من الفيري و الماء يلمع و يصبح مثل الفلة...

و انتهى النقاش عندما اقترح (سنفور مفكر) الذي صار طالبا" متفوقا في كلية الطب أن نذهب إلى ذلك المنزل و نستعيد ذكريات الزمن الجميل على جدرانه.

باسم 2/2/2017
المصدر: نفساني



 

رد مع اقتباس