نفساني - فنُّ العِفَّة وصناعةُ العُهر

بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

فنُّ العِفَّة وصناعةُ العُهر

في تاريخنا الأدبي العريض ثمة مصطلحات نقدية متداولة، ومن ذلك ماسمي بالغزل العفيف، والغزل الماجن "الفاحش" أو "الإباحي"، وثمة فرق شاسع بينهما ولا سيما من الناحية الأخلاقية، وانعكاسها السلوكي، ناهيك عن ماهية النفس التي يصدر عنها هذا وذاك.
ولم تأتِ هذه التسميات اعتباطاً وإنما جاءت من نقاد لهم وزنهم، ولسنا هنا في صدَدِ تتبع الجذور التاريخية لهذه المصطلحات وإنما أتينا بها كمدخل للحديث عن ظاهرة انتشرت مؤخراً ولاسيما في هذه الشبكة العنكبوتية "الانترنت" وخاصة في المنتديات الأدبية.
إنها ظاهرة الخلط بين الأدب وقلة الأدب تحت مسميات كثيرة، وذرائع متعددة، والأهم من هذا وذاك أن الغرض منها تفوح منه رائحة غير مريحة.
إذا أردنا تعريفاً للأدب – وما أكثرها - نجدهم يقولون إن: (الأدب فن من الفنون الجميلة التي تصور الحياة وأحداثها بما فيها من أفراح وأتراح، وآمال وآلام، من خلال ما يختلج في نفس الأديب ويجيش فيها من عواطف وأفكار، بأسلوب جميل، وصورة بديعة، وخيال رائع)*.
بل أن منهم من اشترط شروطاً للأدب فقال إنه: (كل شعر أو نثر يؤثر في النفس ويهذب الخلق ويدعو إلى الفضيلة ويبعد عن الرذيلة، بأسلوب جميل).
ندركُ تماماً أن هذه التعريفات لن تروق لبعضهم لأنهم سيتعنتون ويقولون: إن الأدب أوسع من ذلك، ولا يجوز أن نحدده بالفضيلة - لغاية في أنفسهم – لا يريدون أن يبتعدوا عن مفهوم الرذيلة، لا لشيء إلا لكي يتسنى لهم أن يتحفونا بما في جعبتهم من بضاعة فاسدة، بل مُفسدة. وهم بذلك يمارسون الإباحية الأدبية تحت عنوان الحرية الأدبية.
وعوداً على مسمياتهم فإنهم يختارون لما يكتبون أوصافاً هلامية، بائسة، كالهذيان، والعبث، وحرية القلم، والبوح، ظناً منهم أن تلك الخدعة ستنطلي على من لديه لُبّ، مع أن هذه المصطلحات، أطهر، وأسمى، وأرقى، مما يكتبون، لأنه ببساطة ليس هناك ما هو أروع من البوح، ولكن ليست القضية في البوح بل بما في ورائه. يقول الرافعي:" الفرق بين كاتب متعفِّف وبين كاتب مُتعهِّر أن الأول مثقل بواجب، والآخر مثقل به ذلك الواجب".
ثمة أمثلة أدبية راقية، ورائعة، في الغزل**، وتكتمل روعتها بالابتعاد عن كل ما يشوّه سمو الحب، وعلوه، إذا كان حباً صافياً، صادقاً.
وهناك فرق كبير، وواضح بين من يخاطب الإحساس والشعور، ومن يخاطب الغريزة، فالحب عندما يصدر عن نفس شاعر عفيف القلب واللسان لا يعنيه من محبوبته جمال مرآها، وحسن منظرها، أكثر مما يعنيه منها عذوبة النفس، وجمال الروح، وصدق العاطفة، وروعة الإحساس، ويدهشك فيه وهج الشوق، ولذلك تحس في شعرهِ، أونثره، سمواً لا يمكن أن يتأتي لأصحاب تلك الظاهرة.

قال عزَّ من قائل:

"مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (سورة ق : 18 )

بقلمـ : أيام زمان.

* مابين الأقواس تعريفات تراثية متداولة للأدب.